الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية العقم

رياض ممدوح جمال

2024 / 5 / 30
الادب والفن


عن قصة بنفس العنوان للكاتبة والناقدة السورية سها شريف.

المنظر : (حديقة عامة فيها اشجار باسقة ومقعد يجلس عليها رجل
وامرأة يتحادثان).

هو : (رجل في الخامسة والثلاثين من العمر ذو مظهر جيد).
هي : (امرأة في الثلاثين من العمر يبدو عليها الخمول والذبول).
هو : أي صدفة قادتك الى هذه الحديقة هذا اليوم؟
هي : انها ليست صدفة تقريبا، بل لعلمي انك تأتي الى هنا احيانا.
هو : وكيف تعلمين ذلك، هل كنت تراقبينني طوال هذه المدة؟
هي : شاهدتك للمرة الأولى هنا وكانت قبل خمس سنوات.
هو : قبل خمس سنوات!
هي : نعم، وكانت زوجتك جالسة هنا معك، وطفلكما يلعب هناك.
هو : وانت اين كنت؟
هي : تواريت انا هناك خلف تلك الشجرة، اراقب زوجا أضعته بأنانيتي، الى ان خرجت تحمل طفلك على يديك، ومعك زوجتك تحمل في احشائها جنينا..
هو : لقد ماتت ومات الجنين معها، اثناء الولادة.
هي : (مشاعر حزن وصدمة) اه، يا للهول، ما الذي اسمعه.
هو : نعم هذا الذي حدث.
هي : يؤسفني ويحزنني جدا ان اسمع منك ذلك. واين طفلك الذي رايته معكما؟
هو : انه في سنته الدراسية الاولى، في هذه المدرسة المجاورة لهذه الحديقة. وانا الان بانتظار خروجه من مدرسته.
هي : يا لها من مأساة، وخاصة للطفل المسكين.
هو : لقد اصبحت الان، انا امه وأنا ابيه.
هي : وهل تعيشان بمفردكما؟
هو : كلا، امي العجوز تعيش معنا لآني لن اسمح لطفلي ان يعيش مع زوجة اب ابدا.
هي : هذا هو شانك دائما، تكرس حياتك من اجل الاخرين.
هو : وانت ما لذي فعلتيه بعد طلاقنا؟
هي : اه، لقد اصلحت الخطأ بالخطأ.
هو : وكيف ذلك؟
هي : تزوجت برجل اخر انفصل عن زوجته لأنها عاقر، عجزت طليقته عن ان تمنحه طفلا يكون امتدادا له.
هو : اتمنى انك سعيدة معه الان .
هي : لم يستطع ان يمنحني حبك ولا صدق مشاعرك، فتلطخت يداه بدماء مشاعري التي يسفحها كل يوم على مذبح البرود. كان مكتوف المشاعر، حاد الطباع، جاف الأحاسيس، صوب رصاص لاءاته المظلمة اتجاهي فاغتال قلبي الاخضر المليء بالحب والاحلام.
هو : وكيف استمرت الحياة بينكما؟
هي : بعد سنة من زواجي اصفر ربيع عمري بين يديه وشحبت زهرة شبابي وتخدرت الطفلة الهاجعة في داخلي واسلمت جفنيها الى الرضا والتعود.
هو : المهم انك امنت بواقعك ونصيبك.
هي : بعد سنتين من زواجي فتحت اجفاني الصدئة ابحث عن سبب تأخر انجابي. تساءلت بيني وبين نفسي وانا انتظر جواب الطبيب: "هل حظي ان اتزوج الرجل العقيم؟!".
هو : وحينها اكتشفت الحقيقة.
هي : وانحدرت دموعي كشلال انهمر من اقاصي روحي يفضح ما بداخلي من حيرة وضياع والم وندم عندما اكتشفت الحقيقة بانك لم تكن الشجرة اليابسة بل كنت انا الصحراء القاحلة . لم تكن انت العقيم، بل كنت انا عاقر. نعم قالها لي الطبيب بكل ثقة: "انت لا تستطيعين الانجاب- ولا حتى طفل الانبوب- فلا تهدري اموالك سدى وارضي بقضاء الله وقدره".
هو : ورضيت بقضاء الله وقدره!
هي : لكن هو لم يرضى بقضاء الله وقدره، فقد طلقني حين علم بحقيقتي ليتزوج بغيري.
هو : يؤسفني سماع ذلك.
هي : حينها احرقت شمس الحقيقة بوهجها الحارق روحي، وشعرت بتأجج نار مستعرة اوقدتها ذاكرتي عندما قطعت حبل الوفاء، وطلبت منك الطلاق. تداعت صور الماضي امامي كشريط سينمائي.
هو : لا جدوى من تأجيج الماضي.
هي : كم كنت رحيما معي، وكم كنت انا قاسية عليك. ومن حقك الان ان تشمت بي، بل حتى ان تحقد علي.
هو : هل تتوقعين مني ذلك؟
هي : (بابتهاج) انا على يقين، انه لا. فانا اعرف سجيتك جيدا. ولكني في اعماقي اتمنى ان تعاقبني باللوم او بالعتاب.
هو : انت تعرفين، اني لا الوم ولا اعاتب احدا، ولم اقف بوجه جريان النهر.
هي : ولكنك تتحمل جزءا من نتائج ما حدث، وذلك بإخفائك للحقيقة. هل تذكر ذلك؟
هو : لم اكن اريد ان اجرح كبرياءك وانوثتك. ولم اكن ارضى ان تعيشي معي بلا حب.
هي : انتظرتك حينها طويلا، واخيرا عدت تعلو وجهك صفرة الخريف، وكان الشمس لم تعد تشرق بأمل جديد. تهاوت احلامي جميعها عندما صفعتني بكلماتك المرعبة وأنت تحمل التحاليل والصور الظليلة. احسست بحزن يمضغ امومتي ويبصقها، ويفتح داخل روحي جرحا نازفا، ويلقيني في هاوية الياس عندما اطرقت وحركت شفتيك بصوت مهموس وقلت لي: "قال الطبيب بانني عقيم، ولا امل نهائيا، ولا حتى طفل الانبوب. نعم يا حبيبتي، انا شجرة صماء لن تزهر ولن تثمر، العيب بي انا، ولن استطع ان اهبك طفلا".
هو : قلت لك يومها ايضا: "اصبري وارضي بقضاء الله، وانا جاهز لان اقدم لك كل ما يسعدك، فقط اطلبي ما تشائين. فانت عندي تعادلين الدنيا كلها. وما جدوى الحياة بلا حب؟! لكل انسان رزقه وقدره في هذه الدنيا. المهم ان نحافظ على حبنا، فانت اغلي عندي من الدنيا وما فيها. تذكرين ذلك؟
هي : نعم ،واجبتك وقد اعتلى وجهي الغضب: "المال والبنون زينة الحياة الدنيا. كيف ستعوضني عنهم؟ ستغرس حبا زائفا مقابل استمراري معك؟! رمقتك بنظرة استهزاء، وابعدت يدك عني التي كانت تحتضن يأسي، وانفلتت دموعي باحتجاج ورفض وثورة كان وقودها اللهب المستعر بداخلي.
هو : وانا كنت على استعداد ان اضحي بكل شيء، حتى الاطفال، الا ان افقد حبنا.
هي : كنت خير زوج وحبيب ونصير ومعيل. امطرتني حبا مدرارا. ولكنه لم يعد يروي ارضي، لم تعد مشاعرك الدافئة تصب الامان والرضا على قلبي. بدأت اتذمر منك واحسب عليك هفواتك، ولكنك كنت خير زوج. ما عرفت فيك الا الحنان والفضيلة.
هو : ضاعفت انا من حناني وعطائي واهتمامي بك.
هي : ولكنني لم اعد اشعر – مع مضي الايام- بانك قادر على ان تحتل اعماقي وترضي انوثتي وتخرجني من كابتي.
هو : كنت اتسلل الى اعماقك لأخفف عنك احزانك.
هي : ولكني لم اعد اسمع صوتك ولم اعد ارى نقاء قلبك، واوصدت باب الرضا عنك، وحنثت بقسم الوفاء والاخلاص الذي تعاهدنا عليه يوم زواجنا بان يكون الوفاء شريعة حياتنا.
هو : واطفات شموع محاولاتي كلها، وقطعت لي حبل وريد الحب حين طلبت مني الطلاق لتتحرري من اساري. وكم رجوتك وقتها لكي تتراجعي عن قرارك!
هي : ولكنني لم اعد اسمع صوت سوى صراخ حنان الامومة في داخلي.
هو : فصرخت بي بعد ان انفجرت الشحنة المكبوتة في داخلك وقلت لي : "كفاك زيفا، ما حبك الشديد لي الا ستارا تخفي وراءه عيبك. كفاك تسرق احلامي. كفا تقتل امومتي بسكين المراوغة. ما ذنبي انا؟ العيب فيك. لوكان العكس صحيحا اما كنت فعلت ما افعله؟"
هي : رمقتني وقتها بنظرة عميقة، صفعتني بها وكأنك تعريني من رعونة قراري. لم افهم معنى نظراتك في ذاك الوقت لآني ما اعتدت الغوص في ذاتك، ولا اعتدت استخراج لآلئ ودرر مشاعرك وحكمتك. لماذا لم تقل لي الحقيقة في وقتها.
هو : لأني كنت اريدك بكامل روحك وعقلك وقلبك، لا بنصفها. واردت ان يبقى حبك لي كاملا، كما احببتك بكاملي وكل كياني.
هي : والان؟
هو : ماذا الان؟
هي : الم يكن ما قاسيناه من الحياة، يجعلنا انسب الان لبعضنا.
هو : انسب؟! ولماذا انسب؟!
هي : انا الان مطلقة وانت ارمل، وسيكون ابنك هو ابني الذي طالما انتظرته. وبهذا تكون قد خدمتنا الاقدار.
هو : ما الذي تقولينه؟!
هي : وما الخطأ في ذلك؟
هو : انت هو الخطأ. فقد تشوهت روحك وتلوثت، ولن تعودي كما كنت.
هي : ارجوك لولم اكن زوجتك لما تجرأت على طلب ذلك. ارجوك ان تفكر في قرارك هذا. واعرف انه لا مكان للضغينة في قلبك ابدا.
هو : لم يحمل قلبي أي ضغينة لك، ولا يحمل لك الحب. والحب كالحياة، حين يموت لا يحيا.
هي : (تجهش بالبكاء) ارجوك ... ارجوك ...
(ينهض هو متجها للخروج من الحديقة)

ستار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقطات من عرض أزياء ديور الرجالي.. ولقاء خاص مع جميلة جميلات


.. أقوى المراجعات النهائية لمادة اللغة الفرنسية لطلاب الثانوية




.. أخبار الصباح | بالموسيقى.. المطرب والملحن أحمد أبو عمشة يحاو


.. في اليوم الأولمبي بباريس.. تمثال جديد صنعته فنانة أميركية




.. زوجة إمام عاشور للنيابة: تعرضت لمعاكسة داخل السينما وأمن الم