الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة محزنة من البوم طفولتي

كاظم فنجان الحمامي

2024 / 6 / 17
سيرة ذاتية


في عام 1958 كنت في الصف الاول الابتدائي بمدرسة الرشيد الواقعة قرب سوق المعقل في مكان كان هو الأجمل من مدينة البصرة. كان مدير المدرسة هو الراحل (عبد الوهاب النعمة) رحمه الله، لكنني لا أتذكر اسماء المعلمين المكلفين بتدريس مواد القراءة والحساب والنشيد والرياضة والرسم. .
لم يمض على التحاقي بالمدرسة سوى شهر واحد فقط، لكنني تعرضت في هذا الشهر بالذات لأشد العقوبات، وأكثرها ظلماً وعنفاً وتعسفاً. كان عمري وقتذاك اقل من ست سنوات ببضعة اسابيع، اي في عمر البراءة والوداعة والطفولة المطلقة. .
لا ادري ما الذي جرى في ذلك اليوم، سوى ان معلم القراءة كان يراني من اغبى الاغبياء في كوكب الارض، فقرر معاقبتي بالفلقة. ولا أتذكر حتى الآن ما الخطأ الذي ارتكبته في عدم التمييز بين حروف اللغة العربية، اغلب الظن انني لم اكن أميز بين حروف الحاء والخاء والجيم بسبب تشابه صورتها بخط النسخ. .
كنت اقف بكل براءة قرب لوحة الدرس (السبورة) عندما طلب المعلم من فراش المدرسة (واسمه جاسم) احضار الفلقة. وارسل في طلب فراش آخر. نزعوا حذائي وربطوا اقدامي بحبال الفلقة. ثم طرحوني أرضاً، وكان المعلم يلوّح فوق وجهي بعصاه المرنة، ثم انهال عليَّ بالضرب المبرح بلا رحمة وبلا شفقة. حتى سالت الدماء من أصابع قدمي. .
اذكر ايضاً ان المعلم الفاضل (انور السريح) رحمه الله سمع صراخي وبكائي، فجاء مهرولا من بعيد ليفك وثاقي، ويعترض بقوة على تعذيبي بتلك الأدوات الهمجية التي لا تخطر على بال مديرية الامن العامة في التعامل مع المعارضين للسلطة، فما بالك بطفل صغير بحاجة إلى الرعاية والعناية ؟. .
كان معظم طلاب المدرسة من ابناء الذوات، من الموظفين والموظفات، ومن العوائل الميسورة. باستثنائي أنا. .
الغريب بالأمر انني لا أتذكر أسم المعلم الذي وضع خطة تعذيبي بهذا الأسلوب الهمجي. .
عدت إلى البيت بوجهي المبلل بالتعاسة. كنا نسكن في مكان ما ضمن مقتربات الأكاديمية البحرية بموقعها الحالي في بيوت عشوائية بائسة مبنية بالطين والقصب والبردي. .
ربما لجأ المعلم إلى تعذيبي بالفلقة لأنه كان يدرك ضعف والدي وقلة حيلته، فاختارني من بين التلاميذ لكي يخيفهم ويزرع الرعب في قلوبهم. وربما كان يرى انني كنت السبب وراء خروج كوكب المشتري عن مداره حول الشمس، أو بتعطيل قوة الجاذبية الكونية. .
لا أتذكر أسم المعلم، لكنني وعلى الرغم من تجاوزي العقد السابع من العمر مازلت اشعر بالألم، واشعر بالتمييز الطبقي، والمستوى الذي كانت تعيشه المؤسسة التربوية. .
قرر ابي،بعد انتهاء العام الدراسي، نقلي من هذه المدرسة إلى مدرسة (الخورنق) التي تأسست بعد عام، وكانت قريبة من بيتنا، ومبنية بالقصب والبردي، وليس لها سياج يحميها من الكلاب والقطط السائبة. .
كلمة اخيرة: كان نظام التأديب المدرسي السائد وقتذاك معيباً من وجوه عدة، ويفتقد الى الشرعية القانونية والتربويّة والتعليمية والإنسانية. . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المدرجات تُمطر كؤوس بيرة في يورو ألمانيا.. مدرب النمسا يُحرج


.. لبنان يعيش واقعين.. الحرب في الجنوب وحياة طبيعية لا تخلو من




.. السهم الأحمر.. سلاح حماس الجديد لمواجهة دبابات إسرائيل #الق


.. تصريح روسي مقلق.. خطر وقوع صدام نووي أصبح مرتفعا! | #منصات




.. حلف شمال الأطلسي.. أمين عام جديد للناتو في مرحلة حرجة | #الت