الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطفال غزة ... كبش فداء المشاريع السياسية

مهند صلاحات

2006 / 12 / 14
القضية الفلسطينية


شهدت غزة قبل أيام مذبحة لا إنسانية، كانت الأولى من نوعها التي تشهدها غزة المنكوبة منذ سنوات، فهذه الجريمة لم تأتِ على أيدي قوات الاحتلال الصهيوني لتضاف لسجل الجرائم اليومية هناك، ولكنها جاءت جريمة "سياسية" بالطراز الأول، استغل المجرمون فيها حالة الفلتان الأمني الذي هو في الأصل نتاج مشترك بينهم وبين الاحتلال لتنفيذها.
الوقوف والتباكي على الأطفال لن يعيدهم، ولن يشفي صدور الأمهات التي تبكي عليهم بحرقة ومرارة، على أرواح هؤلاء الأطفال الصاعدين للسماء، والجاني الذي كما يقول المثل العامي عنه: "يقتل القتيل ويمشي بجنازته"، يجلس في بيت العزاء، ويطلق التصريحات الصحفية، ويعزي والد الأطفال.
القاتل الذي حوّل الأطفال "لكبش فداء" لمعركته السياسية مع خصومه، يملك من الجرأة والوقاحة لأن يقف في صفوف المعزين، ويندد، ويطالب، ويشجب، ويستنكر، ويحمل المسؤولية بشكل مباشر وغير مباشر.

والأسئلة التي تطرح نفسها كثيرة، لماذا هؤلاء الأطفال تحديداً ؟
لماذا في هذا الوقت تحديداً ؟
لماذا "الأطفال" تحديداً ؟
ولماذا مثل هذه التصريحات الآن ؟

هؤلاء الأطفال كان ذنبهم الوحيد أنهم أبناء أحد جهاز المخابرات الفلسطينية، الذي هو ضمناً محسوب على تيار حركة فتح، وكذلك من الأشخاص غير المتورطين بقضايا الفساد، والقاتل اختار أبناء المُقدم بجهاز المخابرات الفلسطينية من عائلة (بعلوشة) بدقة، كي تظهر الجريمة بأنها ليست ثاراً شخصية بينه وبين والد الأطفال، أو العائلة، بل ليبدو المشهد بأنه اعتداء على أبناء حركة فتح تحديداً في داخل الأجهزة الأمنية.
ولماذا في هذا الوقت بالذات، لنسأل أنفسنا ما الذي طرأ على ساحة غزة بشكل خاص، والساحة الفلسطينية بشكل عام حديثاً يستعدي جريمة بهذا الحجم لتهز الشارع الفلسطيني، وتقلب الموازين ؟
لا يخفى على أحد المحاولات الحثيثة لعدد من أعضاء حركة فتح من قادة الأجهزة الأمنية السابقين، الساعية لإسقاط الحكومة الفلسطينية التي شكلتها حركة حماس مستغلين المأزق المالي الذي وقعت به هذه الحكومة، مستغلين حالة التجويع التي يعاني منها الشعب الفلسطيني في تأجيج الشارع عليها، وخاصة بأنها كانت تقف على حبل الصراط المستقيم، فلا هي قادرة على التخلي عن خط الإخوان المسلمين والروابط السعودية القديمة، ولا هي قادرة على اتخاذ موقف جدي تجاه الحلف السوري الإيراني ضد أمريكا وحفائها من السعوديين وغيرهم، وهذا ما جعل حماس، والحكومة التي شكلتها تقع في المأزق المالي الكبير، فوقوفها كما كانت في السابق في المعسكر السعودي، يعني أنها وقفت في الدائرة الأمريكية وأصبحت مطالبة بتقديم اعتراف خطي عالمي بإسرائيل، وإنهاء القضية الفلسطينية. أما وقوفها في الدائرة الإيرانية السورية التي تقف وجهاً لوجه ضد التيار الأمريكي السعودي في المنطقة العربية، والذي استطاع أن يكسب لطرفه العديد من حركات التحرر العربية مثل حزب الله في لبنان، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وغيرها، يعني أنها أعلنت الحرب على الخصم، بالتالي ستبقى ضمن دائرة الرهان على هذا الحليف الذي أثبت قدرته على الوقوف بجانب حلفائه، كما فعل مع حزب الله في لبنان قبل وبعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة. فقررت حماس أخيراً كسر عزلتها، وترددها في اتخاذ القرار، وأعلنت موقفها بوضوح، وسارت باتجاه قطر الوسطية، وحلف "سوريا إيران" وحلت أزمتها المالية، تلك الأزمة التي كان أعداؤها يراهنون عليها بقوة في أن تسقط الحكومة، والآن وبعد أن قطعت عليهم حكومة حماس فرصة الإطاحة بها بسبب الأزمة المالية، بعد أن حصلت على مئات الملايين من الدولارات من قطر، وإيران تحديداً، وبعد تلقيهم تعهدات إيرانية باستمرار الدعم للحكومة، كان لا بد لهؤلاء الخصوم البحث عن طريقة سريعة وفعالة تؤجج الشارع على الحكومة من جديد، بعد أن هدأت وتيرة الهجوم عليها بعد تلقي وعود بتسديد الرواتب التي لم تُدفع منذ أكثر من تسعة شهور مضت، ولأن هؤلاء الخصوم مدركون مدى ارتفاع نسبة العاطفة لدى الشارع الفلسطيني، فقد لعبوا في هذا الاتجاه، فوقع الاختيار على أطفال ضباط جهاز المخابرات الفلسطينية، من أبناء حركة فتح، غير المتورطين في الفساد، ليكونوا كبش الفداء الذي يتم فيه تأجيج الشارع على الحكومة الفلسطينية، بعد أن بدأت تضع قدماً في اتجاه إنجاح مشروعها في الصمود أمام الضغط الإسرائيلي و العربي والأمريكي والعالمي في تقديم اعتراف مجاني بإسرائيل كما فعل صانعوا أوسلو سابقاً.
تلا عملية الاغتيال التي نفذها مسلحون في وسط مدينة غزة، في وضح النهار، تصريحات صدرت عن الذين ظنوا أنهم يلعبون لعبة متقنة، فشرعوا من ناحية أخرى يثيرون الرعب في الشارع الفلسطيني من تفشي ظاهرة "الحركات الإٍسلامية المسلحة"، مشبهين الوضع في فلسطين بأنه يعيد للأذهان الجزائر سابقاً، ومما جاء في تصريحات أحدهم: انه وطوال خمسين عاماً في النضال والقتال ضد الاحتلال، حيث كانت هناك العديد من الاختلافات والاجتهادات، لكن الأمر لم يصل إلى حد ذبح الأطفال بهذه الطريقة التي تعيد إلى الذاكرة الأحداث التي كانت تشهدها الجزائر في فترات سابقة".

هذه التصريحات تحمل بشكل فعلي اتهاماً صريحاً للحركات الإسلامية المسلحة بقتل الأطفال، وبما أنه مؤخراً ظهرت حركة إسلامية مسلحة "مشبوهة" قامت بعدد من التفجيرات في مقاهي الإنترنت بغزة، في محاولة لوسم الحركات الإسلامية ككل –الجهاد الإسلامي وحماس تحديداً- بالإرهاب والتشدد، فإن محاولات هؤلاء قد غدت مكشوفة، سواء بدعم متطرفين جدد مجانين ظهروا باسم "جيش الإسلام" ليسموا غيرهم بالتطرف والإرهاب، أو بقتل الأطفال.
القاتل يجلس مع المعزين، بأخذ العزاء، ويهدد، ويشجب، ويستنكر، ويعيد إلى الأذهان مذابح الجزائر التي قام بها المتطرفون هناك، ويحاول إسقاط الحدثين على بعضهما.
تماماً كما تفعل أمريكا في حربها بالعراق، حين تفجر مساجد السنة والشيعة لتؤجج الصراع بين السنة والشيعة، وكما فعلت من قبل في فيتنام، حين فجرت الأسواق لتأجيج الشعب ضد المقاومة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع