الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من التُّراث الدّموي لألمانيا الإستعمارية

الطاهر المعز

2024 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


من ناميبيا إلى فلسطين

عارضت السّلطات ألألمانية (ائتلاف من عدّة أحزاب) الدّعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا لدى محكمة العدل الدّولية ضد الكيان الصهيوني، بل دافعت ألمانيا عن عمليات الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون، وتضامنت مع المُجرمين الصهاينة، ولا غرابة في ذلك فقد كان البروتستنتيون الألمان من رُوّاد الإستعمار الإستيطاني في فلسطين، وباعوا الأراضي إلى المستوطنين الصهاينة، وارتكبت ألمانيا مجازر عديدة في مستعمراتها بجنوب وشرق وغرب ووسط إفريقيا (بوروندي ورواندا وتنزانيا وناميبيا والكاميرون وتوغو وغانا ) وآسيا (جزء من الصين وبابوا/غينيا الجديدة والعديد من جزر المحيط الهادئ)، إضافة إلى مناطق نفوذ عديدة في آسيا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا، بداية من 1884، ونفّذت ألمانيا الإستعمارية أكبر مجازرها ضدّ قوميات (أثنيات) "الهِيرُو" الذين أباد الجيش الألماني نحو 90% من العدد الإجمالي لأفردها ( حوالي مائة ألف ضحِيّة) ونحو 50% من قبيلة "النّاما" ( حوالي عشرة آلاف ضحية) في ناميبيا بين سنتَيْ 1904 و 1908، وقتلت ألمانيا نحو 300 ألف في مستعمراتها بشرق إفريقيا، خصوصا في تنزانيا التي دمّرها جيش ألمانيا بعد ثورة مجموعة "ماجي ماجي" بين سنتَيْ 1905 و 1907، وتم حشر الشيوخ والنساء والأطفال ممن نجوا من الإبادة في محتشدات أو تشريدهم في الصحراء، وتم تسميم مصادر المياه وإتلاف مصادر الغذاء، ما أدّى إلى قتل عشرات الآلاف بسبب العطش أو التّسمّم والجوع والمرض، أو بسبب العمل القسري ( السّخرة)، فضلا عن التّجارب التي قتلت الآلاف، ومن بينها تجارب الطبيب روبرت كوخ ( 1843 - 1910 ) الذي استخدم سكان المستعمرات لاكتشاف الجرثومة المُسَبِّبَة للسُّلّ، أو العلاقة بين البكتيريا وأمراض المعدة، وحاز بفضل هذه التجارب على جائزة نوبل سنة 1905، ولا يزال متحف برلين يضم ما لا يقل عن 1100 جمجمة من ضحايا الإبادة الجماعية التي ارتكبها جيش ألمانيا في ناميبيا...

لم يقتصر الإستعمار الألماني على إفريقيا، بل بدأ الإستعمار الإستيطاني الألماني مُبكِّرًا في فلسطين، بواسطة المجموعات البروتستنتية التي كانت بمثابة الذّراع الإستعماري لألمانيا، ونشر الضابط الألماني ( بجيش بروسيا آنذاك) هلموت فون مولتكه (Moltke) خلال الفترة بين سَنَتَيْ 1835- 1839 ، سلسلة من الدراسات الدّاعية إلى "تحويل فلسطين إلى مركز استيطاني متقدّم للحضارة الأوروبية... ومنطقة واقية تفصل بين مصر وسورية... وأن يتولى حكمها أمير ألماني يتعهّد إِحْيَاءَ القِيَم الصليبية المسيحية من جديد ويشجع المسيحيين واليهود على الاستيطان في المملكة، وتحويل المسلمين إلى أقلّيّة، لانتزاع الأرض المقدسة من سيطرة المُحَمَّدِيِّين وإعادتها إلى السيطرة المسيحية"، ويعني المسيحية الأوروبية وليس المسيحية الشرقية، وشجّعت "برُوسيا" (قبل الوحدة الألمانية) ودعمت إنشاء المُستعمرات الإستيطانية البروتستنتية، منذ 1840، وخصوصا بعد هزيمة محمد علي باشا (1769 – 1849) واستعادة الدولة العثمانية سوريا وفلسطين، وانهيار الدّولة وارتفاع حجم الدّيون الخارجية...

أما بشأن الدّعم الألماني المُطلق للكيان الصهيوني، بل والدّفاع عن جرائمه (مهما كان لون السلطة والحكومة الإتحادية والأغلبية البرلمانية) فإنه مُرتبط بالطّبيعة الإستعمارية لنظام ألمانيا منذ التّوحيد أو حتى ما قبله لما كانت بروسيا مُهيمنة، وليس "تكفيرًا" أو مُرتبطا بما فعله نظام ألمانيا النّازي من 1933 إلى 1945، بل إن دعم الطوائف البروتستنتية الألمانية يعود إلى مارتن لوثر الذي دعا إلى تجميع اليهود الأوروبيين في فلسطين، وكانت المستوطنات الإستعمارية الألمانية في فلسطين سابقة لميلاد الصهيونية كعقيدة (إيديولوجيا) وهذه (الصهيونية) سابقة تاريخيا للنازية، ولا تُشكّل ردّ فعل على الإضطهاد الذي حدث في أوروبا (وليس في الوطن العربي وفلسطين)، بل استغل الزعماء الصهاينة اضطهاد اليهود (في أوروبا وليس عندنا) كعامل مُساعد لنشر إيديولوجيتهم الإستعمارية، خلال فترة تطور الرأسمالية نحو الإمبريالية... اضطهاد اليهود ينما تتباطأ ألمانيا في إدانة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، يقدم الباحث هينينغ ميلبر تحليلاً للروابط القائمة بين العنف الاستعماري، والإبادة الجماعية لقبيلة الناما والهيريرو في بداية القرن العشرين ، والمحرقة والموقف الحالي لبرلين تجاه تل أبيب.

بالتوازي تقريبًا مع كتاب «أصول الشمولية» (1951) بقلم حنة أرندت، يحدد سيزير جذور الفاشية في الاستعمار. بالنسبة لأرندت، كان الاستعمار باعتباره « مختبرًا للحداثة » مهدًا للعقلية التي بلغت ذروتها بعد بضعة عقود من الزمن في الهولوكوست. وكما يوضح باسكال جروس، “ من خلال التركيز على آثار الاستعمار الأوروبي على أوروبا نفسها1 »، اعتبرت أرندت الأنظمة الاستعمارية نموذجًا أوليًا للشمولية.

كانت عملياتُ الإبادةِ الجماعيةِ استراتيجيةً استعماريةً أوروبية في أمريكا الشمالية، قبل القرن العشرين، وهي كذلك استراتيجيةً ألمانية في مستعمراتها الإفريقية، كما كانت المجازر وتدمير القرى وعمليات التهجير الجماعي في فلسطين خطّة مُعدّة سَلَفًا، بدعم امبريالي وبتواطؤ مع الأعْيان العرب، ولا تزال العقلية الإستعمارية مُتأصِّلَة في حكومات ( أي الطبقات البرجوازية) أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندة وغيرها، وهي متأصّلة في قسم هام من الشّعوب المُتأثِّرة بوسائل الإعلام الرّجعي وبالدّعاية الحكومية وبالأخص في ألمانيا، حيث يَطْمس الإعلام الرسمي وكتب التاريخ عمليات الإبادة التي ارتكبها الإستعمار الألماني في ناميبيا وتنزانيا وغيرها، ويُحاول إقناع فُقراء وعُمّال وشباب ألمانيا بأنهم مسؤولون فرديا وجماعيا عن جرائم السّلطات النّازية...

لا يزال التناقض بين الإستعمار والشُّعوب المُضْطَهَدة قائمًا وجسّده دعم سلطات ناميبيا شكوى جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدّولية (كانون الثاني/يناير 2024) فيما دافعت ألمانيا عن الكيان الصهيوني ومَنَحَتْهُ "حق" ارتكاب المجازر، بذريعة الدّفاع عن أمنه، وأمن العدو من أمن ألمانيا، وفق رئيس حكومة ألمانيا شولتس، ما يُبرّر الدّعم الإعلامي والسياسي والإيديولوجي والعسكري للكيان الصهيوني ويُبرّر المُشاركة الألمانية النّشطة في أي عدوان تبادر الإمبريالية الأمريكية إلى إطلاقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تبادل أسرى حرب بين روسيا وأوكرانيا بوساطة إماراتية


.. زعيم كوريا الشمالية: حان وقت الحرب! فهل يشعل صراع الكوريتين




.. لافروف: ما يهم روسيا هو عدم صدور أي تهديد غربي لأمنها| #الظه


.. الملف النووي الإيراني يستمر الشغــــل الشاغـــل لواشنطن وتل




.. أول مرة في العالم.. مسبار صيني يعود بعينات من الجانب البعيد