الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار المغربي: من معارضة النظام الحاكم إلى الشيخوخة المبكرة أو الانكماش الاضطراري

عبداللطيف هسوف

2006 / 12 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


لا يمكننا الحديث عن اليسار كوحدة متجانسة، فهناك اليسار المعتدل (أو اليسار الحكومي) الذي قبل بأكذوبة ‏التناوب، وهناك اليسار الجذري (أو اليسار المتمرد المبعد) الذي رفض المشاركة بحجة ضرورة تغيير الدستور ‏قبل أي مفاوضات مع المؤسسة الملكية. لذا يجب أن نؤكد من البداية أن مكونات اليسار بالمغرب لا تحمل نفس ‏الرؤية للمشهد السياسي المغربي، بالإضافة إلى اختلاف أفكارها وأولوياتها وأهدافها. ‏

‏1- اليسار الحكومي:‏
قد نختلف على تسمية هذا اليسار، لكن المؤكد أن تسميات من قبيل اليسار الممخزن، اليسار المتقاعس، اليسار ‏المرتد عن أفكار القوات الشعبية، اليسار المدافع عن البورجوازية، اليسار المتهافت على المقاعد الانتخابية ‏والوزارية، اليسار المنقلب على أفكار الأمس... كلها تسميات تجد مبرراتها في الممارسات التي عرفتها أحزاب ‏التوافق اليسارية خلال السنوات العشر الأخيرة. إذ في ظل الإبقاء على جوهر النظام السياسي المغربي، لكن ‏بمظاهر وفاعلين جدد (سياسيين، مثقفين، فاعلين في المجتمع المدني...)، لم يتمكن التناوب الذي يخضع للتقنوقراط ‏في رئاسة الحكومة، من القطع مع أساليب العهد القديم، المتمثلة في تركيز السلطة. وبالتالي فإن التغيير المزعوم ‏فيما سمي بالعهد الجديد لم يكن سوى شكليا ملفقا. ‏
نجد داخل تحالف اليسار الحكومي هذا، الذي أصبح يدخل ضمن ما يسمى بالتحالف الديمقراطي الوطني، عدة ‏أحزاب: ‏
‏+ الاتحاد الاشتراكي: الذي تأسس عام 1975، والذي ظل قطب المعارضة في المغرب لمدة طويلة. لكنه قرر ‏مع دخول تجربة التناوب الانحراف عن أفكار بنبركة وعمر بنجلون ليرتمي في أحضان النظام ويتمسك بتلابيبه ‏بعد أن فقد الكثير من شرعيته الجماهيرية. طبعا هذا الحزب، بعد أن هاجره العديد من المناضلين الحقيقيين، سواء ‏النقابيين أو أعضاء الشبيبة، أصبح ملجأ لأجناس بشرية غريبة تبحث بالأساس عن تحقيق مصالح شخصية ضيقة. ‏
‏+ التقدم والاشتراكية: تم الاعتراف به يوم 23 أغسطس/آب 1974. ومنذ عام 1995، تخلى حزب التقدم ‏والاشتراكية عن النهج الشيوعي ليتوجه نجو خدمة النظام الملكي ويدافع باستماتة عن التوافق السياسي بالمغرب. ‏ولا يمكن إلا أن نسجل الانتهازية التي أصبحت تحكم المسؤولين في هذا الحزب. ‏
‏+ جبهة القوى الديمقراطية: تنازع إسماعيل العلوي والخياري التهامي زعامة الحزب الشيةعي المغربي بعد ‏وفاة الزعيم التاريخي علي يعتة، فحسمت لصالح العلوي، فأسس الخياري جبهة القوى الديمقراطية عام 1997. لا ‏تخفي هذه الجبهة سعيها الحثيث لتقلد المناصب الوزارية، وإن تجاهلها الوزير الأول جطو خلال تشكيل الحكومة ‏الأخيرة. ويمكن أن نسميها جبهة عائلة الخياري وليس حزبا للمناضلين اليساريين. ‏
‏+ الحزب الاشتراكي الديمقراطي: عرفت منظمة العمل الديمقراطي في منتصف التسعينيات انقساما ممنهجا ‏بين تيارين داخليين أحدهما بزعامة محمد بن سعيد الذي ظل محتفظا باسم منظمة العمل الديمقراطي، والثاني ‏بزعامة عيسى الورديغي الذي أسس عام 1996 الحزب الاشتراكي الديمقراطي. ويعد هذا الأخير حزبا يحتسي ‏من حساء النظام المخزني، ولا هم له سوى الحصول على مقاعد انتخابية تقوي اندحاره وضعفه. وقد عرف ‏بتعويم خطابه خلال الانتخابات الأخيرة وترشيح كل من هب ودب عسى أن يحصل على مقاعد بالبرلمان. ‏
ظل اليسار المشارك في الحكومة خلال العشر سنوات الأخيرة مرهونا بتحركات الملك محمد السادس، إذ ‏أصيب بشلل واضح، ولم يتمكن من اقتراح أي استراتيجية واضحة للخروج بالمغرب من رواسب العهد القديم. ‏وكان لإذعان اليسار هذا تأثير كبير على وضعه التنظيمي والسياسي. ويمكن القول إن اليسار الحكومي عجل ‏بشيخوخته حين قبل بالمشاركة في التوافق السياسي الممنوح. ‏
كما أنه من المعلوم، أن أقصى أفق أغلب أحزاب اليسار الحكومي اليوم أصبح ينحصر في الجري وراء ‏المواقع السياسية عوض اقتراح برامج سياسية واقتصادية واجتماعية تعمل على تفعيل آليات التنمية والتطوير ‏وتخرج المغرب من المأزق الذي أصبح يعيشه. بالتالي، لا يمكن التعويل على هذا اليسار الحكومي في شكله ‏الحالي لإعادة الأمل للمغاربة في تغيير شامل ينتج عنه حركية اجتماعية تركب قطار الحداثة والتقدم. طبعا لا ‏يمكن إزاحة حزب الاتحاد الاشتراكي من الخريطة السياسية للبلد، فهو، مع كل ما أسلفنا، يبقى العمود الفقري لأي ‏تغيير مرتقب بالمغرب. ومن ثم، فإن تغيير الحزب من الداخل، والعودة به إلى أفكاره الاشتراكية الوطنية الشعبية ‏لازال أمرا ممكنا. هذا إن تجند المناضلون الاشتراكيون الحقيقيون، وخاصة الشباب منهم، للدفاع عن حزبهم. ‏وتبقى هذه المهمة صعبة بالنظر إلى احتكار الزعيم والمكتب السياسي والمجالس الإقليمية للسلطة داخل هذا ‏الحزب، بالإضافة إلى غياب الديمقراطية التي تبرز عبر طرد كل من تجرأ على انتقاد آليات اشتغال الحزب ‏وتوجهاته المتناقضة مع إيديولوجيته التي تأسس عليها. أما أحزاب اليسار الحكومية الأخرى فهي ستتلاشى مع ‏مرور الوقت لأنها صنيعة مخزنية كما الحزب الديمقراطي الاشتراكي أو أعيد تشكيلها مخزنيا كما حدث مع حزب ‏التقدم والاشتراكية والجبهة المتناسلة منه. ‏

‏2- اليسار الجذري: ‏
أما اليسار الجذري، بمختلف أطيافه السياسية، فإنه يدرك محدودية الإصلاحات المعلنة منذ دخول المغرب فترة ‏التناوب السياسي على السلطة. وقد ظل هذا اليسار، الممثل لمعارضة حقيقية داخل النسيج الحزبي المغربي، ظل ‏متمسكا بأولوية الإصلاحات الدستورية، وضرورة محاربة كل أشكال الفساد السياسي والاقتصادي والإداري. لكن ‏المشكل مع اليسار الجذري، هو أنه لم يتمكن من خلق قوة جماهيرية وسياسية عريضة، إذ كانت ولا تزال تنقصه ‏الإمكانات المادية، بالإضافة إلى أن أفكاره الشيوعية الللينينية الماوية العلمانية ظلت دائما تظهر كأفكار غريبة ‏داخل مجتمع مغربي تقليدي متمسك بالدين كمحدد لاختياراته. هذا بالإضافة إلى التضييقات التي ووجه بها من قبل ‏المخزن المغربي على مر الثلاثين سنة الماضية. ونجد داخل هذا اليسار الجذري: ‏
‏+ منظمة العمل الديمقراطي الشعبي: حزب يساري (معتدل إلى حد ما) أسسه محمد بن سعيد آيت يدر عام ‏‏1983، وهو في الأصل امتداد لـ "حركة 23 مارس" (ذات التوجه الماركسي اللينيني). ساند أول حكومة للتناوب ‏حين كانت الوعود تعطى بتحقيق انتقال سياسي حقيقي بالمغرب. اتحدت المنظمة في منتصف يوليو/تموز 2002 ‏مع ثلاثة أحزاب يسارية هي الحركة من أجل الديمقراطية والديمقراطيون المستقلون والفعاليات اليسارية المستقلة، ‏مشكلة ما أصبح يعرف بـ "حزب اليسار الاشتراكي الموحد". لكن، هل ستواصل المنظمة وحلفاءها دعم حكومة ‏أبانت عن فشلها الفادح؟ ‏
‏+ حزب المؤتمر الوطني الاتحادي: تأسس في أكتوبر/تشرين الأول 2001 بعد انشقاق عن الاتحاد الاشتراكي ‏للقوات الشعبية. أسس هذا الحزب بعض النقابيين الكونفدراليين المنسحبين من الاتحاد الاشتراكي. ويمكننا أن نقول ‏إنه حزب أهل الشاوية، مشكل بالخصوص من أبناء مدينة ابن احمد التي ينتمي إليها زعيم الكونفدرالية المغربية ‏للشغل نوبير الأموي. هل القبلية والولاء لأشخاص محددين يتوافق مع الأفكار اليسارية المدافعة عن القوى الشعبية ‏والعمالية دون تمييز؟ ‏
‏+ حزب الطليعة الديمقراطية والاجتماعية: انشق هذا الحزب عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عام 1991 ‏مشكلا حزبا من أقصى اليسار، وقد نادى بمقاطعة انتخابات 1997. ويمثل الحزب المعارضة الراديكالية للنظام ‏الملكي بالمغرب. ‏
‏+ النهج الديمقراطي: اتجاه سياسي يساري متشدد يتابع طريق المنظمة المغربية القديمة "إلى الأمام"، وهي ‏حركة "ماوية" انشقت من حزب التقدم والاشتراكية منذ 1970. ويعد هذا الحزب معارضا قويا لأصحاب الانتفاعية ‏السياسية والمرتزقين الجدد داخل دواليب الحكم بالمغرب. ‏
إن مشكلة اليسار الجذري، كما أسلفنا، هي أنه ظل منغلقاً على ذاته لأسباب ذاتية تتعلق بأيديولوجيته ونهجه، أو ‏لأسباب مفروضة من خارج نسيجه (قمع المخزن له). ومن ثم، فإن اليسار الجذري لم يتمكن من أن يصبح ‏معارضة فاعلة ومتجذرة بما يكفي من أجل تغيير حقيقي لتوازنات القوى السياسية بالمغرب. هذا بالإضافة إلى ‏امتعاضه من قوى اليسار الحكومي التي خذلته بعد أن انقلبت على أفكار اليسار العلمانية الشيوعية الاشتراكية. ‏يجب على اليسار الجذري اليوم أن يغير من خطابه المغرق في أفكار السبعينيات مع المحافظة على توجهه المدافع ‏عن الطبقة العمالية والطبقة الشعبية الجماهيرية، كما أن عليه أن يشتغل على آليات جديدة تقربه من الأحزاب ‏المعارضة الأخرى، حتى وإن كانت إسلامية (معتدلة طبعا)، كي لا يبقى الطرفان متناقضان إلى الأبد. نعم، إن ‏هناك تناقض أيديولوجي بين الإسلام السياسي واليسار الجذري، لكن ضرورة التعاون على قاعدة القضاء على ‏الانتهازية والاستغلال ومحاربة الفساد، كل هذا من شأنه أن يقرب بين الطرفين. ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله