الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية الحكاية في رواية -تزوجت شيطانا- كفاح عواد

رائد الحواري

2024 / 6 / 12
الادب والفن


رواية الحكاية في رواية
"تزوجت شيطانا"
كفاح عواد
بداية ننوه إلى قلة الأعمال الأدبية، وتحديدا الرواية التي تناولت أحول المسيحيين في فلسطين والمنطقة العربية، من هنا أي عمل يتناول تلك الأحوال يحسب للأدب ومن ثم لكاتبه.
يمكن أن تكون رواية "تزوجت شيطانا" الأكثر إضاءة لأحوال المجتمع المسيحي في فلسطين، وبما أن أحداث الرواية تجري قبل عام 1948، وهذا أكد أصالة الوجود المسيحي، والتماهي الاجتماعي الذي تنعم به فلسطين/سورية.
وبما أن الساردة "ماريا"/أنثى فقد انعكس ذلك على جمالية لغة الرواية التي تكثر فيها الصور الأدبية والحكم، وهذا سهل/خفف على المتلقي تناول أحداث مؤلمة/قاسية متعلقة ب"ماريا، زينب، مرقص والد ماريا"، فكانت اللغة والصورة عامل جذب للقارئ تجاوز بهما الأحداث القاسية والمؤلمة التي مرت بها شخصيات الرواية.
وبما أن الرواية تتناول شخصيات وأحداث قبل عام 1948، وفي قرية (خربة) فهذا جعلها أقرب إلى سرد (حكاية) كتلك التي كنا نسمعها من أمهاتنا وجداتنا، وهذه (التراثية) في الرواية أسهمت أيضا في تخفيف من حدة الألم الكامن في مضمون الرواية.
من هنا يمكننا القول: إن مضمون الرواية مؤلم وقاس، لكن الشكل الحكائي واللغة الأدبية، وطريقة تقديم الأحداث المتسلسلة أمتع القارئ، مما جعل الرواية تمزج بين الألم/القسوة/النار وبين المتعة/الماء، من هنا جاءت شخصيات الرواية منها الإيجابي: "ماريا، مرقص، جوليا أم ماريا، العم مخائيل/حنينة، دميانة، يوسف، الشيخ عمران/ زينب/ صبحة" ومنها السلبي: "داوود/ شهلا العرجا، عبد النبي/بنيامين، إبراهيم" وهذا (التوازن) بين الخير والشر، له علاقة بحالة الإيمان التي قدمتها "ماريا" التي وجدناها تلجأ إلى الله وقت الشدة، ليخلصيها مما هي فيه، وكان الله معها في كل المراحل التي مرات بها، من وفاة والدتها "جوليا، ووفاة والدها "مرقص، وهروبها من الدير، ولجوئها إلى المغارة، وزواجها من "عبد النبي/بنيامين" وهذا ساهم أيضا في تهدئة/تخفيف من قسوة الأحداث، فكما ساعد الله "ماريا" وقت المحن، ساعد أيضا القارئ ليتجاوز الألم الكامن في أحداث الرواية وفي شخصياتها.
وبهذا تكون الرواية قد قدمت فكرة أهمية الإيمان وضروريته للمتلقي بطريقة غير مباشرة، بصرف النظر عن الدين الذي يؤمن به الإنسان، فما دام هناك إيمان، إذن هناك صبر وجلد ومواصلة الحياة بكل ما فيها.
أحداث الرواية
سنحاول إضاءة ما جاء في الرواية، ولكن قبلها سنتوقف عن ملخص الأحداث، "ماريا" بنت في الثامنة من عمرها تتعرض والدتها "جوليا" لموت مفاجأ، بعد عام يتزوج والدها "مرقص" من "شهلا العرجا" التي تُعاملها بقسوة كما تعامل والدها كذلك، وهذا دفعه ليدخل أهل "شهلا" للحد من قسوتها، وكان الأمر كما أراد.
