الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس ثقافية ـ 205 ـ

آرام كربيت

2024 / 6 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


إن الدين الإبراهيمي خلق أديانًا ومذاهب وطوائف، وعزَل الشعوب عن بعضها، وعمّق سوء الفهم بينهم، وأجرى قراءة مغلوطة للتاريخ، وأدخل منطقتنا وأوروبا في حمم الحروب الدينية الطويلة، وعمّق الانقسام الاجتماعي والإنساني والنفسي بينهما، وعزلهما عن بعضهما. وما زالت الحساسية الاجتماعية والسياسية والنفسية عميقة إلى اليوم، بعد أن حشرهما في ذات ليست ذاتهما، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي تحررت فيه أوروبا من عبء المسيحية، وانفتحت على نفسها وثقافتها القديمة، وشقت طريقها نحو مستقبلها.
وآمل أن تتجه منطقتنا وأوروبا إلى التصالح التاريخي، وأن تتجاوز العقبات، وأن تعمل على بناء تلك الخصوصية القائمة على التفاعل الخلاق بينهما، كما كان في ذلك التاريخ السابق على تاريخ الأديان، والعودة إلى التداخل الحضاري بينهما.

إلى المسيح عيسى مع التحية، وبعد:
لقد سجدنا لك مئات السنين، ركعنا وصلينا وغنيا، بنينا لك الهياكل، وصنعنا الصلبان من الذهب والفضة والبرونز، وقطعنا لك سعف النخيل والشوك والشوق ووضعناهم فوق رؤوسنا، وحملناك فوق أكتافنا في الجمع الحزينة، وسرنا في جنازتك الحزينة، وبكينا عند قدميك ورأسك، وأشعلنا لك الشموع وذرفنا الدموع ولا زالت تكفكف، وأحرقنا لك الكثير من البخور، سأسألك:
أين أنت؟
وأين تكون عندما يموت الأطفال الصغار والرضع من الجوع، والحرمان من الحليب، وعندما تذبح الأمهات فداء لك عبر التاريخ؟
لماذا أنت ساكت يا هذا؟
وماذا تنتظر؟
أم أنك مجرد وهم وكذب في كذب, استخدمك الناس منذ قديم الزمان وإلى اليوم، لينظفوا هوسهم الذهني والذهان, وأمراضهم النفسية وعقدهم الدونية.


آرام كرابيت

عن علاقة الدين والدولة
....
يقول الدكتور عزيز العظمة، في نص منشور له على شبكة الإنترنيت، تحت عنوان (العلمانية من منظور مختلف – الدين والدنيا في منظار التاريخ):
“لم يكن الاهتمام بالمعاملات والسياسات إضافة إلى العبادات هو وحده ما يجعل من الفكر المسيحي الفقهي والسياسي شبيهًا بالفكر الإسلامي، بل إن الآليات الذهنية المنطقية وشبه المنطقية التي استخدمت في الفقه المسيحي الغربي كانت شبيهة بآليات الفقه الإسلامي وأصوله، كالنسخ والقياس وإيلاء سلطة التفسير إلى الشارع، ثم إلى العقيدة، والأعراف. كل ذلك يشير حكمًا إلى أصول مشتركة رومانية شرقية، إضافة إلى اجتماع الدينين في إطار الديانة التوحيدية النبوية، وما تستجلبه من مفاهيم إلى السلطة والمرجعية والنص”.
من خلال هذه القراءة، يمكننا أن نتناول علاقة الدين بالدولة في القرون الوسطى، ودراسة درجة التشابه في ما يسمى بالدين الإبراهيمي أو التوحيدي: اليهودية والمسيحية والإسلام.
في الحقيقة، لهذا الدين قدرة هائلة على اقتحام المجال العام، وتناول المجتمع كمادة أولية، والاشتغال عليه، ومحاولة ربطه بسياج مفهومي واحد أو مشترك، وإحكام تماسكه على أساس عقيدي، كشرط لتكريس التجانس في البنية الدينية ذاتها. إنه يتدخل على نحو مباشر في أدق تفاصيل حياة الناس، ليس في مجال العبادات وفي قوننة العلاقات فحسب، وإنما في النظرة الشاملة إلى الكون، وفي كل شؤون المجتمع، وفق رؤيته ورؤية تنظيماته الاجتماعية.
يتدخل في الحياة الشخصية للفرد: وجوده وسلوكه وممارساته، وفي علاقة الرجل بالمرأة، وفي تنظيم علاقات الزواج والطلاق، وفي طريقة المأكل والمشرب والملبس. باختصار؛ إن الدين يتعامل مع الناس على أنهم أدوات، أشياء، يمكن تشكيلهم وصياغتهم. أي إنه يتعامل معهم على أنهم “قاصرون” بحاجة إلى إعادة إنتاج وعي خارجي، يخلصهم من محنة القصور الذاتي، بمعنى أنهم ناقصو التكوين العقلي والنفسي، ويجب إعادة تشكيلهم وفق رؤيته؛ ليكونوا على مقاسه ووفق تصورات نصوصه. ليس هذا فحسب، وإنما يفتح لهم خطَّ سير مباشر مع السماء، لتأمين راحتهم الأبدية في مكان مملوء بالأسرار والطقوس؛ فيتعلقون بالحياة ما بعد الموت وصولًا إلى الخلود، ويصادر المجال العام، وخصوصية الفرد وحريته، ويضعها في إطار علاقات عامة، ترتبط بنهج الدين وتصوراته؛ ما يخلق لدينا كتلًا بشرية نمطية، متجانسة، مستلبة، منفصلة، منغلقة عن شروط زمانها ومكانها؛ فيتعذر على الأفكار الأخرى اختراق جدار الدين أو تفكيك نصوصه التاريخية المعبأة بكتل كبيرة من المصالح والغايات والأهداف.
التعبئة المفهومية القائمة على الأوامر والنواهي تبدأ ولا تنتهي؛ ليصبح الإنسان مجرد شيء، قطعةً مشغولةً، وكأنه آلة معدنية. ولقد انفرد الدين السماوي باحتلال المجال العام في القرون الوسطى، بعد أن قضى على عصر الآلهة المتعددة الغني بالقيم الإنسانية غير المؤدلجة وبالأفكار المنفتحة، والمليء بحقول الفلسفة والبحث العلمي، والنظرة النقدية إلى الطبيعة والكون.
يمكننا طرح السؤال بصدر رحب:
لماذا نشأ الدين التوحيدي؟ ما الغاية منه؟ هل هو أزمة دولة؟ هل هو أزمة مجتمع؟ هل وصل الأمر إلى حد التفارق والقطيعة بين الدولة والمجتمع، إلى درجة أن هذا الأخير أراد أن يكون كامل الشراكة في القرارات السياسية السيادية التي يتعذر على الدولة القبول بها؟
في السياسة لا يوجد شيء بريء -كما يتصور كثيرون- إنما هناك غاية؛ فما هي غاية الدولة في التمسك بالأيديولوجيا الأحادية؟
إن الأيديولوجيا واحدة من الأقانيم الثلاثة المشكلة لجوهر الدولة ووجودها، فهي أقنوم جوهري، مثل السياسة والاقتصاد، وهي تتناغم معًا من أجل استمرار تأمين مصالح النخبة الممثلة للدولة؛ ذلك أن دور الدين لا يقتصر على العلاقة مع الدولة فقط، أو على الجانب الروحاني كما يدعي كثيرون. إنه قوة منظمة، مركبة، لديه نزوع نحو الهيمنة والسيطرة.
لقد كرّس هذا النمطُ من الفكر، على مدى عشرات القرون، نظرةً أحادية للرؤية، وألغى كل ما سبقه، ومنَع الفلسفة والعلم من البحث والتطور تحت حجج واهية، ورجَم الفن والموسيقى وكل الأعمال الإبداعية؛ ما أدّى إلى تصحرِ الحياة والدولة والمجتمع، وخلقِ إنسان ضعيف، معزول، لا يقوى على التفكير الحر، ودمّر في داخله حبّ المعرفة والبحث والاكتشاف، كما أنه خلَقَ مجتمعات نمطية، استنقاعية، تقوم على قراءة أحادية للتاريخ والمجتمع والدولة؛ فتعطلت فيها فضيلة العقل والمدارك والتفكير والإبداع، وغدا مفتقرًا إلى التوازن والتلاقح والتفاعل، وصار يقتل الإبداع.
المبدع لا يأتي من فراغ، ولا يصنعه التاريخ كوحدة مستقلة أو ذاتية صِرفة، إنما يحتاج إلى شروط موضوعية، يبني عليها رؤيته، إنه يقطف من هذه الشروط التاريخية مشروعه، ويزيد عليه. لم نسمع بالمبدعين في فترة موت الآلهة المتعددة، ولم نشهد تطورًا في الفكر، أو في قراءة في الفكر الفلسفي السابق على الدين التوحيدي إلا في بعض الهنات أو الفترات القصيرة، كما هو الحال في العصر العباسي الأول، أو من خلال بعض المبدعين المسلمين المتنطحين لحمل شعلة العلم والمعرفة، كحالة شاذة أو تمرد على شروط الواقع، وأغلب الأفكار كانت تتمحور حول “الإله الواحد” أو في تفاسير النصوص.
إن الدين التوحيدي أنتج شكلًا مسخًا للدولة، فكانت الدولة الشمولية التي غيبت الإنسان وجعلته كائنًا نكرة، تجري عليه أغلب العمليات السياسية الخارجة عنه؛ وعليه: “كان الفكر المسيحي في القرون الوسطى يتمحور حول القانون الأخلاقي الإلهي الكلي أو الأبدي، ويعمل على أن يتم إخضاع الدولة والمجتمع لخطة الله”. أي أن جميع المؤسسات التي تشكل التنظيم السياسي للمجتمع، يجب أن ترتكز على هذا النهج، بمعنى، على المجتمع أن يكون جزءًا من تراتبيةٍ تخضع للدين. لقد طوب هذا الفكر المجتمعَ والدولة، لإرادة من خارجهما، وسهر على بقائهما منفصلين، يعملان في فضاء مقيد تابع له.
إن هذا القيد التاريخي عزل التاريخَ الأوروبي والشرقي عن تاريخهما، وقيدهما؛ بعد أن كان تاريخهما واحد، ومتداخل، ومصالحهما متقاربة جدًا، وهناك مشتركات كثيرة بينهما، ثقافية ونفسية وروحية ووجودية، وتقاربٌ في مجالات الفن والإبداع، وفي التطلع إلى المستقبل، والترابط في المصاير.
إن الدين الإبراهيمي خلق أديانًا ومذاهب وطوائف، وعزَل الشعوب عن بعضها، وعمّق سوء الفهم بينهم، وأجرى قراءة مغلوطة للتاريخ، وأدخل منطقتنا وأوروبا في حمم الحروب الدينية الطويلة، وعمّق الانقسام الاجتماعي والإنساني والنفسي بينهما، وعزلهما عن بعضهما. وما زالت الحساسية الاجتماعية والسياسية والنفسية عميقة إلى اليوم، بعد أن حشرهما في ذات ليست ذاتهما، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي تحررت فيه أوروبا من عبء المسيحية، وانفتحت على نفسها وثقافتها القديمة، وشقت طريقها نحو مستقبلها.
وآمل أن تتجه منطقتنا وأوروبا إلى التصالح التاريخي، وأن تتجاوز العقبات، وأن تعمل على بناء تلك الخصوصية القائمة على التفاعل الخلاق بينهما، كما كان في ذلك التاريخ السابق على تاريخ الأديان، والعودة إلى التداخل الحضاري بينهما


الذكر الحقيقي في هذه الحضارة الأبوية هو المال.
المال ولا شيء غيره.
لا الرجل رجل، ولا المرأة امرأة.
كلاهما، كلنا، عجزة أمامه، نباع ونشترى، ونبيع ونشتري. ولا كبير تحت سقفه.
جميع الناس عبارة عن فضلات تحت ظله.
لا تعتد بنفسك كثيرًا، أنت مجرد أداة من أدواته.
ولولا المال لما كان هناك سلطة، ولولا السلطة لما كان هناك مال.
الإنسان يضعف أمام المال والسلطة.
وكلنا أولاد سوق، نعوم في المزاد، وكل واحد حسب وزن خصيتيه وقضيبه، وهذا المفهومان، حقيقيان جوهرهما السلطة والمال.
لديك المال أو السلطة يحق لك أن تنكح مَا طَابَ لَكُ من الرجال والنساء، مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، وما تشاء وإلى حيث تشاء.
وإذا أردت أن تتزوج، أول شيء يعملها صاحب العلاقة، أنه يطلب منك أن تخلع سروالك، وبعدها يقيس حجم أعضاءك، أي المال والنفوذ الذي تملكه، وقتها يمنحك نفسه بطيب خاطر.


لم ابق في دبانة أكثر من مئة يوم طوال حياتي، لكنها زرعت في قلبي أشياء لا تنس، صوت الغنم القادم من أعماق الطبيعة، البقرتين، بئر الماء، النحل الذي كان يلدغني دائمًا وأهرب منه، صناعة الجلة في فترة الحر الشديد، شجرة التوت اليتيمة، الأرض المفتوحة على وسع الكون، جدي وجدتي، والصمت الرهيب، والعزلة عن العالم، والرافد الصغير لنهر الجغجغ، الذباب الكثير الملتف حولنا، وحول الطعام، ثياب جدي الأبيض ولحيته البيضاء، وظهره المنحني، وعصاه المتكئ عليها، صمته الطويل.
أذكر ذلك الطعام، كوسا مع البندورة مع القليل من السمن العربي، آه، كم كان لذيذًا، لا زال مذاقه في ذاكرتي كذاكرة الشمس في بقاءها في صدر الكون.
الفوضى في المكان المستقر، لا طعام في أوقاته، وأنا دائم الجوع.
كانت جدتي تقول:
اذهب وخذ قطعة خبز مصنوع على التنور، مع جبنة أو زبدة بلدية.
الفراغ الهائل كان يقتلني، لكن الهواء عليل ومنعش، وعيوني مستقرة على الطريق العام في انتظار مجيء والدي ليأخذني إلى مدينة الحسكة.
أذكر الكلب، عواءه في الليل الذي كان يدخل الاطمئان إلى قلبي الصغير ويبعد عني مخاوف الليل في زمن الأرض العارية من الضوء والحركة.
ذبانة لهفة، حنين قاتل لوطن مات على يد أبناءه الأشرار، المعاقين.
يا ريت يعود الزمن إلى الوراء لأعود وأركض في سماء دبانة كوعل يسبح في الفضاء.
كل شيء ذهب إلى الخراب، إلى زوال، ماتت دبانة، لم يبق منها أي شيء، لم أعد أقبض على أي شيء


كان الفكر المسيحي في القرون الوسطى يتمحور حول القانون الأخلاقي الإلهي الكلي أو الأبدي.
وإن يتم إخضاع الدولة والمجتمع لخطة الله.
أي أن جميع المؤسسات، التنظيم السياسي للمجتمع، يجب أن يرتكز على هذا النهج. بمعنى، على المجتمع المدني أن يكون جزءًا من تراتبية القوة، الخاضعة للكنيسة.
لقد طوب هذا الفكر، المجتمع والدولة، لإرادة من خارجهما، وسهر على بقاءهما منفصلين، يعملان في فضاء واحد ومقيد.
إن هذا القيد، عزل تاريخ أوروبا عن تاريخها، وحشرها في ذات ليست ذاتها، إلى أن جاء يوم الحشر، وتحررت وانفتحت على نفسها وثقافتها القديمة، الفلسفة الأغريقية والرومانية، وشقت طريقها نحو المستقبل. مستقبلها.


جئت اليوم إلى البيت في القطار المملوء بالركاب، أغلبهم شقر وبيض وحلوين، وثياب رقيقة وخفيفة، شورتات وكنزات رقيقة، ونظافة في الممر وعلى الكراسي وكل واحد ينظر في هاتفه أو الآيبات أو الكومبيوتر.
لا صراخ ولا ضجيج ولا رمي الأوساخ ولا إساءة.
قسم كبير واقف على قدميه، والقسم الأعظم جالس، والصمت والهدوء سيد الموقف.
بنظرة بسيطة يستطيع المرء أن يميز عباس عن فرناس، حتى لو كان في الليل المدلهم.


كل واحد منّا حامل عبوديته في داخله، والمفتاح معه، لكنه يحتاج للبحث عنه.


الممثل دينزل واشنطن، في بطولة الفيلم roman j. israel.
دينزل في هذا الفيلم يحمل شخصية خلافية، دقة قديمة كما نقول في الأمثال الشعبية، ولكنه مثقل بالقيم، ربما يشبهني ويشبه الكثير من أبناء جيلي.
محامي موهوب، مقاتل من طراز رفيع دفاعًا عن الحقوق المدنية، بناءه الداخلي ينتمي إلى الحقبة الماضية، نهاية الستينات وبدايات السبعينات، أيام أنجيلا ديفس ومارتن لوثر كينج، يحمل قيم أخلاقية وإنسانية عالية في مجتمع استهلاكي لا يعرف من الحياة سوى المال.
يعيش واشنطن الصدام بين عصره وعصرنا، بين البحث عن الحريات والحلم بالدولة الاجتماعية، ومجتمع معاصر يعشق عبوديته للمال والمال السريع الدائر.
الفيلم على النت فليكس يستحق المشاهدة، ويحتاج إلى متابعة دقيقة.


على المسرح رقص التلاميذُ رقصةً اسمها الفرسان، حملوا في أيديهم سيوفًا خشبيّةً, رفع كلّ طفلٍ جسده في الهواء وهبط به على أصابع قدميه بحركةٍ سريعةٍ ورشيقةٍ, وفي انحنائه يتقدّم بخطواتٍ وئيدة وثابتة نحو الفتاة، ويقدم لمحبوبته سرجَ حصانه وسيفَه وهداياه التي جلبها من غزواته الطويلة، في إشارةٍ إلى تحوّله إلى بطلٍ مكتملٍ، حامي حدود قومه وأهله.
قدّمتِ المدرسة هذه الرقصةَ اعتمادًا على الموسيقا من دون الغناء, أداؤهم كان رائعًا, وقدّموا – أيضًا- رقصة الربيع والشتاء تأليف الموسيقار كوميداس, ورقصة قطف الفواكه, المشمش في الصيف خاصّة.
غادر إسماعيل عيون السود وهاكوب كربيديان المسرحَ مع آلتيهما الشرقيّتين، وبقي رائد ونورما وديكران يتابعان العزف.
قدّم التلاميذ رقصةَ الفلامنكو جماعيًّا بكل براعة وجمال, ثم انتقلوا إلى الثنائي.
جهّز آفو نفسَه لأداء رقصة الفالس مع زميلته سامية على المقطوعة الموسيقيّة، الدانوب الأزرق، ليوهان شتراوس الابن.
عندما صعد آفو وسامية على خشبة المسرح كانا يرتديان ثيابًا تقليديّةً، يعود طرازها إلى زمن القرن التاسع عشر.
صفق الحضور لهما طويلًا، لوقوفهما الجميل أمامهم
عندما بدآا، انحنى لزميلته بكلّ لباقةٍ ولطفٍ، ومدّ يده لها ليأخذ بيدها لترقص له ومعه.
ودارا على المسرح كأنّهما نجمان في السماء, الموسيقا الفخمةُ التي أجاد العازفون إتقانَها بكلّ مهارةٍ، جعل المسرح يصدحُ ويغرّد ويشتعل بالفرح والجمال والبهاء.
تحرّكا في انسجامٍ وتناغمٍ تامّ, مدّا خطواتهما إلى الأمام والخلف تحت عصارة الموسيقا، وأحاسيسهما ترتقيان وتنتقل منهما إلى الجمهور, فارتعشوا معهما, تحوّل الحفلُ إلى حدثٍ أشبه بالخيال, وشعر الحاضرون أن أرواحَهم خرجت من أجسادهم, وتحوّلوا إلى غمام سابح في الفضاء.
إن رشاقةَ الحركات بين آفو وسامية, واللمساتِ الصغيرةَ الحنونةَ جعل المقطوعةَ الرّاقصة التي قدّماها ساحرةً.
يذكر آفو كلامَ رائد أورفلي عندما علّمه هذه الرقصة:
ـ إن الفالسَ رقصةُ الملوك والقصور، ومؤشّر على زمن صعود الأرستقراطية والنبالة والمدنية الحديثة, اخترتك لها لأنني مدركٌ أنّك الفنانُ الوحيدُ القادرُ على أدائها, وستحمل سامية معك إلى الخلود.
رأت اللجنة المنظّمة أن مدرسة الأمل قدّموا رقصًا خلّابًا, وغنّوا الموشّحات الأندلسيّة, وإنّ أداءهم يستحقّ الجائزة الأولى.
قال رائد أورفلي لتلاميذه في نهاية الحفلة:
ـ مدرسةُ الأمل تستحقّ الجائزة الأولى, ونستحقّ الجائزةَ الثانيةَ لأدائنا رقصةَ الفلامنكو, بصراحة إنّ مدرسة الأمل كانوا الأميزَ في كلّ شيءٍ، في الرقص والموسيقا والغناء.
قال آفو في نفسه مؤكدًا كلام رائد:
يكفيك أن ترى جمالهم حتى تخرّ ساجدًا, وما لفت نظري وجود جاكلين الأخت الكبرى لسيلفانا, آه ما أجملها! يكفي أنّها أخت حبيبتي, حتى ثياب الفتيات كان جميلأ جدًا, ووجوههنّ أجملُ, وصدورهنّ عارمة, وحركاتهنّ على المسرح كان لافتةً للنظر, وآخذةً بالألباب.


البحصة التي حركت المياه الراكدة وكشفت عن البناء النفسي والفكري للكثير من الإسلامويين.
نيشان إعلامي لبناني من أصول أرمنية، عبر في لحظة انفعال وغضب عن رأيه عبر قوله: أردوغان خبيث، وأن العثمانيين والأتراك والسلطنة خبيثين.
لست متفقًا مع ما قاله نيشان، بيد أن الموضوع لم يمر مرور العابرين الكرام للذين لديهم انتماءات لا وطنية.
عندما لا تُقطف الثورات في أوانها يصيبها العفن، هذا مؤكد. هذه الثمرة، الثورة المكسورة، تبث من داخلها البكتيريا والجراثيم، لتنتشر وتملأ المكان بالأوبئة.
وبدأت سلسلة الهجوم عليه كعادة الكثير من المسلمين والعرب، شتائم بالجملة والمفرق، والإهانات والسباب.
والكثير قالوا عن نيشان أنه جاء لاجئًا وعيروه بلجوءه، وقناة الأورينت تبع غسان عبود قالوا عن الارمن أنهم جاؤوا إلى سوريا حفاة عراة، بيد أنهم لم يذكروا السبب الذي جعل من قومية عريقة أن تأتي إلى سوريا بهذا الشكل المزري.
ليس هذا هو الأهم، الأهم أن يتناول صبحي حديدي، الماركسي، من رفاق الطريق، من الحزب الشيوعي المكتب السياسي، هذا الموضوع، بالكثير من الخبث في مقال له في صحيفة القدس العربي البارحة، ووضع نيشان صوب عينيه ليضرب القومية الأرمنية بشكل مبطن ويهينها عبر نيشان، وليشيد بشكل انتقائي بتاريخ السلطنة، ونجاحاتها، وجلب لنا أدلة عبر باحثين غربيين انتقائيين، وغيرهم للتأكيد على رؤيته ورأيه.
صبحي حديدي لم يتطرق إلى الإبادة التي تعرض لها أجداد نيشان من قتل وذبح وتشريد وجوع وعطش وحرمان، والمشي على الأقدام آلاف الكيلومترات، كما لم يتطرق إلى الغزو والسبي العثماني للشعوب الأخرى، كالبلقان، ولم يتطرق إلى أخذ الأطفال من أمهاتهم في هذه الدول.
تم أخذ الأطفال في عمر صغير جدًا، وتم تحويلهم إلى جيش سمي بالانكشارية.
هؤلاء الصغار كان يجري عليهم مسح ذاكرة بالكامل، يضعونهم في معسكرات خاصة، وكان يجري تلقينهم أصول الدين الإسلامي وحب السلطان، وأن يصبحوا أولاده، وخاضعين له بالكامل.
هؤلاء المساكين كانوا طعم حروب السلطان وغزواته ونهبه وسلبه وقلته للأسرى في هذه الدول التي كان يحتلها او يغزوها، دون أي رادع أخلاقي أو إنساني.
ما يهمنا في الموضوع أن صبحي حديدي وغيره كشفوا البناء النفسي والفكري لأنفسهم، في تعرية كاملة.
صبحي حديدي، هل أصبحت السلطنة مداعاة فخر ومفخرة لك؟
أنت تكره الغرب كله، وأنت في فرنسا ولديك جنسيتها، وهذا حقك، وتحاربه في كتاباتك، لأنهم كانوا وما زالوا غزاة حسب وجهة نظرك، بيد أنك تشيد بغاز أخر اسوأ منه بكثير.
هل يصح أن تكيل بمكيالين؟


في العام 1965 كان لدى والدي رغبة شديدة في الإقامة في اللأذقية، وطرح هذا الموضوع للنقاش، لكن والدتي المحافظة جدًا رفضت رفضًا قاطعًا هذا الاقتراح، ولم يكن لديها الرغبة في التزحزح عن أرض محافظة الحسكة.
بعد التجربة الطويلة في الحياة رأيت أن رؤية والدي ونظرته للناس والحياة كانت عميقة جدًا.
يا ليتنا سكنا في اللأذقية وجاورنا البحر المتوسط والجبال الشاهقة والأشجار.
فعلى أرض البحر وسماءه تنفتح الروح على المدى المفتوح وتحلق، وتلتقي بالناس والأجناس المتنوعة المشارب من بلدان مختلفة ويمكن مراكمة ثقافة مملوءة بالاسئلة والأسرار.
أجبرت أمي على زواج أختي في العام 1984، قلت لها بالحرف:
هذا البلد سينفجر في يوم من الأيام، وسيطيح الصراع بالأخضر واليابس، ولن يكون فيه منتصر ومهزوم.
لم تقبل. وأصرت على الرفض، وأنها لن تقبل أن تتغرب ابنتها وتغادر سوريا. كنًا أنا وهي في صراع يومي في صيف ذلك العام.
في العام 2003، بعد وصولي إلى السويد، ومجيء أمي في زيارة لهذا البلد، سألتها بعد مرور زمن طويل على ما حدث، قالت:
ـ رأيك كان صحيحًا، أنا كنت غلطانة.
في الحقيقة أنا استغربت من اعتراف امرأة عنيدة كالصخر بالغلط. هذا ليس إدانة لها، أنها مثل أغلب أبناء الشرق حتى لو غلطوا فإنهم لا يعترفون بأي غلط ولا يعتذرون.
في العام 2009 عادت أختي سيلفا إلى بيتها في السويد بعد زيارة لأهلي في سوريا، قالت لي:
ـ يا آرام توقعاتك كلها غلط بغلط. لا تمرر يوم دون أن تذكرنا أن البلد سينفجر. الناس مبسوطين وعايشين ومرفهين وحياتهم عال العال. قلت لها:
ـ ربما أنا نكدي كتير أو متشائم، وأرى الحياة من موقع غلط. اتمنى أن أكون غلطانًا، وأن لا يحدث أي مكروه لهذا البلد المنكوب والمسكين.
اليوم لو كانت بيننا أمي ماذا كانت ستقول، بعد هذا الخراب الذي نراه؟
مأساة الواعي أنه يرى ما لا يراه الآخر، وأنه يبقى مجهول الهوية دائمًا في رؤيته.
والناس يسيرون إلى الأمام ووجوههم في الأرض، لا يلتفتون إلى المخاطر إلا إذا وقعوا في الحفرة مباشرة.



من كان ضعيفًا، عندما كان الوضع يحتاج إلى شجاعة، لا يحق له رجم من تصدى للسلطة بكل جبروتها.
كل ظرف له محاكمة. عندما يكون الإنسان في المعتقل، وأنت حر لا يحق لك محاكمته. وعندما يخرج ويبدل قناعاته. هذا شأنه. وعلينا أن لا نتحول إلى قضاة. الناس يتغيرون سواء داخل السجن أو خارجه.
هناك من شتم نفسه في السجن، لأنه سجن. وهناك من تحول الى مخبر. وهناك من غير قناعاته.
ليس الجميع على سوية واحدة. ولا يجب أن نقيم الجميع كأنهم متشابهون. السجن ثقيل جدًا، يسحق الإنسان ويغيره ويبدله، بل يدمره.
لا تنسى أنه خرج مهزومًا مكسورًا نتيجة هزيمة المجتمع وانكساره.
هناك من دفع عشرات السنين من عمره، وعمر أهله. وخسر شبابه وحياته وماله ووظيفته وتحول الى متسول لا يقدر على العمل والزواج وتأثيث البيت.
من هو الذي دعم السجين، عندما خرج من السجن، على الصعيد المالي والمعنوي؟ من الذي وقف إلى جانبه أو ربت على كتفه؟
الجميع تنكر ويتنكر للسجين، وتعاملوا معه على انه شيء تافه ورخيص، بله مجنون. والبعض كان ينظر إليه بشفقة ثم يبصق على الأرض حتى لا يتلوث به، ليس الأن، وأنما منذ عشرات السنين.



ساق البامبو رواية كويتية حصلت على جائزة البوكر العربية, قرأتها قبل سنتين, أتذكر القليل منها, وإذا أخطأت أتمنى من الأصدقاء الذين قرءوها أن يكذبوني.
تتحدث الرواية عن أب كويتي فحل, مثقف تزوج شرعا في السر من خادمته, ويتخلى عنها لعجزه عن الدفاع عن حبه. تقوم القبلية بكل ثقلها التاريخي, الراسخ في الأرض العربية بالرفض نيابة عنه. ترفض المرأة الغريبة, ذات السلالة المختلفة, سلالة الفقراء والمهمشين, ذوي الانتماء الضعيف الأقل شأناً حسب منظورهم.
يدخل في هذه العلاقات منظومة القيم البدوية, الانتماء الى العائلة ذات السمعة والشأن, والفخر بالمال والنسب والمكانة. لا يقبلون دخول طفل, طفلهم إلى حضيرتهم الراقية, لكون أمه خادمة فلبينية فقيرة, قطعت آلاف الكيلومترات لتعمل بعرق جبينها وترسل لأسرتها المال كي يعيشوا حياة تبعدهم عن الفاقة والعوز.
لم يستطع هذا الأب الكويتي الفحل أن يدخل طفله في منظومة العلاقات البدوية الراسخة في جذور الثقافة العربية عامة والخليجية خاصة, لهذا كان يرسل المال لزوجته وطفله في الفلبين بعد طردهم من الكويت, لتصرف على طفله ويجنبه المسؤولية الأخلاقية حسب منظور المجتمع.
الرواية تُشرح البناء الكويتي, التراتبية, مشكلة البدون, المجتمعات الغارقة في التكور على الذات والتفاخر بالحسب والنسب, وتعرج على حرب الخليج عندما دخلها صدام حسين, فيموت البطل مدافعا عن الكويت االعظيم, الكويت المريض العاجز عن تبني طفل في منظومته المشروخة والمتماسكة بقوة التقاليد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل توسع عمليات هدم منازل الفلسطينيين غير المرخصة في الق


.. عقب انتحار طالبة في المغرب مخاوف من تحول الأمر إلى ظاهرة بين




.. #فائق_الشيخ_علي: #صدام_حسين مجرم وسفاح ولكنه أشرف منهم كلهم.


.. نتنياهو يتوعد بضرب -الأعداء- وتحقيق النصر الشامل.. ويحشد على




.. في ظل دعوات دولية لإصلاح السلطة الفلسطينية.. أوروبا تربط مسا