الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة امرأة غير صالحة للنشر

فوز حمزة

2024 / 6 / 10
الادب والفن


شعْرتُ بالبرد حين دقت الساعة دقة واحدة بعد منتصف الليل، وحين يحل البرد، تضطرب الحواس و تعاني من رغبات شريرة تجتاح الأسرار الناعمة.
في هذا المساء الذي هبط الظلام فيه سريعًا، تنشطت ذاكرتي، فامتلأ الشفق الصافي بالضباب.
تمنيت أن أكون معك، قربك، أرمي بِرأسي الصغير المتعب فوق كتفك .. أتحسّس أصابعك وهي تعبث بخصلات شعري، فيصيبها التهور لتنزلق على ظهري فتشدني إليك أكثر.. أكثر بكثير مما ينبغي، بل أكثر مما أراد الله.
أحبّكِ .. هي الحروف التي سقطت عليّ كالمطر حين يهطل فوق شجرة وحيدة تتوسط غابة، هبطت عليّ كما لو أنها ثمار تدلتْ من الجنة.
أستشعر أنفاسك الدافئة وهي تمرق كسَواح فوق وجهي وتحت عنقي، وربما تصل إلى مدني وقراي التي أخشاها دومًا حيث تستقر شفتاك الرطبتان فوق شفتيَّ، وهي الأمنية الأكبر والأكثر شرًا التي تراود أحلامي لأقضيّ ساعات الليل تحت وطأتها. الصباح بغيومه الكثيفة، يبدد كل شيء حين يلقي بنوره على أحلامي، فتهرب خائفة مرتعدة من أنْ يلمحها أحد.
عباءة الليل السوداء، أحنُّ عليّ وأرق من شعاع الشمس الدافئ المتسلل عبر الستائر السميكة ليهدم جدران البيت الواهن الذي كنت ألوذ به.
سراديّب الروح المظلمة ملجأي ومنفاي، أسّير فيها أتأبط غربتي، أغدو وحيدة برفقة الحنين، فيجلدني شوق أصّم.
و أنا اتدحرج إلى قعر الأربعين من عمري، شعرت بوخز الأشواك تنفذ عميقًا إلى روحي، ظلام الوادي وحده من يسمع أنين الحجارة الساقطة من علٍ.
لم أفكر كيف هي النهاية، بل التّفتُ إلى سنيني الماضية، كنت أحسبها رائعة، وظننت أني كنت أحيّاها بسعادة. الوهم حسم الموقف عندما رأيته يلوح لي من بعيد، مستهزءًا بيّ، يخفي الكثير من الأسّرار.
كثيراً ما تساءلت: من أيُّ ثقب تسلل إليَّ إحساس الرضا الذي كنت أشعر به؟!
هل كان صادقًا إحسّاسي؟
بعد مرور وقت طويل، عرفت أنَّ رغبة الهروب من الواقع، هي التي سربت إليّ هذا الشعور، السراب الذي كنت ألهث خلفه، أوصلني إلى أرض الحقيقة.
لم يكن سهلًا الاعتراف لنفسي بالفشل، صعب عليّ البوح من أني لم أكن أملك سوى نصف مرآة، لا تزال صورتي المثقلة بالحياة عالقة بها.
شعور بألم كبير استقر عميقًا في داخلي حين أدركت أنّ تحقيق أحلامي ليست من أولويات الآخر، لأكن شجاعة أمام نفسي، و أعترف .. حروف اسمي لم تكن مدونة في دفتره.
اتسعت الصحراء بيننا وغطى الصقيع رملها.
كل يوم يمر، أدفن فيه جزء مني حتى اختفيت. سوى الظلال و بذرة احتضنتها و روح ترفض الاحتضار، لم يتبق شيء آخر يدل عليَّ.
مؤلم الاعتراف لنفسي بأني امرأة لم يمنحني أحد الحب ولم أستطع منحه لأحد حتى عرفته. شعرت بخيط أحمر يمتد عبر خمسة آلاف سنة يربطني به، يشدني إليه كلما ابتعدت ويشده إلي كلما حاول الهرب.
أحسست بأنّي أعرفه من حياة سابقة، انشطرت هناك أرواحنا، فعدنا لنبحث عنها في أجسادنا، لم أملك شيئاً يدلني عليه حتى مد يده البيضاء و أخرج نصف المرآة، كانت بقايا صورتي فيها.
مد كفه لتمسح عن عينيّ نظرات الوهن والعجز.
فرشاته نثرت ألوان قوس قزح كما السماء بعد سقوط المطر، أبصر ما كان خافيًا عني و مني، في عينيه رأيتني لأول مرة، صورة امرأة ترفض الاحتضار و الحياة على مقربة منها.
في ثنايا روحه، رقدت روحي لتنتهي رحلة وتبدأ أخرى.
هذه الرسالة له وحده لأنها غير صالحة للنشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناقد الفني أسامة ألفا: من يعيش علاقة سعيدة بشكل حقيقي لن ي


.. صباح العربية | الفنان الدكتور عبدالله رشاد.. ضيف صباح العربي




.. ضحية جديدة لحرب التجويع في غزة.. استشهاد الطفل -عزام الشاعر-


.. الناقد الفني أسامة ألفا: العلاقات بين النجوم والمشاهير قد تف




.. الناقد الفني أسامة ألفا يفسر وجود الشائعات حول علاقة بيلنغها