الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا عيد عمال تحت سلطة الكليبيتوقراط

محمد بن زكري

2024 / 5 / 31
ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي 2024: تأثير الحروب والصراعات المسلحة على العمال والكادحين، والحركة النقابية


العالم كله يعرف أن ليبيا كإقليم جيوسياسي ، لم تعد تتوفر على أي عنصر من عناصر مقومات الدولة أو وحدة الكيان ، ما عدا الاسم الرسمي والاعتراف الدولي . فمنذ العام 2014 تفككت ليبيا فعليا إلى دولتين (غير معلنتين رسميا) ، وذلك جرّاء انقلاب برلمان طبرق على الإعلان الدستوري ، رافضا الامتثال لحكم المحكمة العليا ، المنعقدة بكامل دوائرها مجتمعة ، في قضية الطعن الدستوري رقم 17/61 ق ، الصادر (6 نوفمبر 2014) ، حكما باتا نافذا ، بعدم دستورية العملية الانتخابية (يوليو 2014) وحل مجلس النواب - الحالي - الذي انبق عنها . ويقضي حكم المحكمة العليا (في الطعن الدستوري رقم 16/61 ق) ، بأن كل ما يصدر عن مجلس النواب - المنحل دستوريا - هو والعدم سواء .
وأخذا في الحسبان ، أنه لم يشارك في تلك العملية الانتخابية سوى نحو 18% من عدد الناخبين ، مقارنة بانتخابات العام 2012 . فحتى لو سلمنا جدلا بدستورية انتخابه ، فإنه قد أنتُخب كمجلس نواب مؤقت (انتقالي) لمدة 18 شهرا فقط . وبذلك فقد انتهت ولايته اعتبارا من تاريخ 20 أكتوبر 2015 . ومنذ ذلك التاريخ فإنه ليس غير كيان مافياوي مغتصب للسلطة ، لا يستحق أعضاؤه درهما واحدا من الرواتب الفلكية (زائدا الامتيازات الفاحشة) التي خصُّوا بها أنفسهم .هذا علاوة على أن عددا منهم فاقدون للجنسية الليبية ، بقوة القانون (ويجب أن يعاملوا في ليبيا معاملة الأجانب) ، ولا يحق لهم الترشح للانتخابات البرلمانية أصلا . وقد مارسوا الغش عمدا ، فأخفوا حقيقة كونهم يحملون جنسيات دول أجنبية ، كي يصلوا إلى السلطة ؛ كوسيلة مضمونة (ومحمية بالحصانة النيابية المقيتة) للكسب السهل ، وكأقصر طريق للإثراء السريع الفاحش وغير المشروع ، في نظام الفوضى والغنائم الذي يحكمه قانون واحد هو قانون الفساد .

وبرفض برلمان طبرق الامتثال لأحكام أعلى هيئة قضائية دستورية في الدولة الليبية ، متمسكا بالمكاسب الشخصية لأعضائه ، برئاسة المدعو عقيلة صالح ، واستقواء برلمان طبرق بالعصبية القبلية في الشرق الليبي ، وتبادله الحماية والاحتماء مع التشكيلات المسلحة التي يقودها العسكري المتقاعد - المواطن الأميركي - خليفة حفتر ، بدعم خارجي ؛ انقسمت ليبيا فعليا إلى كيانين منفصلين لكل منهما حكومته وأجهزته الإدارية الخاصة ، يتقاسمان سلطة الأمر الواقع المفتقدة كليا إلى الشرعية ، ويتقاسم فيهما الحكام الجدد غنائم المال العام ، نهبا فاحشا للميزانيات العامة الممولة بعائدات بيع النفط .
وباقي المهزلة يعرفه كل الشعب الليبي المغلوب على أمره ، ويعرفه كل العالم .. بالتفصيل الممل .

