الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوضى في معسكر اليمين واحتجاجات حاشدة ضده / اليسار الفرنسي يتوحد في جبهة شعبية جديدة

رشيد غويلب

2024 / 6 / 17
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


"الجبهة الشعبية" واحد من العناوين المحببة لدى أوسع أوساط اليسار العالمي، لأنها تنطوي على قوة سحرية تستذكرها حتى الأجيال التي لم تعش تجاربها السابقة، فهي مخزونة في الذاكرة الجمعية، والسلاح الأقرب، وملاذ مواجهة خطر الفاشية الداهم. أطلق عليها الفيلسوف والمنظر النقابي الثوري الفرنسي جورج سيرول "اسطورة التعبئة".

تجربة

يرى البعض في "الجبهة الشعبية" أحد الاساطير، لأنها خسرت، مرتين الأولى في الحرب الاهلية الاسبانية ضد فاشية فرانكو، والثانية في تشيلي نتيجة للانقلاب الفاشي في 11 أيلول 1973، هنا يجري نسيان عوامل النصر والهزيمة، وعدم عدالة نقطة الشروع في صراع اليسار واليمين تاريخيا، فضلا عن التسويات الدولية، التي جاءت على حساب الكثير من التجارب الثورية. ان هذا لا يعني إعطاء صك الغفران لانتصار مقبل، فلكل معركة شروطها، التي تحدد في نهاية المطاف نتائجها.

وفي فرنسا، ظهرت حكومة الجبهة الشعبية في عام 1936 نتيجة لمحاولة التمرد التي قامت بها القوى اليمين والفاشية في 6 شباط 1934. وعلى الرغم من قصر عهد حكومة الجبهة الشعبية، التي انتهت بالاحتلال النازي، فإنها حققت الاعتراف بالعمل النقابي. وإنشاء مجالس العمل وحق الإضراب وزيادة الأجور والحق في التمتع بالإجازة. ان التجربة التاريخية تقول من يناضل يمكن له ان ينتصر، ومن لا يناضل فالهزيمة نصيبه. ويظل البحث عن البديل هدف سامي شريطة الابتعاد عن الوهم والمراهنات الخاسرة.

تحالف يساري واسع

تمخضت نتائج انتخابات البرلمان الأوربي في 9 حزيران في فرنسا عن فوز حزب "التجمع الوطني" الفاشي الجديد، بزعامة مارين لوبان وجوردان بارديلا. وحصل حزب "الاستعادة" بزعامة الفاشي الجديد إريك زمور وماريون ماريشال، على أكثر من خمسة بالمائة من الأصوات. وتكبدت القوى الداعمة للرئيس ماكرون هزيمة ثقيلة، وانقسمت القوى اليسارية ولم تتمكن من الاستناد على نجاحها النسبي في الانتخابات البرلمانية في حزيران 2022.

ومساء اعلان النتائج الأولية، وردا على هزيمة حزبه الساحقة، وفوز اليمين المتطرف، وفي خطوة وصفها يساريون بـ "المجنونة"، دعا الرئيس الفرنسي الى انتخابات برلمانية مبكرة، ثم توالت ردود الأفعال: أعلنت سبعة أحزاب يسارية تأسيس تحالف "الجبهة الشعبية الجديدة"، الهادف الى اعلان القطيعة مع سياسات الليبرالية الجديدة وسياسات الاستبداد السابقة، وجاء الإعلان منفتحًا على القوى الأخرى. وفي تتابع سريع، انضمت مجموعات أخرى، بما في ذلك "الحزب المناهض للرأسمالية الجديد" المنحدر من التيارات التروتسكية، الذي رفض الانضمام إلى تحالف اليسار في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

ومن المفارقات أن الشيء الوحيد الذي حققه ماكرون حقا: لقد وحد اليسار. "لا مكان للفاشيين، لا فاشيون في الأحياء!". يجلس الطلاب أولاً في وضع القرفصاء ثم يقفزون ويصرخون ويصفقون. يمتلئ الشارع بالناس، واحتلت الأرصفة بالكامل.

الجو ممطر وبارد جدًا لعطلة نهاية الأسبوع الصيفية. وتقول إحدى المتظاهرات: "بالطبع، سنصوت في الثلاثين من حزيران لصالح الجبهة الشعبية الجديدة - أي التحالف المشكل حديثاً بين الديمقراطيين الاشتراكيين، والخضر، والشيوعيين، واليسار الراديكالي، و"فرنسا الأبية". على الرغم ان الكثير لا يعلم ما سيحدث بعد ذلك.

جاءت نتيجة الحوارات بين قوى اليسار سريعة، وخيبت امل المراهنين على فشل سريع للمشروع، الذي سترافقه تباينات وصعوبات موضوعية، والتحدي الذي يواجه القوى المشاركة فيه هو كيفية التعامل مع الملفات المختلف عليها.

ما يميز تحالف اليسار الجديد انه يمتد من أوساط ترو تسكية مرورا بحركة "فرنسا الابية"، فالحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي والخضر وقوى وحركات اجتماعية أخرى، ويبقى السؤال هل سيتحول تحالف بهذه السعة الى قطب متماسك لمواجهة اليمين والفاشيين الجدد، ام يبقى مجرد إطار لتجميع القوى؟

نتائج مشجعة

محاور البرنامج التي تم الاتفاق عليها مشجعة: في السياسة الاجتماعية،، هناك دعوات لزيادة الحد الأدنى للأجور إلى 1600 يورو صافي، والعودة إلى سن التقاعد عند 60 عاما، وإصلاح التأمين ضد البطالة، وتعزيز القوة الشرائية من خلال تحديد سقف لأسعار السلع الأساسية، الغذاء اليومي والطاقة والوقود. والأخير مطلب مهم بشكل خاص في فرنسا، التي تعتبر ريفية إلى حد كبير. وفي الإجمال، تم تقديم برنامج حكومي مدته مائة يوم، بالإضافة الى الاتفاق على ملفات سياسية أخرى تتجاوز الحلول الوسطية الشكلية.

لقد أدت نتيجة الانتخابات الأوروبية وحل البرلمان وتشكيل الجبهة الشعبية الجديدة إلى تحريك ديناميكية لا يمكن لأي حزب الهروب منها. وأصبح الأسبوع التالي أسبوعًا للاضطراب.

يمين مضطرب

كان الاضطراب في صفوف الجمهوريين المحافظين، الذين دعموا الحكومة جزئياً في السابق، حاداً ولا يزال مستمراً. تجاوز الزعيم إيريك سيوتي، الذي ينتمي إلى جناح الحزب الأكثر يمينية الحدود، بإعلان رغبته في تحالف انتخابي مع اليمين المتطرف (حزب الجبهة الوطنية، ويعاني الجمهوريون من خسائر فادحة مستمرة منذ سنوات. ورأى سيوتي خطر تهميش حزبه بالكامل في الانتخابات المبكرة، جراء الاستقطاب المتنامي ويأمل من التحالف مع حزب الجبهة الوطنية، من ناحية، إنقاذ أكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية، ومن ناحية أخرى، تعزيز تحول الحزب إلى اليمين. لقد أجرى حساباته بعيدا عن قيادة حزبه وكانت النتيجة استبعاده من الحزب من قبل المكتب السياسي. وتستمر الخلافات القانونية المرتبطة بهذه الخطوة.

وفي معسكر اليمين المتطرف، أعلنت ماريون ماريشال من حزب "استعادة" العنصري من على شاشة التلفزيون أنها ستبدأ المفاوضات من أجل التحالف مع عمتها مارين لوبان. وبجانبها وقف زعيم الحزب ومؤسسه، المفزوع تماما، إيريك زمور، الذي لم يكن على علم بهذا الخطوة. كانت ماريشال دائما تؤيد وحدة اليمين المتطرف، ومن الواضح أنها رأت ان الفرصة مواتيه. ووصف زمور سلوكها بأنه "رقم قياسي عالمي للخيانة". وما تلا ذلك كان الانهيار الرسمي للحزب. ويريد زمور خوض الانتخابات بقائمة مستقلة لحزبه، في حين تريد ماريشال وأتباعها التحالف مع حزب الجبهة الوطنية. ووفقاً لآخر استطلاع للرأي، فإنها تحظى بنصيب الأسد من الناخبين المحتملين لحزبها.

تبدو الأمور أسهل في معسكر اليسار، فان 97 في المائة من ناخبي فرنسا الابية يدعمون التحالف، وتبلغ النسبة في أوساط ناخبي الحزب الاشتراكي 86 في المائة، والخضر 77 في المائة، ولا يقل معدل النسبة بين ناخبي الشيوعيين وقوى التحالف الأخرى عن 85 في المائة. لقد تم حل المشاكل الداخلية إلى حد كبير، على الأقل مؤقتا. وتظهر استطلاعات الرأي إمكانية الفوز في الانتخابات. وهنا تصبح الاساطير في بعض الأحيان حقيقة.

احتجاجات حاشدة

حتى قبل اعلان تحالف اليسار وبعد اعلان نتائج الانتخابات مباشرة، خرج الآلاف الى الشوارع لدعم تحالف واسع ضد التهديد اليميني. وفي نهاية هذا الأسبوع، تظاهر مئات الآلاف في باريس ومدن أخرى ضد حزب مارين لوبان، وحمل المتظاهرون لافتات كتب عليها "لن يحدث هذا مرة اخرى"، في إشارة الى التجربة الفاشية والنازية السابقة.

ووفق معطيات اتحاد نقابات "سي جي تي" اليساري، خرج السبت الفائت، 250 ألف متظاهر إلى شوارع باريس وحدها. وفي عموم البلاد، شارك قرابة 640 الفا في 182 مدينة في جميع أنحاء البلاد يوم السبت، وزعمت الشرطة أنها أحصت 250 ألف مشارك في البلاد و75 ألفاً في باريس. وبحسب فرانس برس، اقتحم المتظاهرون فرع بنك هناك، وفي رين استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين. ومن المقرر تنظيم مزيد من المظاهرات في الأيام المقبلة.

وفي الوقت نفسه، يحاول المعسكر السياسي للرئيس إيمانويل ماكرون كسب تأييد الناخبين من خلال اتخاذ تدابير لتعزيز القوة الشرائية. وقال رئيس الوزراء غابرييل أتال لقناة فرانس 2 يوم السبت إن تكاليف الكهرباء للسكان يجب أن تنخفض بنسبة 15 في المائة "اعتبارا من الشتاء المقبل". وينبغي أيضًا زيادة خيارات المدفوعات لمرة واحدة المعفاة من الضرائب والرسوم إلى قرابة 10 آلاف يورو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المطلوب عدم الترقب و المشاركة في صنع الاحداث
صباح كنجي ( 2024 / 6 / 19 - 14:59 )
تجارب ومحطات العمل السياسي في عصرنا.. ما زالت تؤكد.. ان فرنسا بارومتر تعبوي وفكري يؤشر نحو متغيرات.. تتجاوز فرنسا.. الى اوبا والعالم.. وما يحدث الان.. ليس الا صفحة من صفحات التغيير.. التي نأمل ان تكون لصالح الكادحين.. مع الحاجة الضرورية والملحة لاعادة تكويل وتشكيل المؤسسات السياسية والاحزاب والمنظمات الفاعلة المناسبة لهذا العصر.. التي تستوعب مهام ومتطلبات التغيير نحو الافضل.. وهذا يتطلب اولا واخيرا مواجهة اليمين بكافة اشكاله العنصرية والفاشية والنازية الجديدة .. الخطر ما زال قائما ولا يكفي ان نتابع الاحداث والمطلوب المساهمة في صنعها ..

اخر الافلام

.. المدرجات تُمطر كؤوس بيرة في يورو ألمانيا.. مدرب النمسا يُحرج


.. لبنان يعيش واقعين.. الحرب في الجنوب وحياة طبيعية لا تخلو من




.. السهم الأحمر.. سلاح حماس الجديد لمواجهة دبابات إسرائيل #الق


.. تصريح روسي مقلق.. خطر وقوع صدام نووي أصبح مرتفعا! | #منصات




.. حلف شمال الأطلسي.. أمين عام جديد للناتو في مرحلة حرجة | #الت