الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة (الحمار) فضح لحقيقة الإنسان الفاشل

داود السلمان

2024 / 6 / 20
الادب والفن


موضوعة "الحمار" موضوعة سلسة وميسرة، وفي ذات الوقت خصبة وتستهوي الكاتب، كما تستهوي القارئ وتشدُّ انتباهه، ذلك لمعرفة ما وراء الطرح، فالطرح يختلف من كاتب إلى آخر، وبحسب قوة رؤية الكاتب نفسه، وحسن تعبيره، وقوة الموضوع المبني على فكرة شدّ الكاتب لها رحاله، لكي يوصلها إلى القارئ، لأنّ القارئ يحدوه الفضول في أحايين كثيرة، لمعرفة كل ما يثير الجدل، ويوغل بالتحدي الفكري والبناء الذهني، والطرح الموضوعي، ومنها قضية الحمار، الحمار هذا المخلوق العجيب، والأكثر الحيوانات التي اصبح الناس تضرب به المثل بغبائه وبلاهته، وكذلك بصبره وتحمله للشدائد.
هناك كثير من الروايات والقصص والحكايات التي كان بطلها الحمار، ومادتها الموضوعات المتعلقة به. لكن من بين هذه الروايات، رواية قرأتها قبل أكثر من أربع سنوات، كان أسمها "مذكرات حمار" للكاتبة الكونتيسة دي سيجور، وهي رواية قصيرة. فكرة العمل محاولةٌ لتغيير النظرة الشاملة إلى الحمار ونشاطه الذهني، لقلب الموازين المتعلقة بهذا المخلوق، حتى يصير الحمار كائنًا ناطقًا، يشغله همٌّ واحد ألا وهو الوصول إلى درجة الإحرام في نظر الناس، وعدم النظر اليه بازدراء، ونفي صفة الغباء المفرط عنه؛ وكان الموضوع عبارة عن طرح فلسفح، نجحت به الكاتبة في طرحه، ولاقى الاستحسان من قبل كثير من القراء.
هذا العمل ذكرني به الروائي والقاص علي لفتة سعيد، من قصة قصيرة له تحت عنوان "الحمار". القصة تقع ضمن مجموعة قصصية له والموسومة بـ "ما بعد جلجامش" والتي تحتوي على خمسة عشر قصة قصيرة، كان تسلسل قصة الحمار اثنا عشر من المجموعة، وهي من إصدارات "دار الشؤون الثقافية ببغداد، الطبعة الأولى لسنة 2019.
وملخص القصة التي يطرحها القاص علي لفتة سيعيد، وبأسلوبه الشيّق الجذاب. شخص يُدعا طالب، رجل بليد اطلقوا عليه بأنه حمار، لكثرة ما يحمله من غباء، وتصرفات رعناء، حتى أن البعض أطلق عليه صفة الحمار، كون التصرفات التي يحملها طالب، هي تصرفات الحمار عينها.
الشخص الذي يسئل دائما عن طالب هذا، ويدعى "صمد"، (أما لماذا أطلق عليه الكاتب هذا الأسم؟، فهو لم يصرّح) وبعد أن أدرك بأن طالب هذا هو حمارا، صارت نفسه تميل الى حمارية هذا الشخص، أو صار لديه يقين ساطع، بأنّه فعلا حمار. فراح يقفو أثره ويستمع أخباره عن كثب، كما أنه حين يجن الليل، يسمعون أصوات من صوب مسكن طالب، أصوات حمير بشكل مستمر.
وفي يوم من الأيام فكر "صمد" أن يخرج خروج اللص المعترف، ليتسلق جدار بيت طالب، ليتأكد من هذه الأصوات.. ويالهول ما رأى: مجموعة من الحمير، وكلُّ حمار ينط على أنثاه بمنظر دراماتيكي. صمد شاهد الحمار "كيف ينهق خانقا روحه، ورأى زوجه التي التقاها مرتين فقط، وقد تحولت هي إلى أنثاه فيما راح يصعد فوقها...ثم نهق واضعا قائمه الأمامي على فمه" (القصة).
وتنتهي القصة بنهاية موفقة، ترتطم بجدار الرمز، نهاية تدع القارئ في حالة من الذهول، لأنّ القصة، وكما هو واضح، تمتاز بالرمزية العالية، ومن فلسفة القضايا الرمزية لها أكثر من تفسير، وأكثر من تحليل وتأويل، بل وأكثر من وجه، يمكن للقارئ أن يميل إلى الوجه الذي يجده مناسبا، ويتلاءم مع الوجه الذي يتبناه، وينسجم و واقعه الذي يعيشه.
فقد تُفسر بحيرة الإنسان المعاصر، الذي يعيش الازدواجية وتنتابه حالة التناقضات المجتمعية، وعدم وضوح كثير من الأشياء، وثمة غموض واضح، وظلام دامس، يلوح في فضاء الوضع العام لهذا الانسان. الذي يعيش هذا العصر ولا يعرف ما يدور في عوالمه من متاهات. العصر الذي فيه تعدد الأفكار والايديولوجيات، والأطر المعرفية، والسياسات الخاطئة، فهو لا يكون إلّا حمارا، هدفه في الحياة حمل الأثقال، فبداية يومه كنهايته، وأيامه تشبه بعضها البعض، حيث لا يوجد من متغيرات، ولا هو يمتلك متبنيات يبني عليها آماله ومستقبله، ويشعر في ذات نفسه بأنه بشرا سويّ. وهذا هو ديدن الفاشلين، العاجزين عن ايجاد حلول لمشاكلهم، الأغبياء حقا، المتمسكين في الماضي، ولا يعيشون الحاضر، بل عاجزين حتى عن التفكير، كالحمير لأنهم لا يفكرون، ويصفنون بلا معنى ولا هدف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إذا ذكر العود ذكر نصير شمة من عظمته وفنه الفريد من نوعه


.. خيارات صباح العربية للمشاهدة هذا الأسبوع في السينما والمنصات




.. الفنان ناصر نايف يتحدث عن جديده مع الملحن ياسر بوعلي وموعد ط


.. -أنا محظوظ-.. الفنان ناصر نايف يتحدث عن علاقته بالملحن ياسر




.. من عالم الشهرة إلى عالم الإنتاج السينمائي.. صباح العربية يلت