أما آخر فصول المهزلة الليبية ، المستمرة على مسرح العبث السياسي .. مفتوحةً على المجهول ؛ فهو الاحتفال بعيد العمال تحت سلطة الكومبرادور في نظام الغنائم الكليبتوكراسيّ !
ففي دولة فاشلة يهيمن فيها - على كل مواقع السلطة واتخاذ القرار - تحالف مليارديرات الراسمالية الطفيلية المقتاتة على الموازنات العامة ؛ من أرتال الوكلاء التجاريين وأباطرة تجارة الاستيراد وتجارة الجملة (الكومبرادور) ، والتكنوقراط النيوليبراليين ، وأثرياء القبائل (يسمونهم الوجهاء والأعيان) ، وتجار المخدرات ، والمهربين ، والمضاربين بالعملة في السوق السوداء (الرسمية) .. وما إلى ذلك ؛ مِمّن تَجمع وتُوحّد بينهم عوامل : الفساد (بكل أشكاله) ، ونهب المال العام ، وخيانة الأمانة الوطنية ، و (سفه) امتيازات السلطة المغتصَبَة ، والتآمر ضد سيادة الدولة ، وسياسات إفقار وتجويع الشعب ..
أقول إنه في هذه الدولة مضرب الأمثال بالفشل (أضحوكة العالم) ، الموبوءة بكل تلك الآفات السلطوية ، من أعداء الشعب الليبي المنكوب بنظام فقراير ، وكسابقاتها من حكومات ساسة الصدفة والنكرات الآتين من المجهول والطافحين من قاع المجتمع ؛ أصدرت حكومة الوحدة التحاصصية - المنبثقة عن لجنة الـ 75 (المرتشية) في جنيف ، بقيادة العرابة الأممية ستيفاني ويليامز - بيانا بروتوكولياً شكليا فارغا من المحتوى ، تهنئ فيه عمال ليبيا بعيد العمال العالمي ، واعدة ايّاهم بأنها : "(مستمرة !!!) في دعمهم ، وأنهم في سلّم أولويات عملها " . فيا عمال ليبيا وشعبها المُجَوَّع والمُرَكَّع ، صدِّقوا تكاذيب حكومة الكومبرادور البلوتوقراطية ، فأنتم شغلها الشاغل ! ألم يبشروكم منذ اثنتي عشر عاما بالخير (اللي جاي) ؟!

وفي هذه الدولة الفاشلة ، التي جعل منها برلمان طبرق - المارق ومنعدم الوجود دستوريا - مسخرة يتندر بها العالم . يوغل رئيس وأعضاء المافيا التي تسمي نفسها مجلس النواب الليبي ، في الاستخفاف بعقول سبعة ملايين إنسان - يشكلون نسبة 99% من الشعب الليبي - يعيشون حياة الذل والمهانة ، تحت مستوى خط الفقر المطلق ، في بلاد تطفو فوق بحار من النفط والغاز ؛ فيتقدم أولئك الكليبتوكراسيّون في برلمان طبرق ، المملوك لصاحبه عقيلة صالح " بخالص التهاني وأطيب الأمنيات إلى عمال ليبيا بمناسبة عيد العمال " ، في الوطن الذي " ينعم بالأمن والاستقرار " حسب قولهم (!) ؛ وذلك بعد أن كان رئيس المافيا قد أصدر فرمانه رقم 15 لسنة 2024 بخفض قيمة الدينار الليبي ، عَبْر فرض ضريبة (إضافية) بنسبة 27% على سعر الصرف الرسمي {وليس 17% كما ورد في مقال لي سابق ، بعنوان : ’’ اغتيال الاقتصاد الليبي والقضاء على الدولة الليبية ‘‘ . واعتذر عن الخطأ} . يُنظر الرابط :
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=827365
فرئيس برلمان طبرق (الانتقالي / ذي العمر الافتراضي 18 شهرا) المستمر في السلطة 10 سنوات متواصلة (من 2014 إلى 2024) ، بقوة فرض الأمر الواقع ؛ أصدر فرمانه بفرض ضريبة الـ 27% تلك ، كي يدفع الليبيون - إجباراً ورُغماً عنهم - تكلفة فاتورة الفساد المالي لحكام ليبيا الجدد الكليبتوقراط ، الذين استنزفوا برواتبهم ونفقات رحلات سياحتهم السياسية وفساد ذممهم المالية ، مواردَ الخزانة العامة للدولة من عائدات بيع النفط . وذلك إضافة إلى قرار مافيا بنك ليبيا المركزي ، الصادر يوم الأربعاء الأسود (16 ديسمبر 2020) ، بخفض سعر صرف العملة الوطنية ، من حوالي 1,37 دينار مقابل 1 دولار ، إلى 4,48 دينار مقابل 1 دولار ، في عهد مافيا حكومة ما يسمى الوفاق الوطني ، لغرض إطفاء الدين العام ؛ على حساب المواطنين ذوي الدخل المحدود وأصحاب المعاشات الهزيلة (المتآكلة) ، من ضحايا سياسات الإفقار والتجويع ، لسلطة تحالف الكومبرادور الكليبتوقراطية لنظام فقراير .
يحدث ذلك ، بينما كشف تقرير للبنك الدولي عن ليبيا GDP ، أن دخل ليبيا خلال الفترة من 2012 إلى 2022 ، بلغ ترليون و 426 مليار دينار ، وأن ما تم صرفه يبلغ 503 مليار دينار فقط خلال نفس الفترة . فأين أختفى مبلغ الترليون دينار ؟
وحسب تقرير البنك الدولي ، فإن سعر الدولار ينبغي أن يكون نصف 0,50 دينار ليبي ، ولا يصل إلى أكثر من 6 دنانير ، كما فرضه رئيس برلمان طبرق ومحافظ مصرف ليبيا المركزي على الشعب الليبي .
https://data.albankaldawli.org/indicator/NY.GDP.MKTP.CD?locations=LY
لكن فيما عدا دولة ليبيا الفاشلة ، هل يوجد برلمان في العالم استمر في السلطة مدة 10 سنوات متواصلة ، رغم أنه أصلا برلمان مؤقت ومنتخَب لفترة انتقالية مدتها سنة ونصف فقط ؟ وهل يوجد محافظ بنك مركزي يستمر في المنصب منذ أكتوبر 2011 حتى اليوم ؟

ولست أنا من يطلق على حكام ليبيا الفبرائرية صفة المافيا ، بل إن السيد عبد الله باتيلي ممثل الأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا المنتهية ولايته ، هو من شَهَد في حوار مع أخبار الأمم المتحدة ، بأن " ليبيا أصبحت بشكل متزايد وكأنها دولة مافيا " وأن كل القادة الانتقاليين في ليبيا ، يتقاسمون ثمار الحكم ولم يكونوا مهتمين باستقرار البلاد ؛ لتأتي شهادة باتيلي تأكيدا إضافيا لشهادة سلفيْه غسان سلامة و ستيفاني ويليامز ، من موقع المسؤولية أمام التاريخ . يُنظر الرابط :
https://news.un.org/ar/interview/2024/05/1130921
وقبل عبد الله باتيلي ، كانت ستيفاني ويليامز قد صرحت بأن : النخبة الحاكمة في ليبيا ، لا يهمهم غير مصالحهم الشخصية ، يقايضون سيادة بلادهم بثمن بخس ، يستمتعون بالسياحة السياسية بين عواصم الدول الأجنبية .. لنيل الشرعية التي فشلوا في الحصول عليها من مواطنيهم .
وكان غسان سلامة قد صرح بأن : ليبيا بلد تستبد به نخبة سياسية فاسدة ، وما يحدث في ليبيا ليس مجرد فساد .. بل هو افتراس للمال العام ، ينهبون الملايين ويهربونها إلى الخارج ، وفي ليبيا يولد كل يوم مليونير جديد .

وعودة إلى مهزلة عيد العمال في دولة ليبيا الفاشلة ، القابعة تحت حكم الكومبرادور الكليبتوقراط ؛ فإن حكام نظام الغنائم الفبرائري ، هم بحكم تضارب مصالحهم الخاصة والطبقية ، مع مصالح الأغلبية الساحقة من الشعب الليبي [تضارب المصالح بين التاجر والمستهلك ، وتضار المصالح بين العامل ورب العمل في القطاع الخاص] ، لا يتوفرون مطلقا على أدنى درجة من المصداقية ، في بيانات التهنئة والاحتفال بعيد العمال . بل يلبسون أقنعة المهرجين في مهزلة الاحتفال بيوم أول أيار ، أوّلاً : بقصد التضليل وتزييف الوعي ، وثانياً : نكاية ساذجة بحاكم ليبيا السابق العقيد معمر القذافي ، الذي كان قد جعل من عيده الخاص (الفاتح من سبتمبر) عيدا للعمال في جماهيريته العظمى ؛ التي كانت قد انتكست بها (ثورة مضادة) باسم مشروع ليبيا الغد (النيوليبرالي) ، قبل أن تُسقِطها انتفاضة فبراير الشعبوية ، مدعومة بتدخل عسكري مباشر من قوات حلف الناتو .

ومما له أبلغ دلالة ، على أن نظام ما بعد فبراير ، ما هو إلا إعادة إنتاج لأسوأ ما كان خلال العشرية السوداء الأخيرة (النيوليبرالية) للنظام قبل فبراير ، أنّ الكثيرين جدا من حكام نكبة فقراير ، كانوا عناصر قيادية نشطة - مقربين من سيف الإسلام القذافي - في مجموعة مشروع ليبيا الغد ؛ فلا عجب أن يواصلوا تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي لإعادة هيكلة الاقتصاد الليبي نيوليبراليّاً ، فيعطلوا دور الدولة الضامنة ، ويغِلِّوا يدها عن التدخل في اقتصاد السوق الحرة (المنفلتة من كل القيود) ؛ خدمة لمصالح الأوليغارشيا المالية المهيمنة ، ضد مصالح الجماهير المغبونة المطحونة ، وانحيازا إلى القطط السِّمان أرباب العمل ضد العمال خصوصا والأجراء عموما . مع إعمال استراتيجية العلاج بالصدمة ، لتطويع الشعب وشلّ قدرته على المقاومة ، وتحييده تماما عن التأثير في مجريات الأحداث ؛ بالترافق مع حملات تزييف الوعي الفردي والجمعي (وعي تناقض المصالح الطبقية) ، وإطلاق الوعود الكاذبة بعمل الحكومة (حكومة الكومبرادور) على تلبية مطالب الشعب ، على غرار أكاذيب بيان برلمان عقيلة وبيان حكومة الدبيبة بمناسبة عيد العمال العالمي ، استخفافا بالعقول وضحكا لئيما على الذقون ، وتخديرا للمغفلين ؛ بانتظار الذي يأتي .. ولا يأتي أبدا (الخير اللي جاي) .
ففي دولة ليبيا الفاشلة ، والمفككة ، و المنقسمة واقعيا بفعل (الفوضى الخلاقة) إلى دولتين من دول الموز ، يتنازع فيهما الحكام الجدد من شداد الآفاق ، لاكتساب شرعية مزورة ، صُنِّعت داخل فنادق الخمسة نجوم في عواصم العالم ، بمعزل عن إرادة الشعب الليبي ، ويتصارعون فيما بينهم لنهب المال العام (السايب) ..
ودون أن تطرف لهم عين حياء ، لا يتورعون عن التشدق بحديث الإفك عن عيد العمال ، بينما هم جميعا ودون استثناء ، قد صاروا من أصحاب الملايين المتسكعة حول العالم في بنوك السرية المصرفية والملاذات الضريبية . وصعدوا قفزا بهلوانيا من مستوى الطبقة الوسطى (المستورة) ومستوى الفقر المدقع ، إلى مُلاك عقارات وأصحاب ملايين (سائلة ومنقولة) وتوكيلات تجارية وشركات مساهمة وخاصة ، بما راكموه من ثروات سوداء ؛ بوسائل السطو على المال العام ، واستغلال جهود العمال ، واستنزاف مدخرات الموظفين العموميين وذوي الدخل المحدود .
وباستغلال المناصب السياسية للتربح والإثراء السريع ، تحولوا بسرعة الضوء من أصحاب دكاكين بسيطة إلى أصحاب مولات ومُركّبات تجارية فخمة ، وصاروا يمتلكون مشاريع خطوط تعبئة المواد الغذائية المصنعة بالكامل - وفي أحسن الأحوال نصف المصنعة - في الخارج ، والمنتهية الصلاحية للاستعمال الآدمي ، يستغلون فيها العمال بعقود إذعان مجحفة ، وبأدنى الأجور ، ولا يلتزمون بالتغطية الضمانية الواجبة للعمال .
وفي دولة ليبيا الفاشلة ، والمنهكة جراء استشراء الفساد ، حيث تقبع ليبيا في ذيل القائمة ، ضمن العشر دول الأكثر فسادا في العالم ، لتحتل المرتبة 170 سنة 2023 ، من أصل 180 دولة شملها المسح ، مرتفعة درجة واحدة عن العام 2022 حين جاءت في المرتبة 171 ، على مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية ؛ يمضي حكام ليبيا الجدد - كسابقيهم خلال العشرية السوداء الأخيرة (النيوليبرالية) من حكم القذافي - في تزييف كل شيء ، بعد أن تمكنوا في زمن الغفلة ، من الوصول إلى السلطة ومواقع اتخاذ القرار ، عبر صندوق العجائب ، وبأصوات الجماهير الرثة ؛ فوضعوا أديهم على الانتفاضة (الشعبوية) العمياء ، وسرقوا دماء آلاف الشباب الأغرار من أبناء الفقراء ، ضحايا (ثورة التكبير) المدعومة بالتدخل العسكري لحلف الناتو ، و سرقوا شعارات الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية (عدالة توزيع الثروة القومية) إلخ تلك الشعارات الطوباوية ، وانتهى بهم الأمر إلى تزييف رمزية عيد العمال . وتلك هي النتيجة الحتمية المترتبة بالضرورة عن سلطة حكم أوليغارشية ، تمثل مصالح الكومبرادور ، بالتحالف أيديولوجيّاً مع أقصى اليمين ، بشقيه : النيوليبرالي (أطفال الأنابيب التكنوقراط أتباع مدرسة شيكاغو للاقتصاد) ، والديني (تجار الفتاوى الدينية مدفوعة الثمن حسب الطلب) ؛ المرتبطة ارتباط تبعية مطلقة بالراسمالية العالمية ، في مرحلتها الأشد توحشا ، من هيمنة الشركات العابرة للقومية ودكتاتورية راس المال المالي المعوْلمة .

