الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقامة المكتبات .

صباح حزمي الزهيري

2024 / 6 / 12
الادب والفن


قيل للمأمون ما ألذ الأشياء ؟ قال التنزه في عقول الناس (يعني القراءة في الكتب), ان البيت بلا كتب جسد بلا روح , فعندما أقرأ كتاباً للمرة الأولى أشعر أني قد كسبت صديقاً جديداً, وعندما أقرأه للمرة الثانية أشعر أني ألتقي صديقاً قديماً, وطبعا ليست العبرة في كثرة القراءة, بل في القراءة المجدية, وقديما قالوا قارئ الحرف هو المتعلم , وقارئ الكتب هو المثقف, لقد تعلمنا أنَّ المكتبة هي إحدى الوَسائل المهمّة التي ترتقي الأرواح بها وتنتقل من حالة الجَهل إلى نور العلم والخيارات الأوسع , لأنّ العلم هو الطّريق الأفضل والأقصر لتحقيق السّعادة وتحقيق النَّجاحات التي يفتخر الإنسان بها خلال سنوات عُمره.

وبما انني مقيم مرغم في فخ اسمه الشرق الأوسط كما يقول غسان شربل , ودفاتري مثقلة بالويلات, وللعادة سلطان لا يقاوم , كلما داهمني اليوم الأخير من السنة في مدينة ما أحرص على زيارة مضاربِ القبيلة, زيارة لتفقد شيوخِها المسنين, والغرض المجاملة والشكر والانحناء والتزوّد بقطرة عناد تساعد على مواصلة السباحة في النهر, لهذا أذهب إلى أقرب مكتبة, إلى متحف الأحلام والإرادات ومصنع المشاعل, فالمكتبة قبيلتنا, مدرستنا وجامعتنا, على رفوفها يتمدد هؤلاء الذين مسَّتهم متعة هتك الأسرار وفتح النوافذ, للأنشغال بأنسنة العالم أو خفض وحشيته على الأقل , وكما جاء في حلية الكميت في الأدب:
((من على يسرتي خزانـــة خــمر وعلى يمــنتي خزانــة كـتب
فإذا ما طربـت أعملــت كاسـتي وإذا ما صحـوت أعمـلت قلبي)).
يصف العقاد عالم المكتبات بأنه : (( العالم الذي أعيش فيه لأنه هو الكون كله , وهو الحياة بما خفي فيها وما ظهر , وهو امتداد الحياة إلي الخلود )) , وعلى لسان شكسبير في إحدى مسرحياته تقديرا لدور المكتبة ورسالتها جاء قولاه : (( هذه مكتبتي , وأية دوقية تساويها )), وفي مرة أخرى : (( إن مكتبتي كانت دوقية رحبة كافية لي )), وقد قرأت انه لما أنشئت المكتبة الأولى في مصر القديمة وضعت تحت حماية الآلهة وكتب على بابها (( هنا غذاء النفوس وطب العقول )) , وأن نقشاً وجد على باب مكتبة الإسكندرية القديمة يقرأ (( المكتبة هي مستشفى الفكر )) , أو (( المكتبة هي مستشفى النفوس ))
.
ولشدة حبهم لمكتباتهم وإدراكهم لأهميتها , يروى عن ابن العميد أن الجنود الخراسانية هجموا على داره بعد أن انتصروا على غلمانه وحراسه , وفر ابن العميد إلى دار الإمارة , تاركاً لهم بيته وما فيه , فلما جاء الليل وانصرف الجنود الخراسانية , عاد ابن العميد إلى داره , فوجد أن اصطبلاته وخزائنه جميعاً قد نهبت , حتى أنه لم يجد في منزله ما يجلس عليه ولا كوزاً واحداً يشرب فيه ماء , فأنقذ إليه أبو حمزة العلوي فرشاً وآلة , واشتغل قلبه بدفاتره ولم يكن شئ اعز عليه منها , وكانت كثيرة تشمل جميع العلوم , وكل نوع من أنواع الحكم والآداب يحمل على مائة وقر وزيادة , فلما رأى ابن العميد ابن مسكويه خازن كتبه سأله عنها فأجاب : هي بحالها لم تمسها يد , فسري عن ابن العميد وقال لخازنه : أشهد أنك ميمون النقيبة , أما سائر الخزائن فيوجد عنها عوض , وهذه الخزانة هي التي لا عوض لها ( .
يقول نجيب محفوظ : ((قارئ الحرف هو المتعلـم , وقارئ الكتـب هـو المثقـف)) , ولما كان خير جليس في الأنام كتابٍ ,والمكتبة بيت اوفى صديق ,فأنا أحرص على زيارتة والاستفادة من مجالسته لأن الكتاب هو النافذة التي نطل من خلالها على دائرة الفنون والعلوم والثقافات , لا يمل القارئ منه بل يلح في الاستزادة حتى تتسع آفاقه ومداركه , ولعمري كم يسعد الإنسان وهو يقضي أوقات فراغه بين الكتب حيث المتعة التي لا تضارعها متعة, ولا أكون مبالغا إذا تسنى لي القول أنه احد الأسلحة الفعالة التي تجعل الإنسان يواكب مسيرة التقدم العلمي وإفرازاته ومعطياته , فلنحرص دائماً على أن نفتح عقولنا وقلوبنا للكتب ونعيش في ثناياها , حيث مجلس العلماء روضة من رياض الجنة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا