الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن أيّ انتخابات تتحدّثون؟

ماهر الزعق

2024 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية



من حين إلى حين، يدور بعض اللّغط ونستمع إلى نتف من التحاليل، تصرّح الهيئة وتتطاوس جوقة المفسّرين، أمّا صاحب الشأن فهو كعادته عبُوس قمطرير، يراهن على الغموض والمفاجأة، مثله مثل سائر الشعبويّين. والأمر هنا يتعلّق بالانتخابات الرئاسية لسنة 2024، غير أنّه لن تكون ثمّة انتخابات بل ستكون قصّة خداع مُعلن، وإليكم الدليل.

1. لن تكون انتخابات، ستكون بِيعة، يريدونها مُبايعة الرعيّة للخليفة، سعيّد لا يؤمن بالانتخابات. الانتخابات منافسة، وسعيّد يعتبر نفسه فوق الجميع وليس في منافسة مع أحد، بل إنّه يعتبر أن المسألة “مسألة بقاء أو فناء”، هذا ما صرّح به الرئيس. كما أعلن أنّه “لن يُسلّم السلطة لغير الوطنيين”، وهو ما يعني أنّه باقٍ في الحكم إلى النهاية، فكلّ من يعارضه خائن وبئس المصير.
مُعجم فخامته لا يحتوي على مصطلحات مثل الديمقراطية والحوار السياسي، التداول على السلطة، الفصل والتوازن بين السلطات… بل إنّك ستجد في سرديّته إيحاءات مُشبّعة بمعاني الرسالة والشهادة، البيعة والخلافة.. فخامته ليس بحاجة إلى انتخاباتٍ، لو استتبّ له الأمر بالكامل لاكتفى بهتافات المُريدين وبمناشدات المُفسّرين، أو ربّما تنازل وأمر بإجراء استفتاء على المقاس، لكن يحصل أن تجري الرّياح بما لا تشتهي السفن، وعلى الجهاز أن يضع في بعض الأحيان حدّا للهذيان، فوِفقا للجهاز، لا ينبغي إثارة أصدقاء الخارج، الذين لا يهدئون ولا يشبعون، لا يتساهلون مع العطب ولا يتسامحون مع الشطط، لئام، لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب، وعلى ذلك لا مفرّ من مراعاة الشكليات ولا بدّ للانتخابات من ديكور ولا غنى عن الكُمبارس.

2. لن تكون انتخابات، الانتخابات مناخ ديمقراطي وشفافية، لكنّ سعيّد لا يؤمن بالحدّ الأدنى من الديمقراطية، الإعلام مُكبّل أو مدجّن والقضاء تعرّض إلى مجزرة، هيئة الانتخابات مُعيّنة والإدارة مُسخّرة، حظوظ الترشّح ضئيلة، لكلّ إنسان تهمة والاعتقالات عديدة، طالت أيادي البوليس، والمرسوم 54 سيف مسلّط على رِقاب التونسيين.

3. لن تكون انتخابات، بل هي خطوة أخرى في المسار الانقلابي وزحف سافر للاستبداد، حين تحلّق حوله البوليس والعسكر، حلّ الحكومة ومجلس النوّاب، طوّق مقرّ ّالبرلمان بالجيش وتحيّل على الدستور الذي أقسم عليه، جمّع كلّ السلطات بين يديه وحلّ هيئات دستورية، أصدر المرسوم 117 والمرسوم 54 وعدد غير قليل من القوانين أو المراسيم التعسّفيّة وأمر بإجراءاتٍ استثنائيّة، كتب دستورا رجعيا، إخوانيّا ومُخيفا، ونظّم مهازل انتخابيّة واستشارات مسرحيّة… إذا كان كلّ هذا قد مرّ من أمامنا، فحتما ستكون المشاركة في الانتخابات بمثابة إعطاء مصداقية للانقلاب وإضفاء مشروعية على الاستبداد.

4. لن تكون انتخابات، بل هي إسباغ الشرعية على دستور 2022، دستور كتبه سعيّد بمفرده، أمّا الموافقين عليه فلم يتجاوز عددهم ربع الناخبين، دستور يشرّع لحكم الفرد الذي لا يُساءَل ولا يُحاسب، ليس هنا مجال للتفصيل فقد سال في مضمون الدستور حِبر كثير.

5. لن تكون انتخابات، بل ستكون آليّة لبثّ الأوهام حول ديمقراطية النظام والإيهام بأنّ المنافسة حاضرة وبأنّ إمكانية فوز المعارضة قائمة وأنّ التغيير مُمكن، والحال أنّ الكلّ يعلم عِلم اليقين أنّ المترشّح المنافس لسعيّد لن يكون سوى ديكورا وكومبارس اجتاز بنجاح “كاستينغ” المشاركة في مسرحيّة سمِجة وسيّئة الإخراج، أمّا عن المطالبة بتحسين المناخ الانتخابي فهي ليست من باب رفع العتب فحسب، بل هي أيضا استبلاه للتونسيين، المناخ سيتعفّن أكثر والأوضاع ستزداد سوءا وهذا أمر مفهوم إذا تقصيّنا تاريخ المستبدّ وتتبّعنا خطواته وإذا عرفنا أنّه في أفضل الأحوال، سيكون عنوان المرحلة القادمة “الدين لله والخوف للجميع”.

6. لن تكون انتخابات، بل ستكون مناسبة لحرف الأنظار عن الكساد الاقتصادي وتعطلّ النموّ، عن غلاء المعيشة ومعاناة الناس، عن الاعتقالات وانتهاك الحريات، لشهور عدّة ستستحوذ مسألة الانتخابات على المشهد العامّ وستُلهي التونسيّين عن مشاغلهم وعن رصد أسباب معاناتهم وستعيق دفاعهم عن مصالحهم وفي المقابل ستمنح سعيّد فسحة من الزمن وفرصة إضافية لترسيخ منظومته الفاشية.

7. لا نُولي النوايا أيّ اهتمام، الأمر لا يتطلّب فِطنة، الترشّح للانتخابات يتضمّن رسالة موجّهة للجهات الأجنبية النافذة، إذا كان فحواها بالنسبة لسعيّد هو الديمقراطية والشفافية والشرعية والمشروعية… إلخ، فإنّ رسالة بقية المترشّحين المُفترضين مفادها “نحن مسالمون، لا نتمرّد ولا ينبغي للجماهير أن تنتفض أو أن تتحرّك، لا نريد الفوضى ولسنا لا سمح الله من الثوريين”. ولا غرابة في ذلك، إذ أنّ الذين أعلنوا عن نيّة منافسة قيس سعيّد في الانتخابات هم من اليمين، أدعياء و/أو وصوليون، جميعهم يتجاهل قانون سياسي معلوم والقائل “بأنّ من يستبّد بالحكم بواسطة الانقلاب، لن يتخلّى على السلطة بالانتخابات ولا يمكن إزاحته إلا بثورة شعبية أو بانقلاب على الانقلاب”.
من المرجّح أنّ التونسيّين سيقابلون الانتخابات بشيءٍ من الازدراء وبكثير من عدم المبالاة، الانتخاب حقّ وليس واجبا، وإذا كانت الديكتاتورية حدثا فإنّ الثورة هي الواجب ونحن اخترنا جانب الجماهير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل توسع عمليات هدم منازل الفلسطينيين غير المرخصة في الق


.. عقب انتحار طالبة في المغرب مخاوف من تحول الأمر إلى ظاهرة بين




.. #فائق_الشيخ_علي: #صدام_حسين مجرم وسفاح ولكنه أشرف منهم كلهم.


.. نتنياهو يتوعد بضرب -الأعداء- وتحقيق النصر الشامل.. ويحشد على




.. في ظل دعوات دولية لإصلاح السلطة الفلسطينية.. أوروبا تربط مسا