الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رابعة لأوباما أو ثانية لترامب

طارق الهوا

2024 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


الذين يترقبون المناظرة بين الرئيس الأميركي الموجود أمام الناس والرئيس السابق دونالد ترامب في السابع والعشرين من هذا الشهر، يجب عليهم فهم ما يدور في المجتمع الأميركي اليوم أولا، قبل التحيّز لأي منهما. معرفة التحالفات التي يمثلها الرجلان قد تعطي فكرة مسبقة عن الفترة الرئاسية الأميركية القادمة، وهل ستكون لحسين أوباما أو لدونالد ترامب، لأن كل الوقائع الظاهرة توضح أن بايدن لا يحكم بنفسه الآن، ولا يستطيع أن يحكم مستقبلا.
هناك مقابلة تلفزيونية على "يو تيوب" قال فيها أوباما حرفياً انه يتمنى أن يكون الهامس الخفي من الخلف في أذن رئيس بدون أن يتحمل المسؤولية.
لم يحدث في تاريخ الرئاسة في الولايات المتحدة أن قال رئيس سابق عن مرشح رئاسي "من يصوت لبايدن فقد صوّت لي". عبارة رددها حسين أوباما أمام الناخبين في عدة تجمعات سنة 2020.
لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة أن رافق رئيس سابق رئيساً حالياً في جولة جمع تبرعات لإعادة انتخابه فترة ثانية. فعل هذا الأمر حسين أوباما مع بايدن عدة مرات آخرها في حفل جمع تبرعات من نجوم هوليوود الليبراليين لصالح بايدن.
دونالد ترامب مرشح رئاسي يواجه الدولة العميقة في أميركا، والنخب المرتزقة المؤثرة فنيا وإعلاميا وسياسيا واقتصاديا التي تدّعي الليبرالية ولا تفهم معناها الحقيقي، كما يواجه أخطر عقيدة في القرن الواحد والعشرين يؤمن بها نخب وأقليات تعيش في الغرب.
عقيدة "الووكيزم" التي تضم اليسار بكل أطيافه والتيار العالمي للإخوان المسلمين والليبراليين وأنصار المثليين وعناصر من الأقليات في الغرب بشكل عام، وهي عقيدة تهدف صراحة إلى إلغاء ثقافات الغرب، واستئصال هوياته الوطنية أو قيمه التي تتعارض مع عقيدة "الووكيزم"، لإعادة كتابة التاريخ بواسطة أصحاب المظلومية ضد الغرب الاستعماري، وتعميق أزمة قيم الغرب، وتشجيع وحماية الهجرة غير الشرعية إلى الغرب وحده، وإلغاء معتقدات الغرب كافة ومرجعياتها بشكل نهائي، وتعميق "وسواس جلد الذات" من خلال تأنيب الغرب على ماضيه كله، بما فيه عصر النهضة، لأن كل شيء بناه الغرب، حسب "الووكيزم"، كان على استعباد الشعوب الضعيفة وغزوها ونهب ثرواتها.
هكذا يكون الغرب وحده محاصراً ومطالباً باعتذارات علنية عن ممارساته أو حتى تنويره، وليس من مارس الاستعمار الاستيطاني الديني وبيع العبيد ومحو الثقافات واللغات، على سبيل المثال.
دونالد ترامب هو القاطرة التي تقود هوية الغرب التقليدية وتدافع عن معتقداته وثقافاته في الولايات المتحدة، والقائمون على عقيدة "الووكيزم" يصطفون ضده من أجل هدم البلد نفسه، ويتحركون مـن مشروعية الدفـاع عـن حقـوق الأقليات الإثنية التي عانت التمييز بســبب العــرق أو اللـون، رغم أن الغرب قد أنصفها بالتصحيح السياسي، إلــى التركيز على ضرورة تسيّد هذه الأقليات بعد معاناة تاريخية، ويستعملون قنبلة مسيلة للدموع كتعمية خبيثة هي فرض فوضى الشك في مسلَّمة الأســرة التقليدية (أب وأم وأولاد) كنموذج للزواج القانوني، وتسويق معاملة أي مـيل جنسي مثلي على أنه طبيعي، بل أخلاقي يجب أن يُحترم ويُقبل من الأكثرية السوية جنسياً.
عقيدة "الووكيزم" تختبىء وراء شعارات اجتماعية يتبناها ويمولها أيضاً مؤمنون بنظرية إعادة الهيكلة العظيم للعالم Great Rest ونافذون في أنشطة العدالة الاجتماعية ومؤسسات حقوق الانسان والمؤسسات الدولية والمجتمعات المدنية والنخب السياسية والاقتصادية والفنية، والجميع يهدفون إلى مكافحة الشر المتمثل فــي قيم الغرب والهويات والدول الوطنية والمرجعيات الثقافية والدينية في المجتمع الغربي، بدون الاشارة إلى ماهية بديل "التغيير" بوضوح.
أدوات "الووكيزم" هي تحفيز أفراد المجتمع على جمع الثروة والمتعة والاستهلاك، ونشر ثقافات غريبة عن المجتمع خصوصاً في دور العلم، والتشكيك في إنسانية الثقافات الغربية الحالية، وتضخيم رهاب الاسلام والمثليين والتحول الجنسي والجنس genderphobia عبر شبكات اجتماعية وسياسية واقتصادية، وعلى مواقعهم على شبكات التواصل، بالتزامن مع نشر فوضى في هيكليات المجتمعات، لهدم نتائج عصر التنوير ومفهوم الدولة ودور الشرطة في حماية المجتمع، من خلال فرض عقيدة جديدة غير متسامحة مع الآخر الظالم، متسلحين بحقوق الإنسان وهي من ثمار عصر التنوير.
العقيدة الهلامية الجديدة ينشرها رجال تسويق وعلاقات عامة، يتمثلون في رؤساء دول ورؤساء وزراء وناشطين في مجالات كثيرة ورجال دين مسيحيين نافذين جدا وأصحاب نظرية "أستاذية العالم"، ويحاربون في دول الغرب كافة لإسقاطه، وقد بدأ أقصى اليمين القومي في عدة دول أوروبية يفيق من وطأة وساوس جلد الذات والخجل من ماضيه الاستعماري، وينتبه إلى حقيقة ما يُحاك لهدم ثقافاته، من خلال عقيدة "الووكيزم".
دونالد ترامب يمثل أقصى اليمين القومي الأميركي، وهو جزء من أقصى اليمين القومي الدولي، ويحتاج إلى جرأة وقوة التصويت نفسها التي أوقفت إلى حد ما مسيرة "الووكيزم" في الاتحاد الأوروبي في الانتخابات الأخيرة، وما يحدث لترامب في المحاكم من مسلسل قضايا سياسية لا ولن تنتهي، عبارة عن جرس إنذار لمن يفكر أن يحذوه حذوه.
هل يستطيع ترامب ومناصروه والمؤمنون بالوطن الأميركي كما هو ربح ولاية ثانية في الانتخابات الأميركية القادمة، أم يفوز بولاية رابعة حسين أوباما، أحد أخطر رجال الووكيزم في العالم، الذي يبشر بها بشكل مستتر بعيداً عن الإعلام في منتديات دول أوروبا الغنية المؤثرة في القرار والتشريعات، بعدما عمل على تنفيذها خلال وجوده في البيت الأبيض، إلى أن حل كما أراد رئيساً غير مرئي يهمس من خلف رئيس مرئي بدون أدنى مسؤولية تقع عليه مباشرة.
هل يستطيع رجل ثانوي هامشي بدون كاريزما أو شعبية أو ماض سياسي مهم لا يعرف أين هو أحياناً وينصح نتنياهو بعدم التوغل في روسيا (بدلا من رفح) ربح انتخابات من رجل بكامل لياقته الذهنية وصاحب كاريزما كدونالد ترامب؟ أو أن التحالفات الكبرى وراءه هي التي ستربح؟
أي خطاب لرئيس أميركي أو مناظرة أو حتى مقابلة إعلامية يقف وراءها مهندسو سياسة وعلاقات عامة ومخرجين ينصحونه بما يقول. لا شيء ارتجالياً في أميركا. الصورة أهم من المضمون أحياناً.
إذا تحمس دونالد ترامب وحاول المقاطعة أو استفزاز أو تحقير بايدن ولم يتركه يفضح خرفه وجهله وضعفه بنفسه ليحكم عليه الناخبون ويشكك فيه المناصرون، فمعنى ذلك أن ترامب وفريقه سيخسرون الانتخابات القادمة مرة ثانية كما حدث منذ أربع سنوات.
تركة ثقيلة جدا سيتعامل معها ترامب إذا فاز، أخطرها انتشار أجندة "الووكيزم" بكافة انتمائاتهم وسيرهم في مسار واحد، وعدم سير باقي الاميركيين كافة في مسار واحد رغم خلافاتهم السياسية، كما عهدناهم حتى صححت أميركا سياساتها تجاه الأقليات، وجعلت حسين أوباما رئيساً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن وترامب وجها لوجه | #أميركا_اليوم


.. منذ 7 أكتوبر.. أميركا قدمت مساعدات أمنية لإسرائيل بقيمة 6.5




.. السباق إلى البيت الأبيض | #غرفة_الأخبار


.. بدء الصمت الانتخابي في إيران.. 4 مرشحين يتنافسون على منصب ال




.. مراسل الجزيرة يرصد تطورات استمرار احتجاجات كينيا رغم تراجع ا