الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البحرين: الحَلْحلة الحقوقية؟ البعد الإيراني.. وماذا بعد؟

عباس بوصفوان
(Abbas Busafwan)

2024 / 6 / 18
السياسة والعلاقات الدولية


مدخل

على الرغم من الحديث الذي لم ينقطع، في السّنوات الخمس الأخيرة، في المنامة، عن انطلاق عمليّة الحَلْحلة الحقوقيّة، فإن الإفراج عن المعتقلين السّياسيين استغرق وقتاً طويلاً جداً، تخلّله الكثير من الألم، وأخيراً وصل إلى محطّة مهمّة في أبريل (نيسان) 2024، التي يمكن اعتبارها المحطة الفعليّة في الحلحلة، مع إطلاق السّلطات سراح نحو 600 من سجناء الرّأي، دفعةً واحدةً، لأسباب إقليميّة، أساساً، إلى جانب تبريد الأزمة الداخليّة التي لا تخفى، أمّا في المراحل السابقة، فكانت التصريحات والإجراءات الرسميّة بشأن الانفراجة الحقوقيّة أقرب إلى طحن بلا طحين.

ولا يتعلق الأمر بالعدد الكبير من المطلق سراحهم في أبريل الماضي، وحسب، وإنما بآليته وغاياته ورسائله وتوقيته، فقد أصدر الملك، حمد بن عيسى آل خليفة، عفواً دستوريّاً، هو الأوّل من نوعه منذ اندلاع الاحتجاجات الضّخمة، في 2011.

البعد الإيراني

لم يعُد سرّاً القول إن الإفراجات التي تمّت في أبريل الماضي جاءت بطلب إيراني، أو لنقل إنها تمت في ضوء السّعي الرّسمي البحريني الحثيث لاستعادة العلاقات مع طهران.

من جهتها، أكّدت الجارة الكبرى مراراً أنه لا يوجد بينها وبين الحكومة البحرينيّة مشاكل غير قابلة للحل، وإنما يتوجب على المنامة إعادة بعض الأموال الإيرانية المصادرة، وأن يعمل القصر على استعادة التوافق الدّاخلي البحريني، والبدء في خطوات جادة نحو ذلك، وعلى رأسها إحداث انفراجة حقوقيّة ملموسة، لا بوصف ذلك متطلبّاً إيرانيّاً لا غنى عنه وحسب، وإنما بوصفه، قبل أي أمر آخر، حاجة ماسّة للبحرين، حكومة وشعبا، وضرورة لاستقرارها والمنطقة.

وإذ نلمس تباطؤا في إطلاق مزيد من المعتقلين، في العفو الخاص، الذي صدر يوم الأحد 15 يونيو (حزيران) الجاري، تزامنا مع عيد الأضحى المبارك، فأحد أسبابه الرئيسية تعود إلى المرحلة الانتقاليّة التي تعيشها طهران، في ضوء سقوط الطّائرة التي أدّت إلى رحيل الرئيس، إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته، أمير حسين عبد اللهيان، في 20 مايو (أيار) الماضي.

ولا تجد البحرين الرسمية من جدوى في إطلاق مزيد من المعتقلين، فيما إيران منشغلة بانتخاباتها الساخنة، وهذا يفترض أن موجة من الإفراجات قد تكون قادمة بعد أشهر معدودات من وصول رئيس جديد في القصر الرئاسي الإيراني، في يوليو (تموز) المقبل، وانطلاق حوارات أكثر جدية بين المنامة وطهران لاستكمال المباحثات التي بموجبها سيتم تبادل السفراء بين الطرفين، كما تم مع السعودية والإمارات قبل فترة ليست بالقصيرة.

اليوم التّالي

بيد أن السّؤال الجوهري أمام القصر البحريني يتعلق باليوم الذي يلي إغلاق ملف المعتقلين، والإفراج عن نحو 600 آخرين مازالوا رازحين خلف القضبان.

