الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمريكيون والحيوانات الأليفة

صالح سليمان عبدالعظيم

2006 / 12 / 17
مواضيع وابحاث سياسية



يتميز الأمريكيون المعاصرون، بشكل عام، بقلة معرفتهم وادراكهم بما يجري وراء حدود دولتهم القارية، خصوصاً إذا لم يتصل الأمر، بشكل مباشر، بهم. وفي الكثير من البرامج المقدمة على قنوات التلفاز الأمريكية المختلفة، يبرز هذا الجهل وعدم الاهتمام بالعالم الخارجي، حينما يسأل مقدم البرنامج أي من الحضور سؤال بسيط عن أي شأن خارجي، فإذا بالإجابة تثير الضحك والسخرية، كما تثير الذهول والاندهاش حول ضعف درجة وعي الأمريكيين المعاصرين بالعالم الخارجي.

فإذا ما سأل مقدم البرنامج أين تقع مصر تكون الإجابة في أمريكا اللاتينية!! وهل تعرف ياسر عرفات؟ تكون الإجابة هو رئيس اسرائيل!! كما أن الأمريكي المعاصر يظن أن دول العالم العربي كلها دول غنية منتجة للبترول، إلى الحد الذي يتم فيه اختزال العالم العربي، على مدي مساحته الكبيرة، إلى كلمة أرابيا. فإذا كنت من سوريا فأنت من أرابيا، وإذا كنت من الكويت فأنت من أرابيا، وإذا كنت من السودان فأنت أيضا من أرابيا!!

لا تقف تلك الضحالة فقط عند شؤون العالم العربي، حتي لا يتهمنا البعض بالجري وراء نظرية المؤامرة، لكنه يتصل أيضاً بكافة مناطق العالم الأخري، فأفريقيا تقع في آسيا، واستراليا دولة أوروبية، كما أن البوسنة هي إحدي دول الإتحاد السوفييتي السابقة!!. والأمر الذي يستدعي الدهشة هنا أن الكثيرين من الأمريكين المعاصرين غير ملمين أيضاً بالتاريخ والجغرافيا والسياسة الأمريكية نفسها؛ فولاية فرجينيا تقع في الغرب، كما أن ولاية نيويورك تقع بجوار تكساس، والبيت الأبيض يقع في أورلاندو، وأن الحرب الأهلية الأمريكية وقعت في منتصف القرن العشرين!!

والمفارقة هنا أن عدم الوعي بالعالم الخارجي لا ينتشر فقط بين الأمريكيين البسطاء وغير المتعلمين، بقدر ما ينتشر بشكل كبير بين هؤلاء الذين نالوا قسطاً ما من التعليم، إضافة إلى شريحة واسعة من الجامعيين أنفسهم. فالنظام الأمريكي الرأسمالي المعاصر يدفع الفرد إلى العمل ليل نهار من أجل التحصيل المادي المتواصل، واللهاث المستمر وراء عروض القروض المتلاحقة التي ينغمس فيها المواطن، تارة من أجل المنزل، وتارة من أجل السيارة، وتارة أخري من أجل الرحلات الصيفية السنوية، وهكذا يجد الفرد الأمريكي نفسه محاصراً بدائرة جهنمية لا تنتهي من العمل والقروض. من هنا، فإن آخر ما يهتم به هذا المواطن هو شؤون السياسة الخارجية، خصوصاً إذا ما كانت هذه الشؤون غير ذات صلة بمتطلبات حياته اليومية المباشرة. فهو قد يهتم بما يجري في العراق إذا كان له أقرباء أمريكيون يحاربون هناك، أو إذا ما جاءت نتائج الحرب في غير صالح القوات الأمريكية، ولعل ذلك يفسر سر تصاعد الاعتراضات ضد استمرار الحرب في العراق، وبقاء القوات الأمريكية حتي الآن.

لا يقف الأمر عند ذلك الحد، بقدر ما يتعداه إلى الانغماس الشديد في الفردية وعدم الاهتمام بالأسرة وتربية الأبناء، ولعل في تزايد أعداد الأطفال غير الشرعيين من جانب، إضافة إلي تزايد أعداد الأمهات اللاتي يقمن وحدهن بتربية أبناءهن من جانب آخر، ما يؤكد علي الهروب مما يمكن أن يضيف إلى الفرد أية مسؤوليات أو أعباء اجتماعية. ومن الأشياء الملفتة للنظر في هذا السياق، أن الكثيرين قد أكدوا علي أن أحداث سبتمبر 2001 قد قربت فيما بين أفراد الأسر الأمريكية، وساعدت على التفافهم حول موائد الطعام، ومناقشة ما حدث لهم، وما أصابهم، في محاولة جدية وجديدة منهم لفهم أنفسهم وما يحيط بهم حول العالم. وأغلب الظن أن ذلك قد حدث لفترة وجيزة ثم عادت الأمور إلى طبيعتها الأولي من حيث الانغماس في الفردية، وعدم الاهتمام بالشؤون الأسرية والمجتمعية، ناهيك عن العالمية المجاوزة لما هو أمريكي.

ويبدو أن ولع الأمريكيين المعاصرين بالحيوانات الأليفة، وارتباطهم بها، هو أحد التجليات النفسية والاجتماعية لهذا الانغماس الفردي الأمريكي المعاصر. فوفقا للجمعية الأمريكية للصناعات القائمة علي متطلبات الحيوانات الأليفة، فإن الأمريكيين قد صرفوا ما قيمته 35.9 بليون دولار علي حيواناتهم الأليفة في عام 2005، مقارنة بما قيمته 17 بليون دولار عام 1994، أي أن النسبة زادت إلى أكثر من 100% خلال عقد من الزمان. ووفقا للجمعية الأمريكية يتوزع الرقم 35.9 بليون دولار كالتالي: 14.5 بليون دولار للطعام، 8.6 بليون دولار للعلاج، 8.8 بليون دولار للأدوية والمتطلبات الأخري، 1.6 بليون دولار لشراء هذه الحيوانات، وأخيراً 2.4 بليون دولار للخدمات المرتبطة بهذه الحيوانات مثل إقامتها في الفنادق الخاصة بها والاعتناء بها عند غياب أصحابها، وخصوصاً في فصل الصيف!! يلفت النظر هنا، أن الأمريكيين يفضلون بشكلٍ كبير اقتناء الكلاب ثم القطط وأخيراً الزواحف. فالأمريكيون يحبون الكلاب بشكل كبير؛ وفي كثير من الأماكن العامة والحدائق، يغلب أن تدور الأحاديث فيما بينهم حول الكلاب التي يصطحبونها معهم للتنزه، ووقت التطعيم، والتناسل، وحالة الكلب النفسية، وطرافة الحلاقة وغرابتها... إلخ من هذه الشؤون والأحاديث التي تغيب عن مواطني الدول النامية الغلابة.

وتنتهز الشركات العالمية، التي تجني المليارات سنويا، هذا الإقبال المنقطع النظير على اقتناء الحيوانات الأليفة وتحض عليه باستمرار والحاح؛ حيث تؤكد في نشراتها واعلاناتها على أهمية اقتناء هذه الحيوانات وعلي أهميتها بالنسبة لصحة الانسان وحالته النفسية. وعلى موقع الجمعية الأمريكية السالفة الذكر تجد النصائح التالية: أن اقتناء الحيوانات الأليفة يساعد على انخفاض ضغط الدم، وبأن السير مع هذه الحيوانات للتنزه يساعد على تقليل التوتر ويساعد على الاسترخاء، كما أن هذا الاقتناء يساعد على منع الإصابة بأمراض القلب، كما يقلل من عدد مرات زيارة الطبيب... إلخ من مثل هذه النصائح التي تكشف عن مدي أهمية وضرورة اقتناء الحيوانات الأليفة.

لسنا ضد الحيوانات، كما أننا لسنا ضد اقتنائها، كما أننا مع معاملتها معاملة انسانية، لكن علي سبيل التذكير، يشعر المرء بالغيظ، وربما الحقد على الحيوانات الأليفة في الولايات المتحدة الأمريكية، حينما يتذكر مئات الملايين المهددين بالموت يوميا في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وأن مئات الملايين من البشر مازالوا يعيشون تحت مستوي خط الفقر، حيث لا يجدون قوت يومهم، ولا يستخدمون مياهاً نظيفة وكهرباء وصرف صحي، كما أنهم لا يحيون حياة كريمة تليق بالإنسان الذي فضله الله على باقي المخلوقات. كل ما نتمناه أن يعلم الأمريكيون أن العالم ليس فقط قططاً وكلاباً وزواحف، وأن يمدوا عين العطف والوعي إلى الكائنات البشرية الأخري. وحتي لا يقع اللوم فقط على الأمريكيين، فإنه على المضطهدين والمظلومين والفقراء في كل مكان أن يبدأوا في تربية القطط والكلاب والزواحف واقتنائها، ربما في هذه الحالة سوف يكون الأمريكيون أكثر وعيا بما يجري حولهم!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا


.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا




.. الاحتلال الإسرائيلي يقصف المدنيين شرقي وغربي مدينة رفح


.. كيف تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية عرض بايدن لمقترح وقف حر




.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا