الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(اسكندرية كمان وكمان) كما لم تشاهده من قبل

نور فهمي
كاتبة

(Noor Fahmy)

2024 / 5 / 29
الادب والفن


إذا كنت من الأغلبية التى ترى أن أفلام (يوسف شاهين)،
غير مفهومة أو كما يطلق عليها البعض (أفلام الصفوة/النخبة)
خاصة رباعيته المشهورة، والتى تتناول حياته وقصة صعوده(حدوتة مصرية..اسكندرية ليه..اسكندرية كمان وكمان..اسكندرية نيويورك)
فهذا المقال كتب خصيصا لك.. وسأتناول فيه فيلم
(اسكندرية كمان وكمان) برؤية أقرب إلى واقع أغلب المشاهدين وحياتهم وظروفهم..
خاصة وقد وصفه بعض النقاد، بأنه فيلما شديد الخصوصية لا يصلح للجماهير!! وأنه ابتعد فيه عن ما يهم الإنسان وعالمه وصور فقط تجربة ذاتية خاصة للمخرج!
وهذا منطقى ووارد إذا كنت ممن يشاهد الفيلم بظاهر أحداثه فقط، دون تأويل أو محاولة استنباط لما يحويه بين السطور ومقارنته بحياتك!!
فتعالوا نطبق معا تطبيقا عمليا من خلال قصه الفيلم، ونتناسى ولو لبضعة دقائق، كونه سيرة ذاتية ل(يوسف شاهين)، فنربط أحداث الفيلم وشخصياته بحياتنا نحن، لا بحياة المخرج الخاصة؛
قصة الفيلم:
يعانى (المخرج يحيى) من انهيار حلمه الذى سعى وراءه عشر سنوات، وهو صناعة "نجم" بدلا عنه يحقق ما فشل هو فى الوصول إليه، فمن ضمن أحلام المخرج صغيرا كان أن يصبح ممثلا محترفا ومشهورا ولم يحالفه الحظ ..فقرر أن يحقق هذا الحلم من خلال ممثل آخر، صغير فى السن ، يشبهه إلى حد كبير، ألا وهو ( عمرو).
فيشكو بحسرة، المجهود الذى بذله لكى يصنع هذا النجم:
"١٠ سنين..زى الجناينى..زرعت ورويت.. واللى يزرع يحصد..فخدى علم وتربية ..وخدى حب وانتماء، ووله ..
باريس ..لندن.. توكيو..مفيش حتة بعيد..مفيش حاجة تغلى عليه..أحلى المسارح..أعظم المزازيك.."
ثم يقرر هذا الممثل؛ التخلى عن المخرج، والإفلات من زمام السيطرة التى أحكمها على مسار حياته.
يحاول المخرج بعدها أن يستفيق من هذه الكبوة بعد مروره بحالة اكتئاب؛ فيعجز عن الكتابة، أو التفكير، والإبداع؛ كحالنا جميعا عندما يغادرنا حلما تمنيناه، وأفنينا أعمارنا وطاقتنا فى الحصول عليه!
وأثناء هذه الفترة يلوح له حلما جديدا فى الأفق، وبديلا مناسبا ألا وهو (صناعة نجمة جديدة _نادية_) ولكنه يتجاهلها ويهملها ويعاملها بجفاء فى البداية رغم صدق موهبتها !!
لتصرح له ذات مرة مؤنبة:
"ناس بتهتم بيهم فى ثانية..وناس مهما عملوا بيفضلوا علطول عالهامش".
فالحلم القديم لازال مسيطرا على جل تفكيره، ورغبته
لازالت حائطا سد فى وجه كل الممكنات المتاحة والمعجزات الوارد_ حدوثها!!
إنها ليست سيرة ذاتية للمخرج فقط، والبطل فيه ليس بعيدا ولا غرببا عنا كما يزعم البعض!
البطل فيه هو "الإنسان" الذى تأخذه أحيانا مسارات الحياة بعيدا عن طموحاته الأولية، ومبتغاه الذى لطالما اشتهى الحصول عليه واجتهد سعيا وراء تحقيقه، وأثناء يأسه يلوح له فى الأفق أطياف حلم آخر، لم يكن ينتبه له أو ينال تقديره واهتمامه من قبل!
فكم هدفا بديلا شبيها متاح لنا تحقيقه، إذا ما أخطئنا بوصلة التوجه خاصتنا.؟! كم حلما بديلا يمكنه أن ينوب عن حلمنا الأولى؟!
ولكننا فى حالتنا هذه نشبه الأصم الأعمى..فنفقد أبصارنا وأسماعنا ونغلقهما عن كل فرصة جديدة تقع تحت أيدينا وتنسينا ما فقدناه!
بل وهذا التشبث أحيانا يجعلنا "كالأذلاء" فى سبيل استرجاع ما لا يمكن استرجاعه، خاصة إذا كان تحقيق هذا الحلم خاص بإرادة "إنسان آخر" وعقله وكيانه المستقل!
وهذا ما حدث مع البطل..ليحاول كل من حوله لفت انتباهه عله يستفيق !!
فتعلق (نادية)_والتى قامت بدورها الفنانة يسرا_ على حالته هذه، بتأنيب وسخرية:
"شايف ان هاملت ده دورك، ليه بتحط التانى فى بوز المدفع؟
وعمال تمثلهولى من خلال زيد وعبيد ونطاط الحيط..عامل زى واحد ميت من الغرام ومفوض حد تانى يحب بداله ".

وهى الجريمة التى يرتكبها أغلبنا؛محاولة تجسيد حلم قديم عن طريق شخص آخر_الابن على سبيل المثال_ كتعويض عن الفشل الذى حاق بنا فى الماضى ..إما لفقدان الموهبة، أو للظروف الصعبة المحيطة التى لم نتمكن من تجاوزها آنذاك؛
فتجعل ابنك مجرد وعاء لتفريغ هذه الطاقة المكبوتة بإلغاء هويته وفرض هويتك فى المقابل..
تدفعه دون وعى، إلى المزيد من السعى فى طريق حلم لم يختره، وهدفا لم يكن ليرجو تحقيقه!
فالمخرج هنا يحاول تحقيق حلم التمثيل عن طريق شخص آخر وهو (عمرو):
"هيمثله..هيمثله ولو كسرتله ضهره!"
وفى حوار بينهما يغلب عليه الشجار:
_المخرج:
هاملت ده حلم وهنحققه!
_الممثل:
حققه انت..انت بتحلم بيه ..أنا لأ"

الابن الذى نضعه دائما كبديل لنا، ونضرب بأحلامه عرض الحائط؟ كى نحقق من خلاله أحلامنا الخاصة..نمحى هويته، ونعيد تشكيلها بناءا على طموحاتنا الخاصة !
فكم من الآباء والأمهات يفعلون ذلك مع أبناءهم دون مراعاة لمشاعرهم وأفكارهم وهويتهم ذات البصمة الوحيدة،
لأجل أن يحققوا فيهم ما فشلوا هم فى تحقيقه، سواء كان ذلك برغبة الأبناء، أو رغما عنهم وعن إرادتهم!
البطل فى الفيلم: هو "الإنسان" الذى يطمح ويفشل، ثم يقف منتصبا شامخا، قاهرا ظروفه، قادرا على تحقيق أحلامه بعد فترة يأس وضعف، ومحنة نفسية محتملة،
فمن الجمود إلى المرونة، ومن قاع اليأس، إلى لمحة أمل يشحذ بها قواه المنهكة!!
فيعود من جديد من أدنى درجات الإحباط، لأعلى مستويات المنح والطاقة الإلهية لتحقيق مراده ومبتغاه.
البطل فيه هو "الإنسان" الذى مهما بلغت درجة إصراره وتصميمه، لن يتمكن أبدا من السيطرة على حياة الآخر، حتى وإن نجح ظاهريا فى ذلك..فسينفجر هذا الآخر ذات يوم، ويتمرد عليه لأتفه الأسباب، وينقلب ضده ولو بعد حين..فلا تحاول أبدا تحقيق أحلامك من خلال أحد أبناءك؛ سيفشل هو، وتحبط أنت مرتين..مرة لأجل حلمك القديم ، ومره أخرى حزنا عليه!!
البطل هو "انت وأنا"، وكل من يرجو الإفلات من زمام اليأس والفراغ بحثا عن طاقة أمل جديدة، ونورا يضيئ روحه، مدعما إياه فى الوصول لحلم تمناه، أو هدفا يحققه وإن كان بسيطا..ولكن تلزمنا جميعا الحكمة فى تقدير الخطوة التالية ..الحكمة فى التوقف عن المحاولة إذا ما أثبتت فشلها وضررها..الحكمة فى رؤية الحلم أو الفرصة البديلة، التى يمكنها أن تعوضنا عن حلما أثبت بالدليل القاطع ضررا لا نفع منه، ونتيجة لا تحمد عقباها،
البطل هو (الحلم المراوغ)ومدى المرونة التى يمكننا أن نتحلى بها فى طريق سعينا إليه.
فهل باستطاعتنا التغلب على العوائق الحائلة دون حدوثه؟! وهل نتجرأ ونتحمل الثمن إذا فشلنا ..فلا نلوم حينها الآخرين، ولا نحملهم مسؤولية الفشل؟!
هل ندرك مدى الجرم الذى نركتبه فى حقهم حينما نجعلهم مجرد (عرائس ماريونت) يقولون ويفعلون ويحلمون ويؤمنون فقط من "خلالنا"
مثلما وقع بطل الفيلم فى هذا الخطأ!!
هل نتوقف عن الدوران فى هذه الحلقة المفرغة، وندع أبناءنا يحققون ما يبتغون ويرجون؟!
هل نتوقف عن إجبارهم على مهنة أو دراسة، نحن من قمنا باختيارها وباركناها دون رضاهم؟! هل نتوقف عن رؤية أنفسنا فيهم، فندعهم على طبيعتهم ..لا على طبيعتنا نحن؟!
هل يمكننا أن نساعدهم على تحقيق أحلامهم حتى ولو كانت ضد رغباتنا؟ هل نحترم يوما اختلافهم وطبائعهم وظروف زمانهم التى شكلت أفكارا ورؤى تختلف تماما عن رؤانا وأفكارنا وطبائعنا ؟! هل نتوقف يوما عن اعتبارهم مرآة ..تعكس كياننا ؟! وتكسر فى المقابل كل لمحة تميز فيهم؟! هل وهل وهل ..إلى ما لا نهاية !!
وأخيرا أرى أن رباعية شاهين(اسكندرية ليه_اسكندرية كمان وكمان_حدوتة مصرية_اسكندرية نيويورك) وهى المصنفة كسيرة ذاتية لحياته..يمكن أن يتم الاستفادة منها على أكثر من مستوى؛ سواء على المستوى المهنى والفنى؛ أو على المستوى الشخصى؛ لأن التيمة المسيطرة على أحداثها هى (رحلة الصعود)
فأى إنسان يمتلك هدفا ويسعى لتحقيقه رغم التحديات والصعوبات والعوائق التى تحيط به، يمكنه مشاهدة رباعية شاهين من هذا المنطلق! ويمكنها إلهامه بألف وسيلة ووسيلة!
ولنا فى الأفلام الثلاثة المتبقية حديث آخر!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نون النضال | خديجة الحباشنة - الباحثة والسينمائية الأردنية |


.. شطب فنانين من نقابة الممثلين بسبب التطبيع مع إسرائيل




.. تونس.. مهرجان السيرك وفنون الشارع.. إقبال جماهيري وأنشطة في


.. دارفور.. تراث ثقافي من الموسيقى والرقص




.. #لطيفة مش عايزة يتعملها فيلم عن قصة حياتها.. أعرف السبب ?? #