فما هي خطة الحكومة للتّعامل مع المشهد السّياسي المضطرب؟ ومع ملف التّنظيمات السياسيّة التي أبْطلت الحكومة عملها الرّسمي؟ وما الإطار الذي بموجبه سيتم إشراك القوى المعارضة في الحياة العامّة؟ وما رؤية الحكومة للتّعامل مع المطالب المتصلة بإصلاح الدّستور وزيادة صلاحيّات المؤسسة التّشريعيّة؟

وإذ يظهر أن المطالب السياسيّة قد تراجعت إلى الخلف، لكنّها مازالت على الطّاولة، وستبرز على نحو لا يتوقعه أحد عند إزالة الغطاء من على القِدر المحتقن.

لقاء مع وزير الداخليّة

قبيل عدة أيّام من الإفراجات التي تمّت في الثامن من أبريل الماضي، التقى وزير الداخليّة، راشد بن عبد الله آل خليفة، برمز شعبي ووطني كبير، أبلغه تحيّات الملك، والبشرى بقرب إطلاق سراح مئات من المعتقلين السياسيين.

ورحّب الرّمز الكبير بالإفراجات، داعياً إلى حل أعمق يعيد البسمة للوطن، بيْد أن الوزير لم يُفصح عن جدول زمني واضح، وإجراءات أخرى سياسية لإنهاء الملفات التي تسبب للبلاد الضجر، ولا يسع الخوض في التفاصيل، بسبب تحفّظ المصادر عن نشر المزيد.

رد الفعل الشعبي

تعاطت القوى المعارضة بإيجابيّة مع الخطوة الحكوميّة، ورحب بها السيد عبدالله الغريفي والشيخ علي سلمان، وعبّر المعتقل البارز حسن مشيمع عن فرحته بحرية المفرج عنهم، بل ومضت قوى معارضة إلى تهدئة الشّارع، لا إماتته، وحرصت على أن يمر اجتماع القمة العربيّة، المنعقدة في القصر الملكي، في 16 مايو (أيّار) الماضي، دون مظاهرات واحتجاجات صاخبة تحرج السلطات.

وتركزت عيون المعارضة على افراجات عيد الأضحى المبارك، ويبدو من صورة أوليّة، أن وجبة الإفراجات لم تلامس الآمال، ولم تحقق اختراقاً لافتاً، فضلاً عن كونها لم تشمل خطوات أخرى، وإن ذات طابع رمزي، مثل الافراج عن شخصيّات بارزة، أو إعلان سياسي إيجابي يترافق مع الإفراجات، عوض البيانات الدعائيّة الصّادرة من الأجهزة الأمنيّة والإعلاميّة والحقوقية الرسمية.

وعلى الرغم من عدم حدوث إفراجات إضافية ذات شأن، بعد وجبة أبريل، يتنامى الشعور، حتى لا أقول الدلائل، بأن المساحة الإعلاميّة في الجزر صارت أوسع نوعاً ما، وهو ما نلمسه في النّدوات المحدودة التي تنظمها بعض الجهات، بيد أن الحريات السياسية ما زالت محرّمة، وما زالت الحكومة ترفض فتح باب جدّي للتفاوض، يتجاوز الإبلاغ والتواصل مع بعض الأطراف الشعبيّة.


المحكومون بالإعدام

أشيع على نطاق واسع، منذ أكثر من أربع سنوات، أن السّلطات لن تنفّذ أحكاماً إضافيّة بالإعدام، لكنها اتخذت هذا القرار بعد أن أدْمت البلاد، بتنفيذ أحكام ضد عدد من المواطنين .
في الوقت الراهن، تحتجز السلطات نحو 12 مواطنا محكومين بالإعدام في قضايا سياسية ، أنهوا إجراءات التقاضي، وفي حال صدّق الملك حمد بن عيسى على الأحكام، سيُفجِع الجزر وشعبها.

وتفيد معظم المصادر أن القصر يبدي رغبة في إصدار عفو عن هذا القسم من المسجونين، وعلاج المترتبات الماليّة المتعلقة بالأطراف المتضررة من التّهم المنسوبة إلى المحكومين، والذين هم وفق المعطيات القانونيّة الرّصينة لم يُعرضوا، مثلهم مثل الذين أعدموا، على محاكمات تتوافر فيها شروط العدالة، وهذا يدفع الحقوقيين للقول بأن الأحكام القاسية التي صدرت ضدّهم تتخذ لبوسا مُسيّساً.

وعلى الرغم من هذه الأخبار أو الانطباعات الإيجابيّة، لكن ما دام لم يصدُر بحق المعتقلين عفو دستوري، أو لم يصدر قرار يخفف أحكامهم من الإعدام إلى السجن، فإن النّوم يظل يجافي عيون عوائلهم، فيما القلق ينتاب الحاضنة الشعبية خشية حدوث تطورات غير متوقعة، قد تقلب الأمور رأسا على عقب.

تجدر الإشارة إلى أن الاعتقالات السياسية والمحاكم الجائرة مستمرة، بل حتى التصعيد الطائفي متواصل، باستضافة شخصيات اعتادت الإساءة إلى المذاهب الإسلامية، وإن كان في استضافة عثمان الخميس، من قبل قائد الجيش، خليفة بن أحمد، في الرابع من يونيو (حزيران) الجاري، محاولة لحرف الأنظار عن تصريحات الملك الإيجابيّة عن إيران، إضافة إلى العمل على زيادة الاحتقان الطائفي، ومن المثير أن تبدو هذه المهمة مناطة الجيش.

تجربة الحل السياسي

الإشكال الآخر المتصل بإغلاق ملف المعتقلين عموما، وخصوصاً ملف المحكومين بالإعدام، يتعلق بالتوقيت الذي قد يصدر فيه عفو عن هؤلاء، أو تخفيف الأحكام عن كاهلهم، والبرنامج السّياسي أو الأمني الذي تأتي في إطاره مثل هذه الإجراءات.

وإذا أخذنا ما جرى في 2001، نموذجاً، فإن العفو عن عدد من المحكومين بالإعدام تم في 11 فبراير 2001، أي قبل ثلاثة أيّام من التصويت على ميثاق العمل الوطني، واستغل الملك حمد، وكان أميراً، المناسبةَ، لزيادة الحشد للتصويت بالإيجاب على مشروعه، الذي استثمره تالياً لإعادة هيكلة السلطة وجعلها متمركزة حوله، مبعدا خليفة بن سلمان وقوى المعارضة الذي ناصرته، عبر التصويت الإيجابي على الميثاق، ضد رئيس الوزراء السابق.

وقد يحتاج القصر وجبة كبرى من الإفراجات تحدثُ وقعا سياسيا داخلياً وإقليمياً، في لحظة محسوبة ومبرمجة، أي أن القصر لن يرمي بأوراقه (السجناء) دفعةً واحدةً، ولن يُقدِمً على توقيع عفو دستوري آخر مجانا، وقد دفعه الوضع الإقليمي ورغبته في التفاهم مع طهران، إلى الإفراجات التي تمت قبل نحو شهرين .

إذاً، فإن ما يدفع إلى القلق من احتمال تأخر عمليّة الافراجات، أو استمرارها بالقطّارة، شعور القصر بالحاجة إلى أوراق للتباحث مع طهران في الشهور الأخيرة، ومع المعارضين كما فعل في 2001.

فهل سيتبع الملك مسارا مشابها لعام الميثاق ويقدّم مشروعا سياسيا؟ أم أنه سيصدر عفواً دون تسوية سياسية؟ وهذا مأزق آخر، سنتحدث عنه.

لا بد من الإشارة كذلك إلى أن عدد من الذين تم تخفيف الأحكام بحقهم، من الإعدام إلى المؤبد، في السنوات الأخيرة، ما زالوا يرزحون في سجن جو، ولم يتم الافراج عنهم.

مكاتب المعارضة في الخارج

ملف المحكومين بالإعدام يشمل عدداً من المتواجدين خارج البحرين، وأغلبهم يعيشون في إيران، ويبدو ملفهم معقّداً .

ويضاف هؤلاء إلى ملف الناشطين في الخارج، وهم بالمئات، وصدر بحق الكثير منهم أحكام طويلة، بمئات السّنوات، في بعض الحالات، وتم سحب الجنسية عن مئات آخرين، وهذه قضايا لا يمكن معالجتها إلا بعفو دستوري.

وهناك مسألة على غاية من الأهمية، توضح الارتباط الشديد بين الملفين الحقوقي والسياسي، ذلك أن معظم الناشطين كانوا قد عادوا للبلاد، في 2001، بعد الموافقة على ميثاق العمل الوطني، بل إن جميع القوى السياسية أغلقت مكاتبها في الخارج، ووضعت كل بيضها في مشروع الأمير حمد، حينها، الذي كان واعداً.

