الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار المساء مع رواية القوقعة/ مصطفى خليفة

نصار يحيى

2024 / 5 / 31
الادب والفن


هي من الشهرة بمكان، تجعلكَ تتردد في الكتابة عنها؟
يكفي أن تضع كلمة "قوقعة" تخرج لكَ عشرات بل المئات من المقالات، أو الاختصارات عنها!
عداك عن وسائل الإعلام المتنوعة (المرئية والمسموعة)..
ترجمت أيضا الى العديد من اللغات الاجنبية (عشر لغات) في زمن قياسي!
صندوق أسود أُعلن عن "خلع "مساميره" مع انفجار القهر والمكبوت؛
هي صدرت عام (2008). قرأناها نحن الرابطين على خط "السجن"، كانت تدخل سورية من تحت الطاولات!
إنما مع هذا التزامن (2011)، انطلقت الرواية:
كانت اللحظة قد خرجت على الستار الحديدي.
الآن تتلهف الأعين والاذن، لما جرى من عصر الثمانينات في مكان يدعى (سجن تدمر). كان يكفي ذكر الاسم أن تنهال عليكَ، كل سلطات الرقابة من "الحيطان لها آذان"، إلى همس "المقاهي" على صفحات "العشق الممنوع"!!
هناك شبه إجماع على الصفحات الالكترونية: الرواية سيرة ذاتية عن الكاتب (مصطفى خليفة) العائد من فرنسا، بشهادة الإخراج السينمائي، حيث اعتقل في مطار دمشق.
آخر مقابلة مع الكاتب، قد تم التعريف به هكذا أيضاً (رواق ميسلون، ملف أدب السجون)؟!
إنما:
(مصطفى خليفة) هو سجين سياسي، كان ينتمي لتنظيم (رابطة/ حزب العمل الشيوعي)؛
مع بداية تأسيس هذه الظاهرة، كان من الفاعلين خاصة في مدينة حلب:
اعتقل عام (79)، أفرج عنه مع التنظيم شباط (80). أعاد نشاطه للتنظيم؛
اعتقل للمرة الثانية (نهاية 81). أفرج عنه عام (94).
أما الراوي (السارد الرئيسي في القوقعة):
يدرس في فرنسا الإخراج السينمائي، بعد ست سنوات يتخرج، يقرر العودة الى "حضن الوطن"؟
كان لا يمارس اي نشاط سياسي: "لم أكن يوماً من هواة نشرات الأخبار، أو العمل السياسي المنظم"..
لا يعرف ما المصير الذي ينتظرهُ؛
"يا غافل الك الله"؟
يودع حبيبته (سوزان) في مطار باريس..
هو في مقعده، يضع الحزامَ، على أحرٍ من اللهفة الأولى ينتظر إقلاع.. وصول الطائرة:
حيث دمشقَ تهفو الياسمينَ كي تستقبله؟!
ينزلُ سلمَ الطائرة كما غيره؛
هناكَ "نافذة" تدقيق جوازات السفر: تعالَ معنا "المعلم حابب يعزمك عَ فنجان قهوة"؟!
/استغرق هذا الفنجان ثلاثة عشر عاماً وثلاثة أشهر وثلاثة عشر يوماً، بين "كرم" فروع الأمن، والسجن الصحراوي (تدمر)."عِمْرة" الى صيدنايا (المنتزه الجبلي)!!/.
أقرب الى "السقطة التراجيدية" في المسرح الاغريقي: البطل يتباهى بلحظة ما بفعلته "أوديب يقتل أباه"، منتشياً بانتصاره!
"لو كان يدري" المصير؟ لكان قد تجنب هذه الفواجع!!
كذلك (موسى/المخرج/ قد ارتقى السلم التراجيدي:
لحظة من الزهو، يسهر مع رفاقه السوريين -قبل مجيئه بثلاث سنوات- يحكي "نكتة" سياسية طالت شخصية الرئيس، وكلمات مستقاة من "الحظائر" -تيس، بغل..؟
السهرة تنتشي على إيقاع الكلمات "النكتة"؛
إنهم في باريس حيث الحرية، لا مكان للتقارير وعيون "العسس"؟!
-جلس أحدهم متأبطاً ضحكته..ينسلُ خارج الغرفة، يذهب إلى "التواليت"، هناك يفكك النكتة: "رب رميةٍ من غير رامٍ"؟
يعيدُ تشكيل الحروف باستعمال الضم والكسر والفتح، والى ما طابت يداه من "النخ" والتزلف..
"قبل الشحادة وبنتها" يصل الى السفارة؛
خوفاً أنّ أحداً آخر يسبقه؟ "بتروح الثقة، والمكافأة التي تنتظره..؟ يطمح أن يكونَ عريّف حفلٍ للسفارة..
صديقنا المخرج يخرج من "سكرته"، الى شوارع باريس، حبيبته سوزان ترافقه، يخاطبها بأعلى صوتٍ:
"يا سوزان قولي عاش بابا"!
تتساءل؟ يقول لها حضرت الى ذاكرتي، كانت في كتاب القراءة للصف الاول الابتدائي؛
هي من الحنين السوري، تتلمذنا عليها صباحَ مساءَ!
/هو في قوقعته تحت البطانية، يتلصص من ثقب الحائط على باحة الاعدام والتعذيب، يتذكر تلك العبارة، تغرغرُ عيناه بدموع (سوزان): يا سوزان قولي..موسى تحت دهاليز الجحيم بخطوات بعد "المطهر"/.
يضعونه في أحد الأقبية، كما تجري العادة: من يدخل فهو متهم ومدان، تحت سياط التعذيب و "التهليل"؛
يدرك أن التهمة خطيرة جداً -تنظيم الإخوان المسلمين-:
"يصرخ أنا مسيحي ماني مسلم، أنا ملحد ماني مؤمن"؛
لم يتوقع ان "المحقق" سوف يزيد التعذيب، قائلاً : "نحن دولة إسلامية!!"
مرة أخرى محاصر بين الرؤوس والأرجل لمعتقلين، لايعرف شيئا عنهم، يخاطبه أحدهم: "هدول كلهم من خيرة المؤمنين والمدافعين عن الإسلام.."
يعود مرة أخرى ويقول قولته تلك "أنا مسيحي وملحد.."؟
يعلق الراوي هنا بين قوسين صغيرين هي تلك فذلكة للمرة الثانية؛
"هذه المرة ستكلفني سنوات طويلة من العزلة المطلقة..ومعاملة كمعاملة الحشرات، لا بل أسوأ منها"..
تلك "الفذلكة" يمكن إدراجها أيضا مع "السقطة الاولى التراجيدية" حين أطلق لنفسه العنان بنكتته تلك؟
إنما هذه المرة هي آلية دفاعية استغاثية؛
عسى ولعل يرأفون بحالته!
أفترض أنّ المحكى الروائي بين الكاتب (مصطفى خليفة)، والمخرج العائد من فرنسا، قد تمّ بلقاء واقعي بينهما، ربما في "عمرته" لسجن صيدنايا، حيث الكاتب كان معتقلا هناك، لربما في مكان خارج السجن بعد الإفراج عن كليهما، ربما مبنى حكائي ما قد سمع به الكاتب: كما كابوس "واقعي" يحفز الحبر على ملء البياض؛
علينا أن نتذكر أن الكاتب، قد خَضرمَ تلك المعتقلات، يعرف رائحتها الفعلية، دهاليز الفروع الأمنية، آليه عملها: إنما وسط تجمع سياسي مختلف؛
أقله أنه لم يحمل السلاح، أو لم يتهم أنه خاض تلك التجارب؟
مع ذلك تعرض أفراده للاعتقال المديد، وصلت لثمانية عشر عاما لدى البعض!!
يوميات متلصص
"التلصص الذي مارسته لم يكن تلصصاً جنسياً، وإن لم يخلو الأمر من ذلك"؟
اعتمد الكاتب-الراوي الصيغة التلصصية في السرد؟
هم "حجروه" في زاوية قرب الباب؛
عرفوا أنه :نصراني، كافر. ثم يضيفون جاسوس؟ من عندياتهم!!
كي يرتاح "ضميرهم" على اجماع قرارهم؛
هناك مجموعة الشيخ محمود والدكتور زاهي، ثم سيظهر رئيس المهجع الجديد أبو حسين، هؤلاء من حموه من القتل والموت؟
لكنهم لم يستطيعوا تغيير الحكم بعزله ومقاطعته!!
/سنتعرف أن هؤلاء ينتمون لتنظيمات ومجموعات اسلامية، لم تحمل السلاح: حزب التحرير الإسلامي، مجموعات صوفية
في سياق المبنى الروائي، حضور عنصر السرد للانا المتكلم -السارد الرئيسي- يتبين بوضوح، الظروف التي جعلت منه متلصصاً، يختفي وراء بطانيته نهاراً، ما عدا تلك اللحظات للاكل والدخول الى المرحاض!!
من ثقب في البطانية كان يتلصص عليهم، هم سجناء معرضون للموت المحتمل، مع كل فتحة باب؟
مع ذلك وجدوا بعض الوقت كي يحكموا عليه، يعزلوه، يعاملونه "كحشرة"؟!
وصلت بهم أحد المرات؟
تعرض لموقف الكشف مع "حامي الشراقة"، حيث تململ أثناء نومه، وضع بطانيته جانبه: "رئيس مهجع يا حمار..علملي هالتيس.."
يعرف المتلصص العقوبة (خمسمائة جلدة)..جافاه النوم توتراً لما ينتظره:
مع الصباح، الموعد يأتي، جهز نفسه حاملاً جروحه..يتفاجئ بصوت رئيس المهجع: اقعد، طلع أحدهم عنكَ؟
ليش..ليش..لا أحد يتكلم..سوف يخمن لاحقاً؛
أنهم يخافونه من أي احتكاك مع الشرطة!!
/وكانت التهمة هذه المرة حبل نجاة/
هل كان من الأهمية الروائية القول: انه ليس تلصصاً جنسياً، وإن لم يخلُ الامر من ذلك حسب تعبير الراوي؟
الكاتب يتدخل هنا بصفته مراقبا واعياً للتخييل السردي؛
من ألفها إلى يائها (القوقعة) اعتمدت العنوان دلالة مباشرة، لغة تحاكي الجحيم المضاعف، دون الاضطرار لأي من لعبة الإيهام الفني والمجازي (استعارة، كناية، ..الخ)؟
هل كان بالإمكان أن يعيش الراوي السارد (المخرج)، خارج هذه القوقعة؟
بعد "النفي والحجر"؟الدكتور زاهي الذي أنقذه من الموت، أكثر من مرة. يضطر عند تنفيذ القرار: أن يجره جراً من كتفه، يضعه جانب الباب، أمام رئيس المهجع، على مسافة ربع متر من "عازل" جاره؛
ربما تنتثر "النجاسة" خفيةً نحوه ويصاب "بزكام الدّنس"؟!
هم يحتاجون لكل سم!!
بقي محاصراً أمام الملأ لفترة تتجاوز السنتين، ينتبه أن جاره "المجنون" دكتور الجيولوجيا، يغطي رأسه بالبطانية؟
اختلجَ ذلك الكشف: ثوانيَ معدوداتٍ يلملم البطانية على نفسه؛
باتَ الجسد غير مرئياً لهم، كان يشعر أنه متعرٍ مرذول، بإثم متوارث من اللحظة الاولى للخطيئة..
صار التلصص لحظة الحرية، الشعور بأنه يمتلك أناه، هويته التي جردوها منه، واتهامه: "كافر، جاسوس"..
