الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(عواصف غرفة الكاتب) فوضى الكتابة

تيماء نصر سعيد

2024 / 6 / 18
الادب والفن


يختلفُ أسلوبُ السّردِ مِن كاتبٍ لآخر كاختلافِ تأثيرِ الشّخصيّةِ الرّوائيّةِ على القارئ باختلافِ بيئتهِ وثقافتهِ ومُيولهِ ورُبّما آماله في أنْ يجدَ بينَ السُّطورِ ضالّته التي ستُعيدُ إليه التّوازن الرّوحيّ، فكثيراً ما ترتبطُ الأفكارُ بالعاصفةِ، تُرى هل تُحدِثُ الأفكارُ فوضى كما العاصفة؟ وهل تكونُ تلكَ الفوضى مُنتِجة؟
تساؤلاتٌ كثيرةٌ سيُحيلُنا كتابُ (عواصف غُرفة الكاتِب) إلى أجوبتها، سيأخذنا الكاتب رواد العوّام في رحلةٍ شائقةٍ بينَ المُدنِ وبينَ الثّقافات؛ لنتعرّفَ من خلالها على كُتّابٍ قد استحوذوا بأبطالِ رِواياتِهم على قلوبِ كثيرٍ مِنَ القُرّاءِ حولَ العالم.
سنتعرّف على قصصٍ مِن نوعٍ آخر، فكلُّ كاتبٍ سيقصُّ حكايتهُ مع الكتابة، سيكونُ بطلَ قصّتهِ ليُجيبَ عن تساؤلاتٍ طالما شغلتْ أذهانَ القُرّاء، فمِن أين البداية؟ ومَن هو المُلهِم؟ وما حقيقة أنْ تكونَ كاتباً؟ وما الأعباء التي ابتُليتَ بها لكونك كاتب؟ وهل يمكننا أنْ نقولَ أنّ الكتابةَ هي فنّ اللعب بالكلمات؟ لنُبحر في عواصف غرفة الكاتب ونتعرّف على الكتابةِ من وجهة نظر الكاتب نفسه.
تبدأ رحلتنا مع الرّوائيّ رواد العوّام من اليمن، فقد اختارَ عَلَماً مِن أعلامه ليبدأ الرّحلة من الجنوب، يستهلّها بعبارة (كم هو مُخجلٌ أنْ تكونَ كاتباً) الكاتب وجدي الاهدل هو بطلُ حكايتنا الأولى، في صراعٍ بين لقمة العيش وذاك الصّوت الذي يستفزّ صمته فضّل وجدي الاهدل عدم الاستسلام وأخذ على عاتقه أنْ يعيش بسلامٍ باحثاً عمّا يسدُّ رمقه مِن زادٍ، إلّا أنّه ما لبث أنْ استحوذت عليه مَلكةُ الكتابة فخضع لها وبدأ نحتاً بينَ الصّخور، قصّةٌ مُثيرةٌ كانَ بطلها خجولاً بموهبته حتّى باتَ اسمه علماً بينَ الكُتّاب.
نذهبُ شمالاً في رحلتنا لنصل إلى سوريا مع بطلةٍ منزوعةِ السّلاح، الكاتبة نجاة عبد الصّمد، تلكَ الكاتبةُ التي تحدّتْ ذاتها وعائلتها لتخرجَ مِنَ القوقعةِ وتنطلقُ في عالمٍ من الخيال بينَ شخصيّاتِ رواياتٍ وكُتبٍ استحوذت على روحها لتصلَ إلى مُبتغاها وتخرجَ مِنْ شرنقتها وتطير في سماء العاصمة دمشق، إلى أنْ تغدو نجمةً في سماءِ ألمانيا مُتمرّدةً واثقةً فكما تقولُ نجاة عبد الصّمد: (مادام عقلي ما يزالُ بخير؛ فاستعادة الاحتفاء بالحياةِ دوماً مُمكنة.).
لن نُغادرُ هذا البلد حتّى نقِف عندَ شخصيّةٍ استثنائيّةٍ لطالما أثار في سيناريوهاتهِ شريحةً واسعةً على شاشةِ التّلفاز مع اختلافِ ثقافاتهم، فكانت أعمالهُ تُناسبُ أفرادَ العائلةِ جميعهم؛ لِما فيها مِن كُوميديا وبساطة تُحاكي واقعنا مِن جهة، وتحمل بينَ كلماتها آلامنا وآمالنا لتروي قلبَ المُشاهدِ وتُلامسُ روحهُ بحسرةٍ في نهايةِ كلّ عملٍ، عن الدّكتور ممدوح حمادة أتحدّث، لم تختلف شهادتهُ في هذا الكتابِ عن أعماله السّابقة مِن حيث التّرميز؛ فعلى القارئ دوماً أ،ْ يقرأ ما بين السّطورِ ليعي ما أراده ممدوح حمادة، أنْ يصل من خلالِ نصّه، فكانت كلماتهُ فوضى على الورق تُوازي فوضى ما نعيشه مِنْ حياة، أو ربّما ما يُشبهُ الحياة.
إلى أمّ الدّنيا نمضي، إلى مصرَ لنقفَ في رحلتنا عندَ الرّوائيّةِ سهير مصادقة التي امتازتْ بخيالها الذي أعدّ عشراتِ القصص على الجُدران، كانَ مخزونها مِنْ قصص الجدّات كبيراً، كما كانت جُعبتها مليئةً بأعمالِ نجيب محفوظ وشكسبير وديستوفيسكي وكافكا وغيرهم مِن الأدباء العالميين؛ سهير مصادقة كاتبةٌ ثائرةٌ على مُجتمعها لتُثبتَ أنّ للمرأة ما تُضيفه في عالم الأدبِ والفنّ.
في برلين قصّتنا بينَ لُغتين وقوميّتين في بلدٍ واحدٍ أبى أنْ يترك كاتبنا بسلام، جان دوست الكاتب السّوري الكُرديّ الذي كتبَ بالكُرديّةِ والعربيّةِ، في حالةٍ استثنائيّةٍ، نهض جان دوست ليقولَ كلمتهُ ويمضي إلى برلين، بينَ الكُرديّة لغةُ والديه والعربيّة لغةُ مَدرستهِ التي صفعتهُ بلغةٍ جديدةٍ ليقفَ مجهولَ الهويّةِ حائراً حتّى باتت اللغة العربيّة تتمايلُ بينَ يديهِ ليُشكّلَ منها ما أرادَ مِن الأفكار، ليصيرَ قلمهُ سِلاحه بينَ اللغتين فيكتبُ بإحداها ويُترجمُ للأخرى، في عواصفِ غرفةِ الكاتب روى جان دوست ما أثقل روحهُ وما دفعهُ للكتابة.
ستكونُ وجهتنا الآن إلى إيطاليا، بلد الأحلام، لنستمع إلى شهادة الكاتبة الليبيّة نجوى بن شتوان، تلك الكاتبة التي حاولت النّهوض بمخزونٍ كبيرٍ من القراءات في زمنٍ كانت القراءةُ عاراً على الأُنثى، كانَ التّحدي كبيراً لتستطيع نجوى بن شتوان النّهوض والوصول إلى ما هي عليه الآن.
إذا كانت كلُّ الدّروب تنتهي إلى روما، فإنّ كلّ الدّروب تبدأ من دمشق، هذا ما عبّر عنه الرّوائي رواد العوّام عندَ عودتنا إلى دمشق؛ إلى الكاتب خليل صويلح نمضي، لجأ إلى دمشق بحثاً عن وظيفةٍ، ليبدأ حكايته مع الأدب من خلال قراءته، فسيرةُ الكتابةِ برأيه هي سيرة القراءة أوّلاً، فلتكون أديباً عليك أن تمتلكَ القدرة على الإقناع؛ فما يُبهجُ المؤلّف هو قناعة القارئ بأنّ شخصيّات الرّواية هي نِتاجٌ لِما ارتكبه الكاتب، وعلى حدّ قولِ خليل صويلح: (ما نحملهُ على أكتافِنا مقبرةٌ من الأسلاف.)
(فهمتُ صغيرةً أنّ الحياةَ علبةً عجيبةً مِنَ الأسرار والأحاجي، وأنّ الكتابةَ ممارسة حياةٍ أخرى مليئةٍ بالأسئلةِ والحيرةِ والتّمرُّدِ) بهذه الكلمات عبّرت الكاتبة فتحيّة دبّش عن رأيها بالكتابة، في تونس الخضراء نحطّ رِحالنا لنتعرّف على أديبةٍ مِنَ النّساء المُكافحات، أديبةٌ سوداءُ جميلةٌ في مُجتمعٍ ذكوريّ أبيض، ليكونَ التّحدّي كبيراً بقدرِ عظمةِ كاتبتنا.
لن نبتعدَ هذه المرّة، سنزور الجارة الجزائر لنقفَ عند شهادةِ علمٍ من أعلامِها؛ الجيلالي عمراني الذي عاش ظروفاً صعبةً، فما كانَ أمامه سوى الكتابة بعد ما حصده مِن قراءاتٍ كثيرةٍ لكُتبٍ مُتنوّعةٍ في مجالاتٍ عدّةٍ؛ مِنْ أدبٍ وروايةٍ وفلسفةٍ وغيرها مِنَ الكتبِ التي شكّلت عند الجيلالي أرضاً خصبةً يبدأ الكتابةَ.
إلى الاسكندريّة وجهتنا الآن، لتكون محطّتنا الأخيرة عند الكاتب إبراهيم عبد المجيد، رجلٌ وجد في الكتابةِ ضالّتهُ التي أغفلها في عملهِ السّياسيّ، درس الفلسفةَ وأبحر في كتبها، كتبَ سلسلةً عن الاسكندريّة وتاريخها بقالبٍ روائيّ فريد، كانَ بعد انتهائه من كتابة روايةٍ، يخرجُ إلى الشّارع باحثاً عن شخصيّاتِ روايته ليُدرك فيما بعد أنّها من نسجِ خياله.
عواصف غرفة الكاتب، لكلِّ كاتبٍ عواصفهُ التي تجتاحهُ بجُرأةٍ وربّما بوقاحةٍ ليخضع لعاصفتهِ ويُمسك قلمهُ ويشرع بالكتابة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جميل هذه المقالة الهادئة
هيوا جميل ( 2024 / 6 / 19 - 14:27 )
قلم مبشر بالخير كونه يكتب باحترافيه الجميلة كل الاحترام لك


2 - قوية
شاهر علي ( 2024 / 6 / 20 - 07:48 )
هذه المقالة تجعلنا نبحث عن الاصل، عن المجموعة القصصية، ما اجمل البواب الذي يستقبلك بهدوء تام. كامل احترامي


3 - استمري
ميسون الهادي ( 2024 / 6 / 21 - 10:51 )
سيدتي قلمك هو مستقبلنا الامن في ظل المتغيرات الجارية اتعبي على حالك اكثر ربما نرى نسخة جميلة منك، طبعاً جمالك في استمراريتك مع ان مقالتك هذه الاجود كل الاحترام لك

اخر الافلام

.. أون سيت - الأسطى حسن .. نقطة التحول في حياة الفنان فريد شوقي


.. أون سيت - أولاد رزق 3 .. أعلى نسبة إيرادات .. لقاء حصري مع أ




.. الكاتب علي الموسى يروي لسؤال مباشر سيطرة الإخوان المسلمين عل


.. بيت الفنان الليبي علي غانا بطرابلس.. مركز ثقافي وفضاء إبداعي




.. العربية ويكند | جيل بايدن تقود الرئيس بايدن إلى خارج المسرح