الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحاضرية الوجودية و النزعات البدائية في الانسان المعاصر

غالب المسعودي
(Galb Masudi)

2024 / 6 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


رغم التقدم التكنولوجي والاجتماعي، لا يزال الإنسان يحمل بعض الاستجابات الفطرية نحو الحفاظ على البقاء والشعور بالأمان, نجد ذلك في السلوكيات مثل الميل للتجمع في مجموعات والدفاع عن المصالح الخاصة, الأنانية والتنافس ومقاومة التغيير, عدم الاستفادة من الموارد, الاستسلام لتهديدات الطبيعة, صناعة الاصنام وتبجيلها, وهذه سمة تطبع التجمعات البدائية وقد تمتد الى مجتمعات اكثر نموا في بعض دول العالم النامي, تظل الميول نحو تفضيل المصالح الشخصية على المصلحة العامة، والمنافسة الحادة مع الآخرين أحد السمات البدائية المستمرة في السلوك الإنساني, رغم التطور العقلي، لا يزال الإنسان يتأثر بالعواطف والنزعات الغريزية كالعدوانية والخوف، والتي لها جذور بدائية في البنية الجينية و التفكير الخرافي غير المنطقي وغير المحدود, بقي الإنسان يلجأ إلى هذه التفسيرات الخرافية أو التبسيطية او الاسطورية للظواهر الطبيعية المعقدة بدلاً من التفكير العلمي والمنطقي, ومازال الإنسان يحمل بعض هذه السلوكيات البدائية كجزء من تركيبته النفسية والاجتماعية وذلك لعدم تطور القشرة الدماغية بشكل مواز للتطور البايولوجي, لأنها تلعب دورا مهم في استمرارية بقايا السلوكيات البدائية في الإنسان المعاصر ولتسليط الضوء على ذلك لابد من توضيح بعض المفاهيم الاساسية:
القشرة الدماغية والتفكير المنطقي: القشرة الدماغية هي المسؤولة عن التفكير النقدي والمنطق العقلاني، عدم تطورها بشكل كامل يحد من قدرة الإنسان على التحليل المنطقي والتفكير العلمي، مما يفسر لجوئه أحيانًا إلى التفسيرات الخرافية.
التحكم بالانفعالات والغرائز: القشرة الدماغية تتحكم في التعبير عن الانفعالات والسيطرة على الغرائز كالعدوانية والجنسية، ضعف تطورها يضعف قدرة الإنسان على ضبط هذه النزعات البدائية.
اتخاذ القرارات العقلانية: القشرة الدماغية هي المركز الرئيسي لاتخاذ القرارات المعقدة والعقلانية، ضعف تطورها يجعل الإنسان أكثر ميلاً للقرارات الاندفاعية والمتسرعة بدلاً من التفكير المتأني.
التكيف الاجتماعي: القشرة الدماغية تلعب دورًا مهمًا في قدرة الإنسان على التكيف الاجتماعي والتفاعل مع الآخرين بشكل متحضر، عدم تطورها يفسر استمرار بعض السلوكيات الأنانية والعدوانية في التفاعل الاجتماعي.
ان استمرار السلوكيات البدائية في المجتمعات المتقدمة لها آثار اجتماعية وسياسية خطيرة:
الآثار الاجتماعية
زيادة التوترات والصراعات بين الأفراد والجماعات نتيجة للأنانية والميول العدوانية، صعوبة التعاون والتكامل الاجتماعي بسبب ضعف المسؤولية الجماعية والتركيز على المصالح الذاتية، تراجع القيم الأخلاقية والانسانية كالتسامح والإيثار والعدالة لصالح القوة والسيطرة، انتشار الخرافات والتفكير السطحي في مقابل الموضوعية والعقلانية، صعوبة تطبيق أنظمة اجتماعية متطورة كالديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
الآثار السياسية
ارتفاع احتمالات الصراعات والنزاعات السياسية بسبب غلبة المصالح الفردية والجماعية، تعثر عملية صنع القرارات السياسية لصالح القرارات الاندفاعية والعاطفية، صعوبة بناء وتطبيق استراتيجيات سياسية طويلة المدى خدمة للمصالح الآنية، إضعاف قدرة المؤسسات السياسية على تطبيق القوانين وفرض الانضباط المجتمعي، إضعاف الوعي السياسي والمشاركة الفاعلة للمواطنين في العملية السياسية.
الأسباب المساعدة المحتملة التي تؤدي الى استمرارية السلوكيات البدائية هي تقليد الطقوس والممارسات البدائية وذلك للأسباب التالية:
الطقوس موروثة عبر الأجيال: الطقوس والممارسات الطقسية غالبًا ما تكون مرتبطة بالتقاليد والموروثات الثقافية والدينية التي يتم نقلها من جيل إلى جيل. هذا يجعلها من الصعب التخلي عنها، حتى في ظل التغيرات الاجتماعية والحضارية.
الطقوس تعزز الانتماء والهوية الجماعية: الممارسات الطقسية تساعد على تعزيز الشعور بالانتماء للجماعة وتأكيد الهوية الجمعية، هذا الأمر يجعل الأفراد أكثر تشبثًا بها وأكثر مقاومة للتغيير.
الطقوس تلبي حاجات نفسية واجتماعية: الطقوس والممارسات الطقسية غالبًا ما تلبي حاجات نفسية وعاطفية للأفراد، مثل الشعور بالأمان والاستقرار والانتماء، هذا يجعلها صعبة التخلي عنها.
العديد من الطقوس والممارسات الطقسية تتضمن سلوكيات وممارسات بدائية، مثل السحر والشعوذة والتفكير الخرافي، هذا يساعد على استمرار هذه السلوكيات والبقاء في مستوى البدائية وضعف التطور الحضاري للمجتمع هو عامل مؤثر في عجز الأفراد عن مقاومة اضطهادات الطبيعة والتخلف الحضري, ان محاولة تطبيق استراتيجيات المقاربة في الحاضرية الوجودية للتغيير الاجتماعي في مجتمعات مازالت تعيش بدائيتها، يواجه هذا المشروع بعض التحديات الشرسة من قبل "حراس الطقوس" في هذه المجتمعات:
المقاومة التقليدية للتغيير
غالبًا ما يكون حراس الطقوس (كالزعماء التقليديين، الزعماء الدينيين، الشيوخ) متحفظين على التغييرات التي قد تؤثر على النظام الاجتماعي والقيم التقليدية السائدة في المجتمع.
الاتهامات بالتغريب والابتعاد عن الهوية المحلية
قد يتم اتهام المبادرات التي تسلط الضوء على التخلف المجتمعي بأنها محاولات لفرض قيم وممارسات غربية بعيدة عن الثقافة المحلية.
الادعاءات بالمساس بالسلطة التقليدية
قد يشعر حراس الطقوس أن هذه المبادرات تهدد مكانتهم وسلطتهم التقليدية داخل المجتمع.
التشكيك في الدوافع والنيات
قد يُتَّهم منفذو المبادرات بأنهم يسعون لتحقيق مصالح شخصية أو سياسية، بدلاً من خدمة مصالح المجتمع.
التهديد بالعقوبات الاجتماعية أو الدينية
قد يلجأ بعض حراس الطقوس إلى ممارسة ضغوط اجتماعية أو دينية على من يحاولون التغيير، كالتهديد بالعقوبات الروحية أو الحرمان من المشاركة في الطقوس التقليدية.
هناك بالفعل مبادرات فلسفية تحاول تشخيص الدور المتخلف لبعض الممارسات الطقوسية في عملية التنمية الحضارية. من هذه المبادرات الفلسفية:
النقد الثقافي والانثروبولوجي
يركز هذا الاتجاه على تحليل الممارسات الطقوسية ضمن سياقها الثقافي والاجتماعي، وكيف أنها قد تعكس وتعزز بنى سلطوية، وتحول دون التقدم والتنوير.
النقد الماركسي
ينظر هذا الاتجاه إلى الممارسات الطقوسية كجزء من البناء الأيديولوجي الذي يخدم مصالح الطبقات الحاكمة، ويعيق تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة.
النقد الفيمنستي
يركز هذا الاتجاه على كيفية مساهمة الممارسات الطقوسية في تكريس هيمنة الذكور وإخضاع المرأة، مما يعيق تحقيق المساواة والتمكين الحقيقي للمرأة.
النقد البيئي
يشير هذا الاتجاه إلى كيف أن بعض الممارسات الطقوسية قد تؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية وتدمير البيئة، بما يتعارض مع مفاهيم التنمية المستدامة.
النقد ما بعد الكولونيالي