//المتلصص من متعارف عليه،هو لص يتسلل بين ثقوب نوافذ البيوت، لا يعرف الأبواب المفتوحة على مصراعيها؟
يعيش على ضفاف العتمة، يتلذذ بمتع الأخرين، يشاركهم النظر فقط، يستدعي الكثير من الاستيهامات التي ارتبطت مع تلصصه، تختلط لديه لحظات الحاضر مع ماضٍ نفسي ما نكوصي، قد تصل به إلى المسكونية التلصصية//
تضافرت لدى الراوي وسردية الكاتب القدرة على تحفيز مسافة "جمالية" ما بين السرد والقارئ؟
هي مسافة كابوسية، لكنها تجعل القارئ يتماهى مع الحدث "القوقعي"، يترقب، يتألم كما "المتلصص": كاد الجحيم المتخيل في نصوص "العقاب والثواب" أن يندهش!!
وبالصدفة يظهر ثقب جديد جانب الباب؟
أحد عناصر الشرطة "الفطاحل" ضرب الباب برجله، كانت بحصة صغيرة على وشك "الهبوط"، مع هذا "الفَريّد"، نزلت بتؤدة تتأرجح على عجاجِ تدمر!
لدى "المتلصص" الآن حالتي حضور وغياب -بين هاويتين بالتعبير الصوفي- في كلتاهما، لا يُرى: هو السيد الذي بات أعلى من "شقاء" حاكمية المهجع وجلاوزة "الخارج"!
1- للداخل السجناء: من ثقب البطانية يَرى ويسمع. لا يتوانى في لحظات الخطر، أن يمد يد العون؛
محاولة منه انتماء للمكان، الانتساب للعائلة المهجعية: في المرة الأولى حين فقد الدكتور زاهي "ملاكه الحارس"؟
يموت بعد انتشار التهاب السحايا في المهجع، كان المسعف الرئيسي: "شعرت بحزن عميق..أخرجني من قوقعتي..مشيتُ كالمسرنم إلى جانبه..أجهشتُ بالبكاء..لكزني أحدهم بقدمه: قوم ولاك ..لا تنجّس الشهداء.."؟!
في المرة الثانية حينما تمكن دكتور جراح سجين، أن ينقذ أحدهم (جاره) من التهاب الزائدة الدودية..وكان قد طلب اي اداة معدنية يمكن توفرها:
"مددت يدي الى جيب سترتي..تحسست الساعة..فيها كستك معدني ..يجب أن أعطيها لهم، كيف؟.مشيت الى الطبيب دون أي كلمة ، وضعت الساعة..قال لي شكراً!!
هذه الكلمة جعلتني أشعر بالنشوة.. لأول مرة أحدهم يخاطبني وينظر في عيني.."
2- للخارج الشرطة وساحة الإعدام، كذلك موعد المروحية التي تقل (ضباط المحكمة الميدانية)) يحيون ويميتون في نفس الثواني، يحفظ مواعيدهم يومي الاثنين والخميس؛
يسترسل الراوي في وصف طريقة الإعدام البدائية، مع وجود "المرافقة، السجناء البلدية"؟
هؤلاء عبارة عن عساكر ضلتْ بهم السبل (مخالفات عسكرية شديدة الوطأة)؛
يطلقون عليهم "بلدية"، يمارسون شتى أنواع التعذيب للمعتقلين السياسيين (أثناء الحلاقة، إدخال الطعام، وأيضا في "حفلات الوداع" الإعدام؟!
غزوة أبو القعقاع على المهجع
يستحضر هذا الاسم "الرنان"، أحد الرموز الإسلامية في تاريخ الدعوة: القعقاع بن عمرو التميمي..شهد حروب الردة وبعض الفتوحات..
يدخل "بطلنا" أبي القعقاع على رجليه منبطحاً، الى المهجع. ما ان يغلق الباب حتى تجده "محارباً" من فرسان "الصحابة"؟
يتخيل نفسه راكباً حصان القعقاع التميمي، في معركتي القادسية واليرموك؛
يروي البطولات قبل اعتقاله، وكيف أردى من "الكفار" فرادى وجماعات، قتلى؟!
/يُومى للبعض من المخضرمين في السجن: أنه انهار في التحقيق وسلم كامل اللواء التابع له (أربعمائة عنصر)!!/
بدأ "غزوته" الجديدة باعتباره حامل "الرسالة"، التي تعيد الأمجاد للسلف الصالح:
نشرَ جواً من العنف وصخب الحقد؛
نجح في كسب المزيد من الأعداء له؟
إلا أنّ مجموعة من الشباب المتشدد (أربعون شاب)، بايعوه، أعلنوا الولاء والطاعة: أخبروه هناك بيننا، نصراني، كافر، جاسوس..
تقوم "القيامة"، يشهر "سيفه المنمق" بفصاحة اللسان: "كيف تقولون أنكم مسلمون وتسمحون لجاسوس كافر أن يعيش بينكم؟"
"القتل هو حد الكفر والشرك.."
يعترض أبو حسين رئيس المهجع (مجموعة الشيخ محمود). يقف أمام هذه "الغزوة"، ويهدد: من يمسُ شعرةُ من جسده، كأنه يمسني شخصياً..
بعد عراك بالكف والرجل والأنف، تنتبه الشرطة "للصخب الودي": يلتئم شمل المهجع على عقوبة الجلد الموحدة..
يقف لأول مرة "المتلصص" في وسط المهجع، بعد مضي أكثر من عشر سنين صامتا "منبوذا":
"يا أبو القعقاع..تريد أن تقتلني؟..تفضل هذا أنا عاريا أمامك.."
يقدم دفاعات عن نفسه بلغة فصيحة، يهاجم شخصية أبي القعقاع..حتى عن الحاده حاول الخوض في حرية المعتقد..!
بعد هذه الجولة، واعتراف البعض أنه إنسان له اسم -مجموعة من الأطباء، رئيس المهجع، الدكتور نسيم- سوف يعبّر:
"لقد حصلت على حق من حقوقي كإنسان، حق الحياة، حصلت عليه من سندان الجماعة الاسلامية.."!
إنما بقيت "المطرقة" الشرطة واسيادها؟!
//باتت حرية "القوقعة" متاحة لهذه الكتلة من الأصدقاء الجدد؛
أبو حسين سوف يتفاجئ: "ياما تحت السواهي دواهي.."؟
من ثقب الجدار يرى هذا الجحيم الخارجي!!//
المخرج المنكوب و علاقته بالدكتور نسيم
/تستطيع أن تذكر الأسماء -حيث موجودة- في الرواية، إلا اسم المخرج الراوي؟
ذُكر مرة واحدة ببداية اعتقاله، نادوه (موسى)؛
لم يتكرر الاسم نهائيا؟
هل لغاية سردية تطابق الحالة التي أطلقوها عليه "نصراني، جاسوس.."؟ حيث الأنا باتت مضمرة تحت الغطاء (البطانية).
أم "حمالة الحطب" زلات القلم؟/
تلك العلاقة الثنائية بينه والدكتور نسيم، سوف تأخذ طابعاً وجدانياً "توأم روحي" على قول السارد؛
كان من الطبيعي أن تشكل تلك العلاقة، لحظة الانعتاق من "التقوقع"، نحو أنا تتحقق، صار لها كيان: انضم اليه نسيم،طبيب خريج فرنسا، يعشق الفن التشكيلي؛ خارج الانتماء الديني؟ يزدري تلك المنظومة من التفكير!
أخوه متشدداً ينتمي للتنظيم المسلح:
يعتقل الاب ويريدون منه ابنه المنظم: "أنه في فرنسا عند أخيه"؟
بات اسمه على لوائح المطلوبين في المطار..
الراوي حين ينوه للعلاقة بينهما؛
ترتجفُ أصابعه وهو يكتب: "ذعرتُ..ذعرتُ..ذعرتُ..؟! من أنا؟! هل أنا….وإلى أين؟؟".
نسق الأنا الأعلى يراقب الكلمات، يعمل على خروجها كشذرات تلويح؛
دخل البوحُ خطَ الحجب الحمراء: ليس من المباح المرور، إلا عبر كابوس لعنة الجمع..