يمرض "مرقص" الذي يعمل دباغا للجلود بمرض السل، وهنا تبدأ "شهلاء في أهمل زوجها المرض حيث تقضي معظم وقتها في بيت أهلها، حتى أنها طلبت من الكاهن أن يحررها من الزواج، لأن مرقص لا يقوم بواجباته كزوج.
"مرقص قبل وفاته يذهب "بماريا" إلى الدير لتكون بحفظة بيت الرب، بعد أن عالم بدنو أجله، يموت "مرقص" قبل أن يتم طلاقه من "شهلا العرجا" وتبقى "ماريا في الدير" تحاول أن تذهب إلى بيت "مخائيل لتكون بالقرب من صديقتها "دميانة" لكن يرفض طلبها بسبب عدم وجود قربى تجمع ماريا بمخائيل، رغم أن علاقته بوالدها كانت علاقة حميمة.
تتعرف على "داوود" الذي يوقعها بالخطيئة مما جعلها في حالة ارتباك واضطراب، ثم تقرر أن الخروج من الدير قبل أن يُذهب بها إلى دار الأيتام في "بيت الرب" تخرج هاربة في وقت كان المطر ينهمر بشدة، مما جعل عملية (هروبها) صعبة وشاقة، يبدأ لثلج في الهطول، تلجأ إلى مغارة في الوادي، بعدها يدخل عليها "يوسف" الذي يبحث عن مكان آمن يتقي به من البرد والثلج، تنشأ بينهما علاقة تعارف، يأخذها إلى "الشيخ عمران" الذي يعاملها كما يعامل ابنته "زينب" يتم تزويج زينب من (إبراهيم) "وماريا" من "عبد النبي" وهنا تقترب أحداث الرواية من العنوان "تزوجت شيطانا" حيث تبدأ "ماريا" تلاحظ اللغة الغريبة التي يصلي بها "عبد النبي" تنجب "يعقوب" ثم "هيلانة" تكثر غيابات "عبد النبي" يطالبها بأن تخبره عن عدد المجاهدين الذي يجتمعون عند "الشيخ عمران" وهنا تبدأ الشكوك تأخذ شكل حقائق بأن "عبد النبي وإبراهيم زوج "زينب" من الأغراب الذي يقتلون ويذبحون الفلسطينيين، تنتهي الرواية بأن يسرق "عبد النبي" "يعقوب من أمه ويفر به، ترسل/توصلي "ماريا" رسالة إلى "يعقوب" دون أن تعرف أين هو وكيف أصبح تبين فيها مشاعرها كأم، وأيضا الظلم الذي وقع عليها كفلسطينية من "عبد النبي/بنيامين" الذي غدر بها وبأهلها "الشيخ عمران ورفاقه العشرة الذين قتلهم، مبينه وحشية "بنيامين" وغدره، وضرورة أن يعود "يعقوب" إلى جذوره كفلسطيني، وضرورة تخليه عن فكر بنيامين الصهيوني.
المكان والزمان
لا تحدد/تسمي الساردة زمن الأحداث، لكنها تشير إليه إشارة من خلال طبيعة المكان وحال الناس، فنجدها تتحدث عن السقا الذي يجلب الماء، لجن الغسيل، البابور، وهذا يقودنا إلى ما قبل انتشار الحنفيات واستخدام الغاز والغسالة، وهذا الشكل من تقديم الزمن يحسب للرواية التي فتحت الباب أمام المتلقي ـ ليفكر، ليستنتج ويحدد زمن الأحداث.
ما فعلته السارد في تقديم الزمن فعلته في تقديم المكان، فلم تحدد أسم "الخربة" التي تجري فيها الأحداث، وإنما أشارت إلى قربها من "الجليل الأعلى" ومن خلال "يوسف الصفوري" الذي يأخذنا إلى صفورية قرب الناصرة، ومن خلال البدو القادمين من بئر السبع، كل هذا يشير إلى أن أحداث الرواية تجري في فلسطين، قبل أن تتحدث مباشرة عن المجازر في "سعسع وصفد" في نهاية الرواية، وهذا ما يجعل شكل وطريقة تقديم الزمان والمكان لافتة وتحسب لأدبية وفنية الرواية.
الإيمان
قلة الذين يعرفون أهمية الإيمان للإنسان، لهذا تحاول "ماريا" أن توضح لنا أهمية اللجوء إلى الله، بعد أن تقدم "ماريا" على فعل الخطيئة مع "داوود" تلجأ إلى الله: "ـ لماذا تتحشرج في حلقي هذه الصلوات يا أبانا؟ لماذا لم تنجي من الشر الذي زرعته فيا؟ لماذا تعجلت فجعلتني أغوص في وحل الخطيئة باكرا؟!" ص76، فرغم أن هذا الكلام فيه (عتب) إلا أن بين ثناياه نجد إيمانها، أن الله هو مُوجد كل شيء، الخير والشر، وما علينا إلا التمسك بالإيمان لأننا به ننتصر على الشر: "يا يسوع خلصني من خطيئتي وارفعني إلى الملكوت حيث أمي وأبي، لتحمل عني خطيئتي كما حملتها عن كل أبنائك الخاطئين" ص77، فهنا نجدها تلجأ إلى الله ليخصبها من هم/مشكلة نفسية وجسدية، فهي موقنة أنها خانت الرب بإقدامها على الخطيئة، لهذا وجدت الحل/الخلاص في الرجوع/التقدم من الله، وهي بهذا تؤكد تلاقي الإنجيل مع القرآن الكريم: " وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" من هنا تكمن أهمية هذا الإيمان، فهو يقودنا/يقربنا/يعرفنا أن الإيمان/الله/المشرع واحد، ولا فرق في جوهر الدين، فأسباب التقدم من الله متماثلة بين المسيحية والإسلام، من هنا عندما يجري الحوار بين "الشيخ عمران" ورجال الدعوة الذي يقولون له بأنه يؤوي امرأة كافرة في بيته، يري عليهم بآيات قرآنية وبخطاب عقلي يؤكد عدم فهمهم الصحيح للدين/للإسلام: "إلا تعرف يا شيخنا أن المرأة المسلمة لا يجوز أن تنكشف عليها لأنها في حكم الرجل الأجنبي؟
ـ أي تفاهة تلك التي تقولها يا رجل؟ أي دين ذلك الذي تتكلم عنه؟ لقد صنعتم دينا لكم وأخذتم تجوبون به البلاد لتضلوا العباد...أيعقل أنك تمشي بين الناس داعيا، ولم تهتد بعد للتفريق بين الكفار وأهل الكاتب يا رجل" ص151، من هنا نقول إن وجود آيات من الإنجيل، ووجود الإيمان بشكله المسيحي جاء ليخدم فكرة التلاقي بين أتباع المسيحية واتباع الإسلام، وما العلاقة الاستثنائية التي جرت بين الشاب "يوسف الصفوري" وبين "ماريا" وهما في المغارة وحدهما، وملابسهما مبتلة، وينامان في مكان واحد، وفي الخلاء، إلا صورة أخرى على أن الإنسان بالإيمان ـ مهما كانت ديانته ـ يستطيع أن ينتصر على (الشيطان) الذي يكون حاضرا: "ما اجتمع رجلا وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما"
ولم يقتصر أهمية الإيمان عند اقتراف الخطيئة فحسب، بد نجد أهميته وقت الشدة، عندما تتوه "ماريا" في الوادي والمطر والثلج حاصرها، تلجأ إلى الله لينجيها مما هي فيه: "يا يسوع كن رفيق دربي، واجعل كلامك سراجا لخطواتي...يا رب أجعلني شاة ضلت الطريق، واجعل لي مأوى في ليلتي هذه، أعرف أني خاطئة، لكنك الإله الذي حمل خطايانا، سامحني، ولا تنبذني، أرجوك يا حبيبي، امنحني المأوى مثل أي دابة في الأرض، فأنا أكاد أسقط من الجوع والبرد" ص102و103، بهذا الدعاء/اللجوء إلى الله تؤكد "ماريا" أن كل البشر، دون الاستثناء يتلاقون في أسباب توجههم إلى الله، بصرف النظر عن طريقة/شكل/كلمات الدعاء، فالجوهر واحدة، التخلص من ضيق الحال للوصول إلى الأمان.
وكأي أم تدعو الله ليحفظ أبنائها تدعو "ماريا" الله ليحفظ يعقوب وهيلانة: "يا يسوع احم لي يعقوب وهيلانة، واحم هذه البلدة يا أبانا" ص215، وبهذا تكون الساردة قد قدمت الظروف/الحالات التي يلجأ بها الإنسان إلى الله، مبينه أنها حالات متشابهة/متماثلة، ولا فرق بين اتباع هذه الديانة أو تلك.
"ماريا"
الشخصية المركزية في الرواية، وهي من تروي الأحداث بصيغة أنا المتكلمة، ـ إذا ما استثنينا الصفحات من 68 إلى81 ـ التي جاءت بصيغة السارد العليم/الخارجي، وبما أن البطلة أنثى فقد تحدثت عن مشاعرها/همومها/حاجاتها، وهذا بحد ذاته يمثل (تمرد) على المجتمع الذكوري الذي يقمعها/يمنعها من الحديث/التكلم.
أول حاجة للفتاة تكن في ميلها لتكون أما، لتكون زوجة لها رجلها يعطيها ما تريد من حب وحنان ومتعة جسدية، تتحدث "ماريا" مع "دميانة" عن هذه الرغبة/الحاجة: "وقالت بأنها لا تريد أن تصبح راهبة، بل تريد أن تتزوج عندما تكبر، وتنجب أولادا كثيرين.
قلت لها بأنني أيضا أريد ذلك، كدت أنسى وأخبرها عن رجلي الذي يزورني ظله" ص61، نلاحظ (بساطة) اللغة وصدقها، وهذا يقودنا إلى أن المتحدثة من لحم ودم، وليست قدسية ولا سماوية، وهذا يوجب علينا نحن القراء النظر إلى المرأة/النساء ضمن هذا الواقع، وأن نعطيهن حاجاتهن الروحية والجسدية، وأن لا نمنع عنهن ما يحتجنه، إن كان روحيا أم جسديا.
قلنا إن سرد الرواية جاء بصيغة أنا، لكن من الصفحة من 68 إلى 81 جاءت بصيغة السرد الخارجي، وإذا ما توقفنا عند هذه الصفحات سنجد أنها متعلقة بالرغبات الجسدية "لماريا" مما يجعل القارئ يشعر بأن "ماريا" تبدو وكأنها خجلت من الحديث عن ذاتها مباشرة، فأوجدت ساردة (أخرى) تنوب عنها لتحدثنا عن هذا الأمر: "أخذت تمرر يدها فوق عنقها، لم تدرك يوما أن لها هذا العنق الطويل، سألت نفسها كيف لم تره من قبل تحت الياقة المرتفعة؟! نزلت إلى الوادي الفاصل بين جبلين بالكاد يبزغان، شمخا مرة واحدة وانتصبا ف لحظة خطيئة عابرة.
لم تدرك أن فيهما حياة إلا بعد أن أوقد نيرانهما رجل خاطئ" ص78و79، بداية نقول إن الساردة أوصلت لنا حالة القمع التي تمر بها المرأة من خلال تحويل السرد من صيغة أنا إلى السرد الخارجي، وهذا بحد ذاته يمثل إبداع في تقديم فكرة القمع/الاضطهاد التي يمارسها المجتمع الذكوري عليها.
لكننا إذا ما توقفنا عند فكرة المشهد، سنجد الجرأة في الحديث عن الحاجات الجسدية للمرأة، وهذا يمثل ثورة على المجتمع الذكوري الذي يقمعها، ويريدها أن تبقى مكتومة/كتومة، فلا يجوز/يحق لها أن تكشف ما فيها وبها من حاجات للآخرين.
تنقلنا الساردة إلى الكيفية إلي اقتحم بها "داوود ماريا" من خلال هذا المشهد: "لم يكن هناك مجال لتكمل ما تريد من موعظة، بلحظة انقض عليها بشراهة وجوع، وهو يهذي: أنا الأن لا أومن إلا بك، وأشتهيك كما لم يشته رجل امرأة من قبل وأعلن فيك قيامتي" ص80، وهذا يقودنا إلى حالة القمع التي تمر بها المرأة في المنطقة العربية، فمن المحظور عليها الحديث عن المحرمات/الجنس، لهذا كانت ماريا (مطيعة/خاضعة) لهذا القمع فأوجدت بديلا عنها يروي الأحداث الساخنة.
لم يقتصر الأمر على تناول الحاجات الجسدية للمرأة، بل تعداه إلى الحاجات النفسية، وما تمر به من مشاعر بعد أن تخلت عنها الحياة والمجتمع.
بعد وفاة والدها "مرقص" واستيلاء زوجته "شهلا العرجا" على البيت، وبعد أن رفض الكاهن ذهابها إلى بيت "مخائيل" تكون حالتها النفسية في غاية السوء: "لا أريد بيتا ولا زوجا ولا ديرا، أحتاج أن أبكي فحسب، أن أبتعد عن هذه الخربة التي لم يعد لي فيها شيء" ص96، هذا للواقع المؤلم، هو من قاد "ماريا" للتمرد، للثورة، وكأن الساردة تقول ـ بطريقة غير مباشرة ـ أن كثرة الضغط تولد الانفجار، وعلى المجتمع الذي يقمع أن يتراجع عن قمعه، لأن أثر الانفجار سيطاله، حتى لو كان من خلال دوي الصوت فقط.
مشكلة البنت العانس من المشاكل الاجتماعية الخطيرة، وهناك أسباب عديدة وراء هذه الظاهرة، تحدثنا "ماريا" عن هذه المشكلة من خلال حوارها مع "زينب" ابنة "الشيخ عمران": "مش عارفة أبوي مين بدو يستنى، كل الشباب بيروحوا يجيبوا غريبات، الواحدة وجهها مثل المقحار، أورق، بتركوا بنات البلد، ما ضل رجال من عمرنا بلا زواج، يعمي شو بدنا نضل نستنى؟!" ص159، اللافت في هذا المقطع اللهجة المحكية التي جاء بها، وكأن الساردة من خلال اللهجة أرادت إيصال معناته الفتاة العانس، وحقيقة مشاعرها/حاجاتها، وهي بهذا تطرق جدار الفتيات ومعاناتهن النفسية والجسدية، وضرورة اهتمام المجتمع والأهل بهذه الحاجات والرغبات.
تؤكد الساردة أهمية الزواج بالنسبة للمرأة من خلال قول "زينب":
"ـ نعم، إن الزواج شيء جميل، جريبه يا ماريا ولا تكوني بلهاء" ص165، فمثل هذا البوح بالكلام يقودنا إلى ضرورة الاهتمام بزواج الفتيات، فهناك جسد له حاجات/رغبات/غرائز لا بد من تلبيتها.
شخصيات الرواية
الرواية تتناول مجموعة شخصيات منها من هو إيجابي، والآخر سلبي، فنجد شخصية "مخائيل، حنينة"، يقابهما "الشيخ عمران، صبحة" في العطاء والمحبة، ونجد "يوسف و دميانة" كمثل للصداقة/للأخوة الكاملة، فقد اثبت كل من "يوسف وماريا" رغم (تبيان/اختلاف) الدين بينهما، أنهما يستطيعان الانتصار على الشيطان بعد أن قضيا اكثر من يومين وهما ينامان معا في المغارة، بينما "داوود" ابن دينها يدفعها لاقتراف الخطيئة دون أن يراعي سنها الصغير، ولا حرمة الدير الذي تقيم فيه.
ونجد "عبد النبي/بنيامين وإبراهيم" رغم أنهما متزوجان من "ماريا وزينب" يخوناهما ويخون البلد وأهلها، رغم ما قدموه لهما من كرم وحسن المعاملة.
وهذا يقودنا إلى أن الخير يكمن في المسيحي والمسلم، والشر في اليهودي الصهيوني، ونجد الحب والعطاء عند "حنينة وصبحة" مقابل الشر والخبث الكامن في "شهلا العرجا" فرغم أنها زوجة "مرقص" وكان يفترض أن تعامله وابنته بطريقة حسنة إلا أنها كانت سيئة المعاملة والكلام، وعديمة الوفاء، لهذا تركت زوجها المريض وذهبت إلى بيت أهلها وطلبت فك عقد الزواج.
وإذا ما توقفنا عند الشخصيات الإيجابية نجدها تتفوق على السلبية، ومع هذا كانت القسوة تطغى على الأحداث، وهذا يقودنا إلى أن الشر رغم قلته إلا أن فعاليته كبيرة ومؤثرة على الأفراد والمجتمع.
اللغة والصور الأدبية
الأحداث الروائية قاسية ومؤلمة، فكان لا بد من إيجاد مخفف/مهدئ لها، وهذا ما دفع الساردة لتستخدم لغة أدبية جميلة، تخفف بها شيئا من وقع الأحداث على المتلقي، تحدثنا "ماريا" عن وفاة والدتها بهذا المشهد: "جلسنا تحت بقايا الشمس التي عجزت أن تدفئ سنبلة ترتعش بردا بجسدي، وعجز نورها أن يبدد وحشة الموت في روحي" ص16، فمثل هذه اللغة وما فيها من صور وجمال تخفف من وطأة الموت على الساردة وعلى المتلقي.
وبعد أن اقترفت "ماريا" الخطيئة مع "داوود" تقدم لنا الساردة صورتها بهذا الشكل: "دخلت غرفتها الفقيرة كباقي منافع الدير القديم، تخلصت من ثوبها كأنما تريد إبعاده عن خطيئة جسدها" ص78، أجزم أن هذه الصورة التي (أحيت/أنسنت) الثوب وجعلته يحمل مشاعر الذنب/الخطيئة، ويريد أن يبتعد/يخرج من "ماريا" التي ترتديه، يعبر أفضل تعبير عن حجم الندم الذي لازم "ماريا".
الحكم
قلنا إن الرواية قريبة من الحكاية، فالزمن قديم، والمكان قرية/خربة فقيرة، والشخصية المركزية طفلة يتيمة الأم ثم الأب، وهناك زوجة الأب شريرة، كما أن طريقة سرد الأحداث المتسلسلة والمتتابعة خدمت فكرة (البساطة) التي تلازم الحكاية، وبما أن الحكاية تحمل بين ثناياها حكمة، فقد أوجدت "ماريا" مجموعة كبيرة من الحكم، تعكس الظروف التي مرت بها، من هذه الحكم: "حين ينشر العتم لا فرق بين نقطة وأخرى" ص99، "نحن لا نحس بالبرد والجوع إلا حين نكون غرباء" ص121، كثيرا ما نحتاج إلى البوح حتى لا تكسرنا الخطوب" ص134، وهذا ما أطفى لمسة فكرية على الرواية، وجعلها أكثر سهولة ومتعة رغم قسوة الأحداث، والظرف الصعبة التي مرت بها "ماريا".
هفوات الرواية
هناك أخطاء مطبعية جاءت في الرواية، "وقد شجعته لحضور الصلاة في مع الوقع" ص71، والمفترض أن تكون كلمة (الدير/الكنسية) بعد في، وهنا حرف (لا) ناقص في هذا المقطع: "كثيرا ما نحتاج إلى البوح حتى (لا) تكسرنا الخطوب" ص134.
الرواية من منشورات دار المفكر العربي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2023.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا