الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور المملكة العربية السعودية في تمويل الإسلام ونشوء الجماعات الإرهابية

سامي القسيمي

2024 / 5 / 31
السياسة والعلاقات الدولية


على مدى عقود، لعبت المملكة العربية السعودية دورًا رئيسيًا في نشر الفكر الوهابي، وهو تفسير متشدد للإسلام السني، في جميع أنحاء العالم الإسلامي. استخدمت المملكة هذا الدور كوسيلة لتعزيز نفوذها السياسي والديني، مولت المدارس والمساجد والمؤسسات الإسلامية التي تروج لهذا الفكر. ومع ذلك، مع صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والإصلاحات الجديدة التي تتبناها المملكة، يبدو أن السعودية قد تخلت عن هذا الدور، متجهة نحو الانفتاح والترفيه لزيادة دخلها السياحي. في هذا المقال، سنتناول كيف أن السعودية استخدمت ونشرت الفكر الوهابي، وما الذي حل بدول الجوار نتيجة لذلك، وكيف أن السعودية تتجه الآن نحو مسار مختلف بينما تعاني دول أخرى من تبعات هذا الانتشار.

نشر الفكر الوهابي: الأسباب والوسائل السياسة الدينية والتمويل السعودي:
منذ الستينيات، بدأت السعودية في استخدام ثروتها النفطية لنشر الفكر الوهابي في جميع أنحاء العالم الإسلامي. تم ذلك من خلال تمويل بناء المساجد والمدارس الدينية، وإرسال الدعاة، وتوزيع الكتب الدينية المجانية. الهدف كان تعزيز نفوذ المملكة ومواجهة التحديات الفكرية والسياسية من الحركات القومية العلمانية والإيرانية بعد الثورة الإسلامية في 1979. وفقًا لمصادر متعددة، يُقدّر أن المملكة أنفقت مليارات الدولارات على هذه الجهود، مما جعل الوهابية جزءًا من الهوية الدينية في العديد من البلدان.

النتائج على دول الجوار:
1- التأثيرات الاجتماعية والثقافية
أدى التمويل السعودي إلى نشر القيم والتقاليد الدينية المتشددة في دول مثل اليمن، مصر، باكستان، وغيرها. هذه السياسات ساهمت في تراجع حقوق المرأة، وتقييد الحريات الشخصية، وتعزيز الانقسامات الطائفية. المجتمعات التي تبنت الفكر الوهابي أصبحت أقل تسامحًا وأكثر انغلاقًا، مما أثر على التقدم الاجتماعي والثقافي في هذه الدول.

2- التأثيرات الاقتصادية:
كانت بعض الدول تعتمد على التمويل السعودي لدعم مشاريعها الدينية والخيرية. عندما توقفت السعودية عن هذا التمويل، وجدت هذه الدول نفسها تواجه نقصًا حادًا في الموارد، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية وتفاقم الفقر.

3- التأثيرات السياسية:
استخدام الدين كأداة للسيطرة السياسية أدى إلى زعزعة الاستقرار في العديد من الدول. التوترات الطائفية والسياسية زادت نتيجة للدعم السعودي للحركات الإسلامية المتشددة، مما أدى إلى نزاعات داخلية وانقسامات اجتماعية. كما أن الجماعات المتطرفة التي خرجت من رحم الوهابية، مثل داعش، ساهمت في تدمير العديد من الدول في المنطقة.

نشوء الجماعات الإرهابية وتأثيرها:

الجهاد الأفغاني وتأثيره:
دعمت السعودية المجاهدين الأفغان في الثمانينيات بالتمويل والتسليح كجزء من الجهود الدولية بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة الاتحاد السوفيتي. بعد انتهاء الحرب، تحول بعض هؤلاء المجاهدين إلى حركات متطرفة، مثل القاعدة. أسامة بن لادن، مؤسس القاعدة، كان واحدًا من هؤلاء المجاهدين واستخدم الموارد والخبرات التي اكتسبها خلال الحرب الأفغانية لتنفيذ هجمات إرهابية عالمية، أبرزها هجمات 11 سبتمبر 2001. تجربة الجهاد الأفغاني أسهمت في إنشاء شبكة عالمية من المقاتلين الإسلاميين الذين تلقوا تدريبات وتمويلات ضخمة، مما أدى لاحقًا إلى زعزعة الاستقرار في العديد من الدول.

ظهور داعش:
تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يعتبر من أكثر الجماعات الإرهابية دموية في التاريخ الحديث. على الرغم من أن المملكة لم تدعم بشكل مباشر داعش، إلا أن البيئة الفكرية التي نشأت نتيجة لنشر الفكر الوهابي ساهمت في ظهور مثل هذه الجماعات. داعش تبنت تفسيرات متشددة للإسلام وروجت للعنف والإرهاب باسم الدين، مما أدى إلى تدمير واسع النطاق في العراق وسوريا، وتهجير ملايين الأشخاص.

التغيير السعودي من الوهابية إلى الانفتاح والإصلاحات بقيادة الأمير محمد بن سلمان:
منذ تولي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد، بدأت السعودية تتبنى إصلاحات جذرية تهدف إلى تحديث المجتمع السعودي وتقليل الاعتماد على النفط. تتضمن هذه الإصلاحات رؤية 2030 التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي وتطوير قطاعات جديدة مثل السياحة والترفيه. المملكة الآن تسعى لجذب السياح من جميع أنحاء العالم من خلال تطوير مشاريع ضخمة مثل مدينة نيوم، وإقامة المهرجانات والحفلات الموسيقية، وتخفيف القيود الاجتماعية مثل السماح للنساء بقيادة السيارات والعمل في مجالات جديدة. الهدف هو خلق صورة جديدة للمملكة كدولة حديثة ومنفتحة.

التوجه نحو السياحة والانفتاح:
السعودية تستثمر بكثافة في صناعة السياحة والترفيه، مما يعكس تحولا كبيرا في سياساتها الداخلية والخارجية. هذا التحول يأتي في وقت تتجه فيه دول الجوار نحو المزيد من الاضطرابات نتيجة للفراغ الذي خلفه تراجع الدعم السعودي لمؤسساتها الدينية والاجتماعية.

التخلي عن دول الجوار: النتائج والتداعيات
تدهور الأوضاع في دول الجوار:
مع تحول السعودية نحو الإصلاحات الداخلية والانفتاح، توقفت المملكة عن دعم المؤسسات الدينية في دول الجوار. هذا التخلي ترك هذه الدول تعاني من الفراغ الذي خلفه توقف التمويل السعودي. اليمن على سبيل المثال، يعاني من حرب أهلية مستمرة، وتدهور اقتصادي وإنساني حاد. سوريا، العراق، ومناطق أخرى تعاني من آثار مشابهة نتيجة لانسحاب الدعم السعودي وتزايد التوترات الطائفية والسياسية.

المسؤولية السعودية
السعودية، التي كانت السبب الرئيسي في نشر الفكر الوهابي في هذه الدول، تتحمل الآن مسؤولية كبيرة في إصلاح الضرر الذي تسببت فيه. من الضروري أن تتبنى المملكة سياسات تعويضية تدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول، وتساعد في تعزيز الاستقرار والسلام. هناك دعوات متزايدة للمملكة للقيام بعملية عكسية تستهدف تمويل برامج تنموية وتعليمية تهدف إلى التخلص من الأفكار المتطرفة ونشر الفكر المعتدل.

الدعوات للإصلاح العكسي:
على المملكة العربية السعودية أن تستثمر أموالها في مشاريع تساعد في تحسين البنية التحتية والاقتصاد في دول الجوار، ودعم منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني لتعزيز الحريات وحقوق المرأة. بهذه الطريقة، يمكن للسعودية أن تساهم في استعادة الاستقرار والنمو في المنطقة، مما يعزز السلام والازدهار للجميع.

النقد الدولي للسعودية
النقد الدولي يركز على كيفية استخدام السعودية لمواردها المالية لنشر الفكر الوهابي وتحويله إلى أداة سياسية ودينية للسيطرة والنفوذ. هذا التوجه يعكس محاولات السعودية لإعادة كتابة تاريخها وتقليل دور الوهابية في تشكيل الدولة السعودية الحديثة، في ظل سعيها لتحسين صورتها الدولية وتقديم نفسها كدولة حديثة ومنفتحة.

تلعب المملكة العربية السعودية دورًا معقدًا ومتناقضًا في العالم الإسلامي. من جهة، ساهمت في نشر الفكر الوهابي الذي أدى إلى تطرف بعض الجماعات وزعزعة استقرار العديد من الدول. ومن جهة أخرى، تتجه الآن نحو مسار جديد يهدف إلى الانفتاح والتحديث. السعودية تتحمل مسؤولية أخلاقية وسياسية لإصلاح الضرر الذي تسبب فيه نشر الفكر المتشدد. من خلال تبني سياسات تعويضية ودعم التنمية في دول الجوار، يمكن للسعودية أن تساهم في استعادة الاستقرار والنمو في المنطقة، مما يعزز السلام والازدهار للجميع.
تأثير السياسات السعودية على دول الجوار كان له جوانب سلبية عديدة، من تفشي الفكر المحافظ إلى التأثيرات الاقتصادية والسياسية. تحتاج هذه الدول إلى العمل على تحسين أوضاعها الداخلية وتطوير سياسات جديدة لتحقيق التقدم والاستقرار. من خلال التعاون الدولي والإصلاحات الداخلية، يمكن لهذه الدول التغلب على التحديات التي تواجهها وبناء مستقبل أفضل لشعوبها. السعودية، باعتبارها قوة إقليمية ذات تأثير كبير، تتحمل مسؤولية أخلاقية وسياسية لإصلاح الضرر الذي تسبب فيه نشر الفكر المتشدد. من خلال تمويل مشاريع تنموية وتعليمية ودعم حقوق الإنسان، يمكن للسعودية أن تساهم في استعادة الاستقرار والنمو في دول الجوار، مما يعزز السلام والازدهار في المنطقة بأسرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