يأخذ استراحة الراوي السارد، يستعين بضمير الكاتب الغائب. تعاودُ السردية عاداتها في النص:
"في بلدي وفي فرنسا عرفتُ الكثير من النساء..كنت في هذه العلاقات طبيعياً..لم ألحظ أي ميول مثلية.."
يسترسل أيضا بالمزيد من "قصته الشخصية" من فترة المراهقة، وقرفه من سماع هكذا مشاغبات شاذة..
يوحي لنا كقراء : "إن بعض الظن إثم"؟!
وكأنه بات متهماً لأنه غمز من تلك الاشارات؟ من أنا..وإلى أين؟
//(فرويد) له رأي في فهم وتفسير مثل تلك العلاقات الثنائية، التي تحصل خاصة في التجمعات الاحادية المغلقة: يسميها علاقات وجدانية مكفوفة الهدف، بمعنى تلبي الرغبات الوجدانية المرجوة منها، لكنها بفعل آلية الرقابة (الأنا الاعلى) وشدتها، تجعل من الاستحالة بمكان تحقيق الرغبات الجنسية؛
من هنا التسمية بأنها مكفوفة، أي هناك كف وازاحة الى اللاشعور، مقرها الدائم حيثُ تتنحى جانباً..
يتوسع بالشرح خاصة في كتابيه (علم ماوراء النفس، ثلاث مقالات في النظرية الجنسية)..دائما هناك نكوص ما/
-بعيداً عن التنزيه والتأليه. بالنهاية تفسير (فرويد) ومقولاته، هي وجهة نظر؟ "هو مثله شيء"!-
نكبة الأب بأبنائه الثلاثة (سعيد، سعد، أسعد). الفاجعة
هم منتمون للتنظيم المسلح، يُعتقل الأب رهينة عن أولاده..بعد سنوات وفي المحكمة الميدانية، يلتقون؟
يا حجي هكذا يخاطبه أحد أعضاء المحكمة: نريد أن نعدم الثلاثة..؟
يا سيدي إذا تعدموني بدل الابن الأصغر (أسعد) بتكون كتير فضلت علي..يسأله ليش؟
لانو أسعد بعدو صغير وما تجوز وجاب ولاد..أنا صرت فوق السبعين..منشان الله يا سيدي!
يرجعون مع بعض الى نفس المهجع..الأب "تأمل خيراً" بهذا الضابط؟!
في ليل فجرِ خميسٍ، مكسوٍ بالصمت التدمري..كان القمرُ مسترخياً على ظهره!
يُنادى على الأولاد الثلاثة..
يتقدمان سعيد وسعد من أخيهما: "خاي..قوم..فيق..أمر الله ما منه مهرب..وأنا كمان؟..نعم.."
ثلاثتهم يذهبون إلى اللحظة الاخيرة من الوضوء؛
يصّلون ، يودعون المهجع، يقف الأب في منتصف الممر، يخاطب الشراقة ومن خلفها السماء؟
"صارخاً باعلى صوته: يارب..يارب العالمين، قضيتُ عمري كلو صايم وعمَ أعبدكَ، يارب أنا مابدي أكفر..حاشا الله واستغفر الله..بس بدي أسأل سؤال..: ليش هيك؟ أنت القوي...؟ بدك تقول الله يمهل ولا يهمل؟..مين بدو يرجع ولادي.."
من ثقب القوقعة، يتلصص الدكتور نسيم؛
يرى المشانق علقت على الثلاثة، أجسادهم تشخر بصوت الوداع..
الأب: "يا ولداه..!!"
المهجع يقف موحدا، يعلن صلاةَ جنازة جماعية وعلنية:
" لأول مرة منذ وجودي (أكثر من أحد عشر عاماً)، انتظم ثلاثمائة شخص وصلوا..وقفت معهم في الصف الاخير الى جانب نسيم وأبو حسين الذي نظر الي متعجبا مستغرباً..!".
