الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصص قصيرة جدا لنماذج بشرية عادية جدا

عبداللطيف هسوف

2006 / 12 / 13
الادب والفن


‏- القصة رقم 1: ‏
كانت نظرات علي متوثبة بعد أن عزف محمد على الوتر الحساس. هجرة يليها الثراء، هذا هو الحلم. ليس ‏حلم علي لوحده، بل هو حلم ملايين المغاربة، ولربما حتى الذين لازالوا في بطون أمهاتهم. يا للأسف‎!‎‏ ‏
في الأخير، تيقن محمد أن لا مندوحة من حكي قصة الراعي الذي هاجر إلى المدينة وأصبح مليونيرا. ورغم ‏أنه سيضيف وينقص ويضخم ويقزم، إلا أن القصة في مجملها كانت عين الحقيقة. ‏
حين انتهى محمد من الحكي، عنت عن علي صرخة إعجاب لم يستطع مداراتها. كان خلال كل الوقت مشدوها ‏يسيل لعابه طلبا للمزيد. قال مرتبكا كأنما يحاول فك عقدة لسانه الذي عقل من غرابة ما سمع:‏
‏- هذه معجزة. ‏
رد محمد بصوت خفيض:‏
‏- المعجزات جزء من الحياة، عندما لا تقع، فإن شيئا ما أخطأ مرماه.‏
‏- هذا إنسان غير طبيعي، محظوظ. إن حظه يتشقق له الصخر. ‏
‏- وهل تؤمن بوجود أناس غير طبيعيين؟
‏- حتما. لكن، لا أعرف ما يجعل هؤلاء يختلفون عن سائر البشر.‏
‏- الطموح والحظ والصدفة والظروف والمثابرة... كل هذا يلعب.‏
‏- لكن الأشياء تغيرت الآن. ‏
‏- الأشياء لا تتغير، بل نحن من يغير نظرتنا إليها. ‏

‏- القصة رقم 2: ‏
سمع صوت سيارة تكبدت مشاق الطريق لتصل إلى تلك النقطة البعيدة في قمة الجبل عبر الطريق غير المعبدة ‏والوعرة جدا. ولأن الأمر لا يحدث إلا ناذرا، فإن الجميع خرجوا ليتفرجوا على المشهد في طقس شبه احتفالي. ‏كانت سيارة جيب تحمل مغامرين أجنبيين: رجل وامرأة. ترجلا عند نهاية الطريق المتربة التي تنتهي على بعد ‏أمتار من منزل الفلاح التهامي. سلمت الشقراء ذات الأعين الزرقاء والبشرة البيضاء والشعر الأشهب النافر ‏مبتسمة فيما يشبه الحياء. ورغم ذلك كانت تبدو متوترة لم تغادرها تشنجات توحي بخوفها وتوجسها. كانت تتقدم ‏مترددة إلى الأمام كمن يشق سبيله في ظلمة حالكة، كأنما الأرض تميد بها. وبعد لحظات كانت دمعتان ترقرقان ‏في محجريها لما أبدى الفلاح التهامي وزوجته حادة من حفاوة منقطعة النظير. كأنما كانت الشقراء تظن أن هؤلاء ‏الناس سيقطعون أوصالها ما أن يعلموا بأنها نصرانية جاءت من أوربا مستكشفة لجبالهم، وإن أخبرها صاحبها ‏بلهجة دب فيها الحماس أن هذا الشعب ظريف متسامح إلى أقصى الحدود. ‏

‏- القصة رقم 3: ‏
كان بوشتة يعتمر البيرية، رجل ممتلئ طويل، مربع الكتفين، ذو وجه مدور. كان بوشتة يشتغل جزارا بفرنسا، ‏لذا فهو يحمل جواز سفر فرنسي. كل شيء في هذا الرجل يوحي بأنه أعرابي حتى النخاع عدا اسمه، اسمه على ‏الجواز الذي تحول من بوشتة إلى سيرج، بالإضافة إلى هندامه الذي يوافق هندام بروليتاريا فرنسا سنوات ‏الستينيات. يلقي ضحكته الدرداء المطبوعة بألفة لا يمكن إلا أن يستكين المرء إليها، ثم تتدفق لهجة منطقة الشاوية ‏العروبية التي تجري سلسة على لسانه رغم أنه أمضى ثلاثين سنة بباريس. ‏

‏- القصة رقم 4:‏
كان عبدالله يرتدي بدلة تبدو ضيقة أو هي ضاقت بعد أن تخن هو. كان هذا الرجل يشتغل بمهنة التعليم ‏بالمغرب. سافر شهرا كاملا إلى باريس لحضور تدريب في مجال التربية على حقوق الإنسان. ويبدو أنه أخذ ‏حقوقه دون نقصان خلال هذه السفرة، وأنه حاول التخلص من الإحساس بالقمع الذي مارسه عليه المجتمع ورجال ‏الشرطة حين كانوا يلقون عليه القبض بحجة السكر العلني في بلد مسلم أو بحجة التبول في الشارع العمومي حين ‏كانت الجعة تحرق مسالكه البولية وهو يتسكع ليلا في دروب المدينة المتثائبة. ‏

‏- القصة رقم 5: ‏
راحت الطبيبة تتفحص ذاك المسكين الذي قرفص على رجليه قرب الباب. كانت مهتمة كثيرا بما بدا على ‏وجهه من بقع بيضاء تصبغ أديمه البني. ‏
بعد فترة، قالت في شبه أسف: ‏
‏- إن به ضرب من الجذام. ‏
سأل الجميع مفزوعين:‏
‏- الجذام؟ ‏
ردت:‏
‏- نعم، إنه مرض يصيب بشكل أساسي الجلد والأعصاب، ثم يخرج منها عندما تشتد الإصابة وتضعف ‏المقاومة إلى الدم فتصيب العينين والعظام والخصيتين والجهاز التنفسي العلوي وأجهزة أخرى...‏
تدخل واحد من الحاضرين ليقول:‏
‏- أظن أن هذا المرض اللعين لا يشفى صاحبه؟ ‏
ردت محتجة:‏
‏- لماذا تقول ذلك؟‏
‏- لأنه جاء في حديث يرويه البخاري عن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (فر من المجذوم كما تفر من ‏الأسد). كما أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال في موضع آخر: (لا تديموا النظر إلى‎ ‎المجذومين). ‏

‏- القصة رقم 6: ‏
ظل سالم ينظر إلى ميمون وفي عينيه مسحة من الحزن والشفقة. مد يده إلى جيبه وأخرج المبلغ المطلوب ‏دون أي ينبس بكلمة. ودعه ميمون شاكرا له صنيعه. وكالعادة، كان يلزم سالم الوقت للاستيعاب بسبب الصدمة. ‏راح يتأمل ميمون يبتعد حتى اختفى في نهاية الشارع الممتد أمامه. بقي ساكتا ساهما للحظات. هذا ميمون ابن ‏الريف، العزيز النفس الذي كان يمشي في كبرياء في شوارع وأزقة الدارالبيضاء يرتدي بذلة الشرطة الرسمية، ‏هاهو الآن يطلب ما يسكت به جوع ابنته التي لم يمض على ولادتها أكثر من ستة أشهر. ‏
كان لسالم ساعتها عند ربه رجاء واحد: أن لا يضطر يوما للقيام بعمل يتناقض مع تمثلاته وقناعاته. وظيفة ‏شريفة أحسن ألف مرة من وظائف تملى من فوق ويضطر صاحبها للتجني على أبناء الشعب مقابل إرضاء ‏أشخاص يصدرون أوامرهم الظالمة وهم يتأرجحون فوق كراسيهم المريحة. ‏
تأبط سالم كتابه الذي كان يحمله ساعتها وراح يدلف من شارع إلى شارع دون هدف محدد. ‏

‏- القصة رقم 7: ‏
بعد العشاء، قامت لتحظر قهوته السوداء من دون سكر. حين عادت، كان سعيد يطبق على كوم من ورق ‏جريدة قديمة بكلتي يديه. استرعى انتباهه عنوان عريض: الفنانة الشعيبة طلال تكرم بباريس . سأل ولما يصدق:‏
‏- أحقا حصلت الشعيبية على جائزة بباريس؟‏
تخللت ليلى شعرها بأصابعها، ثم ردت:‏
‏- ألا تصدق الصحافة؟
‏- ليس دائما، أو قولي ناذرا. ‏
أدار ظهره لها وراح يقرأ جهرا المقال في الجريدة المتقادمة أوراقها: لم تتعلم‎ ‎الرسم ولم تدخل قط معهدا ‏للفنون... الحاجة الشعبية طلال من مواليد 1929ميلادية... هذه الفنانة المغربية تسلمت جائزتها في شهر مايو ‏الماضي ضمن حفل نظم بالعاصمة‎ ‎الفرنسية باريس... أقامت الحاجة الشعبية عدة معارض ومارست الفن بالسليقة ‏واعتمدت على‎ ‎فطرتها، وهذا يدل على أن الفن بداخل‎ ‎الإنسان نفسه ولا يأتي من خارج الذات... .‏

‏- القصة رقم 8: ‏
الدكتور سعيد مدرس لعلم الأنتربولوجيا بإحدى الجامعات. كان يرتدي جاكيت جلد سوداء وبنطلون دجين ‏أزرق. كان يدخن سجائره الواحدة تلو الأخرى وتعتري محياه مسحة من القلق والكآبة. ومع أن ليفي ستراوس ‏المغرب كان يدرس علما يبحث في أصل الإنسان وتطوره وعاداته وثقافاته وأعرافه، إلا أن حديثه كان مغرقا في ‏السفه والتفاهة. خرج من القاعة متوعدا مزمجرا وهو يوجه للجميع أقذع الشتائم. ‏

‏- القصة رقم 9:‏
كانت تلك السويعات رفقة عزيز مناسبات توقد في ذهن لبنى العديد من الأفكار والتساؤلات. لا تخفي دهشتها ‏واستغرابها لتقول:‏
‏- معك أشك في كل شيء. أشك أنني أنا. معك يتبادر إلى ذهني السؤال تلو السؤال.‏
ابتسم عزيز. تنحنح وقد أثلج كلام لبنى صدره ارتياحا، فهو لا يرجو منها أكثر من الشك وطرح السؤال. أليس ‏الشك نصف اليقين، كما قال ديكارت. أليس السؤال نصف الجواب، كما يقول الفلاسفة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس