الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعيين سفير سعودي في سورية

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2024 / 6 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


بالتأكيد تعيين المملكة العربية السعودية لسفيرٍ لها في سورية بعد كل هذا الانقطاع منذ 2011، يُسعِد كل سوري وسعودي وعربي، وصديق.
خلال عملي الدبلوماسي على مدى 34 سنة تنقلتُ خلالها بين قارّات، وبلدان عديدة، ربطتني علاقات طيبة مع الزملاء الدبلوماسيين السعوديين. ولا أنسى حينما حصلَت مُشادّةٌ كلاميةٌ حامية بيني وبين المندوب الإسرائيلي في اللجنة الثانية التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1982، وانضمّ إليه المندوب الأمريكي في الهجوم ضدي وضدّ بلادي، كيف انبرى مندوب السعودية (وكان من آل الغامدي) ووقف إلى جانبي بحماسٍ بالغٍ، وقال لهم بنبرةٍ عالية: صرتم جميعا ضد المندوب السوري. إن المندوب السوري يقول الحقيقة. ومعه كل الحق في كل ماقاله، الخ..
لقد أراحني جدّا حينها، إذ أنهُ أمرٌ جميلٌ حينما تصطدم مع أي مندوب دولة وترى بجانبك شقيقك العربي.
كانت العلاقات السورية السعودية على أحسنها حتى العام 2011، حينما حصل ما حصلَ في سورية، وبدأ ذاك الشِقاق والتباعُد السعودي السوري.
كانت هناك قيادات سعودية مؤثّرة جدا حينها، ومن صقور النُخبة السعودية الحاكمة، وعلى رأسهم الراحل الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، والأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات السعودية .
لم يكتفوا بتأييد المعارضين والاحتجاجات، وإنما شكّلوا جيشا كبيرا وأطلقوا عليه جيش الإسلام، على تخوم العاصمة دمشق، وكانت صواريخه وقذائفه تطالُ كل أرجاء العاصمة، وتستهدف بشكلٍ أساسٍ حي المزّة 86 . ولا أنسى كم من المرّات كنت أخرجُ من بيتي في المزّة الغربية إلى سوق الشيخ سعد للتسوُّق، وكان يُسمعُ أزيز قذائف الهاوون وهي تمرُّ من فوق الرؤوس فاحتمي فورا في مدخل أقرب بناية. بل لا أنسى حينما ذهبتُ يوما إلى الجامعة الخاصّة التي كنتُ أدرِّسُ بها حينئذٍ، لأرى أن أكثر من نصف الطلاب والطالبات غائبون، وحينما سألتُ لماذا، كان الجواب لأن جيش الإسلام يمطر بعض الأحياء بقذائف الهاوون، ولذا الناس تخشى أن تخرج من بيوتها.
حقيقة ذكريات مؤلمة تعيش مع كل إنسان سوري مهما كان اصطفافهُ. أمرٌ مُحزِنٌ ومؤلِمٌ أن يقع ما وقع بين السوريين.
كان للأسف للمملكة الشقيقة، مع الكثيرين، دورا كبيرا جدّا وقتها في صُنعِ هذه الذكريات الأليمة.
وبالتأكيد لم تأخذ المملكة هذا الموقف، وتنشط بقوة إلى جانب المسلحين، وتدعمهم بالمال والسلاح، ويقف الراحل الأمير سعود الفيصل في مؤتمر جنيف 2 في كانون ثاني 2014 ليخاطب ممثل المعارضة بعبارة (فخامة الرئيس) لم يكن كل ذلك لأجل الحرية أو الديمقراطية، وإنما كان هدفها واضح وهو السعي لتغيير الحُكم في سورية واستبدالهِ بِحكمٍ معادٍ لإيران، ومرتبطٍ بالمملكة. هذا هو كان جوهرُ ولبُّ الموضوع، وكان الأمير بندر يطالب بذلك علنا.
لا نريد أن نستعيد الماضي وتطوراته وكيف، ولكن المهم مضى الزمن إلى أن جاءت القيادة السعودية الحالية التي يمثلها الأمير محمد بن سلمان، وتغيّر الموقف السعودي بعد أن أدركَ أن هذه السياسة السعودية لم تكن مجدية، لا في سورية ولا في اليمن، ولا غيرها، فمالت الكفّة نحو الاعتدال وكان الاتفاق السعودي الإيراني بوساطة صينية في آذار 2023 وإعادة العلاقات الدبلوماسية. وكان من الطبيعي أن ينعكس ذلك انفراجا على العلاقات السعودية السورية، فأعيد فتح السفارة السورية في الرياض، واليوم يتمُّ تعيين سفير سعودي في سورية.
**
ما أودُّ قولهُ في هذا الموضوع، أن الأشقاء في السعودية، يتحملون قسطا كبيرا مما وقع في سورية، إلى جانب أطراف عديدة، ولا أعتقد أنهم ينكرون ذلك، فعلى الأقل جيش الإسلام كان من صناعتهم تنظيما وتمويلا وتسليحا، ولذا أليس من الطبيعي أن يدفعوا تعويضات لسورية، عن ذلك؟.
وحتى لا نقول تعويضات، أليس من المفروض عروبيا أن يقدِّموا لسورية، مع الأشقاء في الإمارات، الذين عَرِفتهم عن قرب وعرفتُ كرَمهم وعروبتهم حينما خدمتُ في سفارة بلادي في أبو ظبي بين 2002 و 2006، ودخلتُ مضافات كبار الشيوخ، بدءا من الشيخ خليفة رحمه الله، والشيخ محمد حينما كان وليا للعهد، والشيخ عبد الله وزير الخارجية، وغيرهم، أن يقدموا مساعدات بمليارات الدولارات لسورية، كرمى لعيون الشعب السوري الذي يعاني اليوم مما لا يعاني منه شعبٌ بالعالم؟.
لعلّهم جميعا سمعوا الإحاطة التي قدّمها كلٍّ من المبعوث الدولي إلى سورية (غِير بدرسون) وزميله (مارتن كريفيث) وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسِّق الإغاثة في حالات الطوارئ، وذلك أمام مجلس الأمن الدولي يوم الخميس 30 أيار / مايو 2024، والتي تُدمِعُ العين وتُبكي القلب، لِما آلت إليه أحوال سورية والسوريين، جميعا بلا استثناء، داخل سورية وفي دول اللجوء. فألا يتركُ هذا لديهم أثرا عاطفيا إزاء أشقائهم في العروبة؟.
**
لا حاجة لأن نكرر كلام (غِير بدرسون) فنحن نعرف الواقع كما يعرفهُ هو، بل أكثر، ولكنه أكّد أن برنامج الغذاء العالمي أشارَ إلى أن تكاليف المعيشة في سورية ارتفعت 104 % بين العام الماضي والعام الحالي 2024 ، وأن الأوضاع الاقتصادية متدهورة، ولا توجدُ إشارات للتحسن.
وقد أضاء على نقطةٍ هامة جدا وهي أنه أصبح في سورية جيلا ثانيا من الأطفال محروما من استمرارية التعليم، أو إخضاعهم لمناهج تعليمية مختلفة بما يهدد مستقبل الأطفال واتساع الهوة بين السوريين وهذا يهدد وحدة سورية واستقلالها وسلامة أراضيها.
طبعا مسألة تربية وتعليم الأطفال مسألة في غاية الأهمية. ففي سورية اليوم أربع مناهج من التعليم والتربية يتمُّ تدريسها، وكلٍّ منها مختلف عن الآخر اختلافا جذريا. فهناك المناهج الرسمية للدولة في أماكن سيطرتها. وهناك مناهج مختلفة في مناطق (النُصرة) ومناهج مختلفة في المناطق التي تسيطر عليها تركيا، وهذه كلها تخضع للتتريك. ومناهج مختلفة في ما يُعرَف مناطق سيطرة (قوات سورية الديمقراطية) وكلٍّ من هذه المناهج يختلف كلية عن الأخرى، وكأننا في أربع دول. ولنا أن نتصور كيف ستنشأ هذه الأجيال من الأطفال على مفاهيمٍ متناقضة، وثقافةٍ متناقضة، وتربيةٍ متناقضة، وتعليمٍ متناقض، وأفكار وقناعات متناقضة، وأهدافٍ وقيمٍ متناقضة. الخ.. فكيف سيشعر هؤلاء مستقبلا أنهم ينتمون إلى شعبٍ واحدٍ وبلدٍ واحدٍ؟.
**
بينما أشار مارتن كريفيث إلى أن معاناة الشعب السوري مستمرة بشكلٍ طاحن، وهناك ما يزيد عن 16 مليون نسمة بحاجة إلى مساعدات إنسانية وأوضاعهم تتدهور سنة تلو الأخرى وهناك سبعة ملايين نازح داخل سورية وهذا لا يفوقه عدد النازحين إلا في السودان.
كما أشار إلى النقص الكبير في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية ومشاريع التعافي المبكّر، إذ كان التمويل 55 % عام 2021 ، ثم أصبح 39 % عام 2023، وحتى منتصف هذا العام 2024 لم يصل سوى 9% فقط، وبانتظار المُحسنين.
**
ألا يقتضي هذا الوضع من الأشقاء في السعودية والإمارات تقديم مساعدات بمليارات الدولارات، لإنقاذ السوريين من هذا الوضع الكارثي؟.
أتمنى أن يحصل ذلك وأن تكون هذه مناشدة للأشقاء في السعودية والإمارات، وأن يتمّ الفصل بين المواقف السياسية والمواقف الإنسانية. فالشعب العربي السوري المعروف تاريخيا بغيرتهِ العروبية، ومحبته للأشقاء العرب على امتداد الساحة العربية، وكرمهِ، قد جارَ عليه الزمن، ويستحق منكم المساعدة في أيام الشدّة هذه. فهل سنردّد مع الشاعر الكبير عمر أبو ريشة من قصيدة "عروس المجد" :
لمَّتِ الآلام منا شمْلَنا .. وَنَمَتْ مابيننا من نَسبِ
فإذ.ا مِصرُ أغاني جِلّقٍ .. وإذا بغدادُ نجوى يثرب ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يكون قانون -الحريديم- في إسرائيل سببا في إنهاء الحرب؟ | ا


.. فيليب عرقتنجي ولينا أبيض: رحلة في ذكريات الحرب وأحلام الطفول




.. مصر: مشروع قانون الأحوال الشخصية.. الكلمة الأخيرة للمؤسسات ا


.. هآرتس: استعداد إسرائيل لحرب مع حزب الله بالون أكاذيب




.. إسرائيل تؤكد على خيار المواجهة مع حزب الله وواشنطن ترى أن ال