إن واقع الحال ، هو أن ليبيا ليس فيها طبقة عاملة ، بالمفهوم المتعارف عليه في أدبيات علوم الاجتماع والسياسة والاقتصاد السياسي ، ذلك أنه ليس ثمة من وعي عمالي بوحدة المصلحة الطبقية للعمال ، وليس ثمة من نقابات عمالية مستقلة عن السلطة . والأشد سوءً هو أنه ليس في ليبيا عمال ، بل أجراء أذلاء مستعبَدون ، يعانون أبشع أشكال الاستغلال من طرف أرباب شركات القطاع الخاص وأصحاب الأعمال بمختلف فئاتهم ؛ حيث الشغل أقرب إلى نظام السخرة ، بموجب عقود إذعان مجحفة .. بل دون عقود عمل أصلا . فلا استقرار في الخدمة ، ولا ضمان اجتماعي (فيما عدا الشركات الكبرى) ، ولا حقوق من أي نوع للمستخدَمين ، فقانون علاقات العمل الجديد (رقم 12 لسنة 2010) من قوانين (الانفتاح) لمشروع ليبيا الغد النيوليبرالي (المعيب و السيء أصلا) ، معطل واقعيا عن التنفيذ في جوانبه القليلة جدا العادلة . ولم تعد ثمة من علاقة بين رب العمل والأجير غير علاقة العبودية والاسترقاق والاستغلال البشع ؛ الذي يصل حد الابتزاز الجنسي والتحرش بالنساء العاملات ، حتى في مؤسسات وشركات القطاع العام والجهاز الإداري للدولة .
فعن أي عيد عمال يتحدث حكام دولة ليبيا الفبرائرية الفاشلة ، المؤتمرون بأوامر صندوق (النكد) الدولي ؟ و أيُّ عيد عمال هذا الذي تحتفل به حكومة الكومبرادور والصيرفة الإسلامية ، التي يديرها التجار وهواة السياسة عديمو الكفاءة ، من الانتهازيين والنيوليبراليين والثورجيين السابقين القافزين من سفينة نظام الفاتح من سبتمبر الغارقة ؟!

وإنه في ليبيا التي لا يتجاوز عدد سكانها سبعة (7) ملايين نسمة ، والتي تتمتع بدخل عال من عائدات بيع النفط ؛ يعيش 40% من السكان في دائرة خط الفقر والعوز ، حسب تصريح لوزير الاقتصاد والتجارة في حكومة (الوحدة الوطنية) . وفي تقرير للبنك الدولي عن نسبة الفقر في ليبيا سنة 2024 ، أن 46% من الأسر لا تستطيع تلبية حاجاتها الصحية في ظل غياب شبكة الامان الاجتماعي ، وفي منطقة تازربو بلغت نسبة الفقر 80% ، تليها منطقة جالو بنسبة فقر 70% .
وحسب تقرير البنك الدولي للعام 2023 ، ارتفعت معدلات البطالة في ليبيا الى 19.6% ، غير أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير . وفي بلد قليل عدد السكان ، ويأتي في صدارة الدول المنتجة للنفط في أفريقيا ؛ لا وجود لتامين ضد البطالة ، إذْ لا وجود لتشريع يقرر تعويض بطالة للمعطلين عن العمل ، فعشرات آلاف الشباب خريجي الجامعات والمعاهد العليا - بمن فيهم الأطباء والمهندسون - لا يجدون أية فرصة عمل ، ويعيشون عالة على آبائهم المحالين على معاش تقاعدي يساوي الحد الأدنى للأجور ، ما اضطر أعدادا كبيرة من الشباب حاملي المؤهلات الجامعية إلى العمل بالأجر اليومي لسد الرمق ، جراء سياسات الإفقار والتجويع التي تعتمدها حكومة الكومبرادور البلوتوقراطية ، تطبيقا لتوصيات صندوق النقد الدولي . وحسب بيانات لوزارة العمل أن عدد الباحثين عن عمل ، المسجلين في مكاتبها حتى نوفمبر 2023 ، بلغ 200 الف معطل عن العمل (وطبعا بلا تعويض بطالة) .
ثم بعد كل ذلك ، ويا للعجب العجاب ! فإنه في نظام الكليبتوكراسي ودكتاتورية الأوليغارشيا ، يجد حكام ليبيا الجدد الفاسدون ، فائضا من (صحة الوجه) ليلوكوا حديث الإفك عن عيد العمال ، تحت سلطة الكومبرادور الخنبوقراط !
(Abulios Zekri)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون استهداف سفينتين في البحر الأحمر والمحيط الهن


.. لجنة مكافحة الإرهاب الروسية: انتهاء العملية التي شنت في جمهو




.. مشاهد توثق تبادل إطلاق النار بين الشرطة الروسية ومسلحين بكني


.. مراسل الجزيرة: طائرات الاحتلال تحلق على مسافة قريبة من سواحل




.. الحكومة اللبنانية تنظم جولة لوسائل الإعلام في مطار بيروت