الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالةمفتوحة إلى جبران تويني

غادا فؤاد السمان

2006 / 12 / 13
الصحافة والاعلام


عزيزي جبران
أقول عزيزي وأعنيها وإن كره المارقون، معك استهوتني الكتابة بصدر مفتوح، وقلب مفتوح، وحرف متّقد أفتقده وأفتقدك، ولا أملك إلا أن أتفقّد مخزونك الكبير في ذاكرتي مع إطلالة كل نهار وأنت تلوّح كقديس خالد يعتكف في محراب الشموخ والرفعة، لنستلهم منه معنى المُضيّ والإصرار حتى اللحظة الغادرة، بتر الله يد القتلة الذين حرموني لقاءك يوم أمس، فمن سواك يستطيع أن يحتفي برأسي المرفوع، وإن لمشنقة، وروحي الثائرة وإن ضمن حدود كفن، وقد تعوّدت أن أشرّع دمي للسفاحين ونزقي للدجالين وهم كثر
يا عزيزي نعم هم كثر أجزم أنك عرفتهم جيدا، والآن تدركهم دون ريب أكثر.
أتذكّرك جيدا يا عزيزي جبران، أتذكّر ملامح وجهك الجميل بأدقّ التعابير، لحظة بدأ التواصل الساخط بيننا ونحن نتبادل المواقف على مرأى ومسمع ما يزيد عن ألفي شخص احتشدوا وقتها في "الشاتو تريانو" لأجلك بالتأكيد لا لأجل التظاهرة "الشعرية " التي أردتها مهرجانا لا يُنسى، ولن يُنسى ليس لفرط الإبداع فيه، بل لحوار مفتوح بزغ بيننا فوق منصّة التظاهرة التي أزحنا من فوقها الشعر والشعراء، لتحضر النديّة بلا مُنازع وأنت تستنهض فيّ كل مفاتن الفروسيّة، وأنا استنهض فيك كل جاذبيّة المُناظرة،إلى أن احتدمنا بشراسة حينها، ولكنها كانت شراسة حميمة لا يُدركها إلا من يتمتّع بنبض حيّ، وروح أبيّة، وقامة عالية كقامتك، واستمر الحوار مفتوحا بيننا لأنك كما يشتهي الحوار أن تكون عفوي تلقائيّ صادق نزيه، واندلع احترامي لك وإعجابي الكبير، مع كلّ مُفاتحة ومُباشرة ومُطالبة ووضوح وأحقيّة في الاعتداد والاستقلال والسيادة والحرية والخصوصية كذلك، وبادلتني الاحترام والتقدير، وتواصل الحديث بيننا لعديد من اللقاءات شاهدها الأوحد صديقك المخلص وصديقي الراقي "وليد عبود " وعاودنا الوقوف ثانية على منصّة واحدة بنديّة وديّة مُتكافئة رغم اختلاف المظهر والإمكانات.
الإمكانات التي لم تعرها دائما غير التواضع والطيبة والأصالة والنبل، واحتفينا معا بولادة شاعر اقتحم الوسط الأدبي بإصدار جرىء يومها، ترددت بعدها في رغبتي باستعادة إشراقتي عبر صفحات النهار التي عرفتني لسنوات مضت ومعها الشاعر المُنصف "شوقي أبي شقرا " الذي كرّس لي ولكثيرين غيري مقامات عالية، تعملق من خلالها من تعملق ضاربا الآفاق الأدبية بعلاقات فخريّة ووشائج متينة لا تُحصى، بين الكلمة وأصحاب النفوذ والأموال والامتيازات الفادحة، حتى تاه الحرف وأرْبِكَت الكلمة وضاعت الأهداف وعلّقت القضايا في مهبّ المصافحات المُختلفة وما يليها! فما كان منك وأنت تصغي إلى تذمّري وهذياني تجاه الجدوى وانعدامها، إلا أن أوعزت للعزيز "وليد عبود" قائلا أعطها صفحة أسبوعية تعيث فيها ما تشاء، وفعلا كان منك لا قولا كما هو معهود لدى الغير.وشغلني إنقاذ الحرف، وإنهاض الكلمة، وتحفيز المواقف، إلى أن لم أترك لغربتي في الميدان سواي. وفاتني أنّ الأدب ليس نصّا صادقاً، وليس جملة مفيدة، وليس موقفا صريحا، بل هو مجموعة أرصدة لا أكثر نختارها بحنكة فائقة، منها ما يُودع في المصارف، ومنها ما يُوضع في الحسبان والوجاهة.
لعلني بالغت، نعم يا عزيزي جبران، أنا بالغت حتما حين تعفّفت عن هذا وذاك، وتذرّعت بعداواتي كي أ حفظ حرفي نظيفا من مُجاملةٍ أو تدليسٍ أو نِفاق، فالفضيلة مُبالغة ساذجة، والنزاهة خيار أحمق، يتصدّى له كل الأبالسة ليلعنوه، وهكذا استغنى التُقاة جميعهم عن شياطينهم ليتفرّدوا بتسديد اللعنة لي يوم ولدت، ويوم نطقت، ويوم كتبت، ويوم أموت نسيا منسيّا!
تصوّر يا عزيزي جبران أنّ ذاك المسؤول الذي قصدته في النهار أول أمس كان صعبا حقّا وهو يُصرّ أن يجرّعني غربتي وعزلتي وهامشيّتي، وهو يُصارحني وبكل وضوح من أنتِ على خريطة القمم الاقتصادية وخبرائها ونسبائها ومُتفاخريها ومُتبجّحيها؟ أجزم معه أنني رقم ناقص، لكنني حرف مكين، هكذا وجّهت وجهي شطر الروح وديمومتها، لا شطر الأرصدة وخيلائها الزائف والزائل، كيف برأيك يقتطع الأمناء على الحرف الذين تركتهم وراءك في مؤسسة لا تعرف غير الشمس، كامل أنفاسي وقد أورثتهم صلاحيات لا تُحصى أهمها أن يقرّون من يستحقّ انتباههم ، ومن يستحقّ إهمالهم، وأُهمِلتُ فعلا، بل كُدّتُ أتلاشى في مهبّ سطرين مجتزأين من سياق تام، كانا أشبه بمقصلة قضت على بقيّة ما فيّ من تفاؤل وأمل، وحملت انكساري أمام عظمة المكان وتعقيداته المُرهقة، وخرجت بكبريائي الذي لا أملك سواه رغم أنف كل الضفادع التي تملك "حرّية" النقيق، ولأنني أعرف كيف أرفع رأسي وجدتك هناك شامخا ودودا مُشرقا بهيّا أنيقا كالعادة، ووقفت أتأمّلك وأسألك، كيف أكون نكرة إلى هذا السخف والتجهيل المُتعمّد، وأنا أحاول أن أردّ مغبّة هذا الخطأ الفادح الذي ارتكبه بحقيّ وبحقّ الإنسانية جمعاء ذاك الصحافي الفقيه / ع.ح / مُتسرّعا متهوّرا دون مُراعاةٍ لعواقب الأمور وإحدى الحريم التي تُناظر من خلف المساحيق وستائر القصور تتربّص بي وبأيّة فرصة سانحة للطم والشتم والنميمة بكل ما أوتيََتْ من استشقار وتصابي وإدّعاءات متهالكة!
عاودت عليك السؤال : هل حقّا أنا نكرة إلى هذا الحدّ؟ وأنا أملك ذاكرة وحضورا وأحداثا ومشاهد جمعتنا، جديرة بالتأكيد أن تكون امتيازا فخريا لي على الأقل، إذا استثنيت كل ما لدي من تميّزٍ وحضورٍ وبصماتٍ حادّةٍ حتى الآن.
سلام لروحك جبران التي ألهَمَتني بقليل من البوح، وكثير من الابتسام، الابتسام على هؤلاء الذين يظنون أنّهم يمتلكون الزمن والحياة والخلود.
و يا لي من بائسة يا جبران، نعم يا لي من بائسة حين أخذتني صفحات الورق وألهتني عن عشق رجل مثلك.. لكن لا عليك ، لا زال أمامي متّسع من الوقت لأفعل.أقبّل فيك جبهة أبيـــــــــــــــــــــــك العالية التي أبكتني بجنون وهي تنحني لوداعك بكلّ إكبار.
جبران تذكّر أننا نشـتاقك ما حيينا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة