الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طفل الاغتصاب

أكرم شلغين

2024 / 6 / 17
الادب والفن


في إحدى زوايا المدينة المنكوبة، انتهى الأمر بليلى التي تحاول استعادة حياتها بعد أن نجت من أهوال وويلات الحرب. لقد نجت بحياتها فهي مازالت تتحرك وتمشي ولكن الحرب تركت أثرًا لا يُمحى في روحها وجسدها، أثرا تمظهر في حمل غير مرغوب نتيجة اغتصاب جماعي، أصابها كما أصاب كثيرات غيرها أثناء الحرب.
عاشت ليلى في الفترة الأخيرة في عزلة شبه تامة، مكتفية بالصمت والذكريات المؤلمة التي تلاحقها في كل لحظة. كانت تعرف أن الوقت يمضي وأن قرارا مصيريا يجب أن يُتخذ بشأن الطفل الذي ينمو في بطنها. لم تكن تجرؤ على مواجهة المستقبل الذي بدا مظلما ومليئا بالأسئلة التي لا إجابة لها.
وهي في معترك الهواجس والأفكار والخوف جاءت لزيارتها صديقتها القديمة مريم، التي عاشت بدورها تجربة الحرب وتعرضت أيضا للاغتصاب ولكن لم تحمل. أثقلتها تجربة انتهاك جسدها من قبل أولئك الوحوش، ولكنها لم تكسرها وبقيت تملك نظرة أكثر تفاؤلا. جلست مريم بجانب ليلى في تلك الغرفة البسيطة التي أصبحت ملاذًا لأفكار ليلى المتشابكة.
مريم: "ليلى، أعلم أن الوضع صعب. ولكن يجب أن نفكر في الطفل، هذا الكائن البريء الذي لم يختر أن يأتي إلى هذا العالم بهذه الطريقة."
نظرت ليلى إلى مريم بعينين مثقلتين بالدموع والألم: "كلما فكرت في الطفل، أرى أمامي تلك اللحظات البشعة. كيف يمكنني أن أربيه وهو يذكرني بكل ما حدث؟"
أخذت مريم بيد ليلى برفق: "الطفل ليس مسؤولا عما حدث. إنه ضحية مثلنا. يجب أن ننظر إليه كفرصة جديدة للحياة، للشفاء، يجب أن يكون عنوانا لحياتنا الجديدة."
تنهدت ليلى بعمق وقالت: "أحيانا أفكر في تركه لجمعية تهتم به. ربما يكون هذا الأفضل له ولي. ولكن كيف أضمن أنه سيحظى بحياة أفضل؟ كيف أضمن أنه لن يفقد هويته ودينه؟ وربما سيعطونه دينا آخر غير ديني...ولكن، هل امتلكت تلك المجموعة التي عاودت اغتصابي عدة مرات دينا؟ هل كانوا بشرا أم وحوشا نهشوا جسدي وروحي...؟ كيف لي وأنا بهذا الوضع أن أتحقق من أنه طفل أم طفلة!؟ هل يهم ذلك إذ أن النتيجة واحدة وهي أنه طفل الاغتصاب!؟"
هزت مريم رأسها متفكرة: "هذا سؤال مهم. يجب أن نبحث عن توازن. أن يجد الطفل مكانا يكبر فيه بعيدا عن هذه الذكريات المؤلمة، ولكن أيضا أن يبقى على اتصال بجذوره وهويته."
سقطت دمعة على خد ليلى وقالت بصوت متهدج: "ولكن كيف يمكنني اتخاذ قرار كهذا؟ هل سأشعر بالسلام يوما ما بعد هذا القرار؟"
ربتت مريم على كتفها وقالت بحنان: "القرار ليس سهلا يا ليلى، ولا يمكن لأحد أن يتخذ هذا القرار سواك. ولكن يمكننا البحث عن دعم من متخصصين، من أشخاص يفهمون تعقيدات هذا الوضع، يمكنهم المساعدة في اتخاذ القرار الأفضل لك وللطفل."
أخذت ليلى لحظة لتفكر، ثم قالت بهدوء: "ربما أنت على حق. القرار يجب أن يكون قراري، لكن لا بأس من طلب المساعدة. لا أريد أن أتخذ قرارا أشعر بالندم عليه لاحقا."
ابتسمت مريم وقالت: "نحن هنا من أجلك يا ليلى، سنكون معك في كل خطوة. أنتِ لستِ وحدك."
لم تقدم مريم أكثر من تلك الكلمات الممزوجة بالعواطف ولم تبين المقصود بـ"نحن"، ولكن ذلك كان كافيا لدعم الروح المعنوية للمغدورة الحائرة. ففي تلك الليلة، شعرت ليلى ببارقة أمل صغيرة تلمع في ظلام حياتها. كانت تعلم أن الطريق طويل وصعب، وتعلم أنها أمام شتات مجتمع قد يجعل من وليدها أو وليدتها مادة للقهر. وربما ستكون الحرب قد لقنت الجميع دروسًا وسيصبحون أكثر وعيا ويتفهمون ما تفهمه هي بنفسها!
بالمحاكمة النهائية فكرت بأنها ليست الوحيدة المغتصبة وإنما جميعهم اغتُصبوا في الحرب وبأشكال مختلفة. ليكن ما يكون، سأحتفظ بوليدي وسأحميه وسأربيه بطريقتي. وإن سألني عن والده، فسأقول: لقد تركني بسبب الفقر وسافر إلى أستراليا للعمل، واعدا أن يعود لنا يوما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان عبدالله رشاد: الحياة أصبحت سهلة بالنسبة للفنانين الشب


.. الفنان عبدالله رشاد يتحدث لصباح العربية عن دور السعودية وهيئ




.. أسباب نجاح أغنية -كان ودي نلتقي-.. الفنان الدكتور عبدالله رش


.. جزء من أغنية -أستاذ عشق وفلسفة-.. للفنان الدكتور عبدالله رشا




.. الفنان عبدالله رشاد يبدع في صباح العربية بغناء -كأني مغرم بل