الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
بالامس كانوا هنا واليوم قد رحلوا
امل كاظم الطائي
(Amal Kathem Altaay)
2024 / 6 / 19
الادب والفن
بالامس كانوا هنا واليوم قد رحلوا!
وقف شامخا لسنوات بيت جميل من حقبة الستينيات للقرن الماضي، انيق بزخرفاته التي زينت جدار سطح المنزل مع وجود بناء خاص للطيور، اسمعها تغرد صباح كل يوم ونداء الحمام "كوكوتي"، كان شيئا مألوفا ان اراه كل يوم عند ذهابي وايابي وصار شيء ثابت حتى اكاد جزم انه في ايام كثيرة لم اكن اتطلع اليه انه شئ ثابت في مخيلتي.
جاورنا هذا الدار واهله لمدة لا اعرف بالضبط كم من السنوات ولكن اخبرني والدي المرحوم ان الدار موجودة قبل ان ننتقل للسكن في الحي.
اهله اناس طيبون لم نر منهم الا كل خير، الا انهم كانوا قليلي الاختلاط باهل الحي وباقي الجيران، رغم ان بناتهم قرينات لنا في صفوف المدرسة واحيانا نكون جالسين على نفس الرحلة.
ومضت الايام كل ذهب الى جامعة والى تخصص معين وبقت بيننا علاقة سطحية ليس اكثر من السلام من باب الادب والواجب.
وصحونا يوم على اصوات اشخاص تستغيث هرعنا الى الباب انهن بنات الجار
- قالت امي خيرا
خالة قنينة الغاز تشتعل في المطبخ فهرع اخي وهرول واخرج القنينة كادت ستنفجر لولا ستر الله.
وفي يوم شتائي قارص البرد من ايام الحصار الظالم كنا ننتظر بلهفة قدوم بائع النفط ونبحث عنه في كل شارع لصرف وشراء النفط بكوبونات توزع من قبل وزارة النفط فالنفط ليس فقط للتدفأة بل للاضاءة ايضا يوم كانت الكهرباء تنقطع لساعات طويلة جدا ولم يكن يوجد مولدات فقط للمسؤولين من قادات البعث وممن يحملون رتب عسكرية، اما عامة الناس فالاضاءة كانت "اللوكس الغازي" و "اللاله" و" الفانوس" وضوية تعمل بالبطاريات التي نقوم بشحنها، اه تلكم الايام ربي لا تعيدها وكنا نقرأ على ضوء الشموع او الفانوس اما في الايام التي كان يطلب منا اعداد لوحات الرسم الهندسي فكنا نننتظر بفارغ الصبر ان تشرق الشمس صباحا لاكمال التصاميم قبل حلول الليل، ثم ابتدعوا نظام الساعتين تاتي الكهرباء ساعتين وتقطع ساعتين كان لي في كل بيت من بيوت الاقارب ملابس وكتب فحين تقطع عندنا اذهب لاقرب بيت من الاقارب لاتمم الواجب، اما في ايام الامتحانات او التجارب فكان ذلك يعني العناء المضاعف.
كان الشتاء اهون من الصيف الحار اللاهب، ففي الشتاء يمكنك ان تتدفأ بالمدفأة النفطية "علاء الدين اشهرها" كاانت والدتي تسميها "الحبيبة"، كانت كعصا موسى نتدفأ بها ونطبخ عليها ونشوي الخبز بها وان توفر السكر نعمل كيكة نشويها عليها، كنت بحق اجيد صناعة المعجنات ولازلت وخصوصا الكيكة التي نصنعها دون كريمة او حشوة فقط المكونات الاساسية وان توفر الجوز و جوز الهند فكان يعتبر ذلك بذخا غير مألوف و ترفا وتخلو منه معظم البيوت، والمفارقة انه ياتي يوم 28 نيسان ويخرج الرئيس بقاط ابيض جديد حامل ابنته الصغرى واغلب الشعب قد فقد شاب او اخر من جراء حرب ايران والجميع قلوبهم مكلومة ومسحوقة، يخرج بقاطه الابيض يوم ميلاده ويفتتح الحفل ويقطع الكعكة كل سنة في تصميم مهول وتشارك المدارس بفعاليات تتغنى بامجاد الحزب والثورة والقائد الضرورة!
وطبعا لم يكن أحد ليجرؤ على ان ينبس ببنت شفة حتى ولا لاقرب المقربين وتقام احتفالية في كل مرافق الدولة ومؤسساتها تباركا بيوم الميلاد الميمون!
وقد تصدر قوانين مهمة في ذلك اليوم من تخفيف العقوبة على السجناء او تعديل ما في الاحكام الدستورية.
وينتظر الجميع من باب الفضول او ممن يوالون النظام للتبريكات والنفاق ورؤية ماهية الحفل وطبعا شكل الكيكة!
تخيل شعب ياكل النفايات ونوى التمر ويعيش في الفقر المدقع بمعدل راتب مقداره دولار واحد في الشهر، ويرى كل هذا البذخ بل وليس ذلك، فقد اطل الرئيس في يوم وامامه ما لذ وطاب من مأدبة عشاء فاخرة لها بداية وليس لها نهاية وقال بالنص الواحد " الحصار على الشعب وليس علي"!
اليوم يعاني العراقيون باغلبيتهم من القهر والاصابة باامراض فتاكة في الجهاز الهضمي واالرئة والكلية، كنا نضطر لنخل الطحين لاكثر من مرة كي يتحسن ونستطيع خبازته كان لونه جوزي غامق فقد تم طحن نوى التمر وحتى الجرذان الميتة مع الحنطة، اما الرز فقد كان يستغرق ساعتين الى ثلاثة ساعات لازالة الشوائب منه وكان في اغلب الاحيان عفن.
صحيح ان وزارة التجارة في حينها بذلت جهود جبارة بعد العام 1995 لتطبيق اتفاقية " النفط مقابل الغذاء والدواء " عبر اتفاقية مع الامم المتحدة لتوفير مفردات البطاقة التموينية، الا ان الحصار فتك في الشعب العراقي ومن هنا ابتدأ الفساد المالي والاداري ينهش بالمجتمع، وتردى التعليم وترك اغلب من لديهم اموال او شهادات عليا العراق، ولمعالجة النقص الحاد بالكوادر تم اصدار قانونين كلاهما هدم التعليم ونسفه من اساسه
- الاول تخريج معلمين بعد ادخالهم دورة سريعة بعد اتمام الصف الثالث المتوسط.
- ثانيا منح شهادات ماجستير في الجامعات العراقية لانه ووفق بنود الحصار الظالم يمنع العراقي من اتمام تعليمه في الخارج.
وكان لهذين القانونين اثرهما البالغ في دق اخر مسمار في نعش التعليم في العراق.
وابتدأ الاهالي يلجأون الى الدروس الخصوصية لان المعلم لم يعد يهتم بتعليم الطلاب فالراتب دولار واحد بالشهر!
وابتدأ الكثير من المعلمين يبتزون الطلاب مقابل النجاح وبعضهم كون ثروة مهولة من هذه الممارسة اللعينة.
من هنا خيم شبح الفقر والتخلف على المجتمع العراقي والانهيار الخلقي، فقد بلغ الفقر حدا ان الناس يبيعون ابواب الدار والشبابيك وكل ماهو غير ضروري بل والكثير من العوائل اشتغلت بناتهم في البغاء والقصة مشهورة لذلك الاب الذي هرب بناته لسوريا واشتغلن هناك في دور الدعارة، وواحدتهم لم تتم السادسة عشرة بعد!
والاب يقبض ثمن بيع شرف بناته حتى انه افرد في احدى المجلات تقرير كامل عن ذلك ويدعي ان الحرب اقيمت لحماية "الماجدة العراقية"، لم قتلت الشباب ويتمت الاطفال ورملت النساء و اكثر من ثلثي النساء اصبحن عوانس لقتل اقرانهن في حروب لاطائل منها سوى تهديم الجيش العراقي لاجل عين دول الشر، لا وبعض الناس يضحكون على انفسهم ويقولون انتصرنا!
لا ادري عن اي انتصار يتحدثون، خسرنا نصف شط العرب واراضي كبير ة من الفاو واستولت ايران على ما تبقى من اراضي الجنوب ويقولون انتصرنا!
تهدم الجيش العراقي خامس اقوى جيش بالعالم صرف عليه مليارات الدولارات وبنية تحتية كارثية، ملايين من لارامل والايتام والعوانس اتساءل اين الانتصار في ذلك؟
حصار اكل الاخضر واليابس ومجاعة مهولة ويقولون انتصرنا
لم يكتفي بذلك بل حاربنا 33 دولة فقضت على البقية الباقية واحتل العراق، وجاءت الحقبة الجديدة لتكمل المنهج والسيناريو ولازال في انتظارنا سيناريوهات اعدت في مطابخ دول الشر واصبح العراق مكان لتصفية الحسابات الدولية وما خفي كان اعظم!
كل ذلك كان يدور في راسي وانا ارى البيت العتيق يهدم لم يكن صعبا هدمه فقد عمل الزمن به ما عمل وتآكل خصوصا بعد ان هجره اهله كل ذهب لدولة ولم يتبق في اخر المطاف، الا الام في الدار واضطروا ان يجلبوا لها امرأة اخرى كي تقضي خدماتها وتقوم برعايتها، لكنها كانت لئيمة بل بدون اخلاق، فقد كانت تضرب وتؤذي هذه الجارة المسنة فقد كنا نسمع عويلها وبكائها وشاءت الصدف ان نلتقي باحدى بناتها ونبلغها بذلك، فبدلوا تلك اللعينة باخرى العن منها ولم تمضي الا ايام وفارقت الحياة.
اتذكر انهم وضعوا كراسي في الحديقة ليوم واحد لاخذ العزاء، هذه الدار التي كان يملؤها الانس صارت موحشة ومقفرة وبعد سنوات تم هدم الدار في يوم واحد، الهدم لاياخذ وقت، ليس كالبناء .
لا ادري لم تملكني الحزن لهدمه وصارت تدور براسي افكار ربما غريبة شبهت هدم الدار بهدم المجتمع العراقي بعد ان ارتحل الاهل واستولى على الدار احد ملاكي التجارة الذين برزوا الى السطح بعد العام 2003.
لا احد يعرف من اين تلك الاموال سوى انه مستثمر يشتري اي عقار باي ثمن ويحوله الى عمارات، اقول في نفسي حرام نبيع لمثل هؤلاء دورنا واراضينا ففيها تارخنا رحلة عمرنا، ذكرياتنا بحلوها ومرها، ليحولوه الى استثمارات قبيحة ويسكنها اناس لا اخلاق ولاقيم لهم.
هذا هو الحال اليوم فاين الناس الطيبين ممكن جاورونا لسنوات امتدت لاكثر من ستين عام.
نفيت واستوطن الاغراب في بلدي ودمروا كل اشيائي حبيباتي
يا طارق الباب رفقاً حين تطرقهُ
فإنه لم يعد في الدار أصحابُ
تفرقوا في دروبِ الأرض وانتثروا
كأنه لم يكن انسٌ واحبـــــــابُ
أرحم يديك فما في الدار من أحد
لا ترج رداً فأهل الودُ قد راحوا
ولترحم الدار ..لا توقظ مواجعها
للدور روحٌ ….كما للناس أرواحٌ.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. المخرج رشيد مشهراوي من مهرجان وهران بالجزائر: ما يحدث في غزة
.. هاني خليفة من مهرجان وهران : سعيد باستقبال أهل الجزائر لفيلم
.. مهرجان وهران يحتفى بمرور عام يوما على طوفان الأقصى ويعرض أفل
.. زغاريد فلسطينية وهتافات قبل عرض أفلام -من المسافة صفر- في مه
.. فيلم -البقاء على قيد الحياة في 7 أكتوبر: سنرقص مرة أخرى-