الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هي فوضى

محمد أمين وشن

2024 / 5 / 29
السياسة والعلاقات الدولية


"هي فوضى"

إن الديمقراطية التي تتحول إلى محْض سوق سياسية مفْتوحة ، ولا تتحد بِكونها تسييراً متوازياً للتغيرات التاريخية ولِمصالح الأفراد والمجتمع معاً ، ستَّضيع في النهاية في متاهةِ بيروقراطية الأحزاب والفساد السياسي"
~ آلان تورين ~

لا تزال الرسالة الثانية التي وجهها حزب التقدم و الاشتراكية للسيد رئيس الحكومة ، تخلف ردود فعل جانبية من خارج منظومة الإدارة التي وجهت لها الرسالة ذاتها ، شأنها شأن نظيرتها الأولى ، و كأن بهذه الأخيرة أي الإدارة التي وجهت لها الرسالتان معا تعاني ضعفا و قصورا تواصليا بامتياز ، آخر هذه الخرجات و التي حاولت التطرق لرسالة حزب التقدم و الاشتراكية كانت خلال اللقاء الحزبي الذي نظمه الحزب الحاكم السبت الماضي حيث تناول الكلمة عضو ديوانه السياسي السيد الطالبي العلمي ، الذي تحدث بلغة وصفها نفسه بالمتدنية حيث زاغت عن مناقشة مضامين الرسالة إلى الطعن في قياديي الحزب المرسِل و سمعتهم و تسفيه مجهوداتهم بأسلوب اقل ما يمكن ان يقال عنه انه يتسم بسمة الوقاحة السياسية .
كل ما تم من تهريب للنقاش السياسي الصحي الرصين و العمل على شخصنته لم يشد انتباهي باعتبار أن كل إناء بما فيه ينضح ، وهو الأمر الذي لن ننجر له أكيدا لتربيتنا السياسية التي تقف دوما على الرقي بالفعل السياسي كما اللغة السياسية ، و لو انجررنا جدلا له لن تسعفنا صفحات عدة في الخوض فيه اذ يصح في ذلك قول اللسان الدارج " من فوق الجذام ما بْقَاتْ حتى عْلَّةْ "
ما شد انتباهي فعلا هو وصف عضو ديوان سياسي الحزب الحاكم السيد الطالبي العلمي لرسالة حزب التقدم و الاشتراكية الثانية بالفوضى و البعيدة عن الاسلوب الديمقراطي ، و دون الخوض في ماهية المصطلحين " الفوضى و الديمقراطية " و الذي لا تفصل بينهما سوى شعرة لا يعيها سوى من تلقى تكوينا سياسيا تشرب من خلاله القدرة على طرح الأفكار و التعبير عن التوجهات و تنشئة سياسية متشبعة بقيم الاخلاق السياسية الحقة و الذوق اللغوي السياسي الرفيع ، في المقابل تظل غائبة مغيبة عن بعض الحالمين الذين تستهويهم الالفاظ الرنانة التي تنسجم و الغوغائية الذي اظن ان عالمنا السياسي ابتلي بها من قبل بعض الساسة التي لا يزالون في مرحلة المراهقة السياسية والتعصب والمغامرة التي لن تدفع بنا سوى للردة الديمقراطية .
عودا على بدء ، لا بد من توضيح أن الرسالتين التي تم توجيههما للسيد رئيس الحكومة هي ممارسة تدخل في صميم العمل الحزبي المؤسساتي الصرف ، ومن صميم الممارسة الديمقراطية ، لكن من سوء الحظ ربما أن بعض السياسيين لا زالوا يمارسون لعبة الضحك على عقول البسطاء و دغدغة مشاعرهم ، ومن سوء الحظ أيضا أنهم يتغنون بالديمقراطية كل صباح لكنهم لا يمانعون من الانقضاض عليها حين تتعارض مع مصالحهم الخاصة ، تماما كمن كان يترافع عن القطاع الغير المهيكل وكان في ذات الوقت احد عرابيه ، و لعل الاسوأ من ذلك هو ان نبتلي بطبقة سياسية تحاول جاهدة تحريف اي مبدا أو مفهوم سياسي يساهِم في بناء النظام الديمقراطي و تعمل على الزيغ به عن مبادئه الرئيسة وغاياته ، هدفها في ذلك هيمنة الأوليغارشيات السياسية على مؤسسات الدولة ، دليلنا في ذلك هو ضعف قدرتها على امتداد خمس و أربعين سنة من العمل السياسي على تكوين أطر و نخب سياسية قادرة على تسيير الشأن العام و تعويضها بكفاءات بين قوسين " تكنوقراطية " حيث غدا المعيار الرئيس الذي يؤهلها في تولي المناصب ليس الكفاءة و انما مدى القدرة على التماهي مع منظومة الفوضى والفساد التي تديرها عين الطبقة السياسية ، و لعل ما يطل علينا من اخبار بين الفينة و الأخرى حول تعيينات شخصيات في دواوين ومناصب عليا كفرصة تستثمرها هذه الطبقة السياسية لصالح الشخصيات القريبة منها ، كهبة يتم منحها لمن يدين بالولاء ، ليس للدولة ، وإنما للزعيم أو الحزب ليغنينا عن تفصيل الأمور .
ان مدى الحقن الذي خلفته الرسالتان اللتان تقدم بهما حزب التقدم و الاشتراكية لمؤسسة رئاسة الحكومة لدى قياديي الحزب الحاكم ، هو ما دفعهم للسقوط هذه المرة في تناقض حول تفسيرهم للديمقراطية التي اوصلتهم للحكم حيث باتوا يسعون عن علم او دونه على تدمير كل ماله علاقة بأسس النظام الديمقراطي و التي يعتبر أهمها بل و أولوية أولويات ترسيخها ربط المسؤولية بالمحاسبة ، فكيف لمن يصدح دفاعا عنها ان يُتهم بـ” تجاوز الخطوط الحمراء” ، وكل من يحتج ضد احتكار اقلية لرأس المال و التلاعب بلقمة عيش المواطن وقدرته الشرائية و العمل على تدهورها ، ويندد بالتجاهل الحكومي الخطير لواقع المشهد السياسي الديمقراطي و الحقوقي ، و يدق ناقوس الخطر ازاء ارتفاع نسب البطالة خاصة في صفوف الشباب ، و حول واقع الوضع الاقتصادي الكارثي وفشل تحقيق السيادة الاقتصادية ، و ينبه لفشل التعميم الفعلي العادل لورش التغطية الصحية ، و غياب العدالة في الدعم الاجتماعي المباشر ، و تعثر بين في برنامج دعم سكن ، و غياب أي إرادة سياسية حقيقية في اصلاح جبائي شامل و عادل ، و ادماج القطاع الغير مهيكل و اصلاح التقاعد ، و غياب أي تدابير على ارض الواقع فيم يخص التحول الايكولوجي و الاقتصاد الأخضر ، ان يواجه بتهم جاهزة ومفصّلة سلفا حسب القياس من قبيل الزيغ عن المسار الديمقراطي و الانزياح للفوضى .
ان من يحاول الاختباء وراء ذلك و يستجير بتصور طوباوي و خطاب غوغائي للهروب من مواجهة حقيقة الفشل على مستوى تدبيره الحكومي و التنصل من وعود برامجه الانتخابية ، هو ذاته من يسارع عبثا إلى تكميم الأصوات المعارضة لسياساته مستندا لثقافة سياسية مبنية على الخداع والمكر والمناورة وحربائية المواقف والدوران حول المصلحة الخاصة حيثما دارت ولو اقتضى به الحال ان يتنصل حتى من مؤسسته الحزبية في سبيل تحقيق المصلحة الخاصة ، يلوك كلاما شعبويا دون محتوى سياسي كل هذا للأسف يقوم به ترديدا لأسطوانته المستهلكة تحت مسمى الديمقراطية و تحت يافطتها وهي منه براء .
ان من يسعى حقا لبناء جو ديمقراطي سليم حري به بدءا ان يقيم سياسته و حصيلته الحكومية ، و يتقبل النقذ ، و ينصت للأصوات المعارضة التي تترجم نبض الشعب لا ان يعمل بمبدأ " قل ما تشاء ونحن سنفعل ما نشاء " ، ولا يستعمل خطابا متعاليا يظهر فيه نوعا من الانتشاء الذاتي الدي يفوق منسوب ما تم إنجازه ، إذ لا أمة ازدهرت و لا ديمقراطية منشودة تحققت في ظل ساسة يعتقدون أنهم وحدهم يعرفون مصلحة البلاد... فالبناء الديمقراطي الحق لا يستقيم في ظل رجال يخططون من أجل الوصول إلى درجة من الاعتقاد ، بأنه لا خيار أمام الناس سواهم ( تستاهلوا ما احسن )... لأنهم وحدهم يملكون القوة والحزم، يخيفون الناس ( نعاودو لكم الترابي )، عادلون في توزيع العطايا والمنح على مقربيهم ، وعادلون أيضا في توزيع الفشل في جميع القطاعات التي يشرفون على تدبيرها .
اننا حقا اليوم بحاجة إلى بناء ديمقراطي حقيقي مع ما يعنيه ذلك من تنقية الفضاء السياسي من كل من له علاقة بالفساد السياسي ، من كل من بات تاريخه السياسي لصيقا بالفضائح المالية و قضايا تبذير المال العام فلا مكان لمسؤول وسياسي يعتقد أن المنصب فرصة للإثراء فالمكان فقط لدولة تتحقق فيها الحريات العامة، يوجد فيها مناخ للتعايش بين مختلف الحساسيات الحزبية و الأيديولوجيات لا لسيطرة وحيدة من طرف تيار سياسي واحد . هذه هي الدولة الحقيقية التي لن تقف فيها الأحزاب في انتظار إشارة مرور من اجل الظفر بحق نقذ او انتقاد السياسات الحكومية ، او عدم السماح لها بذلك ، نحن اليوم بحاجة لتخليق الحياة السياسية و غرس الجانب القيمي داخلها و عبرها ، وذاك هو السبيل بانتشال الفكر الديمقراطي السائد من وهدة الاستخفاف و التخلف التي يحاول البعض اضفاءها عليها ، كون ان المسار الديمقراطي ينمو و يبنى ولا يولد فجأة من قلب الاستبداد و التحكم و تكميم الأفواه ، بل عن طريق بناء الفرد و بناء المؤسسات بناء سليما .
أما الفوضى فلا يتبناها سوى من يضع يده على السلطة يستخدمها لانتزاع أكبر قدر من الغنائم و المنافع له و لمقرييه ، من يحشد الاعلام و المجتمع المدني ليكون " التراس " يهتفون له ، يوزعون صكوك الغفران ومع ذلك يتشدقون بكونهم ديمقراطيبن شعارهم الدولة الاجتماعية التي لا يحملون منها سوى الشعار .
فهل هي حقا فوضى ؟

بقلم : محمد أمين وشن
عضو اللجنة المركزية
لحزب التقدم و الاشتراكية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