الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب (الجرائم الإعلامية وعقوباتها في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي

محمد حسين الداغستاني
صحفي وشاعر وناقد

2024 / 6 / 2
دراسات وابحاث قانونية


تولي الدول والمنظمات العالمية ومنظمات المجتمع المدني والمؤوسسات الإعلامية عناية فائقة لمسألة ضمان حرية الرأي والتعبير للأفراد والوصول الى المعلومات دون عوائق ، وفي هذا السياق تناولت المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان هذه المسألة حين ربطت التنمية الاجتماعية والسياسية للمجتمعات الحديثة بمدى تأمين هذه الحقوق بالشكل الذي تساعد الناس على التحكم في مسار حياتهم الخاصة وإعتناق الآراء دون أي تدخل ، فضلا عن إتاحة الفرص الكفيلة للوسائل الإعلامية المختلفة لتلقي المعلومات الدقيقة والنزيهة والحيادية والآراء المتباينة وإذاعتها بأية وسيلة دون حدود .
لكن ممارسة هذه الحقوق والافادة منها الى أقصى مدياتها تستوجب معرفة المصدات القانونية التي تحول دون تعريض ممارسيها للمساءلة والحساب بل والتعرض للعقوبات بعد ادراجها ضمن مفهوم الجريمة لذا فإن العديد من الباحثين والكتاب تصدوا لمعالجة هذه المسألة الحيوية وتوضيح أبعادها في مقصد تعميق الوعي القانوني لدى الأفراد والحرص على تأمين الأجواء الملائمة لتمكين الفرد في التمتع بالحقوق والمشاركة النشطة في حياة وتنمية المجتمع .
في الآونة الأخيرة رفد الباحثان ا.م. الدكتور صدام حسين ياسين العبيدي التدريسي في كلية الإمام الاعظم الجامعة – كركوك والقاضي عواد حسين ياسين العبيدي / نائب رئيس محكمة استئناف كركوك الاتحادية المكتبة القانونية العربية بكتابهما المهم (الجرائم الإعلامية وعقوباتها في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي) الصادر في القاهرة ٢٠٢٤ عن المركز العربي للدراسات والبحوث العلمية ، فكانت بحق إضافة نوعية مهمة أغنت المساعي الهادفة الى تسليط الضوء على هذا الموضوع الشائك والمثير للجدل .
الجريمة الاعلامية من منظور اسلامي
في البداية أولى الباحثان العناية الى مفهوم الجريمة الاعلامية من منظور الدين الاسلامي وأشارا الى (انها الاستخدام غير المشروع لوسائل الاعلام المختلفة وعدم التقيد بمبادئ واخلاقيات المهنة الاعلامية والتي اشارت اليها القواعد العامة من نصوص القران الكريم والسنة النبوية ) ثم إنتقلا الى إرتباط حرية الاعلام بحرية الرأي والتعبير فأكدا على ضرورة عدم ممارسه هذا الحق بحيث تتعدى على الحقوق الى حقوق اخرى ، وذلك لإرتباط هذا الحق الوثيق بحرية الاعلام بكافه اشكاله - الطباعه والنشر المرئي والمسموع والنشر الالكتروني وحرية الحصول على المعلومات وحرية التجمع السلمي – وعدم إمكانية تجاهل هذا الترابط العضوي بين هذه المظاهر عند تناول الحق في حرية الراي والتعبير من كافة جوانبه ومظاهره المختلفة ، لذا فقد توصلا الى نتيجة منطقية تقول بأنه لا بدّ ان تكون هناك ( ملائمة بين حرية التعبير والمحافظة على النظام العام والمحافظة على السلام الاجتماعي واستقرار البلاد السياسي والاقتصادي ) وبالتالي فان (حرية الراي والتعبير والاعلام لا يمكن باي شكل من الاشكال ان تكون مطلقة وانما لابد وان تكون ضمن حدود الحفاظ على النظام العام والاداب العامة اللذان يعدان قيدان على حرية التعبير والاعلام) وأن هذه القيود والضوابط لا يُعد تدخلا في هذا الحق وعدوانا عليه بل ان عدم الالتزام بهذه القيود يُعد جريمة يحاسب عليها.
تطبيق الحدود على الجرائم الالكترونية والكاريكاتير