يركز هذا الاتجاه على كيفية ارتباط الممارسات الطقوسية ببنى السلطة الاستعمارية والاستغلالية، وكيف أنها تعرقل تحقيق السيادة الوطنية والتنمية الذاتية. هذه المبادرات الفلسفية توفر أطر نظرية هامة لتحليل وتشخيص الجوانب المتخلفة للممارسات الطقوسية، وكيف أنها قد تعيق مسار التنمية الحضارية الشاملة والمستدامة.
هناك اثار محتملة لرفض مسار التنمية الحضارية:
الآثار السياسية
قد تستخدم الجماعات المحافظة نفوذها السياسي لتقييد أو عرقلة عملية التغيير، هذا قد يؤدي إلى توترات سياسية وصراعات بين مؤيدي التغيير والمحافظين، قد يخلق عقبات أمام الإصلاحات السياسية والتشريعات الجديدة التي تهدف إلى التغيير، في بعض الحالات، قد تؤدي المقاومة إلى استقطاب سياسي وتصعيد النزاعات.
التأثير على التطور والتنمية
إذا استمرت مقاومة التغيير، فقد يؤدي ذلك إلى تأخر التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع، قد يحد من قدرة المجتمع على التكيف مع المتغيرات العالمية والاستفادة من الفرص الجديدة، قد يؤدي ذلك إلى تخلف المجتمع وتراجع مكانته على المستوى الإقليمي والدولي،
بشكل عام، مقاومة حراس الطقوس للتغيير قد تؤدي إلى آثار سلبية على النسيج الاجتماعي والتطور السياسي والاقتصادي للمجتمع. وقد تفرض قيودًا على قدرة المجتمع على التكيف مع المتغيرات المحلية والعالمية. حراس الطقوس هم غالباً مجموعات محافظة أو تقليدية في المجتمع تُعتبر المحافظة على النظام والقيم التقليدية جزءًا أساسيًا من هويتها، في سياق التغييرات الحضرية السريعة، قد يرى حراس الطقوس هذه التغييرات كتهديد لنمط حياتهم التقليدي والقيم الاجتماعية التي يؤمنون بها، لذلك، قد يسعون إلى مقاومة التغيير الحضري والمحافظة على الأنماط والممارسات التقليدية في المناطق الحضرية، هذه المقاومة قد تأخذ أشكالاً مختلفة مثل الاحتجاجات، والضغط السياسي، والرفض الاجتماعي للتغييرات الجديدة. في سياق التغيير الحضري، قد يسعى حراس الطقوس إلى الحفاظ على سلطتهم وتأثيرهم في المجتمع، قد يستخدمون نفوذهم السياسي والاجتماعي لإسناد السلطات والموارد إلى المؤسسات والقادة التقليديين الذين ينتمون إليهم، هذا قد يعرقل جهود التغيير الحضري التي تهدف إلى تفويض السلطات والموارد إلى مؤسسات أكثر تمثيلاً للمصالح الحديثة في المدينة، استمرار إسناد السلطات إلى المؤسسات التقليدية قد يحد من قدرة المجتمع المديني على التكيف مع التغييرات الاقتصادية والاجتماعية. مقاومة حراس الطقوس للتغيير الحضري وإسناد السلطات إلى المؤسسات التقليدية قد يؤخر أو يعرقل عمليات التطوير الحضري والتحديث، هذا قد يؤدي إلى تفاوت في التنمية بين المناطق التقليدية والمناطق الأكثر حداثة في المدينة، كما قد يؤدي إلى نشوء توترات اجتماعية بين المجموعات المؤيدة للتغيير والمجموعات المحافظة. بشكل عام، دور حراس الطقوس في مقاومة التغيير الحضري وإسناد السلطات يمكن أن يشكل تحديًا كبيرًا أمام عمليات التطوير والتحديث الحضري، ويؤثر على قدرة المجتمع على التكيف مع التغييرات الاجتماعية والاقتصادية واثارة النزعات البدائية في السلوك والادارة بحجة ان الطقوس المتوارثة تعزز الهوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل جندي تونسي في هجوم على دورية عسكرية قرب الحدود الليبية


.. فرنسا: لـماذا تـوصف الانـتـخـابـات الـتـشريـعية بالتاريخية؟




.. خسارة لا يمكن تصورها.. عائلة في غزة تروي الكابوس الذي عاشته


.. د. حسن حماد: البعض يعيد إحياء الخلاف القديم بين المعتزلة وال




.. التصعيد في لبنان.. تحذيرات دولية ومساع اقليمية لمحاولة تجنب