الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقامة ألألقاب .

صباح حزمي الزهيري

2024 / 6 / 13
الادب والفن


مقامة ألألقاب :
أستفزتني مقالة نشرها د. رشيد خيون حول أستخدام ألألقاب بدأها : ((إن نسيت فلا أنسى اعتراض صاحب سيارة الأجرة, المنطلقة مِن عدن إلى صنعاء(1991), والعادة تُسجل أسماء المسافرين , خشية السُّقوط مِن الجبال في الوديان , على أحد الرُّكاب وقد كتب «الدُّكتور» فلان , اعترض قائلاً: يا أخي نحن رُكاب لا محامون ولا دكاترة, خجل صاحبنا وترك استخدام (الدّكتور) في غير موقعها, وظل شاكراً ذلك الفضل وذلك التّعليم فالحياة مدرسة والبسطاء المعلمون , ظل صاحب (الدَّال) كلما تذكر الموقف قال : أدبني فأحسن تأديبي)) , ومن الطبيعي ان اطلاق اللقب العلمي على (الأجوف) البعيد عن الاجواء العلمية استخفاف بكرامة العلم , وانتهاك لحرمة الناس , وكذب صريح , وغش واضح , بمقتضى موازين الاخلاق , وهل ثمة ما هو أسوأ من الافلاس وفق معايير الدين والعلم والاخلاق ؟
ان عملية تسويق (الذات) بالأباطيل والحيل, مرفوضة بكل المعايير, وهي تماماً كانتفاخ الهرّ يحكي صولة الأسد ,ان مطلقي الألقاب الزائفة على أنفسهم ينسون أنهم يجنون على أنفسهم قبل جنايتهم على الآخرين.
عندما كنا طلابا في الجامعة في السبعينات , كنا نعد أطلالة أساتذتنا ابراهيم كبة , ألأخوان الشاوية هشام ومنذر وسلطان , فاضل الحسب , شمران حمادي , نزار الطبقجلي,الخ الخ ,ودخولهم قاعات دروسنا, في هيبة محسوسة فنصبح كما في حضرة ألأنبياء , لم يكن هناك من مبالغات, ولم نسمع حينها بتشكيك أو شهادات مزورة , كانوا جميعا يملأون حضورهم علما وفكرا يوسع المدارك ويعلي القامات, لايتجاهلون ولا يتعالون , يتناغمون ويفيدون, وكنا جيلا نحترم قيّمنا وقممنا العلمية ومناراتنا التي أفنت جل حياتها في البحث والدراسة ومتابعة الوصول إلى أعلى الدرجات العلمية.
سمعنا بما قاله قديما الحسن بن رشيق : (( مما يزهدني في أرض أندلس ,سماعُ معتصمٍ فيها ومعتضِدِ......ألقابُ مملكةٍ في غيرِ موضعها ,كالهرّ يحكي انتفاخاً صولةَ الأسدِ)).
واليوم : نشهد إطلاق الألقاب الكبيرة دون هوادة, على مَنْ لا يصح أنْ يُطلق عليه (أصغر) الألقاب والعناوين ,هناك من يسميّ نفسه بالدكتور فلان , او يسمونه بالدكتور فلان , وهو لا يحمل أية شهادة أكاديميّة معتبرة , فهي ليست الا مسألة يُضحك فيها على الذقون.
وكم شاهدنا في عراق مابعد الغزومن وزير للتربية ناقص للتربية وفاقد لقيمها العليا, وكم من إنسان يحمل شهادات عليا خولت له تقلد منصب أمين عام مع أنه لا يمتلك قيمة الأمانة, وكم من مسؤولين وأطر عليا يعلقون وراء مكاتبهم الفاخرة شهاداتهم العلمية ويضعون على طرف طاولاتهم شهادات التقدير التي حصلوا عليها لتفوقهم في مسارهم العلمي لكنهم فاشلون في تعاملهم وتصرفهم مع الآخرين, لكونهم يتكلمون بلغة فوقية ويزدرون من يظنون أنهم دونهم , فهُم يرون أنفسهم الأفضل وفي مكانة أعلى من غيرهم, وكم عرفنا سابقا من أناس لم ينالوا هذه الشهادات , او يدعوها, لكن اسمهم المجرد بدون ألقاب أعظم من كل لقب لارتباطه بعطائهم النبيل وصنيعهم الإنساني.
‏‎من التساؤلات التي تراودني الآن: هل كل من يدعي الشهادة واللقب لديه رصيد فكري لا يستهان به ؟ و بمستوى ثقافي أو مهني عالي؟ وما الذي يريد الإنسان أن يفعله حقا بالشهادات المذيلة بالنعوت اللافتة للأنظار دون أن يضيف أي رصيد معرفي أو عملي له ولمجتمعه ؟ وإن كانت الأموال وحدها قادرة على جلب الألقاب والشهادات فأية فائدة حقيقة ترجى منها ؟ الأقوام تسود وتكون لها الأفضلية على سواها بمكارم الأخلاق لا بالألقاب والشهادات الزائفة .
لقد تزاحمت في أروقة الأدب والمال وساحاتها شخصيات متنكرة بألقاب فارغة من المضمون, وليس لها من تلك الألقاب إلا جوازات سفر مزورة , تخترق بها ومن خلالها صفوف العلماء والأدباء والمفكرين وأصحاب الخبرة, وقد شاعت وتصاعدت المسميات الرنانة المُقحمة لمن لا اسم لهم ولا عنوان مثل: البروفيسور, والدكتور, والخبير الاستراتيجي والخبير الدولي, والمستشار, والمحلل السياسي , والسفير والسفيرة, ورجل الأعمال, وسيدة الأعمال, والباحث والباحثة, والكاتب والكاتبة, والأديب والأدبية, والمؤلف والمؤلفة, والروائي والقاص..إلخ وأنا هنا لا أتكلم عن الشهادات المزورة أو الشهادات الفخرية التي أصبحت تُباع بالأسواق, أو الألقاب الوهمية في أصلها ومضمونها, بل الذي يعنيني انني عندما أقابل هؤلاء أصحابَ الأسماء الرنانة لا أجد علماً ولا ثقافةً ولا معرفةً, لا في كلماتهم ولا في كتاباتهم , ولا في حديثهم ,لا, بل أجد بعضهم من أصحاب (الدَّكْتَرة) "أمّياً" بامتياز, وبعض الكُتّاب لا يجيد الإملاء فضلاً عن التعبير والأدب, وسيدة أعمال فقيرة, وشاعرة لاتَقْدر أن تتحدث بأربع كلمات مستقيمة, وقد تكشف زيفها بمجرد التعبير عن فكرة أو في قراءة نص, أو في مناقشة أيّ أمر يحتاج إلى خبرة ودراية, وما ذلك إلا تعويضٌ عن نقص مُدْقِع في الفكر, و زَيف مُغَلَّف في الشخصية.
كبيرٌ هو وجع الأمة, والاستهداف ليس وليد المرحلة, بل هو امتداد لمراحل سابقة, لم تكن ضرباً من العبث, إنه منهج ورؤية تهدف إلى هدم حاضر أمة ومستقبلها ليقود إلى ضياع أجيالها, والعملِ على وأد الانتماء والهوية من خلال تلك الأدوات والألقاب والصفات والدرجات العلمية التي أصبحت لازمة لأسماء الكثير من شخصيات المجتمعات المحلية هذه الأيام , وهي الأداة الكفيلة بالإمعان في تقطيع أوصال الأمة ويمكن القول: إن معظم هؤلاء ما هم إلا أدوات ومعاول لهدمِ مجتمعاتٍ غُيِّبت فيها العقول والإمكانات والكوادر صاحبة الكفاءة, وكأنّ هناك قوى ما تسعى إلى تعويم تلك الأدوات من أجل الإمعان في تقطيع أوصال مجتمعاتنا التي تسعى إلى تَلمُّس طريقها نحو التطوير والرقي والتحضر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السوبرانو الأردنية زينة برهوم تبدع في الغناء على الهواء في ص


.. السوبرانو الأردنية زينة برهوم تروي كيف بدأت رحلتها في الغناء




.. بعد استقبال جلالة الملك للفنان عباس الموسوي.. الموسوي: جلالت


.. صباح العربية | بحضور أبطاله ونجوم وإعلاميين ونقاد.. افتتاح ف




.. اشتهر بدور الساحر غاندالف في -سيد الخواتم-.. الممثل البريطان