الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايات عالمية-ابريق الشاي العجيب-اليابان

ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)

2024 / 6 / 17
الادب والفن


حكايات عالمية
إبريق الشاي العجيب
(حكاية من اليابان)
ترجمة ماجد الحيدر

في قديم الزمان، وكما سمعتهم يقولون، سكن كاهن مقدس في معبد مورينجي في مقاطعة كوتسوكي.
كان هذا الرجل المبجل يتميز بثلاث خصال: أولاً، كان مستغرقا في التأملات والطقوس والعادات والعقائد. فقد كان عالما عظيما بالسوترا المقدسة(1)، ويعرف أشياء غريبة وغامضة. ثم إنه كان يملك ذائقة حادة ممتازة لم ينلها أحد، إذ لم يكن يسعده شيء مثل حفلات الشاي اليابانية القديمة المعروفة بشا نو يو(2)، أما خصلته الثالثة فهي معرفته الجيدة لوجهي العملة وحبه لعقد الصفقات.
ما من أحد يضاهيه سعادة عندما يصادف إبريق شاي قديم، صدئ وقذر وشبه منسي، ملقى في زاوية متجر فقير في أحد الشوارع الخلفية ببلدته.
- قطعة قبيحة من المعدن القديم (قال رجل الدين المبجل لصاحب المتجر) لكنها ستعمل جيدًا بما يكفي لغلي قطرة ماء متواضعة في المساء. سأعطيك مقابلها ثلاثة رِنات(3).
قال هذا وأخذ الإبريق إلى البيت فرحا، لأنه كان ابريقا جميلا مصنوعا من البرونز، يصلح تماما لحفلات الشاي. قام أحد الرهبان المبتدئين بتنظيف الإبريق وجليه فبدا مثل تحفة جميلة تسر الناظرين. ثم أداره الكاهن يمينا ويسارا وأعلى وأسفل وتأمله ونقر عليه بأظافره وابتسم وصاح:
- يا لها من صفقة، يا لها من صفقة!
وفرك يديه ثم وضع الإبريق على صندوق مغطى بقطعة قماش أرجوانية، وتأمله لوقت طويل حتى ثقلت جفونه واضطر لفرك عينيه عدة مرات قبل أن يغمضهما تمامًا. وتهدل رأسه وغط في النوم.
عندها –صدّق أو لا تصدّق- حدث شيء عجيب؛ تحرك إبريق الشاي دون أن تمسه يد، وخرج من فوهته رأس مشعر وعينان ساطعتان. ثم أخذ الغطاء يقفز لأعلى ولأسفل. وأخيرا برزت أربعة مخالب بنية مشعرة وذيل كثيف ناعم. وفي أقل من دقيقة كان الإبريق قد نزل من الصندوق وأخذ يدور حول الغرفة ويتأمل ما فيها.
- غرفة مريحة للغاية بالتأكيد.
قال إبريق الشاي. ولأنه كان مسرورًا جدا بوجوده في هذا المكان الجيد، سرعان ما بدأ يرقص ويقفز وبنزل برشاقة ويغني بأعلى صوته. كان ثلاثة أو أربعة مبتدئين يدرسون في الغرفة المجاورة، وعندما سمعوا الجلبة قال قائلهم:
- ما زال العجوز صاحيا. استمعوا اليه. ترى مالذي يفعله؟
وضحكوا وأكمامهم على أفواههم. يا رحمة الله! أية ضوضاء أحدثها إبريق الشاي! بِنغ! بِنغ! بِنغ! طِن! طِن! طِن!
وسرعان ما توقف المبتدئون عن الضحك. وأزاح واحد منهم الباب الورقي واختلس النظر
.- يا للشيطان! (هتف الشاب) ها هو إبريق الشاي القديم للسيد يتحول إلى غُرير(4). لتحمنا الآلهة من السحر، وإلا ضعنا بالتأكيد.
وقال مبتدئ آخر:
- لقد جليته قبل أقل من ساعة.
ثم جثا على ركبتيه ليقرأ السوترا المقدسة. وضحك ثالث وقال:
- أنا أفضل التفرج على العفاريت عن كثب.
وتركوا كتبهم في لمح البصر، وشرعوا بمطاردة الابريق محاولين إمساكه. لكن هل ظفروا به؟ أبداً! لقد رقص وقفز وحلق في الهواء. واندفع المبتدئون هنا وهناك، انزلقوا على الحصران وتصبب منهم العرق وأخذوا يلهثون.
- ها ها! ها ها! (ضحك إبريق الشاي) امسكني إن استطعت! (ضحك الإبريق العجيب)
واستيقظ الكاهن، الرجل المقدس وقد تورد وجهه وصاح:
- ما معنى هذا الصخب؟ إنكم تقطعون علي حبل تأملاتي المقدسة.
- أيها السيد، أيها السيد (صاح المبتدئون وهم يلهثون ويمسحون جباههم) إبريق شايك مسحور. لقد تحول الى غرير، غرير بشحمه ولحمه. لن تصدق الرقص الذي رقصه أمامنا، لن تصدق أبدًا!
أجابهم الكاهن:
- هراء وسخف! مسحور؟ لا شيء من ذلك. ها هو قابع فوق صندوقه هادئا ومسالما، تماما حيث وضعته.
وكان كذلك حقا. حيث بدا صلبا وباردا وبريئا على أحسن ما يكون. لم تكن فيه شعرة من غرير. وبدا المبتدئون كمجموعة من الحمقى.
- إنها قصة محتملة بالفعل (قال الكاهن). لقد سمعت عن يد الهاون الذي اتخذ أجنحة وطار بعيدًا عن الهاون. يمكن لأي شخص أن يتفهم هذا. لكن إبريق يتحول إلى غرير؟ لا، لا! عودوا لكتبكم يا أبنائي، وادعوا الآلهة كي تحفظكم من عواقب الأوهام .
في تلك الليلة بالذات ملأ الرجل المقدس الإبريق بالماء من النبع ووضعه على الهباتشي(5) ليعد كوبا من الشاي. وعندما بدأ الماء بالغليان صرخ الابريق:
- آي! آي! آي! يا لحرارة الجحيم!
ولم يضيع الوقت، بل قفز من النار بأسرع ما يستطيع.
- هذه شعوذة! (صاح الكاهن) أنه السحر الأسود. شيطان! شيطان! شيطان! النجدة! النجدة! النجدة!
لقد أخرج الخوف ذلك الرجل الصالح من صوابه. وهب جميع المبتدئين راكضين اليه ليعرفوا ما الأمر.
- هذا الإبريق مسحور. لقد تحول الى غُرير. نعم كان غريرا بالتأكيد. إنه يتكلم ويتقافز في الغرفة.
- كلا يا سيدي (قال أحد المبتدئين) انظر اليه. إنه قابع فوق صندوقه، هادئا ومسالما.
وكان كذلك بكل تأكيد. ثم قال المبتدئ:
- سيدي المبجل، لندعُ الآلهة كي تحفظنا جميعا من عواقب الأوهام.
وأسرع الكاهن الى بيع إبريق الشاي الى عامل صفيح مقابل عشرين قطعة نحاسية.
- إنها تحفة برونزية رائعة (أكد الكاهن) لاحظ أنني أتنازل لك عنها لسبب لا أستطيع الإدلاء به.
إنه أفضل من يعقد الصفقات! وحمل الصفّاح الابريق الى منزله وهو في غاية السعادة. ثم قلّبه يمينا ويسارا وأعلى وأسفل وراح يتأمله وقال:
- يا لها من تحفة جميلة! إنها لصفقة رابحة حقا.
وعندما ذهب إلى الفراش، وضع الإبريق بجانبه ليكون أول ما يراه في الصباح. لكنه استيقظ في منتصف الليل وشعر برغبة في النظر إلى الإبريق تحت نور القمر الساطع. وفجأة تحرك الإبريق دون أن تمسه يد، وخرج من فوهته رأس مشعر وعينان ساطعتان. ثم أخذ الغطاء يقفز لأعلى ولأسفل. وأخيرا برزت أربعة مخالب بنية مشعرة وذيل كثيف ناعم.
- غريب! (قال الصفاح)
لكنه كان رجلاً يتقبل الأمور كما هي. ودنا الابريق منه ولمسه بمخلبه عليه.
- حسنا. ماذا الآن؟ (قال الصفاح)
فأجابه الابريق
- أنا لست شريرًا.
- كلا بالتأكيد.
- لكني أحب أن أعامل معاملة حسنة. أنا إبريق شاي من جنس الغرير.
- هذا ما يبدو.
- لقد شتموني.في المعبد وضربوني وأشعلوا تحتي النار. لم أستطع تحمل ذلك، كما تعلم.
- أنني معجب بشجاعتك.
- وأنا أعتقد بأنني سأستقر معك.
- هل أحفظك في صندوق الورنيش؟
- إطلاقا! ابقني معك. دعنا نتحدث بين الحين والآخر. أنا مغرم بتدخين الغليون وأحب تناول الأرز والفول والحلويات.
- وكأس من الساكي(5) أحيانًا؟
- حسنًا، نعم، كما قلت.
- أنا على استعداد لذلك.
- شكرا لك على لطفك. وكبداية، هل تعترض على مشاركتك سريرك؟ لقد برد الليل بعض الشيء.
- على الإطلاق.
أصبح الصفاح وإبريق الشاي صديقين حميمين. وأصبحا يأكلان ويشربان ويتبادلان الأحاديث. كان الابريق ملما ببعض الأمور، وغدت شراكة ممتازة.
ذات يوم سأل الابريق صديقه:
- هل أنت فقير؟
- نعم. بعض الشيء.
- حسنًا، لدي فكرة رائعة. كإبريق شاي، أنا لا نظير لي. أنا بارع للغاية.
- أنا أصدقك.
- اسمي بومبوكو شاغاما. أنا أمير غلايات الشاي الغريري.
- وأنا خادمك يا مولاي.
- إن أردت الأخذ بنصيحتي، فسوف تطوف بي كي تعرضني على الجمهور. أنا حقًا نادر المثال، وأظن أنك ستجني بواسطتي قدرا كبيرا من المال.
- لكن هذا سيكون عملاً شاقًا بالنسبة لك يا عزيزي بامبوكو.
- أبدا. دعنا نبدأ على الفور.
وهكذا فعلا. اشترى الصفاح الستائر للمسرح، ودعا العرض "بامبوكو-جاكاما" ولن نصف كيف توافد الناس ليروا المتعة! ذلك أن إبريق الشاي الرائع العجيب كان يرقص ويغني ويسير على حبل مشدود كأنه ولد هكذا. لقد قدم ألاعيب وعروضا ظريفة الى درجة أن الناس كانوا يضحكون حتى تؤلمهم جوانبهم. وكان من الممتع رؤية إبريق الشاي وهو ينحني برشاقة كما السادة النبلاء ويشكر الناس على صبرهم.وكرمهم. وغذا "بامبوكو-جاكاما" حديث الأرياف، وجاء لمشاهدته كل النبلاء، ناهيك عن العامة. أما الصفّاح فكان يكتفي بهز مروحته واستلام النقود. لقد سمن واعتنى. حتى أنه ذهب إلى البلاط نفسه حيث استمتعت السيدات والأميرات الملكيات كثيرا بإبريق الشاي العجيب.وأخيرًا تقاعد الصفاح من العمل، وجاءه إبريق الشاي والدموع تترقرق في عينيه اللامعتين ليقول له:
- أخشى أن الوقت قد حان لتركك.
- لا، لا تقل ذلك يا عزيزي بومبوكو، سنكون الآن سعداء معا. نحن أثرياء.
- لقد آن أواني. لن ترى بومبوكو القديم بعد الآن. من الآن فصاعدًا سأصبح إبريقا عاديا، لا أكثر ولا أقل .
وقال الصفاح وهو يذرف الدموع مدرارا:
- أوه، عزيزي بومبوكو، ما عساي أن أفعل؟
- أعتقد أنني أود أن أوهب لمعبد مورينجي، باعتباري كنزًا مقدسًا.
من يومها لم يتكلم الابريق أو يتحرك مرة أخرى. لذلك قدمه الصفاح على أنه كنز مقدس للمعبد ومعه نصف ثروته.
وحاز إبريق الشاي على شهرة عظيمة لسنوات طوال، حتى أن بعضهم كان يعبده كقديس.


(1) سوترا: هي كلمة سنسكريتية تعني خيط، وهي تحمل في تقاليد الأدب والفلسفة الشرقية معنى يشير إلى حكم وأقوال مأثورة مكتوبة على شكل نصوص دينية قديمة لكل من الهندوسية والبوذية والجاينية.
(2) يولي اليابانيون اهتماما عظيما لطريقة شرب الشاي وتقديمه، إذ يجري في احتفالات خاصة تدعى (جا-نو-يو) أو (سادو-جادو) حيث يقدم مسحوق الشاي الأخضر في مراسيم غاية في الدقة والتبجيل.
(3) الرِن: عملة يابانية قديمة كانت تساوي واحدا بالألف من الين.
(4) الغُرَيْر :(badger)جنس من الحيوانات اللاحمة التي تنتمي إلى فصيلة ابن عرس.
(5) مدفأة يابانية تقليدية تستعمل لتسخين الطعام أو الماء.
(6) مسكّر ياباني يُتخذ من الرز المخمّر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتب مسلسل -صراع العروش- يشارك في فيلم سعودي مرتقب


.. -بمشاركة ممثلين عالميين-.. المخرج السعودي محمد الملا يتحدث ع




.. مقابلة فنية | المخرجة ليليان بستاني: دور جيد قد ينقلني إلى أ


.. صانع المحتوى التقني أحمد النشيط يتحدث عن الجزء الجديد من فيل




.. بدعم من هيئة الترفية وموسم الرياض.. قريبا فيلم سعودي كبير