الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللاعراق واللاعالم / ملحق1

عبدالامير الركابي

2024 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


عاش العراق تاريخه الاطول بين تواريخ المجتمعات كما معروفة خارج ذاته، هذه الخاصية الملازمه تنطبق على المجتمعات البشرية الاخرى كافة، انما ليس كما عليه الحال بما خص هذا الموضع من المعمورة، فالمجتمعات البشرية هي بالاجمال جسدوية تكوينا، مايجعل من تعبيريتها عن ذاتها ووعيها بشروط وجودها مقاربة الى حد ما لكينونتها البنيوية، في حين يختلف التكوين الرافديني بنية بالاساس من حيث النمطية والطبيعة، لكنه يظل مضطرا للتعاطي مع مفهوم غيره عنه وعن كينونته، للتعذر، ولعدم بلوغ الظروف والاشتراطات اللازمه لوعي الذاتيه درجة انبجاس النطقية والتعبير الواجب عنها.
ومن هنا ندخل بابا فاصلا على صعيد الادراكيه العامة البشرية للظاهرة المجتمعية، ولموقعها وماهي مطابقة له من حيث الوظيفة والدور قياسا الى حكم الصيرورة التاريخيه، وبالذات النشوئية الارتقائية، وقد صار مؤشرا عليها في وقت متاخر على يد دارون بمبادرته لوضع الوجود الحي ضمن دائرة واشتراطات التحولية ودفعها تصيرا، بغض النظر عن قصورية منظوره وتوقفه عند حدود الجسدية الحيوانيه، الامر الشديد الخطورة، والذي ساهم بالسماح للمنظورية الجسدوية بان تحكم الظاهرة الحية والمجتمعية المتاخرة منها بالذات.
وحيثما يسقط دارون من مسار الكائن البشري الطور المتاخر الراهن من سيرورته الارتقائية، بعدما تبدلت من طورها الاول الحيواني الى الطور العقلي، فانه يكون قد وقع هو نفسه تحت وطاة وطائلة الغلبة المنظورية الارضوية الجسدية، هذا مع العلم ان دارون قد هيا بالاحرى الاسباب والمنطلق الضروري للاحاطة بالحقيقة التحولية المجتمعية، علما بانه قد اقر بوضوح بان الكائن البشري وصل جسديا قمة تطوره، وان العضو البشري لم يعد قابلا للتطور ابعد مما وصله مع الانتصاب وحضور العقل، الا مايتعلق بالاستعمال واثره زيادة او نقصانا، كالزيادة المتوقعه في استعمال العقل، وتناقص استعمال اليدين، واثر ذلك على كل منهما تضخما او تضاؤلا،وتلك هي الحدود التي استطاع بلوغها وهو يتابع مسالة غاية في الخطورة والاهمية ضمن الوجود الحياتي ومسارات الترقي الحيوي.
وليس ماقد فاته وضع اليد عليه بالامر العارض او الجانبي، بقدر ما هو حاسم لااكتمال لمفهومه ونظريتة هو من دونه، مع الاكمال المنطقي والبديهي مابين الترقوية النشوئية بطورها الحيواني المنتهي مع بروز العقل وانتصاب الكائن البشري على قائمتين واستعماله اليدين، والطور الثاني العقلي حين تصبح الترقوية عقلية لاحيوانية جسدوية، بعدان يحقق العقل نقلته الاولى الازدواجية الانسايوانيه، حين يتحول الكائن البشري وقتها الى ( جسد / عقل) بعد ان يمر بملايين السنين بحال غلبة حيوانيه جسدوية شبه مطلقة، مع كمون العقل بينما يترقى الكائن الحيواني اشكالا وصيغا من الخلية الاولى الى اللبونيه، وقت يصبح العقل في وضع تتوفر له فيه الاسباب لكي يتحرر من الوطاة الكلية الجسدية الحيوانيه، فيظهر ظهوره الاول بصيغته التي يوجد عليها مع تغير الجسدية الحيوانيه بما يتناسب والانقلاب العقلي بصيغته الابتدائية، في حين يدخل الكائن الحيواني طور الصيغة الانتقالية "الانسايوان"، الفاصلة الموصلة بين الحيوان و "الانسان"، مع بلوغ العقل طور الترقي الاعلى، وقت يبدا بالتحرر من متبقيات الهيمنه الجسدية الطويلة الامد، والتي تظل مستمره بصيغة اخرى، بعد القفزه العقلية الاولى الابتدائية.
والكل يعرف بان الكائن البشري قد تعامل مع الانبلاج العقلي الابتدائي وكانه النهاية او المبتغى والمطلوب الذي لابعده، فاعتبرت حالة العقل الراهنه وكانها الكمال ومنتهى مالايمكن للعقل ان يبلغه، علما بانه حين يظهر حاضرا اليوم فانه لايكون بالاحرى في حال استقلال، بل يظل خاضعا الى حد لمقتضيات الحيوانيه الجسدية ووطاتها، فالجسدية لاتغيب ساعتها ولا تختفي، بل تتجسد واقعا لتضع العقل ضمن اطار وصيرورة اصطراعية، تعيد علينا اليوم ووفقا للمتغيرات الكبرى الحالة على النشوئية الترقوية البشرية، شكلا جديدا من اشكال التصير عبر التفاعلية كما كانت من قبل مع الطبيعة وفي غمرتها، وقد صارت اليوم محكومة لفعل " المجتمعية" بالدرجة الاولى، فالمجتمعات هي اطار ومجرى التصير العقلي باتجاه الكمال العقلي ومغادرة الازدواجية الى الاستقلال والتحرر من متبقيات واواخر الوطاة الجسدوية الارضوية.
وحين ينظر الى المجتمعات على انها موجودة بذاتها، وانها معنية ببناء الحضارة مع رؤية الكائن البشري وكانه ظاهرة ابدية نهائية، فان مايكون مفروضا وقتها على العقل من مفهوم عائد لاستمرار قوة حضور الارضوية الجسدية الحاجاتيه القاطع، فلا احد الى اليوم قال مثلا بان المجتمعات توجد بالاحرى بصفتها الاطار والمختبر الذي فيه يستمر العقل في التشكل باتجاه الاكتمال الضروري المتناسب مع مقتضيات التحولية التاريخيه العظمى، القابعة وراء الوجود الحي، ابتداء من اولى ظواهره الحية حين وجدت على الكوكب الارضي.
وهكذا تعيش المجتمعات والكائن البشري بدون رؤية عقلية/ مجتمعية دالة على استمرار الوطاة الجسدية، بدليل تمكنها بالمطلق من تسييد منظورها المطابق لكينونتها، مع بقاء العقل وقتها والى اللحظة الراهنه، ضمن حدودها، ومدى ماتتيحه من ادراكية، ولايعدم هذا الوضع، بل هو ينعم بكل مامن شانه بالملموس والمعاش تكريس الجسدوية على حساب العقلية، فالحدود الجسدوية الحاجاتيه، ومقتضيات العيش، تضع المجتمعات حكما امام نمطية حياتيه من نوعها، ومع التلازم العضوي للحاجاتيه والانتاجوية، فان مايطغى على تعريف المجتمعية بالاصل هو ( التجمع + انتاج الغذاء)، ومن هنا تتشكل التعبيرات واشكال التنظيم المجتمعي وتقوم الكيانيات والدول وفقا لعمل العنصر الاخر البيئي، من دون اي حضور للعقل الذي يظل من حينه خارج البحث، مدمجا بغيره، بلا حضور مستقل خارج الكيانيه المجتمعية الارضوية الجسدوية.
هل كان يمكن القول قبل اليوم بان المجتمعات البشرية هي ظاهرة عقلية، وان اتخذت ابتداء صيغة وحضورا واقعيا قاعدته الجسدية( اكثر الامثلة لهذه الجهه ومتاخرا حداثيا، ماقد جاء به ممثل الشيوعية و"المادية التاريخيه" ماركس وتركيزه على "الانسان" الحاجاتي المحكوم للماكل والمسكن والحاجات الغريزيه، وهو مامعتبر قمة "العلمية" العقلانيه) مايجعل من المستبعد تخيل حضور مثل هذا الاعتقاد بالمطلق، بالاخص ونحن بازاء حالة عقلية ابتدائية، العقل موجود في غمرتها في حال تحد واصطراع طويل الامد، على امل ان يخرج من دائرة الابتداء فتحدث القفزة الثانيه العقلية، بعد الاولى التمهيدية المحكومه لاشتراطات تواصل واستمرار النشوئية الترقوية، ذهابا لغايتها.
ـ يتبع ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخلاف التجاري بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.. إلى أين؟ | ال


.. بايدن وترامب.. وقضايا بارزة في المناظرة الرئاسية




.. انتخابات الرئاسة الإيرانية.. مرشحون وشروط


.. بالمناظرة التاريخية.. بايدن يتعثر مبكرا وترامب يدعوه للخضوع




.. بايدن يتلعثم خلال المناظرة الرئاسية أمام ترمب