الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات الأوروبية والديمقراطية المُزَيَّفة!

ادم عربي
كاتب وباحث

2024 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


بقلم : د .ادم عربي
في أوروباَ، يُلاحَظُ نفورٌ عامٌّ من سياساتِ القادةِ الديمقراطيِّينَ، حيثُ وصَلَتْ معظمُ الأحزابِ الحاكمةِ إلى السلطةِ بصعوبةٍ شديدةٍ، مما اضطرَّها لتقديمِ تنازلاتٍ لأحزابٍ أخرى لتشكيلِ حكوماتٍ يُنظرُ إليها على أنَّها ضعيفةٌ وغيرُ فعّالةٍ. في هذا السياقِ، يبدو أنَّ الأحزابَ اليمينيَّةَ تكتسبُ زخمًا وتَصعَدُ إلى القمةِ، خصوصًا في دولٍ مثلَ إيطاليا وهولندا حيثُ حقَّقت انتصاراتٍ ملحوظةٍ، بينما في دولٍ أخرى كفرنسا وبلجيكا وألمانيا، اقتربتْ نسبُ التصويتِ لهذه الأحزابِ من تلك المُسجَّلةِ للأحزابِ الحاكمةِ.

ففي فرنسا، على سبيلِ المثالِ، بعد فوزِ اليمينِ في الانتخاباتِ، قام رئيسُ الجمهوريةِ بحلِّ البرلمانِ حفاظًا على مبادئِ الديمقراطيةِ. أما في بلجيكاَ، فقد صعَدَ الحزبُ اليمينيُّ إلى مستوىً يُنافسُ به الحزبَ الحاكمَ، والذي بدورِه رفضَ التعاملَ معه وأقصى هذه الأحزابَ من المشاركةِ في الحكومةِ. وفي ألمانياَ، تفوَّق اليمينُ على الحزبِ الحاكمِ لكنْ تمَّ عزلُ هذه الأحزابِ ومُنِعَتْ من المشاركةِ في الحكومةِ بذرائعَ حمائيةٍ للديمقراطيةِ والدولةِ.

اللافتُ للانتباهِ هو غيابُ نقاشٍ جادٍّ حول كيفيةِ صعودِ هذه الأحزابِ اليمينيَّةِ والأسبابِ التي أوصلتها إلى هذه المرتبةِ. إذ يُشكِّل أنصارُ هذه التوجهاتِ نصفَ شعبِ هذه الدولِ تقريبًا. فإذا كانت هذه هي دولٌ ديمقراطيةٌ حقًّا، فلِمَ يُستَخْدَمُ التهميشُ والإقصاءُ ضدهم؟ كَظُلْمٍ يُضافُ إلى ذلك، كثيرٌ من هذه الأحزابِ تُروِّجُ لبرامجٍ تهدفُ إلى حِفْظِ استقرارِ بلادهم من مستقبلٍ قاتِمٍ يرونَه قادِمًا. فإذا كانت هذه الأحزابُ تُروِّجُ لبرامجٍ تهدفُ إلى حِفْظِ استقرارِ بلادهم من مستقبلٍ قاتِمٍ يرونَه قادِمًا، فلماذا يُمنَعون من المشاركةِ في الحكومةِ؟ ولماذا يُسمَحُ لهم بالترشحِ في الانتخاباتِ إذا كان سيُقرَّر لاحقًا منعُهم من المشاركةِ في السلطةِ؟ يبدو أنَّ الهدفَ الأساسيَّ لهذه الأحزابِ هو الاهتمامُ بشؤونِ شعوبِهم والتصدِّي للأزماتِ التي تواجهُ دولَهم، بدلًا من تصديرِ الثرواتِ والمواردِ إلى جهاتٍ خارجيةٍ.

ويطرحُ السؤالُ نفسَه: إذا كانت هذه الأحزابُ تدعو لمحاربةِ روسيا ودعمِ أوكرانيا بكلِّ ما يلزمُ للصمودِ في وجهِ التحدياتِ، هل كانت ستُعامَل بنفسِ الطريقةِ؟ هل كانت ستُعزَلُ عن المشاركةِ في الحكومةِ تحتَ ذريعةِ حمايةِ الديمقراطيةِ؟ وسؤالي الأخيرُ والبسيطُ، وهذا صُلبُ موضوعي اليوم: إذا كانت تلكَ الأحزابُ تدعو لمحاربةِ روسيا ومدِّ البهلوانِ بكلِّ ما يحتاجُه للوقوفِ بوجهِ روسيا، هل كانت تلكَ الحكوماتُ ستحاربُهم وتعزلُهم عن المشاركةِ في الحكمِ؟ وكلُّ هذا تحتَ رايةِ الديمقراطيةِ المزيفةِ. إنَّ التشابهَ بين الغربِ والعالمِ العربيِّ والإسلاميِّ يُصبِحُ أكثرَ وضوحًا عندَ التفكيرِ في كيفيةِ تعاملِ كلا الطرفينِ مع مفاهيمَ مثلِ الديمقراطيةِ والحقيقةِ. فالصورةُ التي رُسِمَتْ لنا عن الغربِ كانت مغلوطةً، والآن يظهرُ أنَّ ما وصلَ إلينا عن هذه المجتمعاتِ كان مجردَ خدعةٍ. لذلك، يجبُ على مَنْ لا يستطيعُ رؤيةَ الحقائقِ أنْ يُغَيرَ نظاراتِه أو يُعَدِّلَ منظورهِ.

ختامًا، قد نغفلُ جميعًا عن حقيقةِ أنَّ ما يجري هو جزءٌ مِنْ لعبةٍ سياسيةٍ كبرى، حفرةٌ حُفِرَتْ لروسيا وغيرها مِنْ قِبَلِ الغربِ، والآن يجدُ كلا الطرفينِ نفسَيْهِما عالقَيْنِ في هذه الحفرةِ دونَ قدرةٍ على الخروجِ. كلاهما لمْ يُقَدِّرْ عُمْقَ المأزقِ، وسيرغبانِ في المثابرةِ حتى النهايةِ. لكنْ، ما هو شكلُ هذه النهايةِ؟ هذا هو السؤالُ المحوريُّ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أهمية مذكرة التوقيف بحق الرئيس السوري من محكمة باريس؟ | ا


.. مربعات سكنية بأكملها تم نسفها .. إسرائيل تقصف غزة وتواجه حما




.. -قرع طبول الحرب-.. إسرائيل وحزب الله في سيناريو مواجهة | #ر


.. الاتهامات الإسرائيلية تنهال على نتنياهو.. ودعوات لرفض إلقائه




.. قراءة عسكرية.. الاحتلال يعلن إصابة 14 جنديا في غزة