الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انحياز المرأة للمرأة في -نساء في غزة- هند زيتوني

رائد الحواري

2024 / 6 / 10
الادب والفن


انحياز المرأة للمرأة في "نساء في غزة"
هند زيتوني
بداية أشير إلى أن لغة المرأة/الأنثى تتباين عن لغة الرجل، فالنعومة حاضرة، رغم قسوة الحدث، والعطاء موجود رغم الموت والخراب، والمحافظة على الهدوء اللغة/الكلام، رغم الصراخ ودوي الانفجارات، وهذا بحد ذاته يمثل إنجازا للمرأة التي تؤكد دورها كمخفف/كملاذ آمن وقت الشدة والألم.
تؤكد الشاعرة "هند زيتوني" هذا الأدوار للمرأة من خلال ستة مقاطع، تبدأها:
" النساء في غزّة يستيقظنَ قبل طلوع الفجر
يمسحنَ دموعَ الشمس
يرتلّن آهات الوجع بخشوع
يطبطبنَ على كتفِ الحياة ويطبعنَ قبلةً على جبينها الجريح."
اللافت في هذا المقطع أنه يتناول بداية اليوم/"قبل طلوع الفجر" فالنساء/الأمهات عادة ما يستيقظن قبل طلوع الشمس، ليقمن بأعمال يجدن أنفسهن بها، ونلاحظ خيرية العمل الذي يقمن به الذي تجاوز الناس/الأهل ليمتد إلى الشمس/الحياة، فيبدين وكأنهن البلسم ليس لعائلة/للأبناء/للناس فحسب، بل للطبيعة أيضا، وهذا يقودنا إلى رمزية حضور "عشتار" ودورها في الخير/الخصب الذي يعم/يصيب الأرض ومن عليها.
في المقطع الثاني تتحدث الشاعرة عن إزالة الشر/الأذى/الخراب/الموت الذي يحدثه الأشرار/الموت في الأرض وفي الناس:
" النساء في غزة
يرتبّن أسرّة الموت
يُلقين بوسائد الكآبة والحزن من النافذة
ينظفّن الهواء من كثافة الدم والفقد
يطعمنَ القطط الجائعة ويسقينَ أشجار البرتقال بآخر دمعةٍ متحجرة
يفتحن في شريانهنّ طريقاً للمحاصرين
يسربّن من دمائهنّ أُغنيةً للمحزونين"
وهذا أيضا له علاقة برمزية "عشتار" ودورها في إزالة آثار الموت/الجذب/القحط من الأرض ومن الناس، من هنا، نجد مقابل كل شر/خراب/موت شيء جميل يقمن به، يعيد الناس إلى الحياة السوية: "ترتبن/أسرة الموت، يلقين الكآبة، ينظفن الدم، يطعمن القطط، يسقين البرتقال، يفتحن طريقا، يسربن أغنية" نلاحظ أن الشاعرة تستخدم (الرمز/الإيحاء) في تناولها لأعمال (عشتار) وكأنها تريد من القارئ أن يتوغل إلى ما هو أبعد وأعمق مما يظهر على سطر المقطع، من هنا نجدها تركز على أفعالهن: "يرتبن، ينظفن، يطعمن، يسقين، يفتحن، يسربن" وكلها أفعال بيضاء تسهل/تجمل/تقدم الناس من الحياة وتجعلها محببة لهم.
في القطع الرابع يستمر عمل الخير الذي يقمن به نساء غزة:
"النساء في غزة
يرضعن الأطفال الجياع الحب والبسالة
يكتبنَ على جدار البيت:
"سنعود لنخبز أرغفة الأمل
سنعودُ لنبني بيوتاً جديدة من أجساد أشجارنا الصامدة
سنجرُّ جثّة الحرب إلى خارج المدينة
ليلتهمها الجائعون للأشلاء المدمنون على أكل لحوم البشر
المتعطشون للدمع والدم"
نلاحظ أن الشاعرة تمزج بين الرمز والواقع، يرضع الأطفال الجياع/الحب والبسالة، يكتب على الجدار/سنعود لنخبز أرغفة الأمل، نبني بيوتا/ أجساد أشجارنا، سنجر الحرب/ إلى خارج المدينة" كما أنها تستخدم "سنعود/سنجر" بصيغة المستقبل، وهذا يؤكد إصرار النساء على إزالة الشر/الخرب/الموت، وتأكيد الاستمرار في الحياة.
