الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
خرافة أمة المليار
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
2024 / 5 / 30
كتابات ساخرة
في سعيهم الحثيث للتحشيد والتعبئة واستنهاض الهمم الدينية، وبعدما هوت وذوت وتلاشت واضمحلت وسقطت واندثرت واحدة من أكبر تخاريف وأكاذيب وأساطير وخرافات الزمان، وهي دولة الخلافة الإسلامية الشيطانية السرطانية الإجرامية، في مطلع القرن الفارط، بعد وصولها لجلاوزة وطغاة وسلاطين بني عثمان الأشرار الذين حكموا شعوب المنطقة بالجهل والقهر والإذلال عبر ثقافة الجهل لقبيلة قريش البدائية البالية لأربعة قرون بالتمام الكمال (1516-1916)، يحاول، وحاول، أتباع ومشايعو وعبيد وتجار هذه الخرافة الصحراوية، إحياءها عبر طرق وأشكال عدة، كظهور تيار الإخوان المفلسين "المسلمين" (الثعابين الملتحون)، في العام 1928 كرد مباشر على سقوط تلك الخرافة، أو عبر استبدال وتقديم مصطلح "العروبة" الفاشية الطوباوية المهترئة كبديل عن الإسلام الذي ظهر عجزه في بناء الدول وتوحيد الشعوب، أو حين والكلام عن كيان افتراضي وهمي أسموه "أمة الإسلام" وظهر لاحقاً كثيراً في مؤلفات سيد قطب، كما بالنسبة لظهور الأحزاب القومية الفاشية العنصرية البدوية كـ"الناصرية" الصعيدية في مصر وما يسمى بـ"حزب البعث العربي الاشتراكي" في العراق وسوريا، (دولة الخلافة البعثية)، وخلق وفبركة الكيانات والتصورات السياسية الافتراضية "إسلامية المضمون والهوى"، كالقول بوجود "وطن عربي"، وطرح وهم ومفهوم "الوحدة العربية"، ومن ثم تشكيل ما تسمى "جامعة الدول العربية"، وأعقبها مع الصحوة البترولية تشكيل منظمة "المؤتمر الإسلامي"، وصولاً لـ"تنظيم الدولة" أو ما عرف بـ"داعش"، (خلافة البغدادي)وظهر ويظهر مؤخراً، وتردد، اليوم، وبتباه متعجرف، كثيراً جماعات الإسلام السياسي وأبواقها ومرتزقة الأسلمة والاستعراب مصطلح "أمة المليار"، لا بل يبالغ بلغاء مفوهون آخرون، ويذهبون بعيداً والقول منافحة، ومكابرة، ومفاخرة، بالحديث عن وجود ملياري مسلم هم في أحس الأحوال عالة على البشرية، من حيث تفرقهم وتشرذمهم وتكفيرهم لبعض وتناحرهم والبغضاء والعداوات والثارات القائمة فيما بينهم، ومن حيث أنهم لم يقدّموا أي اختراع أو مبادرة إيجابية في تاريخهم وكانوا مجرد متطفلين على الحضارات البشرية ولصوصاً سارقين لها، كما فعلوا بالأندلس واحتلال وغزو واستعمار بلاد الشام "سوريا" زاعمين أنهم بنوا الحضارة الأموية من هناك وأسسوا أول إمبراطورية "عربية إسلامية" كانت موجودة ومزدهرة هناك قبل عدوان بني أمية الغاشم على تلك الديار.
وبالعودة، وهو الأهم، لحديث خرافة أمة المليار، الذي يجب تفنيده ودحضه ونسفه من جذوره باعتباره مجرد خزعبلة وكذبة وسردية وهمية من سرديات الإسلام السياسي التي لا وجود لها على الإطلاق.
ففي حديث الفرقة الناجية لمؤسس الإسلام (المعروف برسول الله) وقد ثبت في الحديث الصحيح حيث قال: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وفي بعض الروايات: هي الجماعة. (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وورد في صحيح مسلم).
ويعتقد اليوم، وبعد مرور أكثر من أربعة عشر قرناً، على هذا الحديث، أن "أمته" باتت أكثر من مائة فرقة وفرقة، متناحرة متكارهة متضادة متحاقدة متصارعة ومتنافرة وتكفـّر بعضها بعضاً، ولسنا بصدد تعدادها وسردها المرهق، والتأكد من صحتها جميعاً، فربما يكون ذلك موضوعاً أو مادة لمبحث آخر، قدر ما يهمنا الحديث نفسه وتلك النبوءة العجيبة التي أطلقها المؤسس وهو يتحدث عن الدين القويم، والمصير المشؤوم لرسالة سماوية، وما يقولون عنه بأنه دين الحق.
وحقيقة، لقد صدق قول المؤسس بانقسام الأمة، وهو ليس عائداً لنبوءة قدر ما هو إسقاط جيو-اجتماعي وثقافي وقراءة لما حل بدعوات وأديان أخرى من فشل وتفكك وشرذمة منطقية ووفق متوالية رياضية فاليهودية واحد وسبعون، والنصرانية اثنان وسبعون، فحكماً من سيلي وهو الإسلام سيكون ثلاثة وسبعين، ولو أتى دين بعده سيكون أربع وسبعون فرقة وهكذا دواليك... إلخ، ولو افترضنا جدلاً أن تعداد المسلمين هو مليار نسمة، وقمنا بتقسم هذا الرقم على 73 فرقة فسيكون عدد كل فرقة من هذه الفرق هو تقريباً 130 مليوناً، هذا إذا علمنا أن الفرقة الشيعية لوحدها قد تقترب من 500 مليون شيعي حول العالم، وهذا ليس مهماً هنا، فالمهم، ووفق حديث المؤسس، هو وجود 73 فرقة إسلامية مختلفة متكارهة تكفـّر بعضها بعضاً(1)، وهناك فقط واحدة من كل هذا الفرق ناجية من النار، أي لديناً فقط 130 مليوناً باقون من المسلمين حول العالم من "الفرقة الناجية" لا يعرف أحد أين هم ومن هم وفي أي جغرافيا يقطنون هل في الهند، أم في السعودية، أم في إدلب "المحرر"(رجاء عدم الضحك) كما يوحي المتأسلمون وأتباعهم الأردوغانيون، أم في إندونيسيا، أم أين؟ وهل هم أمة واحدة فعلاً (أمة المليار) بمعنى هل هم كيان سياسي وعرقي وديني وكتلة وجنس بشري واحد بذاكرة تاريخية وثقافية واحدة وفق مفهوم الأمة الأكاديمي وعلى قلب وهدف واحد؟ والأهم ألا يمكن أن يكون هناك مندسون من الفرقة الناجية من الملاحدة والعياذ بالله، والعشتاريين، والكفرة، والعلمانيين، والمرتدين، المارقين والفسقة الزنادقة الضالين؟ بمعنى هل أمة المليار المفترضة هذه أمة صافية من المؤمنين الخالصين تقوم كلها بشبابها وشيبها ورضيعها في الفجر لتؤدي صلاة الفجر، وتصوم كلها رمضان، ولا تقطع فرضاً، وتؤدي الزكاة بمواعيدها وتفاصيلها ومواقيتها وتحج أو حجت أو تنوي الحج لمكة باعتبارها فرقة ناجية مختلفة عن تلك الفرق الضالة غير الناجية من سعير جهنم؟ أليست هذه سمات وركائز وشروط الأمة الواحدة؟ فمن أين أتى رقم المليار، وحتى رقم المليار ونصف المليار وأمة المليارين كما يبالغ ويسترسل ويستفيض بعض العتاة والدهاة، وكل سندنا وحجتنا في ذلك هو حديث المؤسس عن مصير ومآل أمته ودعوته فإذا كان مؤسس الإسلام، ذات نفسه، قد اعترف بانقسام وتفرق وشرذمة وتناحر وتصارع المسلمين، فكيف ينكر عليه أتباعه ذلك ويتحدثون عن أمة مليارية واحدة؟
"أمة المليار" خزعبلة، وتخريفة ووهم وكذبة أخرى من أكاذيب الإسلام السياسي الكبرى عبر التاريخ، يتم تسويقها لتبرير عجز ووهن وانهيار ونهاية الإسلام السياسي، ومجرد كيان افتراضي آخر لا وجود له تماماً كـ"الوطن العربي"، و"دولة الخرافة الإسلامية"، و"أمة الإسلام".
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي