الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطيئة الأولى

هشام بن الشاوي

2006 / 12 / 14
الادب والفن


المحطة: نهار/خارجي:

لقطة بانورامية لمحطة الحافلات، والركاب ينتظرون في تأفف تحت سعير شمس تصهل في كبد السماء.. تلوح الحافلة قادمة من بعيد، يهتف بعض الصغار: ها هي..! يتدافعون.. يبتلعهم جوفها، ويغلف دخانها المشهد!

تقرأ الكاميرا صفحات وجوههم، لقطة زووم لشاب في عنفوانه، أنيق الملبس، بلحية مهملة لم تحلق منذ أيام.. وعلى صفحة وجهه تنعكس ظلال نفسه المكتئبة في يوم عطلته الأسبوعية..

لقطة كلوز-آب: تغوص الكاميرا في عينيه.. نظرات فاترة، غير مكترثة لما يجري حولها..

يرقص الفرح في عينيه،وهو يسددهما نحو خلفية أحد المقاعد، حيث تفيض خارج محيطه الأزرق "قداسة الماما "... مؤخرتك (يتنهد، يواصل حواره الداخلي) ربما تكون عاهرة، فملامحها البليدة تفضح بؤسها الوجداني والاجتماعي.. ناهيك عن ثوبها الشفيف الهش.. مثل قلبي!".

تقترب الكاميرا من خلفية المقعد، حيث الفجوة التي تبرز استدارة عجيزتها، والتبان الأبيض الذي يستغيث تحت طغيان الفلقتين المترجرجتين... يهمس لنفسه/في نفسه: "بنت القحبة.. أيقظت الذئب من سباته في هذا اليوم الملعون...!". ينتفض واقفا.. هاربا من فتنة طاغية.. حتى لا يقذف في سرواله..!! ويختار مقعدا شاغرا خلف امرأتين.. ولا يهمه أن يعرف وجهة الحافلة "لست يوسف.. ولكن!".

ينغلق المشهد بسرعة لينفتح على:

البيت القديم. نهار/داخلي:

البيت مسربل في هدوئه، يتجه صاحبنا إلى حجرته الأثيرة.. يطل من الشباك على المنور (la cour).. يرفع بصره في اتجاه نافذة الجيران العلوية. تبحث عيناه عن ملامحها البدوية في لهفة عاشق، تقترب الكاميرا من عينيه المتعبدتين.. الجائعتين إلى امرأة..

(ضربة موسيقية)

أصابع يسراه تفتش عن شئ ما.. أسفله..

يهمس لنفسه بصوت مسموع: "يجب أن تراه بأم عينيها.. ترى هل رأته فعلا؟! في المرة الأولى كان معها ابنها الأصغر فوق السطح، وهي تنشر الغسيل.. حتما، لن يدرك الصغير شيئا.. لكن هي قد تعرف..

(المشهد من منظورها)

إطار النافذة لا يبرز ما تحت الصدر لالتصاقه بالجدار، فيما كتفه الأيسر يتزحزح..

(المشهد من منظوره)

امرأة نحيلة منتصبة أمامه مثل علامة تعجب، تظل متسمرة في مكانها كالمنومة.. ينسحب من إطار المشهد، يتجه بصره إلى ما بين قديمه.. سائله الأصفر اللزج.. ويختلس نظرة إليها.. في تلصص، كمن ضبط يقترف جرما..

يستأنف حواره مع ذاته:

"في المرة الثانية حين ضبطتني/ضبطتها.. وهي فوق السطح، لاحت في الصورة ابنتها مطلة من شباك المطبخ..

البنت أثار فضولها صياح ديك مستغيث عند الجيران، وكذلك الأم.. لكن يبدو أني "أشعب" هذا المشهد.. طفيلي مزهو بشيئه (!!) لقطة من زاوية منحرفة حيث يختبئ خلف الزجاج الغائم، وعيناه مصوبتان نحو النافذة الأخرى ما بين النافذة وإطارها عند استدارتها/انفتاحها...

ويتجمد في مكانه، والأم تعنف ابنتها المتلصصة على الجيران، ناعتة إياها بالحمارة والكلبة.. في نفس اللحظة التي تأتي فيها الجارة لإنقاذ الديك صارخة في وجه الصغير.. الذي كان يحتفل برفيق دجاجتهم الوحيدة!!! بلغة لا يفقهها الكبار..!!!

في الشارع. نهار/خارجي:

هائما على وجهه في اتجاه اللامكان، والرغبة تغلي في أعماقه.. يمشي خلف امرأة بجسد ثر.. في خياله يجردها من كل ثيابها دفعة واحدة.. وتقدس عيناه مثلث التبان من تحت الجلباب حيث "حدود مملكة الفقدان الأبدي، يا سيدتي!! شكرا، لتلك المرأة التي وهبتني أول رعشة، وهي مستكينة إلى بحث أصابعي المحموم عن النعومة تحت صهد فخذك.. هل تفتقدين حنان المداعبات في بيئتك الريفية؟ هل يعتليك زوجك مثلما يفعل الحمار مع أنثاه دون أن يفكر حتى في أن يبوسك؟ أم أن رائحة التبغ في فمه هي التي..؟!".

الحافلة. نهار/داخلي:

تصطدم ركبته بطراوة متكورة، لا تعتدل الجالسة أمامه في جلستها.. مبتعدة عن احتكاكه ولا ملتفتة إليه متوعدة.. يقول في سره: "إنها شبه مستسلمة عكس البنات فهن جد حساسات.. "لهذا أحبذ أن أقعد خلف نساء فوق الثلاثين أي "نساء مع خبرة" (الخبرة = ترهل أجسادهن.. مؤخراتهن بالضبط!!) .

تستبد به الرغبة في ملامسة هذا الشئ الذي لم يلمسه منذ خطيئة آدم.. يهتدي إلى تغليف ركبته بيده.. تستكين.. "ربما لأنها لا تستطيع أن تلتفت إليه في حضرة تلك العجوز". تسألها العجوز من مقعدها بالصف المجاور عن شئ مما تبضعوا.. فتخبرها المرأة أنه في سلتها.. يخمن أنها حماتها وإلا ما أجلست الصغير فوق فخذيها.. بإصبع ثم أصبعين يلامس ردفها.. "تواطؤها الأخرس يحرضني على أن أزور الوادي المقدس.. فلا أحد يعبأ بي في هذا الزحام.."، يمرر أصبعه فوق أخدود عجيزتها.. لقطة زووم لارتجاف عمودها الفقري، ولأصبعه يقترب من خط المتعة الجهنمية المحرمة من كل الأديان..

(فلاش باك)

وحيدين فوق السطح يمارسان شغب صباهما، صاحبنا وابن الجيران البدين.. دون أن يعرف لغة التعرية، "هل كان ينتقم من قصر قضيبه الشديد بأن يهبني مؤخرته المكتنزة؟" مشهد آخر لهما، وهما في سن المراهقة، وابن الجيران يتأوه تحته، ويترجاه أن يولجه(..)!!!

(تعتيم)

كل من حوله يرى إلى الناس والأشياء عبر النافذة المجاورة له.. يتجاهل كل الأمكنة والوجوه.. "المكان الحقيقي بل الوطن الحقيقي لي هو.. الجسد".

تعتريه كآبة.. يتساءل بينه وبين نفسه: لماذا أنا وحيد؟ لماذا لا أحد يحبني؟! ألأنني كائن من غبار تحتقرني البنات؟ أم أن سن السابعة والعشرين تحرم علي أن أطمع في حب الصغيرات؟!"

يموج وجهه بالغضب.. ويرتفع أنين كمان في لحن شجي يعمق الإحساس بالأسى واللاجدوى...

ورشة البناء. نهار/داخلي:

يضع صاحبنا قبعة القش من فوق الطربوش جانبا.. ويتمدد فوق ورق أكياس الإسمنت.. تركز الكاميرا على ثيابه المتسخة، الممزقة عند الركبتين، ثم تتفرس في وجوه زملائه الضاحكة، غير الحليقة، وهم يحتسون الشاي في انتشاء، يحشو محمد –الرجل الأربعيني- عود (السبسي) بالكيف، ويدخنه بلذة واضحة.. ويبدأ في سرد حكاياه التي تسرق ضحكاتهم..

بيت المرشد. ليل/داخلي:

بعد انتهاء اجتماعهم المغلق، يتأهب "الإخوان" للخلود إلى النوم في ضيافة مرشد جماعتهم.. حيث يلتقون من حين لآخر..

(إظلام)

الهدوء سيد الموقف، لا يقطعه غير نباح كلاب متفرق..

في الظلام، يغادر أحدهم الصالة.. متحسسا الجدران بيديه، ماشيا على أطراف أصابعه، والشخير يعزف سيمفونية لليل القرية..

(إظلام)

تشعل الزوجة شمعة، وتهز كتف زوجها.. في حنان:

-السي محمد، قم لتغتسل..

الزوج ينام على الأرض في ركن آخر,تاركا لها السرير العريض:

-ولكني...

يتبادلان نظرات باردة شبه مصدومين..

هي تلطم خدها..

هو يحدق في الفراغ مشدوها...

ويهتف إليه صوت داخلي أن يلجا إلى الرجل الثاني في جماعتهم... "حتما، سأجد عند عبد الحكيم ضالتي".

الورشة. نهارا/ خارجي:

وهما متمددان ثحت أشعة شمس الظهيرة فوق الرمل..يحكي له التباري –الرجل الخمسيني- عن تلك المرأة التي...: "تسأل إحداهن جارتهن: كم مرة اغتسلت في هذا الشهر الفضيل؟

فأجابت المسكينة بالنفي.. في حين أن هناك من فعلتها مرتين أو ثلاث.. وظنت الغبية أن المقصود مجرد صب الماء على الجسد نهارا... وحين ضبطها زوجها خارجة من الحمام.. جن جنونه، اعتقد أنها خانته مع رجل آخر.. وسألها: هل أنت رجل حتى تحتلمين؟!

ولكم أن تتخيلوا بقية الحكاية"

(صوت خارجي يختتمه صاحبنا بانفجاره ضحكا..)

القرية. ليل/خارجي:

في هدأة الليل، تتوقف عربة أمام بيت منعزل عن الدوار.. بيت امرأة سيئة السمعة، يطرقه رجال غرباء كل ليلة، حين تنام القرية، نفس القرية التي يوجد فيها بيت جماعة الإخوان.."بيت اللحايا" كما يردد أهالي القرية..

البيت خال، لا أحد يرد.. لقطة من الداخل، غارقة في العتمة.. وفي الخارج يشعل الغرباء سجائرهم الرخيصة في توتر.. والكآبة تطوق وجوههم.. يتبادلون كلمات قليلة، ويصممون على أن يجعلوها أضحوكة القرية ويفكون عقد الحبل السميك..

(إظلام)

الحافلة. نهار/داخلي:

تنحني السمراء جهة رفيقتها.. لتغطي رأس رضيعها.. وتصد عن جبين ابنتها الجالسة أمامها، أشعة الشمس الأغسطسية بيدها..

...يداعب بحرارة..

يضع يده فوق الأخدود في رهبة قديس..

ترتعش..

تعتدل في جلستها..

تنحني جهة الرضيع مرة أخرى، تتبادل مع جارتها كلاما لا يميز مفرداته.. الصوت الوحيد الواضح لديه هو صراخ الغريزة في أعماقه.!!

تبدأ يده في الصعود نحو الهاوية..

نحو المنطقة المحرمة..

تلتفت إليه في غضب:

-الله يقربها لشي واحد!!

للتو، يقفز إلى ذهنه تلك المرأة التي تعبد المتعة الخلفية، وتتساءل في حيرة: هل يعتبر ما تقوم به خيانة زوجية!!؟؟

تهمس السمراء في أذن جارتها..

وحين مغادرتها المكان ترميه بنظرة ناسفة..

البيت الخالي.مساء/داخلي:

قرع شديد متواصل على الباب.

يتجمد الدم في عروقه، ويشرع في ارتداء ثيابه بسرعة مبلبل الفكر..

(موسيقى صاخبة)

الحافلة. نهار/داخلي:

تصرخ امرأة محتجبة بثياب عصرية مع أسرتها الصغيرة، هيئة الزوجين تدل على أنهما من الموظفين، في وجه شاب عشريني خلفها، وهم يهمون بالنزول... آمرة إياه بأن يبتعد..

-إنه الأتوبيس..

-الله يلعن والديك.. الحمار. تتخذون من الزحام ذريعة لتفعلوا ما يحلو لكم..

يشدها زوجها في صمت.. وتلتفت إليه في غضب:

-يجب أن تضع مسافة بينك وبين المرأة.. الحرة!!

يتبادل الركاب نظرات صامتة، تحسدها على جرأتها.. وينكمش صاحبنا.. في انتظار أول محطة يتوقف عندها الأتوبيس.. ماذا لو كان مكانه؟ ستحاكمه أعين الركاب بلا رحمة.. ويبصق بلا لعاب جهة النافذة.. تفو!!

(موسيقى)

البيت الخالي. مساء/داخلي:

الشباك مشرع مضاء.. يتقدم نحو نافذته، محتميا بظلمة المغيب.. الخفيفة.. شاهرا عضوه الجنسي، منتصبا مثل عمود خيمة.. وبسرعة البرق يختفي من إطار النافذة والحجرة.. لقطة للزوج وصغيره من فوق السطح، وهما يديران هوائي التلفاز..

القرية. صباحا/خارجي:

الرجال الملتحون يطاردون أحدهم بهراواتهم،وهو يفر أمامهم حافي القدمين، ممسكا ذيل جلبابه الأبيض بأسنانه.. يبتعد عنهم.. يصرخون في وجوه الفلاحين أن يقبضوا على اللص!!

فلاش باك:

يلجأ الرجل الثاني في الجماعة وكاتم أسرارها إلى وضع سطل كبير للماء بجوار أواني الوضوء الصغيرة قبيل آذان الفجر.. ويراقبان عن بعد الأواني المرصوصة أمام باب المرحاض الخارجي.. لقطة زووم للزوج وهو لا يكاد يرفع عينيه عن الأرض!

تلقي الشمس تحية الصباح على الأهالي،وهم متحلقون حول بيت المرأة سيئة السمعة في وجوم، ويسمع نهيق حمار يرجعه الصدى.. لقطة بانورامية (من الأعلى) للحمار، وهو يغازل إناثه من فوق البيت..

ويعلق أحدهم ساخرا:

-أذن، يا لشهب!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إبداع المخرجة نانسي كمال وتكريم من وزير الثقافة لمدرسة ويصا


.. المهندس حسام صالح : المتحدة تنقل فعاليات مهرجان الموسيقى الع




.. الفنان لطفي بوشناق :شرف لى المشاركة في مهرجان الموسيقى العر


.. خالد داغر يوجه الشكر للشركة المتحدة في حفل افتتاح مهرجان الم




.. هبة مجدى تدعم زوجها محمد محسن قبل تكريمه فى مهرجان الموسيقى