الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب العراق / الفصل ماقبل الأخير : الهندي بلا لون

فاطمة محمد تقي

2024 / 6 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


الفصل ماقبل الاخير:
الهندي بلا لون:
هذا الفصل ينقسم عمليا الى جزئين، وهو ماسنفعله ونحن نعرضه، مع ضرورة التفريق بينهما اذا اردنا ان نخرج من الجانب الوصفي الخاص، الى التطبيق العملي والمترتبات، وذهبنا كما يفعل الكاتب الى اجمال النظر في الظاهرة الغربية الحديثةلاجل تفنيد الرؤية الاوربية الاوربية الحداثية للانتقال الالي، باظهار عمق توهميتها، وتحايلها المنظوري، الاقرب للمداهنه والاصرار على تكريس مالا اساس له، وهو مايتم تحقيقه بالخروج من الدائرة الاوربية، الى وريثها الحالي ومادتها التي تكرس حضورها وسطوتها على مستوى المعمورة، مع كونها ظاهرة لا رابط يوصلها بالاوربية موضع انبثاق الاله الاول، كموضع تاريخاني طبقي هو النموذج الارضوي الاكثر دينامية ضمن نمطيته ونوعه، واحد الروافد المجتمعية التاريخيه الحاضرة في الفعالية المجتمعية على مدى التاريخ اليدوي السابق، الامر الذي لم تعرفه امريكا الوريث المخالف كليا على مستوى الصنف، والعائد الى مايمكن اعتباره مجتمعية "مفقسة خارج رحم التاريخ والتفاعلية التاريخيه" فوق ارض ليست ولم تكن خالية، او من دون مجتمعية سابقة لها خواصها البنيوية والتاريخيه المواكبة المناظرة، للحال والنمطية الاوربيه والشرقية، والشرقية المتوسطية بالذات، نمطية ومجتمع "دولة اللادولة" الاحادية للهندي الاحمر.
توجد الولايات المتحدة الامريكيه وليس فيها ماهو لها او من نتاجها، لاكطبقات، ولا نمط مجتمعي بعينه، ولا راسمالية، ولا الة، ولا مفهوم عن الذاتيه بما هو رسالية تلفيقية، وكل ماهو منها ويعود لها، كونها الموضع الذي اباد اهل المكان الاصليين بينما هو يدعي الرسالوية، وكونه مكلف الهيا بمهمه كونية تترجم عمليا وواقعا، مع الابتداء بابادة ماقبلها، وازالته من الوجود.
ولايترك الكاتب لهذه الجهه اية ثغرة تعيد رسم ملامح الامبراطورية الامريكيه الممتنعه على الكيانوية الوطنية المحلوية، تداخلا مع الرسالوية، من منطلقات "ابراهيميه توراتيه" متناقضة مع كل التاسيسات المنظورية المتعلقة بالسلطة والنظام، والطبقات، وكلها تخالف كليا ابسط المفاهيم الحداثوية الغربية بما تجيزه من احقية الاستقراطية، وضرورتها،وتكريس التمايزيه باعتبارها امرا بديهيا متلازما مع الحقيقة الوجودية البشرية، وهو يطلعنا بهذه المناسبة وبالتتابع على الاقوال والرؤى الوصفية الصادرة عن ممثلي هذا الموضع من العالم تكريسا للخصوصية الالهية النافية لغيرها، والمجتمعات التي قبلها باعتبارها "شعب الله المختار". وقد تطول الاقتباسات، لكنها ضرورية لكي تعكس المنشأ والتبلور الذي منه ولدت "المجتمعية المفقسة خارج رحم التاريخ" ـ "فقد كان استيطان أمريكا يجري، منذ الأصل، في سياق ايديلوجي ثنائي القطب. فالمطلوب هو الاغتناء من جهه، وتمجيد المنجز الإلهي، بالمشاركة فيه من الجهة الأخرى، وفي الوقت نفسه، فاضاف المستوطنون الى "جوعهم للأرض" وهشاشة ظروفهم، الارادة الصوفية لدى شعب يزعم انه مختار: لبناء مجتمع جديد واصيل، صار بعد حين يوزع عبره على بقية العالم"(3) . كتب المؤرخ الأمريكي دانيال بورستين في كتابه الضخم :" لم يكن شعب اكثر يقينا من سيره على السراط المستقيم من "،.جمعية سكوربي" التي استلهمت البارقة الأكثر اشراقا. فاعضاء هذه الجمعية هم من اتباع "طهرانيه" نقية ومتشددة، رحلوا مابين 1608/1609، لاجئين الى هولاندا. كانوا " كالفينيين"، حملوا في حقائبهم مدونة عقيدية متشددة، ورؤية متشائمه، مبنية على الاقتناع بالوجود الكلي للخطيئة، وأيضا على اليقين بان أحدا غير جدير بالانضمام الى متحدهم، حقا، مالم يكن مصطفى لذلك. وفوق ذلك لايجاز احد بذلك قبل تقديم البرهان على تشدده، لامكان للمنشقين والريبيين او المفكرين الاحرار. ابحروا يوم 16/9/ 1620، على متن "مايفور" وفي 11/11/، وصلوا الى كاب كود. وفي 21 منه، وضعوا " مايفلور كومباكت" ورسوا يوم 21/12. فالاغتراب في نظرهم هو"الهجرة" الى اميركا، وهي حملة منزلة من الله، لبناء "صهيون الجديده" في أراض بعيده"(4) بما يولد حالة من الحقد المطلق على ماسلف، واعتباره منتهيا يستحق الافناء، وقد حلت ساعة البدء من جديد باسم الإرادة العليا، فلا عالم قبل أمريكا يستحق البقاء والعيش.
"انهم مسكونون بيقين هو يقين تجسيد امر الهي، ففي مدن إنكلترا الجديده، لايشك احد في انه من لدن الله (هكذا تستحضر الابراهيمه مسارا وغرضا مع الجهل بالخلفية اللاارضوية). والمرجع المطلق هو التوراة، الذي منه زوروا الموشور الذي من خلاله يقراون الواقع. ويرى كل من أعضاء الجمعية ان الشعب الجديد هو "شعب الله المختار"،من دون سؤال عن : لماذا وكيف؟ فكل خصم، او كل مخالف للانموذج يعد عدوا لله ، ويعامل على هذا الأساس. فلا شيء يحدث بدون مشيئة الله، او بفعل الشيطان".(5) ولاتوقف في التراث التاسيسي الأمريكي للمضاهاة المرضية، وعصاب استحضار مالا يستحضر، ولقد " تزاحم على المدح والتقريض الكتاب ورجال الكنيسه والمثقفون والمترسلون والاخباريون. مثال ذلك ان وليام مستوغتون (1631/ 1701) مواطن من ماساشوستس، كان يرى ان أمريكا امه جرى اختيار مواطنيها بعناية، وان الله تصرف كما تغربل الحبوب في الغربال لفصل الحبوب الصالحة عن الزوان: على هذا المنوال، ستنمو البذرة الطيبه وسط الصحراء. وراى صموئيل سوال1652/1730) وهو كاتب يوميات ورئيس المحكمه التي ستحاكم السحره في "سالم" ان إنكلترا الجديده هي المكان الذي سترتفع فيه "اورشليم الحديده"(6)، وكان ميكائيل ويجلسورث (1631/1705) من عداد أولئك الذين افرطوا في الهذيان القومي والصوفي، وهم يدلون يشهادات مكتوبة حول بدايات الاستيطان الأمريكي. وفي "اليوميات" التي وضعها وليم بيرد(1674 / 1744)، مابين 1709 و 1712 وصف استيطانه، حيث عاش عيشة ميسورة كراع ساهر على رعيته من المؤمنين في بلاد كنعان حيث عاش الجميع سعداء" (7)، والغريب ان هؤلاء لم يقولوا يوما من اين جاءوا باساس معتقدهم وثقتهم المرضية المهلوسة بصلتهم بالله، واذا كانوا هم انبياء جدد يتلقون الوحي اليوم، او انهم جمع من المزورين المملوئين بالحقد الأسود، يريدون تبريره بالقاء تبعاته على السماء، في لعبة شيطانيه دموية صريحة مزرية، اول ماادت اليه، تصفية شعب ومجتمعية من قرابة السبعين مليون كائن بشري ابيدوا في ارضهم.
، والحق ان لاشيء يضاهي في الكم والحماسة، "تمجيد كوتون ماذر (1639/1723) فهو عضو في عائلة مثقفين، وهو صنو ابيه، لامع موهوب وشغيل متحمس. علم في "هارفارد"، التي ادارها بعد سنوات، ثم تولى حتى وفاته مهمة راعي كنيسة بوسطن الثانيه، اما العمل الذي تركه، وفيه يتناول القدر الاستثنائي الخاص بامريكا، فهو اثر وافر ومثير. اذ انه توقف عند حياة جون ونثروب، حاكم مستوطنة ماساشوستس، من 1629 حتى وفاته سنة 1649، وقارنه بالنبي موسى حين قاد "الشعب المختار" الى الأرض الموعودة. ولم يقصر وينثروب، على الرغم من كونه في الاجمال اقل غلوا من ماذر، في ان يوضح في يومياته، انه وصحبه في خدمة المسيح، الذين يرتبطون معه بميثاق. لقد فرض عليهم ان يقيموا في الأرض الامريكيه مجتمعا بعيدا عن الغوايات الدنيوية، يكون لهم وحدهم، فهم أعضاء جسم فريد موحد، وهم" شعب الله". وكتب :" سنرى ان اله إسرائيل هو بيننا، سنكون مدينة على رابية وسوف تنصب علينا عيون الجميع(8)".
وفيما عدا مسالة الصله بالارادة الالهية العليا لايتوقف اصحاب تعينات الكينونه المجتمعية الامريكان عن ادهاشنا، بينما هم يرسون نوعا من النظام لاشيء يصله بالغرب وحداثته، ولا بليبراليته، وهاهو جون كلهون "يعمد وهو الناطق الأمين باسم الفكرة السائدة ولسانها، الى دراسة الحرية، في علاقتها بالمساواة، فقد كتب يقول: " يتباين الافراد بعضهم عن بعض ذكاء ونفاذ بصيرة وطاقة، وجلدا ومثابره وكفاءه، كما يختلفون في العادات المتبعة في العمل والاقتصاد، واللياقة البدنيه، وفي الظروف والفرص التي تتاح لهم، وينجم عن ذلك انهم اذا ماخليت لهم حرية السعي في تحسين شروطهم، فلابد ان يتاتى عن هذه الفروق تفاوت ما وعدم مساواة" وهكذا يكون "التفاوت الاجتماعي والاقتصادي يتمتع بكل مايملكة قانون من قوانين الطبيعة... وتلك التفاوتات والفوارق، لاتنجم اذا عن السرقة ولا عن الفساد والحظوة السياسية، انما هي من طبيعة الأشياء والوسيلة الوحيدة لمكافحتها قد تكون "اما بفرض تنازلات على المواطنين الأكثر كفاءه تجعلهم لايتفوقون على من دونهم كفاءة وحظوة"، واما بتجريدهم من ثمار جهودهم" ان تدخلا كهذا سيكون جائرا في الأخص... لكن "كالهون" يخصه بملاحظتة قائلا انه " سيهدم الحرية ويقف سير التقدم" واذا كان ينبغي ان يكون المواطنون جميعا متساوين" امام القانون" فلابد من التخلي عن فكرة "تكافؤ الشروط والفرص بينهم"(9)
يقول جمس . .هاموند حاكم ولايه كارولينا الجنوبيه :" هذا الكلام في موضوع الحرية والمساواة، لم يكن الا عبارة من تلك العبارات الرنانه، التي تميزت بها الفلسفة الفرنسية العاطفية الرقيقه، التي شاعت كثيرا في ذلك العهد، والتي أدت بعد ذلك الى نتائج دموية جدا"(12) بينما كان من راية ان الإرهاب مع الغاء الرق منبثقان من فكرة ضارة واحده(13)
و " بعد تحرر العبيد، وحتى منتصف القرن العشرين، كان وجود اسم المواطن على اللوائح الانتخابيه في عدد من ولايات الجنوب، مشروطا بنجاحه في "اختبار" مستواه العلمي، وكان يقوم بذلك موظفون في المجالس البلدية، هم ـ غالبا ـ جهله... وهكذا كان يحرم من حق الانتخاب والتصويت اساتذه سود، بينما كانت تظهر على اللوائخ أسماء سود"جيدين" لايكادون يعرفون القراءة، وعند الاقتضاء كان يحرم منها بيض اعتبروامخربين، وفي هذه الحال، يعلن الموظفون المذكورون انهم اميون"(14) هكذا تكون أمريكا غريبة عن السياقات الاوربية الحداثية البرجوازية، وانقلابهاالطبقي الالي المحكوم لاشتراطات المراحل التاريخيه البيئية اليدوية، والارث الدينامي التفاعلي، مثلما هي منفصلة عن سياقات التجلي السماوي اللاارضوي، مع انها وجدت لاستعصاء شكل تجسدها الخاص بها، وبكينونتها "المفقسة خارج التاريخ" كي تحوز تشبها بما كان قابلا للحيازة والتماثل البراني، بانتظار دخول هذا الشوط، او المرحلة من تاريخ هذا المكان الذي صادف ان انبثق اليوم، وفي زمن صعود البرجوازية والثورة الالية المصنعية. وهكذا نجد انفسنا امام نمطية او شكل من اشكال الحضور الكياني المصطنع والغريب على التاريخ وتراكمات التفاعليه المجتمعية يتمكن لاسباب ثنائية اوربية وامريكيه من تلبس صفة المجتمع الاوربي ويصير راس حربة الغرب الحداثي وواجهته.
ولمزيد من التعرف على شذوذ الحالة، والاهم عدم معرفة "جنسها" الحقيقي حتى الساعه، وبمراجعة لادبيات وتاسيسات الجمهورية الامريكيه، يتعاظم الفارق بين الاصلين والمصدرين المفهوميين الغربيين الحديثين، اوربيا عنه أمريكيا، وهذا جون جاي المحامي ـ المسهم الأول في وضع دستور لولاية نيويورك، الوزير للشؤون الخارجية، ثم الرئيس الأول لمحكمة الولايات المتحدة العليا ـ يقول " على الذين يملكون البلد ان يحكموه"(15) وليس هذا فقط، فالتشوفات الامريكيه ومنظورات الدولة والحكم، تعرف اشكالا من التعابير غاية في البدائية والخصوصية التي لايمكن تصور صدورها، عن اوربي معني باي شكل كان بتحديد وجهات وسبل ممارسة الحكم التراكمي. وهاهو الحاكم كوفرنور يقول بوضوح تام " ماوجد قط ولن يوجد مجتمع متمدن ولن يوجد ( وفق المنظور الأحادي الأصل الغالب طبعا ).بلا ارستقراطية.. ينبغي ان يكون عضو مجلس الشيوخ غنيا، وان يتسم بروح ارستقراطية ( كيف في مجتمع لاهوية له ولم يتشكل بعد ؟) هذه بفخر واعتزاز... كما ينبغي ان يكون مستقلا، ولاسبيل الى استقلاله الا اذا سمي عضوا في المجلس مدى الحياة..... قد يقول بعضهم، لكنه في هذه الحال، سيسيء. وهذا مااعتقده، بل مااطمح اليه. ان الاذكياء يبذلون الجهود لتوطيد سيطرتهم، ولوضع اعناق سائر الشعب في النير، هذا مافعلوه وماسيفعلونه دائما، والضمانه الوحيدة للوقوف ضدهم، ان يجعلوا منهم طبقة منفرده، لها مصالح منفصله خاصة بها، وهكذا تستطيع القوتان( قوة الشعب وقوة الارستقراطية) ان تتوازنا"(16)
وحتى من يعتبر مؤسس الراسمالية الامريكيه، او تطلق عليه هذه الصفة، الكسندر هاملتون كان يرى بان " الأغنياء وابناء الاسر الكبيرة، هم وحدهم القادرون على اعباء حكومة حسنه، لان التغيير لايستطيع ان يحمل اليهم أي مكسب".(17)
ـ يتبع ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 3/4/5/6/7/8) ميشيل بوغنون ـ مورغان/ اميركا التوتوليتاريه : الولايات المتحدة والعالم الى اين/ قدم له بيار سالنجر/ عربه احمد خليل/ دار الساقي.
(9) كلود جوليان/ الحلم او التاريخ مئتا عام من تاريخ امريكا/ نقله للعربيه/ نخله اكلاس/ منشورات وزارة الثقافه والارشاد القومي ـ دمشق.
(10/11) نفس المصدر ص22.
(12) ذاته 24/.25
(13) ذاته45 .
(14)نفسه 46.
(15) نفسه 48








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لا اتفاق بين زعماء دول الاتحاد الأوروبي على تقاسم المناصب ال


.. ما موقف الأحزاب الفرنسية ومقترحاتهم من الهجرة في حملاتهم الا




.. لتطبيع العلاقات.. اجتماع تركي سوري في قاعدة روسية| #الظهيرة


.. حارس بايدن الشخصي يتعرض للسرقة تحت تهديد السلاح




.. وول ستريت جورنال: لا وقت للعبث بينما يحرق حزب الله شمال إسرا