وهذا يلح، من جديد، على طرح الأسئلة بشأن المشروع السياسي الذي سيعرضه القصر، إن فعل، في الفترة المقبلة، ويتمتع بمواصفات جذابة قادرة على استقطاب المعارضين من الخارج ويغريهم بالعودة إلى الداخل؟ أخذا بالاعتبار التجارب المريرة للمعارضين مع القصر الذي تعهّد وأخلف وعده، أكثر من مرة.

ملف الرموز

يقصد بالرموز أولئك القادة الشعبيين، الذين تصدروا المشهد الشعبي، في لحظة 2011 والسنوات التي سبقتها، وأبرزهم أمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان، والأستاذين عبدالوهاب حسين وحسن مشيمع، بيد أن الرّمز الأكبر هو آية الله عيسى قاسم، المقيم في قم، وحالته تعتبر ملفا ساخنا قائما بذاته.

وكما أن معظم المعتقلين والمفرج عنهم محسوبون على تيار الوفاء، الذي يتزعمه حسين، فإن معظم الرموز المسجونين يحسبون على هذا التيار، والذين يصنفون ضمن مجموعة 13، أو ما تبقى منهم في السجن.

وبحسب ما يتوافر من معطيات، فإنه لم يجر حوار مع هؤلاء في السجن، ولا علم لهم عن افراجات مقبلة تشملهم، ثم إن أغلبهم يرفض الإفراج المشروط، سواء وفق قانون العقوبات البديلة أو نظام السجون المفتوحة.

وكما هو جلي، فإننا نصل إلى العقدة ذاتها، فما هي الخطط التي في جعبة السلطات إزاء التعامل مع ملف القيادات الشعبية؟ هل ستفرج عنهم؟ وإذا فعلت، هل ستقيد حركتهم وتفرض عليهم إقامة جبرية أم ستسمح لهم بالحركة التي قد تعيدهم إلى السجن من جديد؟

في كل الحالات، فإنه لا مناص من الحل السياسي لضمان عدم عودة التوتر، مع المعارضة وطهران.

تصريحات قاسم

لم نسمع مطالب واضحة من المعارضة في الفترة الأخيرة، ولعل ذلك يهدف لإتاحة مساحات واسعة للمناورة، بيد أن آية الله قاسم ربط في آخر تصريح له بين الحلحلة الحقوقية والتوافق الدستوري، معتبرا ذلك "بوابةً لإنهاء الأزمة".

وتفيد التجربة الفاصلة بين حل البرلمان في 1975 وميثاق العمل في 2001، إلى فرضية تأجيل السلطات الحل السياسي سنوات قد تطول، بيد أن تلك التجربة المريرة تفيد بالمقابل أن التعايش مع الأزمة يستدعي قبضة أمنية شرسة، لكن وضع سيارة شرطة أمام بوابة كل منطقة لا يحقق الاستقرار في الجزر، أما الحديث عن التنمية في ظل القمع، فقد ثبت فشلها.

وعلى الرغم من عدم وضوح الصورة السياسية، فإن المعارضة تشعر بارتياح كبير من الإفراجات، التي تخفف من وجع الحاضنة الشعبيّة.

ولا يختلف المراقبون إزاء النظر إلى الإفراجات بوصفها خطوة أولى، يجدر أن يعقبها الكثير من الخطوات لإعادة الاستقرار، بالمعنى العميق للكلمة، إلى الجزر التي عانت كثيرا.

مركز البحرين للدراسات في لندن
17 يونيو (حزيران) 2024








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل توسع عمليات هدم منازل الفلسطينيين غير المرخصة في الق


.. عقب انتحار طالبة في المغرب مخاوف من تحول الأمر إلى ظاهرة بين




.. #فائق_الشيخ_علي: #صدام_حسين مجرم وسفاح ولكنه أشرف منهم كلهم.


.. نتنياهو يتوعد بضرب -الأعداء- وتحقيق النصر الشامل.. ويحشد على




.. في ظل دعوات دولية لإصلاح السلطة الفلسطينية.. أوروبا تربط مسا