عند هذه المرثية للفاجعة التي حصلت، ارتقى السرد لحالة غير متوقعة من القارئ (أفق التوقعات)؟
أن تأتي سدنة الشراقة، توقف هذه الصلاة، أن ترسل المهجع بأكمله الى عقوبة قصوى، أقلها خمسمائة جلدة؛
يتناسى القارئ أفق انتظاره: تسكنه حالة الوقوف الجماعية، لا ينتبه لمن يصلون ويتوجهون؟
عند هذه اللحظة، تتقدم الفاجعة وكلمات الاب الجريح: صوته الاحتجاجي بمخاطبة الله الصامت!
/هذه الصلاة بما شكلته من صرخة غياب، سوف تلاحق الراوي حتى بعد خروجه من السجن؟
عند زيارة قبر والديه، مع أنور زوج ابنة أخيه: "أنور يرسم اشارة الصليب..احتضنتُ الحجارة الباردة..أغمضت عيني..اتجهتُ نحو القبلة..القبر بيني وبين مكة..قرأتُ الفاتحة..صليتُ صلاة الجنازة!"/
"عمْرته" الى المنتزه الجبلي (سجن صيدنايا). رحلة قصيرة/خمسة شهور
بعد جولة ارتجاعية للكثير من الفروع الأمنية، يقررون ارساله "عمرة صغيرة" الى هناك:
يضعونه في جناح الشيوعيين..من اللحظات الاولى تسكنه الدهشة: "يرفعون رؤوسهم، يتكلمون مع بعضهم.."
تبهره سهرة رأس السنة التي كانوا يعدون لها: ماطيب من المشروبات الكحولية؛
يعلق إنها "تصنيع محلي"..
يعاملونه كأنه واحداً منهم..حياتهم مشتركة: "صندوق مالي واحد..طعامهم ولباسهم مشترك.."
تأتيه زيارة أكثر من عشرة أشخاص ، يركضون كي يجهزونه بكامل أناقته!
حينما يعود مضطرباً، يسعفه أحدهم بكأس عرق..
"أشربه دفعة واحدة..يعطيني الثاني على دفعات .."مزمزة؟
يتساءل القارئ هنا: هل نحن أمام "خمارة البلد" للشاعر أبي النواس!!
في تجربته تلك الخمسة شهور بين الشيوعيين، كانت لغة الوصف: تدغدغ المكان أكثر من الأشخاص، توحي "بالخمس نجوم" حسب تعبير أحدهم..
كان الكاتب حياديا، ترك الراوي يصف انطباعاته؛
يتلصص من بعض الزوايا، لكنه لم يستطع غور حياتهم الداخلية: اهتماماتهم الثقافية، أسئلتهم السياسية..؟
لربما السرد الروائي سوف ينتصر هنا للقول: أن"المنكوب الراوي" كان مسكونا بعد بالكابوس "القوقعة" التدمرية..ليس لديه الوقت كي يسبر الاعماق!
الخروج من السجن/ القوقعة
يختلي كثيراً مع نفسه..يمشي شوارع دمشقَ كالمتاهة؛
كان يتخيل أنه بخروجه، سيعيش الحياة طولاً وعرضاً؟
هم -اخوه وابنته وزوجها- يعتقدون أنه بطل أسطوري؛
هو بقرارة نفسه: مهزوماً مرمياً على الأرصفة، حيث الحياة غدرته؟
تتكالب آلهة الموت: يخرج نسيم من السجن "توأم روحه"، يلتقيان وصديق آخر في مدينته الساحلية..
يخرجُ مسرعاً..يخاطب صديقه المخرج: سأقدم لك هديتي؟
من الطابق السادس يرمي نفسه؛
جسدا كما "الفادي"..يأتيه في الحلم، يصرخ:
"لمَ تركتني..لمَ تركتني!..وكأني كنتُ أسمع المسيح..: ايلي ..ايلي ..لمَ شبقتني؟".
عمَّ قليل.. تتراءى.. آخر جملة، من رواية المسيح يصلب من جديد/نيكوس كازنتزاكي: لا جدوى يا يسوع..!
بعض الكلمات الختامية
ربّ قارئ يفترض ان هذه البيئة العدائية، من السجناء وجعل الجحيم مضاعف للراوي؛
ستجعل من سرديته انفعالية تسجيلية، مشحونة بعبارات "شتم ورجم"، لهؤلاء الذين "قوقعوه" تحت سياط الاتهام والتكفير؟
على العكس من ذلك، جعل من الروي حاضنة متعاطفة مع عذاباتهم، وشدة الخطر المحدق عليه وعليهم: من موت محتمل عند كل احتكاك مع الخارج!
هناك بعض الكلمات المتناثرة على لسان الراوي وتوأم روحه نسيم، حاولت الإشارة لنمط تفكيرهم…حتى هنا كانت اللغة "مهذبة" غير عدائية؛
الراوي، بعد أن فقد الدكتور زاهي، وصفه بهذه الكلمات: "..ثقافة واسعة..أحس أنه بالمكان الخطأ، حيث يسود التعصب وضيق الأفق.."
الدكتور نسيم يصف تصرفاتهم بالتخلف والجهل..
الحبكة الحكائية من لحظاتها الاولى -"الاستقبال" بالسجن الصحراوي- جعلت المنحى يتوجه نحو شدة التعذيب، كابوسية القهر؟
تصفية (العميد) لعدم استجابته بشرب مياه البالوعة..ثم الملازم أول..نفسه المخرج كادَ أن يفقدَ حياته؛ من "حاتمية الضيافة"؟!
مما يدفع للقول أن الحبكة بسلاسة سردها، تعاقبها الزمني شبه المتصاعد..عوامل ساعدت على شدة جاذبيتها للقارئ؛
عندما تبدأ بقراءتها، تسكنك، تدعوك لشغف المتابعة حتى آخر نقطة بها!
لم تحضر "شقاوة" المتخيل السردي: باللعب على الرمز، التكثيف..لعبة العبارة بافاقها المتعددة..
أن الكابوس الجحيم "القوقعة" وصحرائها، كانت أكثر دلالة ووضوح، مما يجعل من المتخيل ينحني ويرفع "القبعة"!
تتنحى التجربة السجنية الخاصة للكاتب (مصطفى خليفة).
تتسلل أحياناً بين ضفائر الكلام؟ عندما تعجز ذاكرة الراوي على الاستحضار..
(... /يقال: أوديب وهاملت كانا بريئين من دم أبيهما)..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الخوف
سهاد حمصي ( 2024 / 5 / 31 - 19:56 )
قراءتك يبعث فينا الخوف، فكيف الواقع ياالهي! ما ابشع الخوف والظلم معاً،،،كل الاحترام لك


2 - مقالة على شكل الرواية
جميل اصفهاني ( 2024 / 6 / 1 - 01:22 )
قليلون من يكتبون بهذا الاسلوب المميز، هذه المقالة تأخذ تدابير وجودها من قلب الحدث لتؤسس لنفسها مكاناً تحت الشمس الابداع، شكرا لك


3 - اكتابات السجن
جيهان ملا علي ( 2024 / 6 / 2 - 10:32 )
كنا نخاف ان نقرأ عن السجن قبل السجن وبعد السجن تصبح كل كتابات عبارة عن فنتازيا بالنسبة الى الوضع الحقيقي داخل السجن، فالكتابة والواقع لا يتطابقان ابداً، كل الابداع فيما حاورت انت

اخر الافلام

.. لقطات من عرض أزياء ديور الرجالي.. ولقاء خاص مع جميلة جميلات


.. أقوى المراجعات النهائية لمادة اللغة الفرنسية لطلاب الثانوية




.. أخبار الصباح | بالموسيقى.. المطرب والملحن أحمد أبو عمشة يحاو


.. في اليوم الأولمبي بباريس.. تمثال جديد صنعته فنانة أميركية




.. زوجة إمام عاشور للنيابة: تعرضت لمعاكسة داخل السينما وأمن الم