الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاث قصص لجاسم عطا

ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)

2024 / 6 / 8
الادب والفن


مناسبة رحيله المؤلم: ثلاث قصص لجاسم عطا.
قبل حوالي ربع قرن، عندما فكرت بإعداد كتاب يضم قصص مجموعة من أدباء شهربان (المقدادية) أشار علي الأصدقاء بأن أنتبه الى وجود كاتب قصصي ذي صوت متميز شجاع لم أكن قد تعرفت عليه شخصيا بعد، فكانت هذه القصص الثلاث التي ضمتها المجموعة القصصية المشتركة (في ظل ليمونة) والتي تمثل نماذج من أسلوبه المرهف الجميل.
بعد سنة أو اثنتين كلفني جاسم بتقديم مخطوطة أحد كتبه لغرض إجازته من الرقابة وأنا في طريقي لتقديد مخطوط مجموعة قصصية لي. بعد أسابيع التقيت بصديقي الأستاذ ح. ي في أروقة الشؤون الثقافية فأخبرني بأنه كُلف كخبير لتقييم كتابينا معا، أنا وجاسم، وقال لي: لقد مشّيت كتابك رغم ما فيه من خطورة لكنني لا أستطيع بصراحة أن أجيز كتاب صاحبك. إنه كاتب خطير جدا وربما تحسب كتاباته ضد الحكومة وقد يدخله ويدخلني السجن إن صدر!
حين أخبرت جاسم بالأمر اكتفي بضحكة ساخرة وقال: كنت أعرف بأنه لن يُنشر!
• ولد عام 1958 - الكويت
• نشر العديد من القصص والمقالات في الصحف
والمجلات العربية.
• شارك في عدد من الأمسيات والندوات القصصية
• من أعماله المنشورة :
1- هلوسات شرقية (مجموعة قصصية) – بيروت 1985.
2- وطن ومواطنون ( مجموعة قصصية) – بيروت 1987.
3- وناسه (مسرحية أخرجها عبد العزيز الحداد) – الكويت 1988
4- سنو وايت ( مسرحية أطفال كتبت أغانيها وغنتها إيمان الطوخي) . أخرجها
عبد العزيز الحداد – الكويت 1989
• له مجموعة قصصية تنتظر النشر بعنوان (متاهات فارس الأكاذيب)
تقديم:

الغريب في أمر معرفتي بجاسم عطا هو أننا صديقان بالواسطة ! فرغم أننا نعيش في المدينة نفسها ونحيا في الجو الأدبي ذاته فنحن لم نلتق وجها لوجه بعد . ولربما تكون هذه الغرابة منسجمة مع جو التغريب الذي نراه في قصص جاسم عطا ذاتها : إنه يمارس ضربا من الكوميديا السوداء أو الفنتازيا الساخرة المتجهمة . فشخوصه لا تعترف بقيود الزمان والمكان ، وهي مطلقة العنان في اختيار أفكارها وأفعالها وردود أفعالها .. وهلوساتها . غير أنك تشعر في ختام القصة أن تلك الحرية لم تكن إلا وهما وسرابا خادعا حين تتواجه تلك الشخوص مع مصيرها المحتوم ، وأن هذه الأسلوبية الرمزية المحكمة تخفي وراءها وجعا صارخا .. ومأزقا لا فكاك منه ..
هنا نقدم ثلاث قصص من مجموعته غير المنشورة : ( متاهات فارس الأكاذيب )


جمهورية مصر القديمة
جاسم عطــأ

نسابق الزمن،السلاحف،الموتى،وفي النهاية نكون في آخر المطاف…
المطاف الصعب! حيث تنعدم فيه أشياء كثيرة،أو تفقد قيمتها،الا الحب الذي يبقى له دور أكــبر وأعظم وقت المحن، ولأننا نعيش بشرانق أحلام اليقظة،وإذا استيقظنا،أبحرنا في مياه الجحيم،بمجاديف منخورة،وأشرعة أمل مثقبة، فقد اكتسبت مـن هذه الرحلات المشبوهة،وجهاً مشوهاً وجسداً معوقا، لذلك لم أجد من تقبل بحبي سوى فتاة عمياء فقيرة،جمعتنا معاً أحلامنا الموءودة في صحراء الزمــن المالح،وفيما بعد اكتشفت ان زواجي مـن هذه الفتاة زادني قيداً حول عنقي،أعاق تحركاتي وحريتي، فعقارب ساعتنا تدور وتدور الى الخلف،حتى صرنا لا نشبه أنفسنا ولا عصرنا،اننا نموذج قديم في عصر حديث جدا،الا أن زواجي كان أيضا يخفف من مرارة حياتي،عندما أضع رأسي على صدر زوجتي، وأنا أشكى إليها ما عانيته طوال النهار،فمنذ عشرين عاما،والشمس تفتح عينيها على مائة ألف عامـل مسخرين لجلب الأحجار من وادي حمامات لبناء هرم الجيزة للفرعون خوفو،وأكثر مـن هذا العدد ينحتون تمثال أبي الهول للفرعون خفرع،وضعف هذا العدد يعملون لإزالة شعر الفرعونيات،وأضعاف أضعاف هذا العدد يبكون لموتاهم ومرضاهم،ولقهرهم وجوعهم،وأشد ما يبكيهم غفلة الإله "آمون" عنهم،كل هذا ونحن مجبرون بالقوة على جمع البيض كي يجلس عليه الفرعون،هكذا حياتنا كانت وما تزال خالية حتى من الابتسامة،فالابتسامة في مصر القديمة،كالعصفور المهاجر ليس له وطن على شفاه المواطن الفقير،لانشغالها دوماً بالتأوه.
لكنني بعد أن علمت بان بذرة الحب تنمو بأحشاء زوجتي،بدأت لأول مـرة أتذوق طعـم الأمل،وأقضي معظم أوقاتي متسائلاً بسذاجة الأطفال:-هل سيكون المولود ذكراً أم أنثى ؟ وكيـف سيكون شكله ؟ وما أسمه و.. و.. و.. والأيام تمر ونحن نبني ونجمع البيض للفرعون،والأيادي مرفوعة للسماء،لتطلب من الله أن يخفف من محنة الفرعون المبجل،ونفذت دعوات الناس نحو السماء،ومـن ضمنها دعواتي أنا وزوجتي،ورزقنا بمولود ذكر كزهرة اللوتس ، منحنا السعادة والبهجة ، وكشتلة أمـل بيضاء مزروعة وسط حقول الحرمان.
ولما فقس البيض تحت الفرعون،رفعت رايات الفرح،و أقيمت الولائم للّئام، وهزت الصدور والخصور،ووزعت الهدايا والعطايا على البغايا،ونحن كالمطايا بانتظار الأوامر والوصــايا، وخرجت مـن البيض فراعين كثيرة،انطلقت لتتفرعن على الناس،وكل منها يريد بيضاً يخصه،فازداد الطلب علـى البيض،وصرنا فراعنة ومتفرعنين،ومتفرعن عليهم،واستمر الحال مـن سيئ الى أسـوأ، و أصبحت مشاهدة رغيف الخبز أمراً شاقا،فأنا وزوجتي كنا نعجن من الحجر لقيمات،ونستحلب من الرمل ماءً لأبننا،الذي ينمو بالدعاء والصلاة المتواصلة بشق الأنفس،ولكن هيهات أن نفلت بريشنا! فكيف بغلامنا الذي شب ؟ وأرحام نسائنا صارت موانئ تجارية لتصدير فلذات أكبادنا للخـارج، الذين نودعهم ونستقبلهم بالدموع والزغاريد،فقد أخذوا ابننا منا عنوة ليشاركهم في جمع البيـض، وودعناه بالدعوات والتحيات،وبقينا نحسب المواسم،ونقرأ القرآن،ونصلي ونصوم،وننذر النذور لكهنة "آمون" ونزور قبور الصالحين وننتظر البشرى.
وفي ليلة رأيت اله الموت "أنوبيس" مستلقياً علـى النهر العطشان،أشار علـي بعصى من "ألاكاسيا"،فررت منه وشوقي لأبني ينزف دمـاً مـن مساماتي، وقلقي على زوجتي يبعثر أفكاري، دخلت منزلي وأنا أحمل خوفاً وحزنا،شممت رائحة أبني الطيبة،وقفت مكاني مشدوهــا، حاولت أن أعيد رسم صور كثيرة بخيالي،بعدما مزقتها نواقيس العذاب وهـي تقرع وتقرع بداخلي لغيابه، وتصورت بأن لقاءنا سيطرد من حياتي غربان الأحزان التي كانت تحلق في يقظتي ومنامي،لتأكل بذور مسراتي،الا أن اللقاء بيننا سار ليس كما توقعت! فلقد كنت أحضنه وأقبله بحرارة،وهو واقـــف أمامي كأنه محنط غير مبال بأسئلتي وترحيبي،تقبلت الامر برحابة صـدر،وأرجعت السبب للخجل، التعب،الصدمة،وبقيت أسئلتي وكلماتي لا تجد مقراً عنده،الا عندما سألته:-
-أين أمك ؟
لا أعرف هل أجابني أم أمرني،فلقد قال:-
-اتركها وشأنها.
-كيف أتركها ؟ يجب أن تراك بقلبها وتحضنك،انها مريضة جداً يا ولدي.
رحت أبحث عن زوجتي في المنزل ، وحين هممت بدخول الغرفة ، قفز أمامي وأمسكني قاومته بقوة ، وأفلت منه،ودخلتها ، تسمرت مكاني فزعاً وأنا أشاهد أحد الفراعنة يأكل زوجتي الملطخة بدمائها ، إلا أن الفرعون قال لي:-
-لا تخف لن أكلك ! فهذه تشبعني اليوم.
كانت الهواجس برأسي ، والكلمات بفمي تائهة ، لا تعرف الاستقرار ، لم أحس إلا بابني يحملني خارج الدار ، ووقف أمامي كالحجر ، فتمتمت قائلا:-
-بسم الله الرحمن الرحيم ((واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا.))
-(( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم.))
-لكنه يأكل أمك يا بني.
-إنه الفرعون يا بابا.
-أمك التي حملتك تسعة شهور انه يأكلها يا ولدي.
-إنه الفرعون يا والدي.
-أمك التي أرضعتك وربتك ، أنه يأكلها يا رجل.
-إنه الفرعون يا والدي.
-أنني أعرف أنه الفرعون ، ولكن أنت، أنت ، أتعرف أنها والدتك ؟
-لو كنت حقاً حقا تعرف أنه الفرعون لما أنجبتني في عصره.


