الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة بلا نهاية

خالد بطراوي

2024 / 6 / 19
الادب والفن


ذات صباح .... نهض أهل البلد ( ولنطلق على البلد حرف ن) على صوت سيارة عسكرية تستخدم مكبرا للصوت تنشر فرمان رأس هذا البلد القاضي بعكس المشاعر والأحاسيس والإنفعالات الإنسانية تحت طائلة إيقاع العقوبات بموجب قانون للعقوبات تم تعديله.
وبموجب هذا الفرمان، كان على كل مواطن أن يفرح ويرقص ويغني عند موت قريب له ، وان يولول ويبكي عند أي حفل زواج.
حصلت حالة من الهرج والمرج وأيضا الفزع إزاء هذا الفرمان لدرجة أن أحدهم ولتعاسته ضحك حتى إستلقى على ظهره أمام تلك السيارة العسكرية التي كانت تجوب الشوارع بمكبر الصوت.
فجرى إعتقاله على الفور، وأجريت له محكمة "أمن دولة" ميدانية بتهمة محاولة قلب نظام الحكم وصدر قرار باعدامه وتم تنفيذه في ذات اللحظة وعلى مرآى من الجميع الذين أصابهم الهلع وظهرت على بعضهم علامات الإستياء بل وبكت زوجته التي تم إلقاء القبض عليها وشنقها بذات المشنقة لأنها " خالفت فرمان الباب العالي بالبكاء وليس الضحك في مناسبة أليمة وفقا لقانون العقوبات المعدل الجديد".
تلقى أحدهم بطاقة دعوة لحضور مأتم بمناسبة زفاف قريب له وذلك في قاعة تم تشييدها حديثا قرب المقبرة وورد في بطاقة الدعوة ما يفرض إرتداء الملابس السوداء حدادا وتم إحضار فرقة للبكاء والعويل والنواح، وأثناء إحياء مأتم الزواج مر موكب جنازة نحو المقبرة القريبةعلى أنغام فرقة موسيقية تغني أغاني الأعراس وبموكب يطغى عليه التطبيل والتزمير وشوهدت راقصة ترقص بمجون وكان فضيلة مفتي القوات المسلحة في دولة "ن" من بين المشاركين في حلقة "الدبكة" و " الدحية" في المقبرة.
تنطحت بعض أحزاب المعارضة وأصدرت بيانات مستهجنة هذا الفرمان بينما أثنت فصائل مؤيدة لرأس الدولة على هذا الفرمان الذي " يعيد الأمور الى نصابها الصحيح"، فتم إيقاف "حنفية" التمويل على أحزاب المعارضة التي تحول عملها من العلني الى السري، وجرى الإغداق على الأحزاب المؤيدة بالأموال والهدايا.
أما مؤسسات المجتمع المدني فقد إعتبر بعضها أن ذلك يعد إنتهاكا لحقوق الإنسان وجرى إتهام قادتها بأنهم حملة "أجندة خارجية" تهدف الى زعزعة أمن وإستقرار البلد وحكم على بعضهم بالإعدام أما تلك المؤسسات التي إلتزمت الصمت أو أيدت فجرى منحها جوائز تقديرية وأوسمة الشجاعة وهدايا عبارة عن أكفان من أجود الأنواع.
أصبح ممنوعا على المواطن أن يسمع الموسيقى إلا في الأتراح، لذلك إزدهرت قاعات الأتراح التي كان ذوي المتوفى يتقبلون فيها التهاني بالوفاة وخفّ الإقبال على قاعات الأفراح التي تحولت الى قاعات ميتة.
وعندما أعلنت دولة حليفة وفاة بابها العالي إحتار رأس دولة (ن) ماذا يفعل في هذه الحالة، هل ينكسون الأعلام ويعلنون الحداد الرسمي أم يقيمون الأفراح والولائم، وهل يرسلون وفدا رسميا للتعزية أم يكتفون بإرسال باقات الورود بدلا من الاكاليل الى أن حسم رأس الدولة الأمر بإصدار فرمان إستثنائي يقضي في هكذا حالات بالتعاطي مع العادات المتبعة في بلد ذلك الرئيس الذي إنتقل الى رحمته تعالى إن كانوا من أصحاب الأتراح وقت الاتراح أو من أصحاب الأفراح وفقت الأتراح.
وتوالت الأيام والسنوات ... نما وترعرع جيل بعد جيل لا يبتسم أو يضحك إلا في الأتراح ولا يبكي ويولول إلا في الأعراس.
تم إعتقال بعض الشعراء والروائيين الذي كانوا قد كتبوا فيما مضى قصائد وروايات الفرح في الأفراح وكذلك الأمر مع فناني المسرح والسينما والفنانين التشكيليين والموسيقيين، وتم توجيه تهمة "الزندقة" لهم وحكم عليهم جميعا بأحكام عالية أقلها الأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عاما، وظهر البعض منهم على شاشات وسائل الإعلام الرسمي يعتذرون عن أفعالهم " المشينة " ويشعرون بالندم ويستنكرون إبداعاتهم ويلتمسون من رأس دولة (ن) العفو عنهم أو تخفيف الأحكام التي تم تخفيض بعضها الى (15) عاما دون الأشغال الشاقة.
هرب بعض زعماء المعارضة ومنظمات المجتمع المدني وعائلاتهم الى خارج البلاد ، وظهر بعضهم على شاشات الأعلام والفضائيات وهم يضحكون نكاية برأس دولة (ن) وبطانته " الصالحة"، وعملا بإتفاقيات تسليم المجرمين تم تسليم بعضهم الى دولة (ن) وجرى قطع رؤوسهم بالمقصلة في الساحات العامة عبرة لمن يريد الإعتبار.
عالميا أصبح هناك معسكران أو قطبان، الأول للتعاطي مع الأفراح والأتراح كما درجت الطبيعة الإنسانية والثاني لقلب المشاعر والأحاسيس الإنسانية وذلك كي يكون المرء مختلفا حتى مع نفسه.
رفع دعاة القطب الأول شعارا يقول " أيها الفرحين في العالم ... إتحدوا " بينما رفع أصحاب القطب الثاني شعار " شر البلية ما يضحك". إزداد سباق التسلح بين القطبين وزادت وتيرة الحرب الباردة والساخنة وإنقسمت الكنيسة وتباينت الفتاوى الشرعية وسيق الذين عارضوا هذا القطب أو ذاك الى غياهب السجون ... زرافات زرافات.
وما زالت الأحداث والتداعيات تتوالى .... فلا نهاية لقصتنا القصيرة هذه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص


.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟




.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و


.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا




.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف