الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحاكم والحج والحواشي

سالم روضان الموسوي

2024 / 6 / 14
الفساد الإداري والمالي


منذ أيام ومواقع التواصل الاجتماعي تعج بأخبار الحج والحجيج وتتراوح بين مهنئ لمن نال فرصة الحج وبين غاضب لأنه من كبار السن ولم ينصفه اهل المسؤولية عن الحج في اختياره للحج هذه السنة، ولاحظت ان بعض من يتولى مناصب عليا في الدولة العراقية بين الحجيج وهم من الشباب في اعمارهم، بل ان بعضهم يتباهى بتكرار نيله فرصة الحج لأكثر من مرة، بل يزيد على ذلك بانه في افضل أماكن الإقامة ومتوفر له ما لم يتوفر لغيره من الحجاج، وهؤلاء بلا ادنى شك لم تنالهم فرصة الحج عن طريق التنافس مع اقرانهم من العراقيين، لان بعضهم لا يتوفر على شروطها، لكن منافع المنصب هي التي قادت اليه الفرصة،

وهذا الحال لم يقتصر على اهل العراق ولا على هذا الزمن، بل كان في العراق منذ عشرات السنين وفي ظل الأنظمة الحاكمة السابقة، فضلاً عن توفره في اغلب الدول الإسلامية، وتعدى الامر الى ان يقوم الجانب السعودي الذي يتولى إدارة الحج بجعله مزية واعتبرها من عطايا الملك عندما يخصص نسبة او اعداد من الحجيج الى بعض الرؤساء والمسؤولين، وهؤلاء يتكرمون بها على اصحابهم وحواشيهم،

وما اود عرضه من ملاحظات في هذا الصدد الاتي:

1. ان قبول المسؤول او ممن يعد من الحواشي هذه الفرصة التي اعتبرت من المزايا والعطايا، وغيره من أبناء وطنه يحرمون منها وهم اكثر من تتوفر فيهم شروط الابتعاث الى الحج هو اثم، لان القدر جعل من الحواشي وارباب المناصب يهيمنون على المقدرات، فأتتهم العطايا ليس لانهم من اهل الاستحقاق بل لانهم من ارباب المناصب، وهذه من منافع السلطة والمنصب، فيكون ممن ارتكب فعل (الغلول) ويعلل هؤلاء ان هذه الفرص للحج المتكرر امر مشروع، طالما أتت عن طريق موافقات المسؤولين بموجب صلاحياتهم في القانون، مع انهم في قرارة نفسهم يعلمون ان ذلك غير صحيح مثلما يعلم العامة ان ذلك غير صحيح، والله تعالى بكتابه الكريم قد منع حتى على الأنبياء الحصول على المنافع من المال العام بقوله تعالى في سورة آل عمران الآية (161) (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) والغلول كما عرفه فقهاء الشريعة الإسلامية (بانه أخذ شيء من الغنيمة قبل قسمة الإمام، ويلحق به ما يؤخـذ عـن طريق الخيانة من بيت المال، ومن غلة الأوقاف، ومال اليتامى، ونحو ذلك) ويعد حراماً لا حلة فيه اطلاقاً، وهو من كبائر الذنوب والعصيان، وهذا ما قرره الرسول الاكرم (ص) في الحديث النبوي الشريف (هدايا الامراء غلول).

2. ان اغلب هؤلاء الحواشي هم من أصحاب وندماء كبار المتحكمين في قرار الحكم في العراق بسلطاته الثلاث ، هم من من المقربين جداً من ندمائهم الخُلص، ولو ابعدنا فرضية الغلول عن فعلهم، وافترضنا فيهم حسن النية وصدق المسعى، فان الظن بهم يكون على انهم من الناصحين لمن منحهم هذه الميزة والمنفعة، وان يكونوا على قلب واحد في الصلاح والإصلاح، وسوف ينعكس ذلك على قرار المسؤول (الحاكم) عند التصدي لأمور البلاد، وأول ما يجب ان يكون عليه هو محاربة الفساد المستشري في اوصال الدولة العراقية، لان قرب المستشير من المستشار وثقته يكون ذو اثر في تقديم النصح الصادق، وان الله سوف يجزيه عنه خيراً بل ان الناس سوف تعلم به وتثني عليه ان كان صادقا وناصحاً للخير والأمانة حتى وان اخفاه عن الناس ويقول الشاعر سهل بن هارون (أخفوا صنائعهم والله يظهرها ................. إن الجميل ولو أخفيته ظهرا)، فاذا كانت مشورتهم بصلاح اظهرها الله للناس، وان كانت لفساد أشهرها الله على الملأ،

3. ان وجود ندماء المسؤول سواء كانوا من أصحاب المشورة او ممن ينوبونه في المنصب او من معاونيه، فلابد وان يكون على درجة عالية من الأمانة لخدمة الناس من خلال مشورتهم وصدق عملهم ونصحهم، ويقاس المسؤول من خلال اقرانه من الندماء، فان كانوا على سوءٍ فانه لابد وان يكون من سنخهم، وان كانوا من المؤتمنين فان المسؤول سوف يكون اميناً، لان النصيحة والمشورة امانة وعلى الناصح والمستشار ان يكون اميناً، فضلاً عن انعكاس اخلاق النديم على المسؤول ، وهذه من دواعي المسؤولية في اختيار الصالحين منهم، حيث جاء في الموروث (إياك وإخوان السوء، فإنهم يخونون من رافقهم، وقربهم أعدى من الجَرَّبِ)، لان النديم والجليس الصالح يصلح من جالسه ويقول الشاعر لبيد بن ربيعة (وَالمَرءُ يُصلِحُهُ الجَليسُ الصالِحُ)،

وفي الختام أتمنى ان يكون حجاً مبروراً لمن سعى وطاف لله خالصاً، ويعلم ان بعد حجه هذا موتٌ وحساب عند مليك مقتدرٍ عادل، لا تخفى عليه خافية، كما أتمنى على من يختار نديمه وجليسه ومستشاره، ان يختار الناصح المشير وليس الخادم "السفسير"[1]، لان لكل بداية نهاية، ويقول الشاعر محمود سامي البارودي (مَهْلاً بَنِي الدُّنْيا عَلَيْنَا فَإِنَّنَا ...... إِلَى غَايَةٍ تَنْفَتُّ فِيهَا الْمَرائِرُ

وَعَمَّا قَلِيلٍ يَنْتَهِي الأَمْرُ كُلُّهُ ........ فَمَا أَوَّلٌ إِلَّا وَيَتْلُوهُ آخِرُ)

فاذا لم يحسن المسؤول الاختيار ، ولم يصدق المستشار المشورة، فان كلاهما في خسرانٍ مبينْ وانهم من الظالمين، ويخبرنا القرآن الكريم في الآية 270 من سورة البقرة بان كل ظالم ليس له نصير مهما انفق من الأموال واغدق في العطايا لان الله يعلم الظاهر والمكنون بقوله تعالى (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ، وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) وعاصرنا انعدام الناصر لمن طغى وتجبر، بل انقلب عليه اقرب ندمائه وحواشيه، فلابد وان نعتبر بها وان نؤمن بقوله الله تعالى بان من يَظلِمْ لا ناصر له، وان طال المقام به.

[1] "السفسير" من أسماء الخادم والسمسار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير سياسي من مبابي بشأن انتخابات فرنسا


.. بوتين يزور كوريا الشمالية لأول مرة منذ 24 عامًا.. وهذا ما سي




.. ضحايا وعشرات المصابين على إثر حريق مستشفى خاص في إيران


.. الجيش الإسرائيلي يحقق في احتمال تهريب حماس رهائن إلى خارج رف




.. قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة| #ال