الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طنجة موتيفة الشّعراء

محمد عبد الرضا شياع

2006 / 12 / 14
الادب والفن


طنجة هي المدينة السّاحلية النّافرة ببهائها، والمتبخترة بموقعها، والمتألقة بتاريخها. هي الأنوار كلّها، لأنّها فردوس البحر والمحيط معاً، بل هي زينة البر والبحر، وهي مرسى الزّمان الذي عانق بعناد كلّ الرّاحلين وكلّ القادمين. طنجة هي المكان الذي أعلن عن نفسه لأن يكون ( فردوساً للرّاحة وجنة للاستجمام ) لكلّ من يعرف قدر هذا المكان ويحمله نسمة حبّ متلألئة في ذاكرته، لذلك رفض هذا المكان أن يكون كذلك للمستعمرين والعابثين... من هنا صارت طنجة - الزّمان والمكان - نوراً يتوهج في ضمير الشّعراء الذين حملوها في وجدانهم وتراً يعزف حنين الموج لشواطئها التي تعانق مدناً أخرى، وكأنّها بوابة لعالم لا ينتهي.. عالم صار باعثاً على كتابة قصيدة وبناء حلم جميل لا يغيب عن أطياف صاحبه، بل هي موتيفة تحفّز الشّعراء على الكتابة الشّعرية التي تتوحد فيها الذّات بموضوعها...وكيف لا يهز هذا العالم المختلف والمؤتلف شاعراً مثل أحمد الطريبق أحمد الذي عاش فيه بروحه قبل جسده، وهو العازف بوتر إبداع مكانه الأصيل:
( أطنجة، يالعاليا عاليا
بأسوارها )
أولا يا الله
يؤرقني هذا اللحن، ويهتف
بي
منذ غزا سمعي، وأنا نجمة
فجر
دائبة في سحب الصّلصال
وفي وهج الحرف النّابض
بالسِّر:
لكنّ الفاصل بين العهدين
سيف ( القاف ) المرسل، تنين
الأعصر
يخفى سوآت الليل
على قافلة العميان
فما قافية الجرح
وما لازمة البوح
أيا جبل العرفان ؟؟؟
إن التّفاعل بين طنجة وشاعرها ( أحمد ) يمد خطاه بعيداً ليتمخّض عنه كتاب جمع فيه الشّاعر، وبرؤيته الإبداعية، ما قيل عن طنجة على لسان الشّعراء الذين دقت هذه المدينة في دواخلهم نواقيس الشّعر - فجاء الكتاب تحت عنوان ( طنجة: الصّورة الشّاعرة : من رؤية المماثلة إلى رؤية المغايرة )*. وهذا العنوان الفرعي هو الذي قام عليه المتن حيث اشتمل على قسمين: الأول يحتوي على نصوص الرّؤية المماثلة، فيما يضم القسم الثّاني نصوص الرّؤية المغايرة. ثم قام الشّاعر أحمد الطّريبق أحمد بمقاربة لقصائد في دراسة احتلت الصّفحات الأولى من الكتاب، وأقل ما يمكن أن يقال عن هذه الدّراسة إنّها قُدمت بعين شاعرة، وكُتبت بأسلوب اختلطت فيه الرّؤيا الشّعرية بالرّؤية النّقدية، ولعلّ هذا ناتج عن عمل الشّاعر اليومي بوصفه أستاذاً جامعياً وباحثاً أدبياً، بالإضافة إلى كونه مدير مجلة مواسم الثّقافية.
من هنا يدرك القارئ أنّ متعة المقاربة لا تقل عن متعة النّصوص، حيث يكشف في هذه القراءة عن جوانب هامة لعمله هذا، يتجلّى أولاها في طرح إشكالية التّداخل بين بعدي الزّمان والمكان وعلاقاتهما الجدلية بالتّجربة الشّعرية التي تجعل من المدينة عالماً يكاد يلامس أجواء الأسطورة والخيال، وآية ذلك ما يطلق الشّعراء على مدينتهم الشّاعرة، وهذا أمر لابد له من الانفتاح على الأمر الثّاني الهام، وهو ما يتعلق بمفهوم ( التّخييل الشّعري ) الذي تدور المدينة في فضائه الأليف... ويدافع المؤلف عن وجهة نظره في هذا السّياق مستعيناً بكتب التّراث وبنظريات النّقد الحديث التي يعزز بها قراءته، وبهذا يوضح للقارئ بأنّه قدّم هذا الكتاب وهو محصن بأدواته النّظرية والإجرائية سعياً لتقديم عمل ينطوي على الموضوعية والمتعة في الآن ذاته... وأظنّه أفلح إلى حد بعيد. لذلك جاء الكتاب مقسّماً إلى بابين: ضم الباب الأول القصائد العمودية التي أطلق عليها الرّؤية المماثلة وعددها اثنتا عشرة قصيدة، في حين ضم الباب الثّاني القصائد المكتوبة على طريقة التّفعيلة وأطلق عليها تسمية الرّؤية المغايرة وعددها عشرون قصيدة.
هكذا يمكن القول إنّ الشّاعر النّاقد ( المؤلف ) كان شغوفاً بإماطة اللثام عن الثّنائيات المكوّنة للصّورة النّاطقة: طنجة، والتي حملتها نصوص الشّعراء عبر حركة تتنامى بين ( الظّهور والغياب ) وهو أمر جسّده الموقع الجغرافي ( الشّاعري ) لهذه المدينة، وهي تعانق بحرين ظلا يحلمان بملامسة ضفافها السّاحرة، حيث تتهادى الأمواج كالأطياف السّابحة في خيال الشّعراء، وكما يقول الشّاعر محمد مهدي الجواهري:
وحيث ملتقى البحرين كأس
تصبُ هناك من كأس ثمالا

لحظة:
* طنجة الصّورة الشّاعرة : من الرّؤية المماثلة إلى الرّؤية المغايرة ، جامعة عبد الملك السّعدي ، منشورات مدرسة الملك فهد العليا للتّرجمة ، طنجة ، الطّبعة الأولى، 1995 ، الحجم الكبير، 246 صفحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعد خضر يرد على شائعات وفاته


.. من المسرح لعش الزوجية.. مسرحيات جمعت سمير غانم ودلال عبد الع




.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله


.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك




.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في