الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع الطبقي بسوس بين الماضي و الحاضر الجزء الثالث

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2006 / 12 / 14
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



نظرا لما للحركة التي يقودها الفلاحون الفقراء بأوزيوة من أهمية في الصراع الطبقي ، بين الطبقات البورجوازية و الكومبرادور و الملاكين العقاريين و المافيا المخزنية ، و بين الطبقات الشعبية من طبقة عاملة زراعية و فلاحين فقراء و صغار و كادحين ، إرتأيت تقديمة دراسة مستفيضة حول منطقة سوس التي تعتبر فيه تارودانت مركزا حضاريا هاما ، تأسس عبر التاريخ الطويل للإنسان بالمنطقة ، و هي اليوم تعيش تهميشا ممنهجا نتيجة السياسات التبعية للرأسمال المركزي ، إستمرارا لما تم تخطيطه خلال مرحلة الإستعمار المباشر لطمس تاريخ المدينة و تحويلها إلى مرتع للعاملات الزراعيات ، اللواتي يتم استغلالهن بالضيعات الفلاحية و معاملة التلفيف التي أقامها المعمرون الجدد على أراضي الفلاحين الفقراء بسوس.

التشكيلة الإجتماعية بسوس خلال الإستعمار المباشر :

كما تمت الإشارة إليه في الجزأين السالفين تعتبر تارودانت من بين الحواضر الأوائل التي ساهمت في تطور التكوينات الإجتماعية خلال المراحل التاريخية التي شهدها المغرب ، و ذلك نظرا إلى أن كل الدول التي بناها الأمازيغ قد تأسست في جنوب المغرب التذي تمثل فيه تارودانت مركزا هاما من مراكز الطرق التجارية ، و لا غرابة أن تلعب دورا هاما في مرحلة مقاومة المستعمر المباشر في بداية القرن 20 ، عبر المشاركة في ثورة الهبة و احتضانه في 1912 و 1913 بعد هزيمته من طرف الإستعمار الفرنسي بسيدي بو عثمان ، و لم يتم إخضاع المدينة إلا بعد تحالف الإقطاع و الإستعمار ضد مقاومة الفلاحين الفقراء ، و تم فصل المدينة عن البوادي و بالتالي فصل سوس العاليا/ منطقة تالوين بالأطلس الصغير و تفنوت بالأطلس الكبير شرق المدينة عن سوس السفلى / سهل سوس و الأطلس الكبير الشمالي الغربي و الجزء الجنوبي الغربي من الأطلس الصغير و توزيغ النفوذ بين الكلاوي بتالوين و الكندافي بتيزنيت .
و هكذا استطاع الإستعمار المباشر السيطرة على حوض سوس حيث تخلى عن المناطق الجبلية و بعض الأراضي في السهل لقادة الإقطاع ، و استولى على الأراضي الخصبة بحوض سوس ، و لبسط سيطرته على المنطقة أنشأ الطريق الرئيسية رقم 32 بين أكادير و ورزازات و التي تقسم السهل إلى شطرين أساسيين ، الأول بالمنطقة الجنوبية للوادي غرب تارودانت حيث منطقتي أولاد تايمة و سبت الكردان ، اللتان أقام بهما الضيعات الأولى الخاصة بالحوامض و البواكر على جانبي الطريق ، و الثانية بشمال الوادي بمنطقة أيت إيعزا و أولاد برحيل و أولوز شرق تارودانت ، التي لم يتم الإهتمام بها من طرف المستعمر و هي عبارة عن أراضي الجموع في أغلبها و التي توجد تحت سيطرة القائدين الإقطاعيين حيدة أميس بأولاد برحيل و الضرضوري بأولوز .
و بدأ المستعمر في السيطرة على أراضي الفلاحين الفقراء بمنطقتين سبت الكردان و أولاد تايمة و تحويل الملكية الجماعية للأراضي إلى ملكية فردية رأسمالية ، أقام عليها المعمرون الفرنسيون الضيعات الفلاحية و معامل التلفيف ، و بالتالي تحويل الفلاحين الفقراء إلى عمال زراعيين يتم استغلالهم و خاصة المرأة العاملة ، و ذلك قصد تصدير الحوامض و البواكر في اتجاه الأسواق الأوربية ، و تم بناء معمل فريماسوس إنتاج المواد الأساسية في تصنيع المشروبات الغازية و الكحولية و بذلك نشأت طبقة عاملة كعنصر جديد بالمنطقة في المعامل و الضيعات.
و بالموازاة إلى هذه المؤسسات الإنتاجية عمل المستعمر على إنشاء مركزين إداريين أساسيين هما مركز أولاد تايمة و سبت الكردان لإقامة سلطته الإدارية و السياسية ، أولا من أجل بسطة سيطرته و بلورة مفهوم الضبط الإجتماعي للتحكم في مصير المنطقة ، و ثانيا من أجل مراقبة المؤسسات الفلاحية و الصناعية التي أقامها على أراضي الفلاحين الفقراء لضمان تدفق المال على الرأسمال المركزي ، و لخلق إجماع حول مشروعه الإستعمار أقام أوراشا لبناء الإدارة الإستعمارية و ما تحتاجه من مرافق موازية بهذين المركزين ، مما ساهم في إحداث رواج ملحوظ بعد خلق فرص للشغل و بالتالي حركة اجتماعية تضم طبقة عاملة تقيم في التجمعات السكنية الجديدة بالمركزين ، و تتشكل هذه الطبقة من العمال في مجال البناء و التعمير و العمال الزراعيين و خاصة المرأة و الطفل و التجار و الحرفيين .
و عمل المستعمر على إقامة أسواق تجارية جديدة لترويج المنتوج الفلاحي بالضيعات التي أقامها ، و الذي يكون غير قابل للتصدير إما بعدم الحاجة إليه أو نظرا لسوء جودته ، و بذلك نشأت حركة تجارية خاصة بأولاد تايمة التي ما زالت تتوفر إلى يومنا هذا على سوق لتجارة الخضر و الفواكه له شأن كبير في منطقة سوس ، كما عمل المستعمر على دعم طبقة البرجوازية التجارية بمنح امتيازات لبعض أعوان الإقطاع بالترخيص لهم بما يسمى " البون " لتجارة بعض المواد الأساسية كالسكر و الشاي و القهوة و الدخان و البنزين و الكحول .
و هكذا تم إنشاء مركزين أساسية في الجهة الغربية الجنوبية لمدينة تارودانت التي عمل المستعمر على تهميشها و ذلك بتحويل مركز سلطتها إلى مدينة أكادير ، أولا لتوفرها على ميناء صالح لتصدير المنتوج الفلاحي الذي يتم إنتاجه بأولاد تايمة و سبت الكردان ، و ثانيا لإمكانية خلق مراكز صناعية و مالية خدمة للرأسمال المركزي ، و أصبحت مدينة تارودانت في المركز الثاني بعد هذين المركزين من حيث الأهمية الإقتصادية و بالتالي أصبحت تابعة لإدارة الإستعمار بأكادير.
و في باقي المناطق تم إنشاء مراكز أقل شأنا من الناحية الإقتصادية و أكثر أهمية من حيث الضبط الإجتماعي ، و هي أولاد برحيل و تفتكولت و أولوز و تالوين و إيغرم ، هذه المراكز التي عرفت إزداجية السلطة بين المستعمر و الإقطاع ، و خاصة بتالوين و المناطق التابعة لها ، حيث تم بسط سلطة الكلاوي بعد فصل المنطقة عن تارودانت و إلحاقها إلى سلطة الكلاوي و المستعمر بورزازات ، و فصلها عن أولوز و المناطق التابعة له حيث بسط سيطرة القائد الإقطاعي الضرضوري ، و منطقة أولاد برحيل حيث بسط سيطرة القائد الإقطاعي حيدة أميس .
و تحولت تارودانت إلى مدينة معزولة تراوح مكانها داخل سورها تراجع ذكرياتها التاريخية و لم يبق أمامها إلا الإنزواء و الزهد بين مساجدها و أضرحتها المتعددة ، و ذلك عبر التشبث بتراثها التاريخي الذي يمثل أنفة الإنسان الروداني ، الذي عكف على ممارسة الحركة الحرفية و التجارية البسيطة و استغلال الأراضي الفلاحية بالجنان المجاورة للمدينة و معاصر الزيتون و العرائس داخل المدينة ، دون أن ننسى الإهتمام بالثقافة العربية في المدارس العتيقة و المساجد الكثير بالمدينة إلى جانب الثقافات الشعبية و على رأسها الدقة الرودانية و الملحون .
و تعرف المآثر التاريخية بالمدينة تهميشا ملحوظا بل تفوية غريبا حيث تم تفويت دار البارود بما تمثله من معلمة تاريخية هائلة و ما فيها من جنان لأحد الإقطاعيين / الوزاء السابقين و تحويل معلمة تاريخية أخرى بالقصبة إلى فندق ، و يعرف سورها إهمالا خطيرا مما عرض بعض مناطقه أطرافه للسقوط و تشويه البعض الآخر بالبناء العشوائي ، و تبقى العائلات الرودانية العريقة ذات الأصول الأمازيغية و التي تم استعرابها تعيش على أمجاد تاريخ تارودانت في ظل حصار تحالف الإستعمار و الإقطاع ، و تحولت المدينة إلى مرتع للطبقة العاملة الرخيصة خاصة المرأة و الطفل.
و كان للحركة الفلاحية بالضيعات و الصناعية بالمعامل أثر كبير في بروز الطبقة العاملة الفلاحية بأولاد تايمة و سبة الكردان ، مما فتح المجال أمام مزيد من استغلال هذه الطبقة بعد توسيع مجال استغلال الأراضي و حاجة المعمرين الفرنسيين للعمالة الرخيصة ، فوفد على المنطقة جماهير العمال و العاملات من المدن المغربية للبحث عن العمل مما فتح المجال أمام الباطرونا للتملص من تطبيق قوانين الشغل الفرنسية ، و ذلك عبر انتشار العمل الموسمي و المؤقت الذي يزكيه ظهير 1936 التي يحرم على العمال المغاربة حق الإنتماء النقابي ، و ظهير 1938 الذي يجرم الإنتماء النقابي بالنسبة إلى الطبقة العاملة المغربية ، و هكذا تم تكبيل أيدي العمال و العاملات الزراعيين من طرف الدولة الفرنسية المستعمرة لتسخير الطبقة العاملة المغربية للباطرونا الفرنسية.
بالإضافة إلى ما تعرض له الفلاحون الفقراء ا من استغلال بشع من طرف الإستعمار الفرنسي فإن أراضيهم التي يتم مصادرتها تكون هي المستهدف الأساسي بهذا الإستغلال ، و ذلك عبر وضع قوانين تسهل الإستيلاء على خاصة قوانين التحفيظ و المياه و الغابات التي تستهدف شرعنة السطو على ممتلكات الفلاحين الفقراء ، من خلال محاولة ضرب مشروعية الوثائق التاريخية التي يمتلكون بواسطتها هذه الممتلكات ، سعيا وراء ذلك طمس تاريخ المنطقة العريق و تفريغه من مضمونه الثقافي و التشريعي و بالتالي نشر ثقافة المستعمر بقوة القوانين المجحفة ، فأصبحت الخصوصيات المحلية بدون معنى و لا موقع يصون كرامة الإنسان و احترام ثقافاته ، و كذلك طبيعة النظام الرأسمالي باعتباره نظاما تناحريا لا يسود إلا على أنقاض الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء ، كيف لا و مرحلة الرأسمالية الإمبريالية هي التي بواسطتها تم تركير نمط الإنتاج الرأسمالي بسوس .
و لم تسلم شجرة أركان باعتبارها من الخصوصيات المحلية من الإستغلال البشع للرأسمال المركزي الذي يقوده الإستعمار الفرنسي بسوس ، حيث تم القضاء على غابات شجرة أركان بحوض سوس من أجل إقامة الضيعات و المعامل ، دون اعتبار مكانة هذه الشجرة باعتبارها إرثا إنسانيا يجب احترامه بل حمايته و المحافظة على ظروف نموها الطبيعي ، إنها مفارقة كبيرة بين بلاد عصر الأنوار و المفاهيم البورجوازية الرنانة التي بشرت يوما بالحرية و الديمقراطية و العدالة و الرخاء ، و قاد اليوطي حفيد نابليون هذا تلك الحرب على الفلاحين الفقراء من أجل الإستيلاء على أراضيهم ، و القضاء على 200 ألف هكتار من شجرة أركان دون اعتبار مكانتها البيئية و التاريخية ، عذع الشجرة التي تعمر أزيد من قرنين و تقاوم الجفاف و تحافظ على الفرشة المائية و تمنح الإنسان الحياة بموادها التي تفرزها عبر زيوتها.
بعد سقوط جبل سغرو سنة 1934 ساد هدوء نسبي في سهل سوس ذلك هو الهدوء الذي يسود بعد عاصفة هوجاء ، تلك هي راحة المحارب الفلاح الفقير الذي هب في فجر الإستعمار للمقاومة كعادته لكن شراسة المستعمر كانت أظلم ، و لم يزل المستعمر يبسط نفوذه بالسهل حتى اندلعت شرارة المقاومة من جديد ليلتحم تنظيم الفلاحين الفقراء / جيش التحرير ، الذي كان من بين قياداته أبناء سوس مجموعة شيخ العرب و عمر دهكون ، و تنظيم الطبقة العاملة / المقاومة الفعلية بالمدن و على رأسهم أبناء سوس إبراهيم الروداني و رحال المسكيني ، و كان لتحالف الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء أثر كبير في هزم المستعمر في مرحلة تاريخية عرف فيها المغرب جدلية السياسي و النقابي في ظل دعم حركة التحرير الوطنية.
تارودانت في : 12 دجنبر 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ارتباك في فرنسا مع انطلاق الجولة الثانية للانتخابات.. واليسا


.. شرطة نيويورك تقمع بالضرب متظاهرين داعمين لغزة




.. الشرطة الإسرائيلية تستخدم مضخات الماء لتفريق متظاهرين طالبوا


.. بريطانيا.. الحكومة الجديدة تعقد أول اجتماع لها عقب الانتصار




.. اللغة والشعرعند هايدجر - د. دعاء خليل علي.