الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرحلة بوصفها في (مغامر عماني في ادغال أفريقيا)

قيس كاظم الجنابي

2024 / 6 / 14
الادب والفن


-1-
في سيرة ورحلات (مغامر عُماني في أدغال أفريقيا) الذي يتناول مغامرات ورحلات شخصية عربية عُمانية، هي حمد بن محمد بن جمعة المرجي(1840-1905م)، المعروف بـ( تيبو تيب)، بترجمة الدكتور محمد المحروقي ،والذي تضمن غلافه (سيرة ذاتية) بوصف الكتاب يسرد الاهوال والاعاجيب التي تعرض لها في مغامراته بأفريقيا، وقد تضمن الكتاب موجزاً لسيرة الكاتب ووصفه بأنه " من أشهر التجار العمانيين في شرق أفريقيا في مطلع القرن التاسع عشر"، والذي يرد اسمه "حمد"؛ مما يعني ان اسمه"حُميد" لانه تصغير لاسم حمد، حين عرفه نزلاء زنجبار، وهو من تجار العاج والمغامرين الذي ساندوا الاستعمار البلجيكي في الكونغو؛ فضلاً عن كونه تاجراً للعبيد، والكتاب هو سيرة ذاتية مع سرد لرحلات(تيبو تيب) التي كتبها باللغة السواحلية، ثم ترجم الى اللغات الألمانية والفرنسية والانجليزية، مع بروز الأثر العربي البالغ على لغة وسلوك الرحالة في سرد مغامراته، فان "لذة سرد" تلك الموضوعات تدفعه بعض الأحيان الى المبالغة والزيادة مع ركة في ربط الموضوعات ،والانتقال من موضوع الى موضوع ،الى جانب "مزالق الحكي وهي الاستطراد وتداخل السرد بالتذكر في بعض حكاياته".[ ص28/ مقدمة المترجم د. محمد المحرقي، دار الجمل، ط2(بغداد، 2006م)]. وهكذا تحولت المغامرات الى سيرة ذاتية للكاتب، الذي لقب بـ( تيبو تيب) لانه كان يستخدم الأسلحة الحديثة.
في الغالب تترشح الكثير من سيرة الكاتب في أثناء سرده للاحداث والمعوقات التي تجابهه ،ويبرز العنصر الذاتي في الرحلة لان المغامرات التي خاضها تتعلق بحياته وجسده شخصياً، لان روح المغامرة متأصلة في مثل هذه الرحلات فان كاتب الرحلة /السيرة هذه اطلق عل تجاربه التي خاضها طوال سنوات طويلة في أصقاع أفريقيا، أطلق عليها مصطلح(سيرة ذاتية) ولكن القارئ سيجد الكثير من المواقف التي يسردها تبدو خارج اطار الحياة الإنسانية أو خارج اطار حقوق الانسان ؛ فالحروب التي خاضها هي صراع وجود وليس صراع أفكار أو رؤى؛ وبالتالي تشكلت الرؤى والأفكار في تدوين هذه السيرة على وفق منظور فيزياوي يقوم على الفعل ورد الفعل، فاولاً كانت البدايات في عالم التجارة كتجارة الأحجار الكريمة ، حين يعمل عل الكشف عن بداياته ومصادره؛ بوصفه واحداً من مواطني زنجبار الافريقية التي كانت جزءاً من السلطنة العمانية التي كانت يوماً ما، واحدة من إمبراطوريات البحار وذات النفوذ المعروف في أفريقيا، قبل الاستعمار الأوربي لمنطقة الخليج.
بدأت المقدمات الأولى عبارة عن فقرات لخصت أهم الاحداث مع احالات الى كيفية تسجيل السيرة، حيث كانت البداية مع سن الثانية عشرة، حين كان ملازماً أخاه محمد بن مسعود الوردي وعمه بشير بن حبيب وعبدالله بن حبيب الورديني ليعمل في تجارة الخشب، وحين يبلغ الثامنة عشرة من عمره عزم والده على السفر الى (اوجانجي) لانه يعمل على الفعل ورد الفعل، فانه عاد ورجع الى زنجبار؛ بينما ذهب والده محمد جمعة ال باتورة ، حيث كان له نفوذ كبير بسبب مصاهرته لسلطانها على ابنته من شبابه، ثم يستطيع عبور (بحيرة تانجينيقا) ثم العودة بعد ان بلغه خبر وفاة سلطان تابورة(كيرا)؛ الذي يواجه بعض الحروب بالهدايا، وذلك بتقديم العاج للتخلص من الازمات والصراعات، وذلك ان وفاة السلطان دفعت ابن أخيه (منيوا سيري) الى تولي الزعامة ،ولكن حين أيقن من ضعفه عن الحرب من طلب من والده مساندة العرب في نوع من الصراع بين السلطان والعرب؛ فقبل العرب الهدية، ومع مرور الزمن تزايد طغيان السلطان، فراح بأسرة السلطان السابق، وفي هذه الاثناء وصل حمد الى زنجبار.
كل هذه كانت مقدمات أولى لتأسيس مسوغات المغامرات التي سيخوضها، حيث سيبدأ بالحملة على (السامو)، وكان يعمل لديه سبعمائة رجل، وكان أسلوب الرحلة يقول على تنبيه جماعته أو خصومة باستخدام الطبول، مثل طبول الرحيل وطبول الحرب وما شابه ذلك، حيث توجه الى (زيري) حيث كان يسكن أحد (البانيان)واسمه(حيلة) لشراء بعض المستلزمات أو القيود حيث وضع" جميع الحمالين بها وجعلت أخي في المقدمة وتبعتهم أنا لضبط من يحاول الهرب".[ص45]
وقد حذره الحمالون وبعض المعمرين العرب من الذهاب الى أرض(السامو)،ولكنه لم يأخذ نصيحة أحد، حيث جهز الساموا جنوده لمحاربتهم، وكانت الحرب غير متكافئة حيث يستخدم تيبو تيب الرصاص بالأسلحة الميكانيكية؛ بينما يستخدم الافارقة الحرب بالسهام، فمات منهم كما يقول مئتين وبعضهم مات دوساً تحت الاقدام وهرب الناجون ليجد هناك قلعة عظيمة يحكمها حاكم لا يعرف الرحمة يقطع أنوف وأيدي المخالفين له ويسمل عيونهم، وكانوا حين يهاجمون خصومهم يشعلون النيران ويقرعون الطبول، فيسقط اكثر من ستمائة شخص منهم في هذه المعركة ،وكانت "أسلحتهم من السهام والاقواس وكذا طبولهم وفؤوسهم الى جانبهم".[ص50] فكان يستخدم الحرب الخاطفة والسريعة، وكانوا يهجمون ليلاً ويقرعون الطبول في أي حركة لهم، وكانوا يأسرون الرجال والنساء ويستعبدونهم أو يبيعونهم ،وحين أسروا بعض النساء سألوهن عن هؤلاء الذين هاجموه، كانت الاجابة :" ان معظمهم جاءوا من أورنجوا لشراء العاج "،وكانوا - كما يبدو – يبحثون عن الطريق الى رويمبا، وهو المكان نفسه الذي ترك فيه (حمد) أخاه عندما عبر(أورنجو) الى أرض(ماريرا) وحين وصل الى قرية(شانجو) من بلاد (أورنجو)، فانتشرت الاخبار الذين أطلقوا ان (تيبو تيب) هو قاتل السامو، وهم الذين اطلقوا عليه هذا اللقب وكانوا يقولون ان بندقية تيبو "تطلق في كل الاتجاهات كبيان لمدى شدته في الحرب".[ص 54]
-2-
في هذه السيرة تميل كفة الرحلة كثيراً على ما حمله عنوان الكتاب (سيرة ذاتية)، حيث الحركة الدائمة بين التوغل في قلب أفريقيا وبين العودة، وهي نوع من المحاكاة للكر والفر ،او سجالات الحروب، حيث تقترن الرحلة بالمكان، وتأثيراتها المتعددة، فهو يصف دار السلام بأن دار السلام كانت آنذاك غاصة بالقادمين من زنجبار من عرب وبانيان وهنود وبها أوربيون من لامو وممباسا وعرب آخرين من بيمبا واناس من أقاصي ساحل مريما بالإضافة الى السفراء ورجال الاعمال من كل حدب وصوب.[ص59]
وكان الرحالة يطمح بالوصول الى زنجبار بلاده وأرومته ومصالحه؛ لهذا يتوجه الى (تانجا نيقا) وكلما عاد من رحلاته طلباً للتجارة وشراء العاج، كان يعود وكأنه يحاكي السندباد في رحلاته السبع.
وللتأكيد على أن الأهم في هذا الكتاب هو الرحلات المكوكية للبطل/الشخصية المحورية التي كتبت جولاتها على لسانها، انه يستخدم كلمة رحلة باستمرار، وحين يرحل الى غرب بحيرة تانجانيقا، يقول:" كانت رحلتي موفقة وأمرت أخي بأن يتقدم وينتظرني في كويري(kwere) لأنني سوف أذهب الى زنجبار لوداع تاريا. تحرك أخي على مهل. وفي زنجبار بقيت ستة عشر يوماً لحضور زواج أولاد راشد العدواني حيث ألحَّ علي تاريا بالبقاء".[ص65ٍ]
يمثل الطبل رمزية خاصة في كل عمل، واعتقد بسبب الظروف المحيطة بهم، ولكونهم مجموعة من كبار التجار والمرتزقة يشعرون انهم مهددون، وينتمون الى ثقافات بدائية عربية وزنجية حيث يعد صوت الطبل تعبيراً عن وجود حدث او تهديد كامل للمجوعة، لهذا يقول الكاتب:" قرعنا طبول الحرب وغادرنا مباشرة الى كوبهاري ،وهي على مسافة قصيرة من إتورو".[ص69] وكذلك كانوا يستخدمون الاعلام ويستبشرون برفعها؛ فالطبل تعبير عن حدث أو تحرك أو حرب، وفي الغالب يتعرضون الى هجمات عنيفة من القرى التي يمرون بها، فكانوا يفتحون النار عند شعورهم بأي خطر يتهددهم، ومع ذلك تشير هذه السيرة /الرحلة الى واقع اجتماعي واقتصادي يمثل تلك المرحلة، في استخدام قرون الجاموس والعاج كعملة نقدية للتبادل التجاري والدولار السائد آنذاك لديهم، الى جانب الخمور والدخان وما يشبه ذلك كوسائل للترفيه في تلك المجاهل النائية لدى البحارة ولدى العبيد والحمالين ، وكانت صورة الحياة البدائية الاقتصادية واضحة، حيث يقول:" كانت قرن الجاموس بمقام وحدة تبادل لشراء السمك، الذي يجتمع لشرائه اكثر من خمسة آلاف الى ستة آلاف. يجففه بعضهم بالنار ثم يأخذونه الى بيوتهم لاستعماله في المقبلات ، بينما يعاود البعض الاخر بيعه".[ص85] فكانوا يقايضون السمك بالعبيد وحتى بالعاج ، كما يشير الكاتب الى تناول بعض المحاربين لحم البشر، كل رجلين ياكلون بشراً واحدا.
-3-
تترشح الكثير من العادات والقيم والتقاليد الاجتماعية من تراث الشعوب في هذه المغامرات حالها حال الرحلات العربية في العصور الوسطى، مما يسمح لنا ان نعدها أقرب الى الرحلات من السيرة الذاتية، ومن تلك العادات استخدام الطبول للإعلان عن الحرب أو الرحيل أو وجود خطر محدق بالجماعة، وكذلك اشعال النيران وحرق القرى ،ويجذر فكرة الغدر وعدم الوفاء بالتعهدات ؛ بالضبط كما هي أخلاق العصابات ،واستعباد النساء بعد اسرهن أو بيعهن أو مقايضتهن ببضائع شتى، والسطو للحصول على الأموال والسلع، واستخدام العلاج والأدوية العشبية والنباتية، مثل معالجة الاسهال باستخدام حساء الفلفل والزنجبيل ووضعه في المرق، وتناول التبغ بافراط، واستخدام الأسلحة البدائية في الحروب كالرماح والسهام والسيوف ،اما البنادق فليس لهم علم بها، وتتفشى تجارة الرقيق بشكل سافر وتجارة الزيت النارجيل، ولهم عادات منها انه اذا مات منهم شخص وهو مدين فلا يدفنونه حتى يقضى دينه، ومن يدفنه عليه وفاء ديونه، واذا عجز عن الإيفاء علقوه بين شجرتين ووضعوا تحته فأس الهالك ومعزفه وجرابه وصادرون أملاكه، وعندما يأتي الدائن قالوا له:" اذا كنت تريد أملاكه فخذ فأسه أو معزوفه"، وهذه هي قوانينهم في القضاء القبلي.[ص91]
وكانت بعض القرى تتوج زعماؤها بطريقة غريبة، فاذا أرادوا ذلك أخذوا تراباً خلطوه بالماء وصبوه على رأسه ثم أخذوا سلة ووضعوها على رأسه وهي تبقى هكذا، أو علقوا على رقبته عشر دجاجات صغيرة وهم يعتقدون انها تموت في عشرة أيام.
ما يلاحظ على سيرة حمد بن محمد بن جمعة المرجبي، المسلم لا يتقيد بقيم الإسلام وانما هو مجرد مغامر هدفه مصلحته، فهو مجرد مرتزق هدفه الكسب؛ لهذا كان ساعد بلجيكا الأيمن في الكونغو، لهذا يقدم لهم بعض رجال(الواروا) حين يبلغ (الاندا) التي كانت تحت سيادة البرتغال لمساندتهم.
كان تيبو تيب قد ترك أحد رجاله على (أوتيتيرا) ثم جاءت الاخبار ان بعض البرتغاليين اتجهوا لمهاجمتهم، فأصدر أوامره بقتالهم، حتى يرحلوا عن المنطقة، في ظل حركة مستمرة لا تسمح له بالوصف كما يفعل الرحالة، حيث تطغى عليه النزعة الذاتية ووصف الجماعات العرقية، وكان هدف تيبو تيب هو الحصول على المكاسب، كما فعل مع سكان(واجينيا) المحليين، ثم يستمر في تحركه حتى يبلغ نهر الكونغو ونهر كاسوكو، وبسبب شدة حركته التقى ستانلي(هنري مورثون ستانلي 1841-1904) البريطاني المهاجر الى أمريكا ، والذي عمل صحفياً، ثم مستكشفاً لبعض جهات أفريقيا عام 1866، ثم قام برحلة أخرى في سنة 1874م للطواف حول فكتوريا وبعض الامكنة.وفي سنة 1876 يدخل (نيانجوي) ليلتقي تيبو فاكتشف بمساعدته أجزاء من (اللوالايا).
-4-
في فصله (العودة الى تابورة) يغادر رومامي ويعود الى ستانلي بحثا عن العاج، ولغرض صنع الاساور من العاج المتوفر كان السكان لا يقايضون السلع بالعاج، فكانوا يصيدون الافيال ويأكلون لحومها ويستخدمون العاج في منزلهم، كما كانوا يدقون الموز ويسحقونه ثم يطبخونه وياكلونه، او يصنعون المزامير الموسيقية ، وكان السكان الاصليون يستخدمون في حروبهم السهام المسمومة، وكان غالب الرحالة على صلات بالسلطان برغش أحد سلاطين زنجبار من عرب عُمان.
تبدو الرحلات لدى الكاتب أقرب الى تحولات سريعة، بعضها يكون لاسباب عائلية وبعضها شخصية وبعضها تجارية في جو من المغامرات المستمرة، وتنافس دائم بين الاوربيين والعرب ؛ لهذا حين يبلغ زنجبار يتقدم اليه عرض بلجيكي، من قبل (كانجي راجبار الهندي) كبير موظفي تاريا ،وهو موظف بلجيكي للعمل على توسيع النفوذ البلجيكي في أفريقيا، وفيهذه الفترة مات لقب تيبو تيب وحلّ محله لقب مكانجوا نزارا ؛أي الذي لا يرهب أحداً.
وبعد ان يغادر الى شلالات ستانلي يلتقي بعض الاوربيين ، ثم يعود الى زنجبار، ليلتقي بالسيد جسك الألماني والروسي جنكرز اللذين التقيا بامين باشا ،ومن هناك توجها الى أوغندا ثم يبرم عقداً مع البلجيكيين في ان يكون والياً على منطقة البلجيك ويرفع علم بلجيكا، فيبحر الى الادميرال برفقة راياته البلجيكية، ويفرض سيطرته في اسوكو، ثم يبدأ النشاط الاستعماري البلجيكي في أفريقيا. وكانوا كما يقول باحترام وينفذون جميع شروطه، لانه كان بينهما اتفاق كامل واتحاد في الهدف. ويخصص فصلاً من ترجمته في الكتاب تحت اسم حميد(حمد) بن محمد المرجبي ، تحت لائحة (فاتح الكونغو). وهي ترجمة موضوعية يحتاجها هذا الكتاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السوبرانو الأردنية زينة برهوم تروي كيف بدأت رحلتها في الغناء


.. بعد استقبال جلالة الملك للفنان عباس الموسوي.. الموسوي: جلالت




.. صباح العربية | بحضور أبطاله ونجوم وإعلاميين ونقاد.. افتتاح ف


.. اشتهر بدور الساحر غاندالف في -سيد الخواتم-.. الممثل البريطان




.. -مستنقع- و-ظالم-.. ماذا قال ممثلون سوريون عن الوسط الفني؟ -