الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضحايا محرقة عزة.. كثمن لوقف الحرب وليس التحرير!

سليم يونس الزريعي

2024 / 6 / 21
القضية الفلسطينية


عندما يحاول بعض مسؤولي حماس ونشطاء بعض القوى السياسية التي تدور في فلكها تبرير سقوط هذا الكم غير المسبوق من الضحايا المدنيين من أهل غزة في حرب الإبادة التي شنها الكيان الصهيوني عليهم في أعقاب عملية طوفان الأقصى؛ بأنه "ثمن مستحق"، سواء جاء ذلك بلغة فجة صادمة وبشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، فهو يعكس عدم الإحساس بالمسؤولية، وربما هو قصور ذهني لدى البعض ممن يمكن حسابهم على القطيع الذي عليه أن يردد وينشر ما يلقن به، وهناك من يعي تماما ما يقوله باعتباره حقا شرعيا، ومن ثم فإن على الشعب أن يضحي من أجل هذا التنظيم الرباني، ضمن نظرية الشعب في خدمة الحزب الرباني وعليهم أن يحمدوا الله أن الحزب المبارك منحهم فرصة التضحية بأنفسهم وعائلاتهم ونيل الشهادة فداء للتنظيم.
لكن لا بأس من محاولة إقناع المشككين والطابور الخامس بأمثلة لما قدمته شعوب أخرى تحررت؛ لتبرير ضحايا محرقة غزة، وهنا لا بأس من القياس على مثال فيتنام والجزائر بكل الرومانسية الثورية التي رافقت نضالهما المدعوم من المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي آنذاك، للقول إن سقوط أكثر من 132 ألف شهيد ومفقود ومصاب وتدمير غزة ، هو من أجل التحرير، وهنا تبدأ عملية التدليس ولي الوقائع لتبرير سلوك حماس وذراعها العسكري، عندما يعتبر أن هذا العدد من الشهداء هو ثمن مستحق، أسوة بما قدمته الثورة الفيتنامية والجزائرية، وهو للأسف قياس يفتقد للنزاهة الفكرية، وذلك لأن الشرط الذاتي والموضوعي لكلا الثورتين لا يتوفر لدى حماس، سواء في فيتنام أو الجزائر، اللتان كانت ثوراتهما تمثلان الكل الوطني سياسيا وكفاحيا، في حين أن طوفان حماس لا يمثل رؤية وطنية شاملة سياسية وعسكرية وتنظيمية تحت عنوان فلسطيني جامع، ومن جانب آخر فإن فيتنام والجزائر خاضتا معاركهما في ظل حواضن وطنية وعالمية وقوى ثورة عالمية، ورأي عام دولي مساند ,هو غير متوفر لدى حماس حتى من قبل دول الجوار العربي.
أضف إلى ذلك أن المشكلة في نموذج غزة أن حماس كفرع لتنظيم الإخوان المسلمين في فلسطين، تصرفت وكأن حل الصراع مع الكيان الصهيوني هو حق حصري رباني هي مكلفة به، وهو معركة دينية، متجاهلة أن الصراع له أبعادة الأيديولوجية والسياسية والدبلوماسية والثقافية والاقتصادية، والاجتماعية، وهو صراع حضاري في الجغرافيا والتاريخ، يجب أن يشارك فيه الكل الفلسطيني، وهو هنا فعل بشري، ولا يحتمل أن يضع طرف ما نفسه فوق الجميع باعتباره مكلف ربانيا للقيام بذلك.
إن بؤس مقاربة البعض ما يجري في غزة الآن بتجربة الجزائر وفيتنام هو نوع من التعسف في المقاربة إن لم يكن قصورا في فهم الشرط الذاتي والموضوعي للثورتين مقارنة بواقع قطاع غزة الذي هو عبارة عن سجن كبير مفتوح جرى تدشينه في 14 يونيو 2007 عندما أزاحت حماس بالقوة السلطة الفلسطينية وحلت محلها بصفتها فرع حركة الإخوان المسلمين في فلسطين دون أن يعني ذلك بالمقابل أن سلطة فتح كانت مبرأة من الأمراض البشرية بكل أشكالها ومنها خطيئة أوسلو وما جرته من خراب سياسي وأمني نحصد نتائجه حتى الآن. لكن البديل الذي هو فرع الإخوان المسلمين الذي قبض على رقبة غزة منذ ذلك الحين كان الأسوأ.
ويمكن القول على ضوء المعطيات والوقائع أنه لا يتوفر لدى حماس أيا من الشرطين الذاتي والموضوعي، أولا هي لا تتمتع بشرعية دستورية، كونها سلطة أمر واقع غير قانونية، انقلبت على الشرعية التي كانت هي جزءا منها، كتجلي لذهنية الاستحواذ ورفض الشراكة مع الآخر، الأمر الذي جعلها تقدم على ذلك السلوك الدموي الذي قسم المشهد الفلسطيني سياسيا وجغرافيا، وما يزال، الأمر الثاني أن قطاع غزة تحول إلى سجن كبير مفتوح، بأن أقفلت الحدود البرية والبحرية ودمر المطار بعد استيلاء حماس على السلطة لتساهم هي في تحويل القطاع إلى سجن معزول عن العالم، كي تمارس نزوعها السلطوي على سكان القطاع وفق نموذجها الفكري، وثالثا تسبب الطوفان ليس في عودة الاحتلال الصهيوني للقطاع ، وإنما في استقدام الوجود الأمريكي المباشر العسكري والسياسي، بأن بات الأمريكي يتصرف كصاحب قرار في غزة وبدعم من الاتحاد الأوروبي وجاء قرار مجلس الأمن 2735 ليرسمه أمميا.
ليكون السؤال هل الـ6 في المائة من سكان غزة الذين سقطوا بين شهيد ومفقود ومصاب هم ثمن تحرير القطاع بعد عودة احتلاله مجددا؟ أم هو من أجل تحرير فلسطين؟ مع أن خطاب متحدثي حماس لم يعد يتحدث عن التحرير، وإنما عن وقف إطلاق النار الذي أصبح هو وانسحاب قوات الاحتلال من غزة هدف طوفان الأقصى، فهل من أجل هذا سقط كل هؤلاء الضحايا فيما السنوار وعائلته وقادة حماس يحتمون بالأنفاق؟
ولعل السؤال الحارق إذا كان حسن نصرالله يقول إن وقف الحرب على قطاع غزة هو السبيل الوحيد لوقف إطلاق النار من جبهات لبنان والعراق واليمن، فهل دفع هؤلاء الضحايا حياتهم ودمرت غزة التي أعيدت عقود إلى الوراء من أجل وقف إطلاق النار، هو نتيجة لغارة 7 أكتوبر. وليس من أجل التحرير..؟ ثم يأتي من يقول إن الطوفان حقق تغييرا استراتيجيا، بأن وضع القضية الفلسطينية على جدول أعمال العالم ، لكن فات من يقول بذلك، أن يوضح لنا ضمن أي سياق وُضعت، هل هو الإيجابي أم السلبي؟ الوقائع والترتيبات تقول إنه مشروع لتصفية القضية الفلسطينية ،وهو الأسوأ حتى الآن..
وفي تقديري أنه لا يجب بأي حال التسليم أنه قضاء لا يمكن رده، لو حسنت النوايا، لكنه يحتاج أن تغادر حماس مربع الانقسام نحو عنوان فلسطيني جامع تنظيميا وسياسيا وكفاحيا بعيدا عن تضخيم الذات وذهنية الوصاية الكفاحية وهي التي انتظرت عقدين من الزمن حتى التحقت بالثورة الفلسطينية.. فهل تفعلها حماس؟ الكرة في مرمى السنوار داخل أنفاق غزة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجحت إسرائيل بفك ارتباط جبهة قطاع غزة عن لبنان؟


.. شهادة نازح سوداني من ولاية الجزيرة: دفنا 172 جثة




.. الاتحاد الأوروبي يناقش تعليق الحوار السياسي مع إسرائيل.. ما


.. واشنطن بوست: نتنياهو يعتزم تقديم اتفاق لبنان هدية لترمب وإسر




.. نازحة فلسطينية: -بنعيش أوضاع صعبة.. الأكل على التكية والشرب