والحياة هنا ليس أكل وشرب فحسب، بل حياة حضارية/إنسانية، وما وجود "يكتبن" إلا إشارة إلى دورهن الحضاري في المجتمع، لهذا نجد "أرغفة الأمل، والبناء/"نبني بيوتا" ونجد التخلص نهائيا من الشر/الموت/الاحتلال من خلال: "جثة الحرب، ليلتهمها أكل لحوم البشر" وبهذا يكتمل الخير ويخلص الشر نهائيا، وهذا ما تفعله "عشتار" بحضورها على الأرض وبين الناس.
بعد هذا الإنجازات والتميز الذي قمن به نساء غزة، تقدمنا "هند زيتوني" منهن أكثر لنتعرف على سلوكهن الشخصي، وما هو متعلق بهن كنساء:
النساء في غزة"
لسنَ ككّل النساء
لا يضعنَ المساحيق الرخيصة
يتكحلن بأغاني النصر
ويتعطرّن بماء الشهادة
يغزلْن للمشردين قمصان الضوء"
نلاحظ حرصهن على استخدام ما هو ثمين ونفيس "لا يضعن المساحيق الرخيصة" وهذا يقودنا إلى ما هو أبعد وأعمق من فكرة "المساحيق" فهن تجاوزن التمسك بالشكل إلى التمسك بالجوهر/بالمضمون/بالمحتوى، من هنا نجد زينتهن غير زينة النساء العاديات: "يتكحلن/بأغني النصر، يتعطرن/بماء الشهادة، يغزلن/ قمصان الضوء" واللافت في زينتهن أنها جاءت بصيغة ثنائية: "بأغني النصر، بماء الشهادة، قمصان الضوء" وهذا يؤكد (جودة/نفاسة المساحيق) التي يستخدمنها، مما يجعلهن متميزات عن بقية النساء.
في المقطع الخامس تتناول الشاعرة (حقيقة) النسوة في غزة، وما يحمل من ألم رغم عطائهن اللامتناهي:
"النساء في غزة
يمشينَ برأسٍ مرفوع
يودّعنَ العصافير وأزهار الليمون
ويدفنَّ وصاياهنّ تحتَ تراب الصبر
يحملن صرّة أحلامهن البسيطة
ويمشينَ على حبال القهر والفجيعة بثباتٍ"
نلاحظ قسوة الحال الذي هن فيه، من خلال الأفعال التي يقمن بها: "يمشين (مكرر)، يودعن، يدفن، يحملن" فكل هذا الأفعال شاقة وتحتاج إلى جهد، وتُتعب من يقوم بها، وإذا ما ربطنا الأفعال في المقاطع السابقة، والإنجازات التي يحققنها ويقمن بها، نصل إلى تفردهن بين النساء، لهذا استوجب تمجيدهن:
" يا نساء فلسطين
يا رسولات الوقت
يا رسائل الله الخفيّة!
يا نساء الطُهر أنتنّ كلمات الأناشيد المقدّسة
والتراتيل التي يتلوها الشهداء
قبل الصعود إلى الفراديس
أنتنّ ذاكرة الوقت التي لا تُنسى…
أنتنّ في القلب أينما كنتنّْ"
استخدام الشاعرة صيغة النداء "يا" أربع مرات يؤكد عظمة نساء فلسطين، نساء غزة، ونجد هذه العظمة في معنى/مضمون المقطع، وفي ألفاظ: "نساء (مكررة)، فلسطين، رسولات، رسائل، المقدسة، الفراديس، تنسى" فوجود حرف السين في هذه الكلمات، ناتج عن الأثر الذي (وضعنه/أوجدنه) نساء غزة في الشاعرة، مما جعلها تتماهي معهن من خلال هذه الألفاظ.
كما نلاحظ قدسيتهن الدينية من خلال: "رسولات، رسائل الله، الأناشيد المقدسة، التراتيل/يتلوها، الفردوس" فهذا الألفاظ تقود المتلقي إلى ما هو ديني/مقدس، وننوه إلى أن الشاعرة استخدمت الديني بشمولية تتجاوز الطائفة، فهناك إشارة إلى المسيحية من خلال: "الأناشيد المقدسة" وإلى الإسلام من خلال: "التراتيل يتلوها".
المقاطع منشورة على صفحة الشاعرة
Hend Zituni








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناقد الفني أسامة ألفا: من يعيش علاقة سعيدة بشكل حقيقي لن ي


.. صباح العربية | الفنان الدكتور عبدالله رشاد.. ضيف صباح العربي




.. ضحية جديدة لحرب التجويع في غزة.. استشهاد الطفل -عزام الشاعر-


.. الناقد الفني أسامة ألفا: العلاقات بين النجوم والمشاهير قد تف




.. الناقد الفني أسامة ألفا يفسر وجود الشائعات حول علاقة بيلنغها