الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معوّقات تطبيع العلاقات بين البَحْرين وإيران؟ البعد الدّاخلي البحريني.. أم أمريكا وإسرائيل؟

عباس بوصفوان
(Abbas Busafwan)

2024 / 5 / 30
السياسة والعلاقات الدولية


التصريحات الصّاخبة، مضموناً وتوقيتاً ومكاناً، التي أطلقها الملك حمد بن عيسى، من موسكو، في 23 مايو (أيّار) 2024، عن انتهاء المشكلات بين المنامة وطهران، وانتفاء الأسباب التي تؤجّل عودة العلاقات الدبلوماسيّة بين الطرفين، أبرزت إلى الواجهة طبيعة العلاقات المعقّدة بين البلدين الجارين، اللّذين تقطنهما أغلبيّة شيعيّة، وطرحَت هذه التصريحات أسئلة عن المشكلات التي فجّرت العلاقات، وتلك التي تؤخر عودتها إلى ما كانت عليه قبل 2011، وما موقف طهران؟ وهل يملك القصر البحريني أن يقرر من طرف واحد عودة العلاقات؟

السّبب الجوهري

تشير بعض الكتابات إلى أن أمريكا وإسرائيل، حليفتي المنامة، هما وراء تأخير التطبيع بين البلدين الواقعين في الخليج، بينما يرى الملك حمد أن لا سبب يؤدي إلى مزيد من الإرجاء، وكمراقب، فإني أعتقد أن الوضع الدّاخلي البحريني المُحتقِن، وحرص طهران على ألّا يفسر تبادلها السفراء مع المنامة، على أنّها موافقة إيرانيّة للاضطهاد الحاصل لقطاعات واسعة من شعب البحرين، يمثلُ السّبب الأساسي الذي يُفرمل عودة العلاقات إلى ما كانت عليه قبيْل اندلاع الرّبيع العربي، وما رافقه من اعتصامات حاشدة في دوار اللؤلؤة، في قلب المنامة، والذي داسته الدبابات السعوديّة، قبل نحو عقد ونصف العقد.

عملت إيران جاهدة، في السنوات الثلاث الماضية، في ظل إدارة الرّاحلين إبراهيم رئيسي وحسين أمير عبد اللّهيّان، على استعادة علاقاتها مع الدول المجاورة لها، بيد أن البحرين تبدو وكأنّها حالة خاصة، تدفع طهران لمزيد من التمهّل.

وتريد العاصمة الكبرى في الجوار أن ترى دلائل كافية على استعادة الوضع السياسي مساره التّوافقي الوطني في المنامة، بوصف ذلك مدخلا لاستقرار الجزر الصغيرة، المتعددة الأطياف.

واعترفت إيران باستقلال البحرين مطلع السبعينيّات من القرن العشرين، ضمن صفقة شاملة حصلت بموجبها طهران على جزر ثلاث، تقع هي الأخرى في قلب الخليج: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.

ليس من المنامة.. بل من روسيا

يمكن القول إن الملك حمد سافر إلى روسيا، والتقى زعيم الكرملين، خصّيصا، كي يُدلي بتصريحاته الجديدة المتعلّقة بإيران.

ولم يكن الإعلام الرّوسي متطفّلاً حين نشر مقطع الفيديو الشهير الذي ينفي فيه الملك، الذي وصل إلى السلطة في 1999، كل الإساءات التي روّجتها حكومته والإعلام الخليجي عن طهران والمعارضة والشيعة.
والمسميات الثلاثة المذكورة ليست - على الإطلاق - كتل صماء، وهياكل متماثلة، كما حاولت الحكومة الترويج، قبل أن ينسف الملك ما سوّقته أذرعه.

غزل صريح

أراد ملك البحرين أن تكون رسالته علنيّة، لا لبس فيها، موجّهاً الغزل لطهران، من روسيا، صديقة إيران، رغبة منه في إعطاء أقواله زخماً دولياً، فيما يبدو ثانويا حرصه على عدم إثارة الجماعات الموالية، التي عُبّأَت طوال عقود ضد طهران.

تقليديا، لا يلقي القصر بالاً برأي الموالين، كما لا يكترث بموقف الرأي العام، ولعل أبرز دليل على ذلك اقامته علاقات حميمة مع كيان الاحتلال، تعارضه مختلف الأطراف الشعبيّة.

مؤتمر السلّام

لا يمكن أن تؤخذ على محمل الجد البروباغندا، شبه الرسميّة، التي تروّج أن الملك سافر إلى موسكو كي يدعو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مؤتمر للسّلام، ذي صلة بالقضية الفلسطينيّة، يقام في البحرين، بوصف ذلك إحدى توصيات القمة العربيّة، التي انعقدت في المنامة في 16 مايو (أيّار) الماضي، وكأنَّ العدوان على غزة انتهى، والمؤتمر المُدعى سينعقد عاجلا، والوفود تتقاطر على المنامة، ولا ينقص المؤتمر إلّا مشاركة روسيا، وكافة الدول حيرى في كيفية إقناعها، فسافر الملك حمد لإقناع بوتين بجدوى السلامّ!

إذاً، فإن الزيارة وغايتها في مكان آخر، أما روسيا فستكون سعيدة إن تمكنت من جمع الطرفين، كما فعلت الصين مع السعودية وإيران.

حسابات القصر

يلحُّ القصر البحريني على حيويّة تبادل السفراء مع طهران، انسجاما مع توجّهات "الشقيقة الكبرى"، التي أبرمت مع إيران اتفاق بكين، في مارس (آذار) 2023، بل إن البحرين الرسمية ترى نفسها معزولة، وقد تأخّرت أكثر من اللازم، في وقت يحجُّ فيه الجميع إلى طهران، التي برزت قوة إقليميّة، يحسب لها ألف حساب.

بيد أن الحكم البحريني يبغي من خلال استعادته العلاقات مع طهران، تحييدها من الملف الداخلي، بعد أن استثمر اسمها طوال العقد الماضي، في خلط الأوراق، والإساءة للمرتكزات الوطنيّة، وقمع المعارضة وتخوينها، والفتك بقياداتها ومؤسساتها، وزيادة وتيرة التمييز، واللّعب على وتر الطائفية.

وبحسب القصر البحريني، حتى قبل أسبوعين مَضَيا، فإن المشكلة الدستورية في الجزر ليست خلاصة السياسات غير الحكيمة التي تتبعها السلطات، بل هي ناتجة عن تحريض طهران للقوى الشعبية.

وفي هذا الإطار اعتادت البحرين الرسمية الترويج بأن التوتر الإقليمي سببه إيران، وليس إسرائيل، وحتما ليس أمريكا!

لكل ذلك، يعتقد القصر أن التطبيع مع إيران سيعطي دفعة لجهوده بأن الوضع الداخلي مُستتب، من دون الافراج عن كافة المعتقلين السياسيين، ومن دون دفع ثمن للمعارضة التي تطالب بالإصلاح السياسي، ومن دون إعادة الجنسية لأكبر زعامة دينية، هو الشيخ عيسى قاسم، الذي يقيم في إيران منذ تهجيره من بلده.

البعدان الأمريكي والإسرائيلي

أشارت تحليلات متعدّدة، لا نتّفق معها، إلى ممانعة أمريكا هذا التطبيع، وأن الملك حمد يغضب واشنطن بهكذا تصريحات، خصوصا وهي صادرة من روسيا، وأن العلاقات الإسرائيليّة مع الحكومة البحرينيّة تمنع تبادل السّفراء بين المنامة وطهران.

جليةُ هي العداوة الأمريكية الإيرانية، والصراع الإيراني مع إسرائيل في ذروته، في ظل العدوان الأمريكي – الصهيوني على غزة والضّفة.
ولا تخفي طهران دعمها لليمن و"حزب الله" وقوى عراقيّة، انخرطت في الحرب دعما للمقاومة الفلسطينيّة، فيما تشترك البحرين الرسمية في تحالف يشن هجوما ضد صنعاء، ويتعاطف مع الكيان ضد "حماس" وقوى المقاومة اللبنانيّة.

بيد أن ذلك لا يعني أن البعدين الأمريكي والإسرائيلي هما اللذان يؤخران تبادل السفراء بين المنامة وطهران، فها هي السعودية الحليف الأكبر لأمريكا تقيم علاقات مع طهران، فيما ترتبط الجمهورية الإسلامية بعلاقات مع دول كثيرة، حتى تلك التي تقيم علاقات بإسرائيل، فهذا أمر تكرهه طهران، لكنه لن يمنعها من التبادل السياسي والتجاري مع الإمارات وأذربيجان والأردن ومصر ودول أخرى.

نعم، لا تخفي إيران استياءها من الوجود الغربي في المنطقة، وترى أن أمن الخليج مسؤولية أهله، وهذه نقطة تدعمها روسيا.

كما لا تخفي إيران موقفها المضاد للتطبيع، لكن قائدة محور المقاومة ترى نفسها معنيّة بالنصح والشرح، ولا ترى نفسها وصيّة على الغير، وبطبيعة الحال سيحد البعد الإسرائيلي من تطور العلاقات مع الإمارات ومع البحرين وغيرهما، فيما تجد الجهات المعادية للكيان كل السند من القيادة الإيرانية.

الجوار في السياسية الإيرانية

يرى المحافظون الذين يسيّرون الحكومة الإيرانيّة أن الوضع الاقتصادي والأمني للجمهورية سيكون أقوى عبر التركيز على العلاقات مع الجوار العربي والإسلامي، وهذا يختلف عن وجهة نظر بعض الأطراف الإصلاحيّة، التي ركزت جهودها على توقيع الاتفاق النووي، بوصفه بوابة لإقامة علاقات مع الغرب، ومدخلا لولوج طهران للساحة الدوليّة، وهي النظرية التي أكد ترامب فشلها، عبر انسحابه من الاتفاق الدّولي.

وأعطى ذلك دفعة قوية للتركيز على العلاقات مع الجوار، وهذا ما يستدعي مزيداً من التدقيق فيما وراء تأخر نمو العلاقات مع البحرين، على الرغم من أن تلك السياسية الإيرانيّة المنفتحة والإيجابيّة قد أبْهرت العدو قبل الصديق، كما لاحظنا في مراسم تشييع الرئيس الإيراني ومرافقيه.

الشروط الإيرانية

تفيد المصادر المتقاطعة أن طهران أبلغت المسؤولين البحرينيين مرارا وتكرارا، أن لا مشكلة لديها مع المنامة، وأن العقدة تكمن في العلاقات بين السلطة البحرينيّة وشعبها، ولا ترضى طهران بالإهانة التي تطال قطاعات واسعة من شعب الجزر ورموزه وقيادييه، وعلى المنامة علاج ذلك، كمدخل لتستعيد العلاقات بين البلدين كامل لياقتها.

وتنصح إيرانُ البحرينَ ألّا تعتبر ذلك شرطا لاستعادة العلاقات، بل أن تراه شرطا لا غنى عنه لاستقرار البحرين.

البعد الجديد

رحبت طهران بتصريحات ملك البحرين من روسيا، وبمشاركة وزير خارجيته، عبداللطيف الزياني، في مراسم العزاء التاريخية لرئيسي وعبد اللّهيّان.

ولا تتوافر معلومات جازمة بعد، إن كانت طهران اشترطت على الملك حمد إصدار مثل هذه التصريحات، قبل اتخاذ مزيد من الخطوات التصالحيّة بين البلدين.

وسبق لطهران أن طلبت، ولا أقول اشترطت، من الملك السعودي، سلمان بن عبدالعزيز، الإدلاء بتصريحات علنيّة يعبر فيها عن رغبته في استعادة العلاقات مع إيران، وقد فعل الملك السعودي ذلك في مجلس الوزراء، ما أعطى زخماً كبيراً لجهود ولي العهد، محمد بن سلمان، لفتح صفحة جديدة مع طهران.

السيناريو المرتقب

أفرجت الحكومة البحرينيّة في ابريل (نيسان) الماضي عن مئات من المعتقلين السياسيين، وثمنت طهران هذه الخطوة، القاصرة، وعدّتها إيجابية، ودعت إلى المزيد من الخطوات لغلق الملف الأمني، وفتح صفحة للمصالحة السياسية.

ولعل السؤال سيتركز في الأيام المقبلة عن الصّلة بين عودة العلاقات بين البلدين وعودة جو الوئام الداخلي، فكلما فتحت الحكومة البحرينيّة بابا للأمل في الداخل، فتحت طهران أبواباً اوسع لتطبيع العلاقات.

وهي استراتيجية آمن بها الراحل عبد اللّهيان، وحوّلها سياسة راسخة لوزارته.

مركز البحرين للدراسات في لندن
1 يونيو (حزيران) 2024








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