الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف يُحكم العرب؟!

عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث

2024 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


سئل أعرابي: ما رأيك بالصراع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان؟ فأجاب: "الصلاة خلف علي أتم، لكن الطعام عند معاوية أدسم". نرى في هذه القالة مفتاحاً بالغ الأهمية، للإمساك بطرف خيط الإجابة على سؤال: كيف يُحكم العرب؟
في خضم هذا الصراع، أطلق علي ذات يوم صرخة استنكار مدوية: أأُعصى ويُطاع معاوية؟! بلا تردد، نعتقد أن الحق كان إلى جانب علي، الشخصية التاريخية المفعمة بأمجاد الفروسية والحكمة والبلاغة. ولو كنت من جيل تلك المرحلة، لما ترددت بالإنضمام إلى جيش علي والقتال تحت رايته. ومع أن الحق الى جانب علي، لكن الكفة مالت لصالح معاوية، لماذا؟!!!
يُقر معاوية بنفسه، أنه أخذها، أي السلطة السياسية (الخلافة)، بالسيف. تؤكد مصادرنا التاريخية، أن معاوية قَدِمَ الى المدينة في أول السنة الأولى من ولايته (41 هجرية)، فتلقاه رجال قريش فقالوا: الحمد لله الذي أعز نصرك وأعلى كعبك، فوالله ما رد عليهم بشئ حتى صعد المنبر. فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني والله ما وليتها (الخلافة) بمحبة علمتها منكم، ولا مسرة بولايتي، ولكن جالدتكم بسيفي هذا مجالدة...". لم يكن السيف وسيلة معاوية الوحيدة للظفر بالسلطة، خاصة وأن المقارنة بين علي ومعاوية في الفروسية محسومة قطعاً لصالح علي. لكن الصراع لم يكن بين رجلين، بل أعم وأشمل. فقد كان طرفاه الهاشميون بزعامة علي، والأمويون بقيادة معاوية. وفي مطلق الأحوال، فقد كان الصراع ذا أبعاد سياسية واقتصادية، لعبت انحيازات القبائل العربية دوراً أساسياً في حسمه لصالح معاوية. استخدم معاوية ما يُعرف ب"العطاء السياسي"، وذلك لشراء الذمم وشل الخصوم وربط المعارضين بالسلطات الحاكمة. أما علي، رجل المبادئ رافع راية العدل، فتُجمع مصادرنا التاريخية أنه كان متشدداً في العطاء، إلى درجة أن أقرب الناس اليه لم يحتملوه، فغادروه إلى معاوية. ومن هؤلاء، شقيقه عقيل بن أبي طالب. فقد قدم عقيل إلى شقيقه في الكوفة، فطلب إليه أن يقضي عليه دَيْنه، وكان مقداره أربعين ألفاً. فأجابه علي: ما هي عندي، لكن اصبر حتى يخرج عطائي، فإنه أربعة آلاف في السنة، فأدفعه لك. فقال له عقيل: بيت المال بيدك وأنت تسوفني بعطائك، فغادره وذهب الى معاوية، فأكرمه وقضى عنه دينه وزاده. وما أشبه اليوم بأمس !!!
بالإضافة إلى السيف والعطاء، لم يتسامح معاوية مع أي خصم كان يخشى منه على سلطانه وسلطان ابنه يزيد من بعده. ولعل مصير الحسن بن علي بن أبي طالب، أدل الأدلة على ما نقول. فقد أجزل معاوية العطاء للحسن بعد تنازل الأخير لمعاوية فيما سمي بعام الجماعة. وكان الذي طلب الحسن من معاوية، على عهدة المصادر، "أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة ومبلغه خمسة آلاف ألف وخراج دار بجرد من فارس. وأكثر من ذلك، ضاعف معاوية عطاء الحسن والحسين 200 مرة، إذ كان عطاؤهما من بيت المال خمسة آلاف درهم سنوياً، فجعله معاوية مليون درهم". ولكن هل ترك معاوية الحسن بن علي في حال سبيله؟ لا، بالطبع، فقد دس له السم بواسطة زوج الحسن، "جعدة بنت الأشعث"، فلما مات الحسن، هتف الأمويون:"إن لله جنوداً من عسل".
كان العطاء السياسي، وسيلة معاوية لتأليب أهل العراق على علي. واستعمل ابنه يزيد الوسيلة ذاتها، لحمل أهل العراق على خذلان الحسين بين علي بن أبي طالب، بعد أن كانوا قد طلبوه. واستعمل معاوية "الأصفر الرنان" لكسب ولاء زعماء القبائل ووجهاء الناس، وسار الخلفاء الأمويون على ذلك. فكان العطاء السياسي وسيلتهم المفضلة لممارسة السياسة في القبيلة، بتعبير الجابري في كتابه "العقل السياسي العربي، لإسكات الخصوم وشل المعارضين.
مثال آخر فاقع نتخيره من الماضي، ونقصد الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز، الملقب بالخليفة الراشدي الخامس. ضاق بنو أمية وحواشيهم بالخليفة المنصف العادل الزاهد، عمر بن عبد العزيز. فقدموا رشوة لخادمه (ألف دينار)، فدس له السم، ومات عمر بما شرب منه، ولم تزد خلافته على عامين إلا قليلاً.
من الماضي ننتقل إلى الحاضر، إذ لا بد أن يلحظ المهتم المدقق أن الحاكم النظيف صاحب المبدأ لا يدوم في الحكم عند العرب حتى لو دالت إليه السلطة بالتوريث أو بما يشبه الإنقلاب العسكري. من الأمثلة المعروفة، الملك طلال. يقول الملك في مذكراته، إنه عندما أصبح ملكاً أذهله مستوى النفوذ البريطاني في الأردن، وأخذ يبحث عن الوطنيين الأردنيين ليسلمهم المواقع المهمة. لكن الأمور لم تستتب للملك طلال، وكانت مدة حكمه أقل من عام. ونشير أيضاً، إلى تجربة عبدالرحمن عارف في العراق، الرئيس العراقي الوحيد خلال مئة سنة انتهت في التاسع من نيسان 2003، الذي بقي علي قيد الحياة بعد مغادرة كرسي الحكم. ونستحضر أيضا المشير سوار الذهب في السودان. مقصود القول بإيجاز، ما يزال أسلوب معاوية "المغالبة والعطاء" الفاعل الرئيس لاستمرار الحاكم على كرسي الحكم في الواقع العربي حتى يوم الناس هذا. أما رجال المبادئ والمُثُل، فإنهم غير مرحب بهم في السلطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل الفلج.. مغامرة مثيرة لمصعب الكيومي - نقطة


.. رائحة غريبة تسبب مرضًا شديدًا على متن رحلة جوية




.. روسيا تتوقع «اتفاقية تعاون شامل» جديدة مع إيران «قريباً جداً


.. -الشباب والهجرة والبطالة- تهيمن على انتخابات موريتانيا | #مر




.. فرنسا.. إنها الحرب الأهلية!