الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زكى مبارك وطه حسين لمن الغلبة ( 1)

خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)

2024 / 6 / 18
الادب والفن


يشكل مسار الرجلين ورؤاهم فى فهم الثقافة والتطور بالنسبة الى امتنا العربية منهجين مختلفين تماما .

ورغم ان الاثنان درسا فى فرنسا ونهلا من عموم الحضارة الغربية ، الا ان الاثنان افترقا تماما فى رؤيتهم لمستقبل الثقافة العربية واجدتها واصالتها .

والاثنان كانا على وئام كامل فى الفترة الباكرة فى حياتهما ولكن ذلك لم يستمر الا قليلا ، حيث كان طه حسين استاذا لزكى مبارك الا ان الاخير تفوق على معلمه وكان على خلاف حاد معه استمر طوال حياتهم .

وكان لقصر عمر الرجل زكى مبارك والذى شغل الحياة الادبية فى مصر والعالم العربى ، كان له اثر حاسم فى انتهاء الغلبة لمنهج ورؤية طه حسين ، خاصة وان الاخير عمر طويلا ، وسوف نتناول مظاهر الاتفاق والخلاف بين الرجلين من خلال تتبع ما اورده زكى مبارك فى كتاباته ومؤلفاته من مظاهر اختلاف واتفاق بينهما وذلك فى سلسة مقالات تبدا بكتاب النثر الفنى فى القرن الرابع الهجرى
وهو الكتاب الصادر عام 1937 والذى اشار فيه الى طه حسين،
ويشير الى بداية توتر العلاقة الفكرية نسبيا بين الرجلين ويحسن هنا ان نورد ماذكره زكى مبارك عن طه حسين بالنص فى مقدمة كتاب النثر الفنى
. عندما عرض ما تعرض له من مصاعب فذكر ان هناك رجلين احدهما هو المسيو مرسية ( مستشرق فرنسى كان له دور فى الاشراف على رسالة الدكتوراه لزكى مبارك )
والاخر هو طه حسين وما يهمنا هو ما قاله زكى مبارك عن الاخير :-
أﻣﺎ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻃﻪ ﺣﺴين ﻓﻤﺎ أدري وﷲ ﻣﺎ ذﻧﺒﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻬﺎﺟَﻢ أﻋﻨﻒ اﻟﻬﺠﻮم في ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب.
!
إن ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﺗﺮﺑﻄﻨﻲ ﺑﻪ أﻟﻮف ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت، ﻳﺮﺟﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ إلى اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ
ﻓﻴﻪ ﻃﺎﻟﺒًﺎ ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ المصرﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، ﻳﻮم ﻛﺎن ﻳﺼﻄﻨﻊ اﻟﻌﺪل اﻟﺬي ﻳﻠﺒﺲ ﺛﻮب اﻟﻈﻠﻢ
في اﻣﺘﺤﺎن اﻟﻄﻼب، ﻓﻘﺪ ﺳﺎﻋﺪ ﻣﺮة ﻋلى إﺳﻘﺎﻃﻲ في اﻣﺘﺤﺎن اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ ووﺻﻒ اﻟﺸﻌﻮب.

وأﺳﻘﻄﻨﻲ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﻴﺔ في اﻣﺘﺤﺎن ﺗﺎرﻳﺦ اﻟشرق اﻟﻘﺪﻳﻢ، واﻟﺴﻘﻮط في اﻻﻣﺘﺤﺎن ﻣﻤﺎ ﻳﺤﻔﻈﻪ اﻟﻄﺎﻟﺐ المخلص ﻷﺳﺘﺎذه المنصف . وﻳﺮﺟﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت إلى اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﺪرﺳًﺎ ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ المصرﻳﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة.

ﺣين ﻛﻨﺖ أﺣﻤﻞ إﻟﻴﻪ ﻋلى أﻛﺘﺎفي أﺣﺠﺎر اﻷﺳﺎس ﻟﻨﺮﻓﻊ اﻟﻘﻮاﻋﺪ ﻣﻦ ﻛﻠﻴﺔ اﻵداب.
وأدق ﻣﺎ ﻳﺼﻞ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ﻣﺎ وﻗﻊ في رﺑﻴﻊ ﺳﻨﺔ ١٩٢٦ ﻳﻮم ﻇﻬﺮ ﻛﺘﺎب
اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎﻫلي، وﺛﺎرت اﻷﻣﺔ واﻟﺤﻜﻮﻣﺔ واﻟبرلمان، وﻛﺎن أﺻﺪﻗﺎؤه ﺑين ﺧﺎﺋﻒ ﻳترﻗﺐ، وﺣﺎﺳﺪ ﻳترﺑﺺ، وﻛﻨﺖ وﺣﺪي ﺻﺪﻳﻘﻪ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻬﺎب، وزﻣﻴﻠﻪ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺨﻮن

وﻟﻜﻦ ﺣﻤﺎﺳﺘﻲ ﻟﻠﻔﻜﺮة اﻟﺘﻲ أداﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ، وﻏﺮام اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻃﻪ ﺑﻨﻘﻀﻬﺎ في رﺳﺎﺋﻠﻪ
وأﺣﺎدﻳﺜﻪ وﻣﺤﺎضراﺗﻪ، ﻛﺎن ﻣﻤﺎ ﺣﻤﻠﻨﻲ ﻋلى ﻣﻘﺎوﻣﺘﻪ ﺑﻌﻨﻒ وﻗﻮة، ﺣﺘﻰ ﻟﻴﺤﺴﺐ اﻟﻘﺎرئ أن ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻋﺪاوة ﺳﻘﻴﺖ ﻷﺟﻠﻬﺎ اﻟﻘﻠﻢ ﻗﻄﺮات ﻣﻦ اﻟﺴﻢ اﻟﺰﻋﺎف ﺣين ﻋﺮﺿﺖ ﻟﺪﺣﺾ آراﺋﻪ في ﻓﺼﻮل ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب

.
أﻛﺘﺐ ﻫﺬا وﻗﺪ شرﱠق اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻃﻪ وﻏﺮﱠﺑﺖُ، وﻟﻢ ﻳﺒﻖ َﺑﻴﻨﻨﺎ إﻻ أﻃﻴﺎف ٌﻣﻦ ﻛﺮاﺋﻢ
اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت، ﻗﻠﺒﻲ ﺑﻬﺎ ﺿنين .

يقول الدكتور زكى مبارك : وهناك رأى مثقل بأوزار الخطأ والضلال ، وهو راى المسيو مرسيه ومن شايعه كالدكتور طه حسين ، وذلك الرأى يقضى بأن العرب فى الجاهلية كانوا يعيشون عيشة أولية ( بدائية ) والحياة الاولية لاتوجب النثر الفنى ، لانه لغة العقل ، وقد تسمح بالشعر ، لانه لغة العواطف والخيال ، وهذا الرأى أعلنه المسيو مرسيه فى المحاضرة التى أفتتح بها دروسه فى مدرسة اللغات الشرقية فى باريس منذ اعوام ، ثم اذاعه مطبوعا فى كراس خاص .

وقد اختطف الدكتور طه حسين هذا الرأى وأذاعه فى دروسه بالجامعة المصرية ، ثم اثبته فى كتابه المجمل الذى اشترك فى وضعه للمدارس الثانوية .

وكان ينتظر ان ينتبه المسيو مرسيه ومشايعه الدكتور طه حسين الى ان العصر الذى وسموه بالاوليه ( البدائية ) 1 عند العرب هو القرن الخامس للميلاد ، وفى ذلك العصر كان النثر الفنى موجودا عند اكثر الامم التى جاورت العرب أو عرفوها كالفرس والهنود والمصريين واليونانيون ، وليس بمعقول ان يكون لتلك الامم نثر فنى قبل الميلاد باكثر من خمسة قرون ثم لايكون للعرب نثر فنى بعد الميلاد بخمسة قرون ، كأن العرب انفردوا فى التاريخ القديم بالتخلف فى مياديين العقل والمنطق والخيال .

وقد قدمنا للمسيو مرسيه اثرا جاهليا على وجود النثر الفنى وهو القراًن ، اذا جاء بلغته وتصوراته وتقاليده وتعابيره بالرغم من تفرده بصفات ادبية لم تكن معروفة عند العرب ، واخذ يبحث المسيو مرسيه عن مخرج فلم يجد .
أما الدكتور طه حسين فقد اهتدى الى مخرج لطيف وذلك بإعلانه اخيرا فى دروسه بالجامعة المصرية أن القراًن لا هو شعر ولا هو نثروإنما هو قراًن .

وقد بلغنى عنه هذه الكلمة وأنا فى باريس ، فحسبته يمزح ، والمزاح مما يباح
فلما عدت راجعته فوجدته يصر على أن الكلام ينقسم إلى ثلاثة اقسام : شعر ونثر وقراًن .

وقد حسب الدكتور طه انه ينجو بهذا التاويل وكان الظن أن يؤيدنا فيما رأيناه من قدم النثر الفنى عند العرب ، وان لايستكثر علينا أن ننقض بعض ما يرى المستشرقين ، وهم يرون بلا حق ان العرب لم تكن لهم ذاتية أدبية ، وإنما أخذوا طرائق النثر الفنى عن الفرس واليونان .

القراًن شاهد من شواهد النثر الفنى ، ولو كره المكابرون ، فأين نضعه من عهود النثر فى اللغة العربية ؟ انضعه فى العهد الاسلامى ؟ وكيف وان الاسلام لم يكن موجودا قبل القراًن حتى يغير أوضاع التعابير والاساليب ؟

فلا مفر اذن من الاعتراف بان القراُن يعطى صورة صحيحة من النثر الفنى لعهد الجاهلية ، لانه نزل لهداية أولئك الجاهليين ، وهم لايخاطبون بغير ما يفهمون ، والنبى جاء لارشاد قومه وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر فى الحدود التى رسمها الدين الحنيف ، ولم يكن القراُن الا اداة لنشر الرسالة الكريمة التى أعزت العرب بعد ذل ، وهدتهم بعد ضلال .

وﻣﻦ ﻣﻮﺟﺒﺎت اﻟﻐﻠﻂ ﻋﻨﺪ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻃﻪ ﺣﺴين أﻧﻪ ﻳﺮﺟﻊ ﻛﻠﻤﺔ ﻗﺮآن الى أﺻﻠﻬﺎ ﰲ
اﻟﻠﻐﺔ السريانية ﻓﻬﻲ ﻫﻨﺎك ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ اﻟﺠﻬﺮ، وﻫﻮ ﻳﺆﻛﺪ أﻧﻪ ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن المسلمون فى الصدر الاول ﻳﺠﻬﺮون ﺑﺘﻼوة اﻟﻘﺮآن.

وﻫﺬا ﻣﻨﻄﻖ ﻻ ﻗﻴﻤﺔ ﻟﻪ، وﻛﺎن ﻳﺼﺢ ﻟﻮ أن اﻟﻘﺮآن ﻛﺎن ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ أﻧﺎﺷﻴﺪ وﻣﺰاﻣير
ﻳﺮﺗﻠﻬﺎ المسلمون ﰲ أﻋﻘﺎب اﻟﺼﻠﻮات، وﻛﻴﻒ واﻟﻘﺮآن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻤﺎ أُﻧﺸﺊ ﻟﻠﺘﺴﺒﻴﺤﺎت واﻟﺘﻬﻠﻴﻼت ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﻌﻬﺪ بكثير ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، وإﻧﻤﺎ ﻧﺰل ﻟﺪﻓﻊ ﻋﺎدﻳﺔ المشركين. وﻧﻘﺾ أوﻫﺎم اﻟﻨﺼﺎرى واﻟﻴﻬﻮد، وإن ﻛﺎن ﻫﺬا ﻻ ﻳﻤﻨﻊ أﻧﻪ اﺷﺘﻤﻞ على ﺳﻮر ﻗﺼرية ﻣﺴﺠﻮﻋﺔ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻟﻠﺘﻼوة ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺪﻋﺎء واﻻﺑﺘﻬﺎل.

وأﻧﺎ ﻣﻊ ﻫﺬا أﻗﺮر أن اﻟﻘﺮآن — ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ وﺿﻮح ﻟﻐﺘﻪ وﻗﺮﺑﻬﺎ أﺷﺪ اﻟﻘﺮب ﻣﻦ
اﻵﺛﺎر اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻌﻬﺪ اﻹﺳﻼم — ﻳُﻌﺪ ﱡ أﺛﺮًا أدﺑﻴٍّﺎ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﺑﻌﺾ اﻻﺧﺘﻼف ﻋﻦ اﻵﺛﺎر اﻟﺘﻲ ﺟﺎءت ﺑﻌﺪه، وﻳﺘﻔﺮد ﺑﺎﻟﺼﻔﺎت اﻵﺗﻴﺔ:

ﺧُﻠُﻮه ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ الموزون ﺧﻠﻮٍّا ﺗﺎﻣٍّﺎ، ﺑﺨﻼف ﻣﺎ ﻛﺎن ﻗﺒﻠﻪ وﺑﻌﺪه ﻣﻦ اﻟﻨﺜﺮ؛ ﻓﻘﺪ أوﻻً:
ﻛﺎن ﻳﻤﺰج ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﺑﺄﺑﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ ﺗﺄﺗﻲ فى أﺛﻨﺎء اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ، وﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻓﺎﺗﺤﺔ أو
ﺧﺎﺗﻤﺔ.

ﻧﻈﺎم اﻵﻳﺎت اﻟﺬي ﻳﺴﻤﺢ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﺑﻮﻗﻒ ﻛﺎﻣﻞ يستريح ﻋﻨﺪه ﻧﻔَﺲ اﻟﻘﺎرئ، ﺛﺎﻧﻴًﺎ:
وﻫﻮ ﻧﻈﺎم ﻳﺨﺎﻟﻒ ﻧﻈﺎم اﻟﻨﺜﺮ المرسل وﻧﻈﺎم اﻟﺴﺠﻊ اﻟﺬي أُﺛِﺮ ﻋﻦ الجاهليين وﺷﺎع
ﺑﻌﺪ اﻹﺳﻼم.

ثالثا ضرب اﻷﻣﺜﺎل وﺳَﻮق اﻟﻘﺼﺺ، وﻫﻲ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺮف إﻻ ﻗﻠﻴﻼ ًﰲ اﻵﺛﺎر اﻷدﺑﻴﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻌﺼﻮر، واﻟﻘﺮآن ﻳﺴﺘﺒﻴﺢ ﺗﻜﺮار اﻟﻘﺼﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﻛﻠﻤﺎ دﻋﺖ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﰲ تصرف ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻗﻠﻴﻼ ًﰲ ﻛﺜيرﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن.


رابعا : اﻻﺑﺘﺪاء ﺑﺄﻟﻔﺎظ غير ﻣﻔﻬﻮﻣﺔ ﻣﺜﻞ: (اﻟﻢ، ﺣﻢ، ﻃﺴﻢ، اﻟﺮ، ص، ن، ق) إﱃ آﺧﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻮاﺗﺢ اﻟﺘﻲ اﺧﺘﻠﻒ ﰲ ﺗﺄوﻳﻠﻬﺎ المفسرون ، واﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﻬﺘﺪ ِأﺣﺪ إﱃالمراد ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ، وﻫﺬا اﻟﻨﻤﻂ ﻣﻦ اﻻﺑﺘﺪاء ﻟﻢ ﻧﺠﺪه ﰲ اﻟﻨﺼﻮص اﻷدﺑﻴﺔ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ، وﻻ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ.


ﻳﻈﻬﺮ أن اﻟﻘﺮآن ﻧُﻈِﻢ ﻧﻈﻤًﺎ ﻏﻨﺎﺋﻴٍّﺎ، وأن ﺗﺮﺗﻴﻠﻪ ﻛﺎن ﻣﻠﺤﻮﻇًﺎ ﰲ أوﺿﺎﻋﻪ ﺧﺎﻣﺴًﺎ:
اﻟﻨﺜﺮﻳﺔ، ﺑﺪﻟﻴﻞ أن ﻛﺜر ﻣﻦ اﻵﻳﺎت ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﺘﻬﻲ المعنى المطلوب ، وﺗﺮﺗﻴﻞ
اﻟﻘﺮآن واﻟﺘﻐﻨﻲ ﺑﻪ ﻛﺎن ﻣﻌﺮوﻓًﺎ ﰲ ﺻﺪر اﻹﺳﻼم، وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻻ ﻧﻌﺮف ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ قوانين اﻟﺘﻐﻨﻲ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻬﺔ الموسيقية ، ﻟﺬﻟﻚ ﻧﺪﻫﺶ ﺣني ﻧﺮى ﰲ ﺳﻮرة المدثر .



أن اﻵﻳﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ والثلاثين ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ اﻵﻳﺔ اﻟﺜﻼﺛين واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ والثلاثين أﻛﺜﺮ ﻣﻦ عشرين ﻣﺮة، وﻻ ﺣﻞ ﱠ ﻟﻬﺬا اﻹﺷﻜﺎل إﻻ ﻣﺎ ﻧﻠﻤﺤﻪ ﰲ اﻵﻳﺎت اﻟﻄﻮال ﻣﻦ اﻹﺷﺎرات اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻴﺢ اﻟﻮﻗﻒ اﻟﻘﺼري، على أن ﰲ ﻫﺬا ﻧﻔﺴﻪ دﻻﻟﺔ على ان المعنى ﻫﻮ اﻷﺳﺎس ﰲ ﻧﻈﻢ اﻟﻘﺮآن،. وأن اﻟﻐﻨﺎء ﻻ ﻳﻘﻊ إﻻ ﻧﺎﻓﻠﺔ ﰲ ﺻﻴﺎﻏﺔ اﻵﻳﺎت.


ﻻ ﻳﻠﺘﺰم اﻟﻘﺮآن ُاﻟﺴﺠﻊَ، ﻓﻘﺪ ﻧﺠﺪ ﺳﻮرًا ﻗﺼرية ﻣﺴﺠﻮﻋﺔ، وﻗﺪ ﻧﺠﺪ ﺻﺤﻔًﺎ ﺳﺎدﺳًﺎ:
ﻣﺴﺠﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻮر اﻟﻜﺒﺎر، وﻟﻜﻦ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻄﱠﺮد ﻓﻴﻪ، وﻛﺜرا ﻣﺎ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻊ
إﱃ اﻟﻜﻼم المرسل ، وأﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﺣني ﻳُﻌﻨﻰ بالمشاكل اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺮاد ﺑﻬﺎ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ اﻟﻘﻠﻮب ﺣﺘﻰ ﺗﻮﺿﻊ وﺿﻌًﺎ ﻣﻮﺳﻴﻘﻴٍّﺎ، وإﻧﻤﺎ ﻳﺮاد ﺑﻬﺎ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ اﻟﻌﻘﻮل ودﻋﻮﺗﻬﺎ إﱃ ﺗﺮك ﻣﺎ درﺟﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ أوﺿﺎع اﻻﺟﺘﻤﺎع.


ﻳﺒﺘﺪئ اﻟﻘﺮآن اﻟﺴﻮر ﺑﺎﻟﺒﺴﻤﻠﺔ، وﻫﻲ ﺳﻤﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ أرﻳﺪ َﺑﻬﺎ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻣﺎ ﻛﺎن ﺳﺎﺑﻌًﺎ:
ﻋﻠﻴﻪ المشركون ، وﻗﺪ أراد ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﻬﺎء أن ﻳﺘﺨﺬوﻫﺎ ﻓﺎﺗﺤﺔ ﻟﻠﺮﺳﺎﺋﻞ والمؤلفات ﻓﻮﺟﺪوا ﻟﺬﻟﻚ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﻳﻘﻮل: »ﻛﻞ أﻣﺮ ذي ﺑﺎل ﻻ ﻳﺒﺪأ ﻓﻴﻪ ﺑﺎﺳﻢ ﷲ ﻓﻬﻮ أبتر .

وﻫﺬه اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻞ ﱠ شيىء ﰲ ﻣﺘﻦ اﻟﻘﺮآن، ﻓﻬﻨﺎك ﻣﻤﻴﺰات ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻮر ﻋﻦ ﺑﻌﺾ، وﻫﻨﺎك ﻓﺮوق دﻗﻴﻘﺔ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﻬﺎ أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺴﻮرالمدنية ﻣﻦ اﻟﺴﻮر المكية وﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻔﺼﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻤﻴﺰ ﺑﻪ أﺳﻠﻮب اﻟﻘﺮآن ﰲ ﺟﻤﻠﺘﻪ ﺗﻤﻴﺰًا ﺟﻮﻫﺮﻳٍّﺎ إﻻ إذا ﻇﻔﺮﻧﺎ ﺑﻨﺼﻮص ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﺼﻮص اﻟﻨﺜﺮ اﻟﺬي ﻋﺎﴏ اﻟﻘﺮآن أو ﺳﺒﻘﻪ ﺑﻨﺤﻮ ﺟﻴﻞ.



وﻫﻨﺎك ﻣﻴﺰة خطيرة ﻟﻠﻘﺮآن ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻬﺔ المعنوية : ﺗﻠﻚ ﺗﺼﻮﻳﺮه ﻟﻠﺤﻘﺎﺋﻖ اﻷدﺑﻴﺔ
واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ اﻟﻌﺮب ﻗُﺒﻴﻞ اﻹﺳﻼم، وﺗﺼﻮﻳﺮه ﻟﺒﻌﺾ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﻌﺮف اﻟﻌﺮب ﻋﻦ أﺳﻼﻓﻬﻢ االاولين ، وﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﻮا ﺑﻪ ﻣﻦ أﺧﺒﺎر اﻷﻣﻢ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲﺳﺎﻣﻬﺎ ﻣﻠﻮﻛﻬﺎ اﻟﺨﺴﻒ وﺳﻮء اﻟﻌﺬاب

واﻟﺨﻼﺻﺔ أن اﻟﻘﺮآن ﻧﺜﺮ، وأﻧﻪ دﻟﻴﻞعلى أن اﻟﻌﺮب ﻛﺎن ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻧﺜﺮ ﻓﻨﻲ ﻗﺒﻞ
اﻹﺳﻼم، ﻓﻜﺎن ﻟﻬﻢ ﺑﺬﻟﻚ وﺟﻮد أدﺑﻲ متين ﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﺼﻠﻮا ﺑﺎﻟﻔﺮس واﻟﻴﻮﻧﺎن.
وﰲ ﻫﺬا ﻗﻀﺎء على أوﻫﺎم ﻣﻦ زﻋﻤﻮا أن أوﱠل ﻛﺎﺗﺐ ﰲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻫﻮ اﺑﻦ
وأن اﻟﻌﺮب ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻣﻦ اﻟﻨﺜﺮ غير اﻟﺨﻄﺐ واﻷﺳﺠﺎع المقفع الفارسى
واﻷﻣﺜﺎل
----------------------------------------------
ايضا من امثلة الخلاف العميق الاخرى بين الرجلين ما ياتى :
وﻣﻦ ﻃﺮﻳﻒ ﻣﺎ ﻳﺤﺴﻦ ﺗﻘﻴﻴﺪه أن المستشرقين ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮﺗﺎﺑﻮن في ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻋﺒﺪ
اﻟﺤﻤﻴﺪ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ، ﻓﻠﻢ ﻳﻬﺘﻤﻮا ﺑﻪ اﻫﺘﻤﺎﻣًﺎ ﻳﺬﻛﺮ في داﺋﺮةالمعارف اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ورأى اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻃﻪ حسين أن ﻳﻘﻠﺪﻫﻢ، ﻓﺰﻋﻢ أن ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺧﺮاﻓﻴﺔ ﻛﺸﺨﺼﻴﺔ اﻣﺮئ اﻟﻘﻴﺲ!
وﺗﺤﺪاﻧﺎ أن ﻧﺜﺒﺖ أن اﻟﺠﺎﺣﻆ ذَﻛَﺮَه في ﻛﺘﺒﻪ، ﻓﻬﺎﻟﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﺘﺤﺪي، وﻋﺪﻧﺎ إلى
ﻛﺘﺐ اﻟﺠﺎﺣﻆ ﻧﺴﺄﻟﻬﺎ أﺧﺒﺎر ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ، ﻓﺮأﻳﻨﺎ اﻟﺠﺎﺣﻆ ﺗﺤﺪث ﻋﻨﻪ في رﺳﺎﺋﻠﻪ وﻛﺘﺒﻪ
غير ﻣﺮة، وأﻗﺒﻠْﻨﺎ ﻋلى اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻃﻪ ﻧﺨبره ﺑﻨﺘﻴﺠﺔ اﻟﺒﺤﺚ، ﻓﻌﺎد ﻓﺘﺤﺪث إلى ﺗﻼﻣﻴﺬه ﺑﺄن ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ ﻛﺎن ﻳﻌﺮف اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ! ﺛﻢ أﺛﺒﺖ ذﻟﻚ في ﺑﺤﺚ ﻗﺪﻣﻪ إلى ﻣﺆﺗﻤﺮ المستشرقين … وﻳﻈﻬﺮ أن اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻃﻪ ﻧسي أن ﻳﺤﺪﱢث ﺗﻼﻣﻴﺬه وﻗﺮﱠاءه ﻋﻤﻦ دﻟﻪ ﻋلى ﻣﻜﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ في ﻛﺘﺐ اﻟﺠﺎﺣﻆ، ﻓﻠﻴﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺤﻔﻆ ﻷﻧﻔﺴﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﺤﻖ، ورﺣﻢ ﷲ اﺑﻦ اﻟﺮوﻣﻲ إذ ﻗﺎل:

وعزيز على مدحى لنفسى غير أنى جشمته للدلالة
وهو عيب يكاد يسقط فيه كل حر يريد يظهر حاله

انه الخلاف بين الرجلين :
الاول زكى مبارك عاشق للحضارة الاسلامية ويرى انها حضارة تحمل اصولها وقواعدها ولا يغير من ذلك استفادتها من الحضارات الاخرى
والثانى طه حسين يرى ان الحضارة الاسلامية اغتنت ووجدت باتصالها بالحضارات الاخرى
والى مقال اخر نورد فيه امثلة للخلاف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | الغناء في الأفراح.. حلال على الحوثيين.. حرام على ا


.. الفنان عبدالله رشاد: الحياة أصبحت سهلة بالنسبة للفنانين الشب




.. الفنان عبدالله رشاد يتحدث لصباح العربية عن دور السعودية وهيئ


.. أسباب نجاح أغنية -كان ودي نلتقي-.. الفنان الدكتور عبدالله رش




.. جزء من أغنية -أستاذ عشق وفلسفة-.. للفنان الدكتور عبدالله رشا