الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العوامل الاقتصادية ومؤسسات الدولة تلعبان أدواراً هامة في تصنيف الدول

ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك

(Majid Ahmad Alzamli)

2024 / 6 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


من خلال دراسة دور المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في السياسات العامة في مجالات الرسم والتنفيذ والتقييم، يبرز تباين أداء كل مؤسسة من تلك المؤسسات في صنع السياسات العامة في البلدان النامية والمتقدمة، وتباين قوة وفاعلية كل منها، وهذا يعود بطبيعة الحال إلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتطور التاريخي لتلك المؤسسات ودرجة علاقتها مع بعضها ودرجة علاقتها ككل مع المجتمع. وفيما يتعلق بدور المؤسسات الرسمية فترسخ المؤسسات واستقرارها وإمكانيتها في ممارسة نشاطها وقدرتها على نقل متطلبات المجتمع إلى حيز التطبيق يؤدي إلى أن تكون مخرجات السياسات العامة أكثر ديمقراطية وأكثر شمولية لمتطلبات المجتمع وبالتالي تكون السياسة العامة سائرة في إطار ديمقراطي سليم. ومن خلال ذلك يبرز التباين بين الأنظمة السياسية في الدول المتقدمة والأنظمة السياسية في الدول النامية، فبقدر ما تكون الأولى قائمة على ترسِّخ المؤسسات واستقرارها واستقلاليتها النسبية وتوازنها في تحقيق متطلبات المجتمع، تكون البلدان النامية معبّرة عن حالة هيمنة المؤسسات التنفيذية وضعف المؤسسات التمثيلية المتمثلة بالسلطة التشريعية أو المجالس النيابية، وإنعدام وضعف الحلقات الوسيطة بين النظام السياسي والمجتمع المتمثلة بوجود مؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي فان السياسات العامة للبلدان النامية تكون معبّرة في الغالب عن طبيعة العلاقة القائمة بين مؤسسات النظام السياسي الرسمية وغير الرسمية هذا يؤدي إلى أن تكون السياسات العامة لغالبية تلك البلدان عاجزة عن تلبية جميع أهداف المجتمع أو إنها سياسات لا تتميز بطابع الاستمرارية والثبات النسبي نظراً لعدم الإستقرار السياسي وضعف الإستجابة للمطالب المجتمعية.
وأغلب الدول النامية تقع تحت تسلط القيادة السياسية لغياب المؤسسات الديمقراطية الفاعلة، الأمر الذي أدّى إلى شخصنة القرارات السياسية الخارجية، التي تكون، في الغالب غير مؤهلة لقيادة الدولة خاصة في الشؤون الدوليّة. ويؤدّي هذا، بالضرورة، إلى عدم الاستقرار خاصة إذا ما وقعت تقلبات مفاجئة في هرم السلطة، كتغيير الزعيم إثر الانقلاب أو موت الزعيم. فما تعيشه بعض دول الشرق الأوسط والعراق من ضمنها حاليا يؤكد ذلك فهناك عملية تدمير البنية التحتية ،إضعاف التضامن والتجانس الاجتماعي والسياسي والديني والتاريخي لهده الدول، بمعنى إحداث واقع جديد سيؤدي لا محالة إلى حرب المذاهب والطوائف ،تكون متوافقة مع المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية،وهذا ما يمكن رصده من خلال انبعاث قوى محلية جديدة متطرفة مدعومة من قوى خارجية بحيث تكون أداة يتم توظيفها من طرف الإدارة الأمريكية الهدف منها هو تشويه صورة الإسلام المرتكزة على التسامح والسلام والحرية. إن أختيار العراق هدفاً، المقصود منه التطبيق الأمثل لقدرة النظام العالمي للتعامل مع الدولة المناوئة، ولا سيما تلك التي تقع في مراكز الثقل من العالم، أذ أنَّ العراق يشكل منطقة إستراتيجية مفصلية هامة تربط ما بين دول الخليج العربي وتركيا، وهو الأقرب إلى دول آسيا الوسطى، ويمثل الحدود البرية مع كل من إيران وسوريا, وهذا يعني أحتلال العراق يكمل حلقة السيطرة على الشرق الأقصى والأوسط، ويحد من أمتداد نفوذ كل من روسيا الأتحادية والصين، كما يحد من أنتشار المصالح الأوروبية في منطقة الشرق الأوسط.
وتلعب العوامل الاقتصادية، توفرها أو شحّها، أدواراً هامة في تصنيف الدول، وذلك لأن هذه العوامل تعكس فرصاً أو تفرض قيوداً بالنسبة لقرار الدولة، الأمر الذي يمثل الأداء الفاعل والذي يشكل مراكز إقليمية أو عالميّة. ومن هنا فإن حجم هذه الدول يرسمه هذا المعيار الذي يتناسب طردياً مع قدرتها الاقتصادية. فعلى أساس القدرة الاقتصادية صُنِّفت معظم دول العالم الثالث بأنها دول صغيرة وذلك بسبب ضعف مواردها الماديّة، وضعف إنتاجها، وبالتالي افتقارها إلى القدرات التكنولوجيّة. وهذا يرغم هذه الدول على الاعتماد على العالم الخارجي لحماية أمنها ولمواجهة احتياجاتها التي تثيرها الضغوط الشعبية في ميادين التشغيل والصحة والرعاية الاجتماعية، الأمر الذي يجعلها دولاً محكومة بقيود خارجة عن قدرتها على صياغة قراراتها، ويهمّش استطاعتها على التحرك بحريّة، دون الاستعانة بالقدرات القادمة من خارج حدودها، ماديّاً وعلمياً. ومما يلاحظ أيضاً أنها تعاني من حالات الفساد والتهريب والاختلاس والغش والبيروقراطية وتغوّل الشخصيات المتنفذة فيها التي تصبح مالكة للقرار السياسي والعسكري والإعلامي والمالي. وفي ظل ذلك تبقى هذه السلطات تبحث، جادة، عن استقرارها في مراكز التحكم، ولتحقيق ذلك نراها تسعى إلى القروض التي غالباً ما تكون مشروطة وتؤدي إلى اختلالات كبيرة بين عالم الإمكانات المحدودة وعالم الإمكانات الواسعة الذي يعني بالتالي قيام حالات من التبعية، خاصة ما تعانيه الدول التي كانت ترزح تحت قيود الاستعمار. إن تهميش دور دول الجنوب في الخارطة الاقتصادية العالمية من خلال الشركات العملاقة متعددة الجنسيات ومن خلال مؤسسات التجارة العالمية وذلك عن طريق الهيمنة على الشبكات عبر القومية (شركات ومؤسسات اقتصادية تقوم بإدارة الاقتصاد العالمي) ومثل هذا الأمر يفرض على دول الجنوب التكيف من خلال إعادة الهيكلة في الداخل والانخراط في النظام الاقتصادي المعولم الذي سيفقدها الكثير من مقومات سيادتها الاقتصادية . أن رفض ومقاومة الهيمنة الأميركية هو أمر ممكن وملح وقائم وذو جدوى في آن معاً وهو متوافق مع الميول التاريخية لتحول العالم في رفض الأحادية القطبية. إن الاقتصاد العربي هو اقتصاد ريعي يؤدي إلى تشوُّه التنمية. وتتلخص الاقتصادات العربية بالسمة الغالبة عليها المتمثلة بقاعدتها الريعية التي تحول دون الدينامية والتنويع الاقتصادي والتصنيع الحقيقي وأنشطة الخدمات ذات القيمة المضافة المرتفعة، وهي الوحيدة التي يمكن أن تؤمّن فرص العمل بالأعداد الكافية واستنفار المجتمع بكل فئاته الاجتماعية من أجل الخروج السريع من حال التخلف الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، وتالياً الخروج من التبعية والاتكال على الدول المتقدمة. لقد أظهر التاريخ أن الاقتصادات ذات القاعدة الريعية، قد أنتجت على الدوام أنظمة سياسية استبدادية، تعتبر النخب الحاكمة فيها الموارد الطبيعية والبشرية بمثابة ملكية إقطاعية موروثة لها، تستطيع التصرف بها كما يحلو لها. ولقد كان صعود الديمقراطية في أوروبا عبارة عن مسيرة طويلة على طريق تفكيك الدولة الوراثية وتغيير ثقافتها الاقتصادية والسياسية لوضع أسس الحريات الفردية ومسائلة النخبة الحاكمة من قبل مواطنيها.
أما الحالة العراقية فان العوامل المحلية، والخارجية أيضاً فكثيرة جدا ، التي أسهمت، وبدرجات متفاوتة، في التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي والأمني في العراق ، والتردي السريع في جودة الحياة الذي يشهده العراق منذ بداية الثمانينيات، وخاصة بعد الاحتلال في عام 2003. وليس بخافٍ، أن الدولة، رغم موقعها الجغرافي الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وامتلاكها للثروة النفطية (والغاز) بوفرة, قد خسرت حيزاً من أهميتها (السياسية – الاستراتيجية) واستقلاليتها بعد حرب الخليج الثانية عام 1991، وهي تجتاز حالياً منعطفات خطيرة تهدد سيادتها وتماسكها ومستقبلها. ولحماية وجود الدولة وتأمين مصالح المواطنين فيها، يجب إحداث التغيير لإنهاء أزمة النظام المركّبة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وأمنياً. من هنا، يَستمدُ المشروع الاقتصادي الوطني مبرراته ليسهم في تأسيس البديل الاقتصادي الذي يؤهل الدولة المدنية الديمقراطية المستقلة والسلطة (الأحزاب) السياسية القوية، التطلع لمشروع وطني يعالج الأزمة العامة المزمنة، وليوسِّع آفاق المستقبل الاقتصادي من خلال التأثير بدينامية أنماط استغلال الريع النفطي، وأهمها مؤسسات ومعايير التوزيع بين الاستثمار والاستهلاك. والتغيير هنا، يتطلب صياغة السياسات الاقتصادية لتوجيه مسارات النمو في القطاعات، ومن خلال الاستثمارات الحكومية المُمَوّلة من الإيرادات النفطية العامة، نحو الإسراع بعملية (التنويع الاقتصادي الهيكلي) لتقليل الاعتماد الكبير على الصادرات النفطية. ومنذ بداية الخمسينيات، أصبح الريع النفطي عنصراً أساسياً في سياسات الدولة والحكومات وتأدية مهماتها الأساسية في الأمن والدفاع، وفي إدارة مصالح المواطنين الاقتصادية والسياسية من خلال تمويل الإنفاق العام، الاستهلاكي (الجاري) والاستثماري، والاستيرادات المتزايدة من المنتجات والسلع والخدمات. وإذ يُفيد دائماً تحليل سياق دينامية الريع النفطي في الاقتصاد – السياسي وتطورها منذ عام 1952 لمعرفة عوامل التأثير فيها، فإن مراجعة وتقييم أحداث السنوات الخمس الماضية يسهمان كثيراً في معرفة سياسات التخلص من دوّامة أزمة النظام ومعاناة المواطنين منها. فقد شهد العراق، منذ منتصف عام 2014، أحداثاً مالية واقتصادية وسياسية وأمنية وعسكرية، في غاية الأهمية، كان من أبرزها ، الأزمة المالية الناشئة عن الانخفاض السريع والكبير في الإيرادات النفطية وتكلفة الحملة العسكرية الباهظة لمكافحة الإرهاب (حزيران/يونيو 2014 – آذار/مارس 2018)؛ واحتلال المنظمة الإرهابية (داعش) للموصل ومدن ومساحات واسعة من البلاد (2014 – 2017)؛ أما الحدث الآخر فهو موافقة الحكومة، وتحت تأثير العجز في الموازنة المالية للدولة وفي ميزان المدفوعات، على تنفيذ (اتفاق الاستعداد الائتماني) (الاتفاق) مع صندوق النقد الدولي والتوسع الكبير في المديونية العامة والقروض الأجنبية لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي للفترة 2017 – 2019. والحدث الرابع، كان موافقة الحكومة والبرلمان على قانون شركة النفط الوطنية العراقية (القانون) (23 أيار/مايو 2018) الذي يسلب من الدولة قوة الاستثمار المباشر للريع النفطي بمنحها لإدارة شركة حكومية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا قالت وزيرة الخارجية الألمانية عن صحفيي غزة؟


.. لبنان وإسرائيل .. مبعوث بايدن يحمل رسالة إنذار أخيرة من تل أ




.. المحكمة العليا الإسرائيلية تنظر في قانون منح صلاحيات واسعة ف


.. مراسل الجزيرة يرصد الأوضاع من داخل مدرسة لتوزيع المساعدات بش




.. استشهاد سيدة إثر استهداف قوات الاحتلال منزلا لعائلة المقادمة