ولم يغفل المؤلفان الجدال الدائر بين بعض العلماء المعاصرين والمعنيين بقطاع الصحافة والاعلام في هذه الفترة حول امكانية تطبيق الحدود والنصوص القانونية على الجرائم الألكترونية كجرائم القذف والسرقة عبر الانترنت وأتفقا مع الرأي القائل ( ان الوسائل الالكترونية ما هي الا ادوات والات الجريمة المراد تنفيذها فالذي يقذف الناس مستخدما آلة الانترنيت كالذي يقذف الناس مستخدما آلة اللسان والذي يسرق المال على وجه التخفي والاستتار باستخدام آلة الانترنيت فسيسرق ما يشاء من اموال وهو في بيته او مكان عمله بل ربما يتنزه في الحدائق او على شاطئ البحر كالذي يسرق على وجه الخفية والاستتار مستخدما يديه فلا فرق اذا في إقامة الحدود سواء ارتكبت الجريمة بطريقة تقليدية ام حديثة ) . وكذلك الحال مع (استخدام الرسوم بدلا من الكتابة وهو ما يسمى بالكاريكاتير في الرسم اي الرسم الساخر وفيه تحل الصورة محل الالفاظ والعبارات وترمز الى معنى ورائها فيه نقد او تعليق او مدح او تحريض او غير ذلك) . فمن هذا المنطلق فقد دعا المؤلفان المشرع العراقي الى التعجيل بتشريع خاص يتناول جرائم الرأي والإعلام عبرالإنترنت والاستفادة من التشريعات الخاصة بهذا المجال في الدول العربية والأجنبية للخروج بتشريع رصين يسد الخلل في الأحكام العقابية التقليدية ويعالج الزلل في إساءة استعمال حق التعبير عن الرأي عبر وسائل الإعلام المختلفة .
تأثير الاعلام على الرأي العام ليس بجريمة
وإستعان الباحثان في الكتاب بقرار محكمة استئناف بغداد الرصافة الاتحادية بصفتها التمييزية في العام 2015 بشأن المعلومات المنشورة في وسائل الإعلام والمتضمن ( أن مهمة الاعلام تتمثل في التأثير في الرأي العام عن طريق نقل المعلومة ويعد من اهم وسائل حرية التعبير التي كفلها الدستور والقانون وبذلك فان المتهم ( أي ناقل المعلومة ) لم يرتكب فعلا يجرمه القانون وانما مارس عملا بموجب الحق الذي ضمنه له القانون ) .
لكن الباحثان أدركا خطورة ارتكاب جريمة التحريض على إثارة الحروب الأهلية والاقتتال الطائفي عبر وسائل الإعلام وإعتبراها من الجرائم الخطيرة لما تخلفه من آثار مدمرة على النسيج الاجتماعي، ولما تبثه من أحقاد بين أفراد الوطن الواحد، ومما يزيد الأمر مرارة انتشار القنوات الإعلامية على مختلف مذاهبها ومشاربها وغياب أو ضعف الرقابة على ما ينشر في تلك الوسائل الإعلامية.
تشديد الرقابة على الخطابات الاعلامية الطائفية والمذهبية
وبذات السياق فقد أكد الباحثان في كتابهما على أهمية وضرورة تشديد الرقابة على الخطابات الإعلامية الطائفية والمذهبية و (تفعيل الرقابة القانونية والقضائية على الخطابات الإعلامية وضرورة الابتعاد عن التحزب والميول الطائفية والمذهبية وايجاد تنظيم قانوني خاص بالمؤسسات بالشكل الذي يرسخ الوحدة الوطنية ويفصل القول في الخطابات الإعلامية الصادرة عن المؤسسات الدينية الرسمية في الدولة عن غيرها.
لاشك أن كتاب (الجرائم الإعلامية وعقوباتها في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي) يتسم بأهمية بالغة في التطرق الى القضايا الجدلية التي يعج بها الوسطين القضائي والاعلامي بل ويضع البرلمان والمؤسسات التشريعية والتنفيذية أمام مسؤولية العمل الدؤوب من أجل سد الثغرات القانونية في التعامل مع هذه القضايا بعلمية وحيادية وبعيداً عن الإجتهاد وبالشكل الذي يضمن حقوق الاطراف كافة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسوأ أزمة نزوح في العالم-.. الأمم المتحدة: مقتل أكثر من 12


.. الإفراج عن أسانج: انتصار لحرية التعبير؟ • فرانس 24




.. -حفاضات وكلاب واحتضان جثث-.. شاب فلسطيني يكشف تعرضه للتعذيب


.. جدل على وسائل التواصل بعد اعتقال عارضة الأزياء اليمنية خلود




.. المحكمة الجنائية الدولية تدين زعيما مرتبطا بتنظيم القاعدة با