الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معالم الانتصار وأين يجب أن ترفع راية النصر

يلينا بانينا و أوليغ بافلوف

2024 / 6 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


منذ أكثر من عامين تتواصل العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. ولا شك أن هذه الحرب ضد روسيا قد أشعلها "التكتل الغربي" والدوائر العالمية التي تقف وراءه، ويخوضها من خلال ما يعرف بقواته بالوكالة.
وفي الآونة الأخيرة، قام قادة الدول الغربية، ومنظمات صناعة الفكر الكبرى (FA، CSIS) بتشديد خطابهم ضد بلدنا وحددوا بشكل علني مسارًا لهزيمة روسيا عسكريًا ، ولا يقتصر الأمر على عدم إخفاء مشاركة دول الناتو في العمليات العسكرية فحسب، بل إن التصعيد العسكري يتزايد بوتيرة سريعة أيضًا: فإمدادات الأسلحة الفتاكة تتواصل بشكل متزايد إلى أوكرانيا آخذة في التوسع، وقررت واشنطن ودول غربية أخرى نقل العمليات العسكرية إلى عمق روسيا، وتجري الاستعدادات النشطة لنشر قوات للناتو والدول الأعضاء في الحلف على أراضي اوكرانيا.
وفي هذه الحالة، ليس أمام روسيا بديل اخر: فإما النصر أو الموت. أنه وطننا يا مويرتي.
إن الوعي بهذه الحقيقة الثابتة يجب أن يكون مدعومًا بفهم معنى النصر بالنسبة الينا ، فبدون التظاهر بتوفر صورة كاملة وواضحة لمفهوم النصر سيكون من المستحيل تحقيقه ، وسنحاول صياغة هذه الأهداف الهامة ، وبادئ ذي بدء، دعونا نسأل أنفسنا إلى أي مدى كانت العملية العسكرية الخاصة حتمية، وهل كان من الممكن أن نتوصل بطريقة أو بأخرى إلى اتفاق مع الغرب؟
إن حجم القوة العسكرية التي دفع بها ضد روسيا، وتنسيق التحركات بين جميع دول الكتلة الغربية تقريبًا، وتصريحاتهم السياسية وجهودها التي تبذلها وفقا لتنسيقات مكتوبة مسبقًا، لا تترك مجالًا للشك في أن العملية المناهضة لروسيا ، قد تم الإعداد لها منذ أعوام عدة ، ويبدو أنها ومنذ عام 2012 يتم تمويل وإدارة هذا المخطط من قبل الدول الغربية، وفي المقام الأول الولايات المتحدة ، وفي الواقع، فإن ما يحدث في أوكرانيا اليوم هو المرحلة الساخنة من الحرب التي أطلقها الغرب ضدنا في عام 1946 (من خطاب وينستون تشرشل في فولتون) ، ففي المرحلة الأولى، كانت المهمة هي تدمير الاتحاد السوفييتي، وفي الثانية - استيعاب الاتحاد الروسي والحل النهائي لـ "المسألة الروسية".
وفي الواقع، مباشرة بعد انتهاء الحرب الباردة وتدمير الاتحاد السوفييتي، رأى الغرب في ذلك انتصارا مطلقا وساحقا، وشرع في تنفيذ المرحلة الثانية ، ووضع مسار لاستيعاب الفضاء الجيوسياسي الذي خلفه الاتحاد السوفييتي معتبرا إياه مصدرا لتوسيع وتعزيز هيمنته التي تحققت والتي لا يمكن إنكارها في ذلك الوقت ، والهدف من ذلك هو تنفيذ نموذج الأحادية القطبية القادرة وترسيخها كشكل من أشكال الهيمنة الغربية لعقود عديدة، إن لم يكن لقرون.
وعلى الرغم من الوعود الشفهية التي منحها الغرب لغورباتشوف بعدم توسيع كتلة الناتو على أراضي دول حلف وارسو السابق، فإن الولايات المتحدة، باستخدام الناتو كأداة للتوسع، أوصلت الوضع إلى قبول دول البلطيق في هذه الكتلة، وبعد ذلك السويد وفنلندا المحايدة تقليديا ، وحتى قبل ذلك، بدأت المشاركة النشطة لأوكرانيا وجورجيا في الناتو. على الرغم من أن الناتو ليس بأي حال من الأحوال منظمة مسالمة، كما صرح السيد خودوركوفسكي مؤخرًا ، ويكفي أن نتذكر القصف واسع النطاق ليوغوسلافيا في عام 1999 باستخدام ذخيرة اليورانيوم المنضب، والحرب التي استمرت 20 عامًا في أفغانستان تحت رعاية حلف شمال الأطلسي، والحرب العراقية في الفترة 2003-2011، والتي تم خوضها حتى بدون تفويض من الأمم المتحدة ، وتمت على أساس تزوير الحقائق او ما يعرف "بفضيحة بأول" ، والحرب في ليبيا عام 2011، والانتقام من قيادتها، وتدمير الدولة فعليا ، وعلى مدى 30 عاما فقط، نفذت كتلة الناتو 23 عملية عسكرية ضد دول أخرى، بلغ ضحاياها أكثر من مليون مدني، في حين أن عدد ضحايا التطهير العرقي والكوارث البيئية والإنسانية بعد غزو قوات الناتو لا يحصى ، ويتحمل ضمير قادة الناتو مسئولية استخدام أسلحة دمار مثل الفسفور الأبيض، واليورانيوم المنضب، والقنابل العنقودية ضد المدنيين، والتعذيب، والتقاط الصور مع جثث الموتى.
وفي عام 2004، وبعد انضمام ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا إلى التحالف، اقترب هذا الوحش من حدود الاتحاد الروسي. فهل على روسيا أن تراقب بلا مبالاة صواريخ حلف شمال الأطلسي الموجودة في المنطقة المتاخمة لها مباشرة وهي تستهدف سانت بطرسبرغ ، وموسكو، ومدننا الأخرى؟ بالقطع لا!
لكننا كنا ما زلنا نأمل في ان ينتصر المنطق على فكر النخب الغربية المتغطرسة ، وتلا ذلك خطاب بوتين في ميونيخ ، ومع ذلك، تجاهلت الولايات المتحدة هذه الإشارات، وبدعمها العسكري، استفزت القوات الجورجية لغزو واسع النطاق لأوسيتما الجنوبية ، وكان أحد الأهداف هو تهيئة الظروف الملائمة لانضمام جورجيا إلى حلف شمال الأطلسي ، ولكن حتى رد روسيا القاسي لم يوقف الغرب ، ونظمت واشنطن انقلابا في كييف عام 2014 ، وبدأت الاستعدادات لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي ، لقد كانوا يعون العواقب جيدًا ولكنهم رغم ذلك استمروا عمدا في سياسة التصعيد.
ولا يمكن النظر إلى كل هذه الأحداث خارج سياق الإجراءات الأمريكية الرامية إلى التقويض الكامل لنظام الأمن الدولي ومعاهدات الحد من الأسلحة ، فعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، ومن خلال جهود واشنطن والدول الغربية الأخرى، تم تدمير الإطار الداعم لهذا الهيكل بالكامل تقريبًا وتوقفت الآليات القانونية الدولية للردع النووي عن الوجود بشكل أساسي.
إن روسيا الموحدة، القوية الدولة، ذات السيادة، مع تشريعها الحضاري الخاص بها، لا يمكن ان تنسجم مع الخطط العالمية للولايات المتحدة الامريكية التي تحركت علانية لتنفيذ صيغة بيجيزينسكي: "يتم إنشاء نظام عالمي جديد تحت هيمنة الولايات المتحدة ضد روسيا، وعلى حساب روسيا وعلى أنقاض روسيا” ، وبما أن الغرب قد فشل في استيعاب روسيا وتحويلها في النهاية إلى مستعمرة روحية وسلة موارد رغم صعوبة تحقيق ذلك على أي حال، ولأن بوتين حدد مسارًا لإحياء روسيا ونهضتها فقد قرر الأنجلوسكسونيون تنفيذ خطتهم القديمة ، ذلك المخطط كان موجودا منذ ظهور الإمبراطورية الروسية على المسرح العالمي كقوة عالمية في بداية القرن الثامن عشر ، والهدف هو تقطيع البلاد وتدميرها، لأن وجودها يتعارض بشكل واضح مع خطط الهيمنة.
ولهذا السبب كانت هذه الحرب حتمية، ولم نكن نحن البادئ فيها ، وسؤال آخر: هل كان من الممكن بدء العملية العسكرية الخاصة، كونها لم يكن مفر منها، بطريقة أخرى، أو أن ننتظر كما حدث عام 1941 ، حتى يقع هجوم مباشر علينا من أوكرانيا من أجل الحصول على حق لا جدال فيه في الدفاع عن النفس؟ وهنا سيطرح سؤال مضاد نفسه: هل أنت متأكد من أننا لو واصلنا انتظار حتى الاستيعاب الكامل لأوكرانيا من قبل الناتو وهجومه علينا من مناطق أقرب إلى موسكو بآلاف الكيلومترات من حدود الاتحاد السوفيتي قبل بدء عدوان هتلر، هل كنا لنستطيع صد وتحمل هذه الضربة في ظل استخدام تكنولوجيا الصواريخ الحديثة؟ وحين تعرف ان المدة التي يستغرقها الصاروخ الذي تفوق سرعته سرعة الصوت من خاركوف إلى موسكو 4-5 دقائق فقط؟
لقد أقنعتنا العملية العسكرية الخاصة التي تتواصل لأكثر من عامين بحقيقة أن معركة روسيا من أجل أمنها وسيادتها سوف تكون طويلة ومأساوية ، وطوال هذا الوقت، ظلت الأهداف المعلنة للعملية ثابته دون تغيير: إزالة النازية وتجريد أوكرانيا من السلاح، وحماية سكان دونباس، وضمان أمن الاتحاد الروسي ، ومع ذلك، فإن الحياة ومسار الأعمال العدائية ألزمتنا بإدخال تعديلات خاصة على تنفيذ هذه الأهداف ، فبحلول أبريل 2024، تم بسط السيطرة الروسية على أجزاء من منطقتي خيرسون وزابوروجيه، والتي تم ضمها إلى جانب منطقتي دونيتسك ولوغانسك الى الأراضي الروسية بموجب الدستور، وبدأ إنشاء منطقة آمنة بالقرب من بيلغورود ، في حين لم يتم صياغة او التوصل الى معايير لتحقيق التسوية النهائية والتي يمكن ان تضمن وتكفل أمن الدولة الروسية لعقود قادمة وكيفية تحقيق أهداف العملية العسكرية الخاصة.
ومنذ فترة وعلى الرغم من الخطاب الرسمي العدائي، دوت أصوات المطالبين في البلدان الغربية بإعلان الهدنة في أوكرانيا في أسرع وقت ممكن ، وفي 15-16 يونيو من هذا العام، عقد "مؤتمر سلام" في سويسرا، حيث يقترح تبني "صيغة زيلينسكي"، التي تنص على عودة أوكرانيا إلى حدود 1991، كأساس للتسوية السلمية ، وبما أن روسيا لم تشارك فيه تحت أي ظرف من الظروف، كما رفضت دول الجنوب العالمي المشاركة في هذه المهزلة، فقد اتخذت محاولات لاختزال الصيغة إلى ثلاث نقاط ، لكن هذا لا يغير جوهر الموضوع ، والأمر الرئيسي هنا يتلخص في تصوير روسيا باعتبارها دولة لا ترغب في الدخول في مفاوضات السلام، ومن ثم تقديم إنذار نهائي لها نيابة عن "المجتمع الدولي" المفترض.
وهناك أيضاً خيارات أقل شدة: الاعتراف بحكم الأمر الواقع بسيطرة روسيا على الأراضي المحررة خلال المنطقة العسكرية الشمالية، وقبول بقية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي.
ومن الواضح أيضًا أن الغرب يدير على قدم وساق الصراع على أراضي أوكرانيا ، إما من خلال عدم تزويد كييف بالأسلحة والذخائر اللازمة، وفي الوقت نفسه ممارسة ضغوط متزايدة على روسيا من خلال تعزيز العقوبات الأولية والثانوية ، ثم على العكس من ذلك «إلقاء الحطب» على النار، كما فعل الكونجرس الأميركي بتخصيص أكثر من 61 مليار دولار لأوكرانيا ، فماذا وراء كل هذه الألاعيب، بما فيها «مبادرات السلام»؟ كان هدف الغرب ولا يزال دون تغيير - الهزيمة الاستراتيجية لروسيا، والحل النهائي لـ "المسألة الروسية"، وإنهاء دولة الاتحاد الروسي، وبصورة أكثر قسوة مما كانت عليه مع الاتحاد السوفييتي.
ولكن بما أن "صيغة زيلينسكي" غير مقبولة على الإطلاق بالنسبة لروسيا، فقد قرروا في البداية "طهي الضفدع ببطء" ، أولاً، إرغام الأطراف على الاتفاق على هدنة غير مرضية أو صيغة ما من السلام، وبالتالي ترسيخ الشروط المسبقة لصراع جديد ، ومن هنا جاءت كل التكهنات حول الهدنة، حيث تصبح الجزرة هي احتفاظ روسيا بالأراضي التي استحوذت عليها بالفعل ، إذن كيف ستتطور الأحداث في هذه الحالة؟ وكيف يمكن التنبؤ بسهولة بما سيحدث.
إن الهدنة، حتى من دون الوصول إلى حدود منطقتي دونيتسك ولوغانسك، تعني أن روسيا سوف تكون معزولة عن بقية أوروبا لفترة طويلة، لعدة عقود، بسبب "منطقة سيطرة بيلودسكي" ، وسوف تمتد الأراضي العازلة للكتلة الغربية من بحر البلطيق إلى البحر الأسود ، وسوف تخسر روسيا مدينة كالينينغراد، وسوف يتحول بحر البلطيق أخيراً إلى "بحيرة حلف شمال الأطلسي" ، وسوف تفقد روسيا سيطرتها بالكامل على منطقة غرب البحر الأسود التي كانت قائمة تاريخياً لعدة قرون (منذ عام 1711)، وسوف تبتلع رومانيا العضو في حلف شمال الأطلسي مولدوفا، فيما ستبتلع السلطات الأوكرانية منطقة بريدنستروفيا.
وفي الوقت نفسه، ينطلق الأنغلوسكسونيون، الذين يسيطرون في العالم الغربي بقوة المفاهيم، من الرؤى السائدة في أوائل القرن العشرين والتي طرحها على سيبل المثال ماكيندر ، حيث يرى ، ان "المنطقة المحورية" في أوراسيا، والمعروفة أيضًا باسم "الارض القلب"، والتي تضم معظم روسيا وآسيا الوسطى، تلعب دورًا حاسمًا في توازن القوى على هذا الكوكب ، والدولة التي تسيطر على هذه المنطقة سوف "تحكم العالم" ، وللسيطرة على "القلب" من الضروري تدمير روسيا ، ولذلك، فبعد توقيع «معاهدة السلام» المفروضة علينا، ستدخل «الخطة ب» حيز التنفيذ، والتي بموجبها سيستمر الغرب في عزل روسيا ، على اعتبار ان ذلك سيكون «بناءا على إرادة المجتمع الدولي» وخنقها بعقوبات اقتصادية متزايدة القسوة وفق النموذج الإيراني ، وسيبدأ فرض "حلقة الأناكوندا" حول بلادنا مع انسحاب الجيران إلى معسكراتهم ، بادئ ذي بدء، أرمينيا وكازاخستان، ثم الدول الأخرى التي لا تزال صديقة لروسيا .
وستؤدي عمليات التخريب إلى تكثيف وتقويض الوحدة الداخلية، مع الاستفادة من تقويض العلاقات بين الأعراق ، وإن الهدف من هذه التدابير متوسطة المدى واضح - في غضون 3 إلى 5 سنوات (كما تبين)، باستخدام "تكتيكات السلامي" - العديد من الضربات الصغيرة ولكن المؤلمة، للتحضير لضربة عسكرية سريعة خاطفة لنزع السلاح ضد بلد أضعفته العقوبات ، وربما باستخدام الأسلحة النووية، باستغلال عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي بحلول ذلك الوقت وقرب قواعد التحالف الجديدة من حدودنا، والتي ستكون موجودة في الجنوب (رومانيا) وفي الشمال (السويد والنرويج وفنلندا). والدلائل على ذلك واضحة بالفعل من خلال التصريحات التي يطلقها عدد من السياسيين في دول أوروبا الشرقية. وكان أولها تصريحات السلطات البولندية حول نشر الأسلحة النووية على أراضيها. ومن بين "الاشارات الاستخباراتية" الأخرى توجيه ضربة إلى نظام الإنذار المبكر الروسي، الأمر الذي سيستفز موسكو لاستخدام الأسلحة النووية التكتيكية، وهو ما من شأنه أن يمكن الغرب من تنفيذ خيار توجيه ضربة لنزع السلاح.
وإذا نظرنا من منظور العمق التاريخي إلى الأساليب التي يستخدمها الآن "الغرب الجماعي" والأنغلوسكسونيون الذين يقودونهم، يتضح تمامًا أن لندن وواشنطن، بتكتيكات مختلفة ظاهريًا، تستخدمان تقنيات مألوفة ومثبتة تاريخيًا تعتمد على مبدأ "فرق تسد" ، وهو الأسلوب الذي تم تجربته واختباره أكثر من مرة: الحصار والعقوبات الشاملة ، وهذه هي بالضبط الطريقة التي تصرفت بها الولايات المتحدة ضد العراق – في مسارين أو ثلاثة ، ذات مرة، في عام 1991، تمكنوا من إضعاف بغداد بالوسائل العسكرية خلال عملية عاصفة الصحراء، ثم من خلال 13 عامًا من العقوبات الضخمة، وبعد ذلك، في عام 2003، أنهوا العملية بضربة عسكرية خاطفة.
أما الأسلوب الثاني فهو استخدام الوكلاء لإلحاق أضرار غير مقبولة وإضعاف العدو بشكل جذري. هكذا تم تدمير الإمبراطورية العثمانية. كان العرب حينها يلعبون الدور الذي تلعبه أوكرانيا اليوم. كانوا مسلحين من قبل الأنجلوسكسونيين وقادتهم العسكريين (آنذاك، على وجه الخصوص، توماس إدوارد لورانس، المعروف أيضًا باسم لورنس العرب) و قد حققوا نجاحات عسكرية.
والآن تتخذ ضد روسيا بوصفها دولة قوية تمتلك أسلحة نووية، تكنولوجيا صراع هجينة غير مسبوقة ومتعددة الجوانب في جميع المجالات، حيث تستكمل الأساليب المستخدمة ضد الدولة العثمانية والعراق في فترات تاريخية مختلفة بـ” استراتيجية الأناكوندا” و احاطة بلدنا بأنظمة غير صديقة استعدادًا لـ "الحرب الكبرى". وسيتبع ذلك حتماً حرب جديدة أكثر تدميراً ودموية - مباشرة مع كتلة الناتو بأكملها، لإجبار روسيا على الاستسلام وتدميرها.
وستكون تلك هي عواقب الفشل في تحقيق الأهداف المعلنة للعملية العسكرية الخاصة ، من الواضح أن أي دولة تجد نفسها في وضع روسيا يجب أن تفعل كل ما في وسعها حتى لا تجد نفسها في عزلة تامة، وأن تنشئ تحالفات من شأنها أن تجعل من الممكن تدمير الجدران القانونية والنفسية والإعلامية وغيرها من الجدران التي أقامها العدو. حتى الآن تم حل هذه المشكلة بنجاح بدرجة او بأخرى. ولم يكن من الممكن دفع موسكو إلى العزلة الدولية، وواشنطن تعترف بذلك. ولم يقع الجنوب العالمي في فخ الهستيريا الغربية بشأن "العدوان الروسي في أوكرانيا"، كما أدى القصف الإسرائيلي الضخم للمناطق السكنية في قطاع غزة، والذي أدى إلى خسائر هائلة، إلى تقويض قدرة الغرب على التلاعب بالمصطلحات من قبيل " قسوة موسكو". وبالنسبة للعالم العربي الإسلامي وأفريقيا، أصبحت هذه الحجج غير فعالة.
كما كانت مفاجأة للمخططين لعزلة روسيا أن تتمكن موسكو، وإن لم يكن فوراً وبجهود حثيثة، من البدء في بناء تحالفات نوعية ولو بأحجام وأوزان مختلفة. وبالإضافة إلى الصين العظيمة، التي أصبحت بمثابة ظهيرا وعمقا استراتيجيا لموسكو، فمن الممكن إيجاد لغة مشتركة مع تركيا المضطربة، وإيران التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين، وكوريا الشمالية صاحبة المبادئ في السياسة. أي مع أولئك الذين تم وصفهم مؤخرا (باستثناء أنقرة) بالدول المارقة، وكذلك مع دول منظمة شنغهاي للتعاون ودول البريكس.
لكن، بالطبع، كل هذا الصراع سيكون منطقيا إذا تم حل المهام العسكرية الرئيسية للعملية العسكرية الخاصة. ولهذا السبب من المهم للغاية التعرف عليها و تحديدها. والآن، يمكن الشعور بشئ من خيبة الأمل بين المهنئين لنا في العالم الإسلامي وفي أفريقيا، لأن خط المواجهة لم يتغير بشكل كبير منذ أكثر من عامين. ويؤثر هذا على العديد من العمليات، بما في ذلك مدى فعالية وحجم توسع مجموعة البريكس، فضلاً عن استعداد أصدقائنا لمقاومة العقوبات الثانوية.
أولاً، من الضروري تحديد حدود تقدمنا على الارض في الجنوب والشمال، وهو ما سيحمي بلادنا لفترة طويلة من أي تهديدات من الغرب. من الواضح أن هذا يعني، ان الحل الوحيد و الذي ليس له بديل - الوصول إلى أوديسا ثم بريدنيستروفيا ، حيث يعيش 220 ألفًا من مواطنينا، وحتى مصب نهر الدانوب مع السيطرة الكاملة على منابعة ، في هذه الحالة فقط سوف ينكسر القوس "من البحر إلى البحر" الذي رسمه جوزيف بيلسودسكي، وسوف تظل احتمالات استعادة العلاقات مع أوروبا الغربية، وفي المقام الأول مع ألمانيا، ماثلة في الأفق بعد 10 إلى 15 سنة (في الواقع، ان السبب في وقوع كثير من الأحداث كان على وجه التحديد خوف الأنجلوسكسونيين من روسيا الغنية بمواردها و ثرواتها و من المانيا صاحبة التكنولوجيات المتقدمة و التي يمكن ان تقود اوروبا).
إن مصير الأراضي الغربية لجمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية السابقة ، والأراضي البولندية والمجرية والرومانية قبل الحرب العالمية الثانية ، ليس واضحًا تمامًا ، والحقيقة هي أن إعادة توزيع الأراضي بين أوكرانيا وروسيا هو في الواقع مراجعة للحدود الإدارية المرسومة بشكل خاطئ داخل الاتحاد السوفياتي، عندما لم تؤخذ العوامل اللغوية والعرقية في الاعتبار عند تغييرها (حيث لم تكن هناك حاجة لذلك حينها) ، ولذلك، فإن تنقيحها، في الواقع، لا يؤثر على أساس قانون هلسنكي القانوني لعام 1975 بشأن حرمة الحدود في أوروبا. في حين أن تغيير حدود غرب أوكرانيا لصالح دول ثالثة يتطلب مراجعة دولية شاملة و إعادة نظر في أسس النظام الأمني الأوروبي.
ثانيا، وفيما يتعلق بمهام تجريد أوكرانيا من السلاح، فانه و في اطار الحدود الجديدة (بدون مناطق دونباس ولوغانسك وخاركوف وزابوروجي ونيكولاييف وأوديسا ودون الوصول إلى البحر الأسود)، سيكون عليها ان تصبح دولة ذات وضع محايد مكرس في الدستور ، ويجب إلغاء الصناعة العسكرية بالكامل، ويجب على القوات المسلحة أن تؤدي فقط وظائف الشرطة وللتغلب على حالات الطوارئ (الكوارث الطبيعية والكوارث التي من صنع الإنسان).
ثالثا، وفيما يتعلق بنزع النظام النازي. وبعد محاكمة المجرمين النازيين الجدد، يجب حظر أيديولوجية بانديرا تمامًا، ويجب محاكمة جميع أتباعها بقسوة و بالقانون. وينبغي إدخال ثنائية اللغة في البلاد مع الاستخدام المتساوي للغتين الروسية والأوكرانية.
وبطبيعة الحال، فإن أي نتيجة لأي صراع هي انعكاس لموازين القوى وقت انتهاءه أو تجميده ، وحتى الآن، يظهر التحليل أنه بدون تثبيت وتحقيق المكونات المذكورة أعلاه لشكل الانتصار في هذه المعركة، فإن أي هدنة أو "تجميد" في أوكرانيا سيكون غير مستقر على الاطلاق ولن يفيد سوى "التكتل الغربي" ، وسوف يمنح أوروبا والولايات المتحدة الفرصة والوقت للبدء في إعادة تسليح جيوشهما، والحفاظ على النظام النازي الأوكراني، والتحضير لهجوم جديد واسع النطاق من حلف شمال الأطلسي ضد روسيا ، كما إن تغيير السلطة في واشنطن ووصول دونالد ترامب الافتراضي إلى البيت الأبيض لن يحدث أي تغيير في هذا السيناريو.
ونخلص مما سبق الى استنتاج وحيد: ليس لدى روسيا خيارات أخرى سوى تحقيق النصر في المسارات المذكورة ، قد يبدو الأمر مستحيلاً الآن، لكننا لا نريد أن نهلك ، ولذلك فإن علينا ان ننهي حالة "نصف الحرب" تلك ، ويجب أن يكون الشعار الرئيسي لسياستنا بأكملها، الخارجية والداخلية، هو "كل شيء للجبهة، كل شيء لتحقيق النصر الكامل!" ينبغي لعلم النصر أن يرتفع في كييف - أم المدن الروسية، والمركز المقدس للعالم الروسي، ومن دون الخوض في تفاصيل كافة التحولات التكتونية التي توشك روسيا على إحداثها، نود أن نؤكد مرة أخرى: التاريخ لم يمنحنا خيار آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل توسع عمليات هدم منازل الفلسطينيين غير المرخصة في الق


.. عقب انتحار طالبة في المغرب مخاوف من تحول الأمر إلى ظاهرة بين




.. #فائق_الشيخ_علي: #صدام_حسين مجرم وسفاح ولكنه أشرف منهم كلهم.


.. نتنياهو يتوعد بضرب -الأعداء- وتحقيق النصر الشامل.. ويحشد على




.. في ظل دعوات دولية لإصلاح السلطة الفلسطينية.. أوروبا تربط مسا