فقاعات رمادية
جاسم عطـا

وقف أمام النافذة مراقباً القمر المتكئ خلف الغيوم المتقلبة المزاج، سمع بطنه يعزف مقطوعة الجوع ، دون تردد توجه الى الثلاجة ، وأخرج منها بقرة كبيرة ، ونام تحتها ليرضع منها ، سمع زوجتــه تصرخ بألم قائلة:-
- " انقلني الى المستشفى فورا ، لقد حان موعد وضعي ! "
على الفور ترك بقرته ، وأخرج من مزهرية فخارية حماره الذي يستطيع الطيران بفضل نجاح عالم عربي في تحسين الهندسة الوراثية لهذا الحمار ، ومزجها بهندسة الخفاش الوراثية ، وتبع العالم العربي عالم باكستاني مبدع ، وضع في مؤخرة الحمار محركاً نووياً لتصبح سرعة طيرانه كسرعة طائرة نفاثة.
نهق الحمار وحلق مبتعداً عن الأرض حاملاً المرأة وزوجها ، الذي يركله طالباً سرعة أكـبر، فأقرب مستشفى تقع على الساحل الأوربي للبحر الأبيض ، ولسبب ما كان هناك قصور بالسرعة ، أقلق الزوج المحاصر بآهات زوجته العنيفة والمستمرة . وتسرب التشاؤم الى داخله ، لما رأى عنق حماره خاليـاً مـن تعويذته الدائمة ، ولم يخطئ إحساسه، فبدخول الأجواء الأوربية استقبلته بحماس المطبات الجوية ، والعواصف والأمطار التي صعبت جراءها الرؤية كثيرا ، وكاد الحمار أن يصطدم بطائرة الشبح ، لولا انحرافـه الحاد المفاجئ، مما أربكه وجعله يقفز بالفضاء وهو ينهق بعصبية ويرفس ، والزوج ممسك بذيله ولجامـه بقوة للسيطرة عليه ، فزعت الزوجة فزعاً أخرج الطفل من أحشائها ، فهوى في الفضاء ، نبهت زوجهـا وهي تبكي وتتأوه قائلة:-
- " الطفل سقط مني،ابحث عنه بسرعة."
- " اللعنة عليك وعلى هذا الحمار المتهور ! "
بحث عنه بدورانه على شكل دوائر مترابطة ، مستعملاً شاشة الرادار ، وهو يلعن ويشتم زوجته المهملة ، التي كانت تدافع عـن نفسها بالبكاء ، وتلطم خديها وصدرها بقوة، وأخيراً وبعدما يئـس من البحث استنجد بكل نقاط الطوارئ الأوربية عبر الاتصال الفضائي المزود به الحمار ، أمـا الطفل فحين سقط ظل يهوي الى أن أستقر في أحضان كاهن يشارك بمراسيم دفـن ميت ، وتفاجأ الكاهـــن والحاضرون ، وصلوا شاكرين الرب، وآمنوا بأنه معجزة نزلت من السماء ، وتناولت كل وكالات الانباء العالمية خبر الطفل السماوي مـع بعض الإضافات الطفيفة ، وصار لـه اتباع يقدسونه ، وزوار يتباركــون ويتعالجون ويطردون الأرواح الشريرة به ، بينما يصر والداه على ان الطفل هـو طفلهما وأنه لم ينزل مـن السماء وأنما سقط منهما اثناء طيرانهما ، واشتد الخلاف بين الكنيسة وبلد الوالدين ، ثم بين أسيا وأوربا، وحاولت الأمم المتحدة التوسط لفض الخلاف ، لكنها لم تنجح، بـل عجلت بإشعال فتيل الحرب بين القارتين الجارتين ، ومنذ البداية ظهرت قساوة ووحشية الحرب ، فكلتا القارتين تضمران لبعضهما حقداً دفيناً بسبب الثارات القديمة ، وهيئ كل شئ لهذه الحرب ، من أسلحة الى عوامل نفسية ، وإعلامية وتاريخية ، واخيراً تعاطفت أفريقيا مع أسيا ، ودخلت الحرب ، وأمريكا الشمالية ساندت أوربا ليزداد عدد الضحايا والخطابات الكاذبة والوعود الواهية ، والخرافات السياسية ، وتم إعدام الأسرى من كلا الطرفين ، وفرز الضحايا الى شهداء وخونة وأعداء ، ونتيجة الكساد الاقتصادي العالمي وقعت المجاعات، وزاحم البشر الحيوانات على علفها ، وصار الأباء الوقورون يقودون بناتهم الى دروب الرذيلة مقابل حفنة قمــح ، والأمهات يبلغن السلطات بخيانة أبنائهـن ، ليستلمـن المكافآت المادية ، وأصبح المواطنون يجاملـون السلطات على حساب مبادئهم وأحلامهـم نتيجة قهرهـم وجوعهـم ، وألغت السلطات المتحاربة الديانات دون تميز ، لأنها بحاجـة لعبادة وتقديس مديري المعركـة ، وأخيراً انتشرت الأمراض والأوبئة ، لتحصد من لم يقحم في حقول المعارك.
كانت هناك دول ترفض هذه الحرب المجنونة ، ومن بين هذه الدول المحبة للسلام، دول أمريكا الجنوبية المشغولة دائماً وأبداً بتطوير لعبة كرة القدم ، وكان لهذه الحرب أثر سيئ على تطوير اللعبــة خصوصاً في كولومبيا بعد امتلاء شوارعها ببنات وأولاد السوء النازحين من الدول المتحاربة ، وهـم يهربون الأمراض والموت تحت جلودهم أينما وصلوا، وبعد جلسـات ومراسـلات ومفاوضــات ومداولات سرية وعلنية لمدة عشرين عاما ، استطاع الرئيس الكولومبي أن ينهي القتال ، بموافقة حلـف أوربا على أخذ الجزر اليابانية تعويضاً عن الأضرار التي لحقت به ، وأتضح بعد نهاية الحرب أن سبب قيامها هو رغبة دول أسيا وأفريقيا بإعادة الاستعمـار الأوربي لبلدانها ، بعد فشـل حكوماتها الوطنية بإدارتها ديموقراطياً واقتصاديا ، أما بالنسبة للطفل السماوي الذي لم يذكر في برتوكول السـلام ، فقد صـرح رئيس إيطاليا بأن الطفل أعدم في أوربا ، لما بلغ العقدين لإدارته منظمة مشبوهة سرية تدعو للسلام.!

رجل في قارورة امرأة
جاسم عطا
عرفتها منذ زمن الفطحل،حيث كانت الحجارة رطبة،وقبل بدء التاريـخ عشـقتها بجنون ، وهمت بأطياف سحرها،وألغيت من حياتي الحزن والحسرة،كان كل يوم جديد عيداً لميلاد يوم سعيد،فالشمس لم تشرق إلا كي أشاهد وجـه حبيبتي،والقمر لا ينير ألا ليعكـس نوره في عيني حبيبتي،حتى الزهور لا تتفتح الا لتقلد ابتسامة حبيبتي،هكذا كنت وكانت وكانوا ، الى أن ضيعني قـدري، فأصبحت دموعها لآلئ يتاجر بها أثرياء بلادي،ودموعي ماءً طهورا لأحزان فؤادي،وفقدت الكثير من الدم والمبادئ،وأشياء أخر،ومن بين ما فقدت سر وشيجتي بها،فصارت تعصف وتعبث بي ومعي كما تشاء،كمهرة جامحة متوحشة،ترفض السدود والحدود،لا يطيب لها إلا دهـس ذكرياتي وأحلامـي، أقدامها لا تفرق بين الزهور والصخور،تأتيني حينما تريد،لتحرقني بأنفاسها الملتهبة،ولتصهر انتصاراتي الكاذبة وأوسمتي التالفة،اقفز في حبها درجات،وهي تدفعني للعذاب دركات،الهروب منها يعني الولوج في دوامة عشقها، انها امرأة فريدة مـن نوعها،لم أقابل مثلها إبان تجوالي في مطارات،وموانئ،وفنادق ومعتقلات العالم أجمع ! وكم من المرات تصورت بأن نظام الكون يدور حول محورها،والا ماذا تعني صورها التي تغطي كل الشوارع والجدران،والصحف والمجلات،وعلب السجائر؟ ومن هي حتى تكون بهذه الشهرة؟ وإذا سألتها عن ذلك،أجابتني إجابات ساخرة أو مبهمة،ثم تعود لممارسة هوايتها في جمع الكلمات لتكون منها جملاً مفيدة في عالم يكسوه اللون الرمادي،ولهُ طعم الحنظل،ولهـا حنان يغطـي الدنيا كلها، إلا أنا ! الا أنا ! لقد كانت توقظني متوسلة كـي أطفئ الشمعة لها خوفاً على الفراشة، التي تحوم حول لهبها،وأنفذ لها مـا تريد،وأمزق لها دياجير الليل ووحشته،بسرد الأكاذيب الكبرى،واجترار الأوهام.
آه ! دمها يرفض البرودة والتخثر،مثلنا كانت هـي ترفض توسلاتي وتضرعاتي،وتدحرهـا بسيول شبقيتها لتميتني غرقاً ببحر قسوتها،لا توجد في علاقتنا أية عدالة بيولوجية،فأنا لي ثقب واحد، ولها عدة ثقوب بظهري،تحفرها بأظافر كفيها،عندما يثور البركان ويفيض النهر،ليمتزج دمي بعرقي، وشهوتي بألمي…صرخاتي توقظ بقايا فحولة في قائد قطيع فقد قرنيه بسلسلة معـارك خاسرة،وأصبح يدافع ويهاجم بمؤخرته.
إنها تجيد التنمر والتثعلب علـي،وتخادعني بجريها أمامي،لتتعب بصـري وأعصابي بجسدها المخطط،لقد استطاعت مرة أن تخدعني وتوهمني بأنها قطعة بوظة!! ودفعتني للحسها من أخمص قدميها الى قمة رأسها،وهي تضحك بغنج،وأنا ألحس البوظة الساخنة بجنون!
أيتها القبور! اطردي موتاك! فأنهم لم يجيدوا الحياة…فقد أرسلت لك بدلاً عنهم امرأة تعشق كل شيء،وتعرف وتجيد كل شيء،تعرف كيف تجعل ملابسها الداخلية معطرة دون عطور أو بخور، إنها تزرع الأمل وتنشر الحرمل في الصحراء،لتخرج منها لؤلؤاً وياقوتا،نعـم. نعم انها ساحرة! فحين تلمسني تلغي مرارة الحاضر،وتبعث في نفسي نشوة مزخرفة بوجع اللذة،يكـاد الزمن أن يطمرها،ولما تحضنني تتوقف دقات الساعة،وتنفرج عقاربها الملساء بحبور،ولا يسمع سوى طقطقة عظامي في أجمل معزوفة،وتضع في فمها قطع ثلج صغيرة،كي لا تحرقني أنفاسها الساخنة،لكنني أجدها أسخن مــن دبابتي حين احترقت بي.
يا ليت الأطباء أخرجوا الشظية من جمجمتي،فلربما مت حينها،وحددت خسارتي مسبقا! نعم أنني نادم على قتلها،فأنا أعيش في قارورة هذه المرأة،ولكن ماذا أفعل؟ وهي دوماً تؤجج بداخلي نار الغيرة ، لتحرق ما تبقى لدي،فلقد اتصلت بها اليوم عدة مرات،ولم أسمع إلا نغمة انشغال الهاتــف، حسبتها تكلم عشيقاً،انتابني هاجس يخدش بمخالبه الملوثة الأماكـن البيضاء بداخلي، ودفعني للمنزل متسللاً كالقط الأسود،وأنا أحمل سكيني،فجأة قفزت أمامها،وقد كانت عارية،وصحت بها قائلا:-
-أني أتصل بك منذ الثورة الفرنسية،وهاتفك مشغول،فمع من كنت تتكلمين؟
أجابتني كأن الأمر لا يعنيها:-
-هاتفي وهاتف نوال الزغبي عاطلان! ألم تقرأ ذلك في الصحف؟
حدقت بها،وأنا أتحسس السكين بجيبي،ونظراتي تتفقد مفاتنها حيـث ملاعـب أصابعـي، وثارت الذكريات وثقب الباب والستارة المثقوبة،وتراقصت أمامي صـور مقلوبة لزجة،وصـوت تنهدات محمومة لرجل وامرأة،وشخير يخصني،انتفضت من هذه الذكريات كالكلب المبتل،وقررت أن أحسم الأمر،وأمنع وقوع الخيانة مستقبلاً،من أجل ذلك طعنتها بالسكين ، فكل ما في هذه المرأة المثيرة يدفعها للخيانة ، ولكن الذي يحيرني أن دمها يرفض التخثر،والبرودة التي بدأت تتسرب الى أطرافي.
عندما فتحت عيني ، وجدتها عارية أمامي وبصحبة رجـل عـار أيضا،حسبته نفسي، إلا أن أعضائه لاتشبه أعضائي،بل يزيدني عضوا،حاولت النهوض لكنني وجدت ما يقطع أنفاسي،ويشـل حركتي،ثم سمعتها تقول للرجل غاضبة:-
-لماذا أفزعته هكذا ؟
أجابها الرجل بتعجب:-
-لقد مزق كل الوسائد بسكينه،وكاد أن يطعنني بها.
صرخت به قائلة:-
-أنت الذي طعن زوجي المسكين !
قاطعها الرجل قائلا:-
-لم يكن زوجك مسكيناً بل مجنوناً! ألم تشاهديه وهو يطعن نفسه بمحض ارادته ؟
قالت بأسى كأنها تخاطب نفسها:-
-في البداية أراد أن يكون بطلاً، فكان مجنوناً،وفي النهاية كرر المحاولة فكان مقتولا.
انهما يكذبان! يكذبان! فقائد القطيع عليه أن يدافع ويهاجم حتى لو بمؤخرته ، وإلا لا يكون قائدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. مهرجان موازين للموسيقى يعود بعد غياب 4 سنوات بسبب ج


.. نون النضال | خديجة الحباشنة - الباحثة والسينمائية الأردنية |




.. شطب فنانين من نقابة الممثلين بسبب التطبيع مع إسرائيل


.. تونس.. مهرجان السيرك وفنون الشارع.. إقبال جماهيري وأنشطة في




.. دارفور.. تراث ثقافي من الموسيقى والرقص