الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقامة نصف العلم لا أدري .

صباح حزمي الزهيري .

2024 / 6 / 22
الادب والفن


طلب الدكتور تحسين في نهاية جلسة الصالون , كتابة مقامة عن مقولة ( نصف العلم لا أدري ) , فأدبجت له الآتي :
سُئل الإمام مالك عن 48 مسألة وأجاب منها بـ 32 مسألة بلا أدري , وجاءه رجل بأربعين مسألة فما أجابه منها إلا بخمس , وكان يقول جُنّة العالم قوله: لا أدري , فإذا أضاعها أصيبت مقاتله, و قول ابن عمر: (( العلم ثلاثة : كتاب ناطق, وسنة ماضية, ولا أدري)) , وكما قال أحد الحكماء فإن ((لا أعرف)) هي نصف العلم , فالناس يدري ويدري أنه يدري فذاك العالم فاحترموه, ويدري أنه لا يدري فذاك طالب العلم فعلموه, ولا يدري أنه يدري فذاك الغافل فنبهوه, ولا يدري أنه لا يدري فذاك الجاهل فتجنبوه.
أذكر في ايام الدراسة الجامعية في السبعينات وفي مادة الفكر القديم درسنا المدرسة اللاأدرية , وهي توجه فلسفي يُؤمن بأن القيم الحقيقية للقضايا الدينية أو الغيبية غير محددة , ولا يمكن لأحد تحديدها, خاصة تلك المتعلقة بالقضايا الدينية,و وجود الله وعدَمِه وما وراء الطبيعة, والتي تُعتبر غامضة ولا يمكن معرفتها, ومع ذلك, فقد صُنف اللاأدريون مؤخرًا إلى فئات مختلفة تشتمل على : لاأدري مُلحد هو الذي لا يؤمن بوجود معبود, ولكنه لا يدعي معرفته من عدمها , وفى مجتمعنا العربى نخلط كل ما يحدث تحت مسمى الإلحاد متجاهلين أن الأمر أكثر تشعبا من ذلك وأن هناك (ملحد, ولادينى, ولا أدرى) , واللاأدريون هم الذين يعتقدون أن كل ما تجاوز التجربة تجاوز الفهم أيضا, وبالتالي فإن أي ظاهرة غامضة لا يمكن إخضاعها للتجربة هي حقيقة حتى لو عجزنا عن فهمها .
ومن تفاصيل عملي في دوائر التحليل وأعداد المواقف كان هناك سحرا لكلمة لا أعرف , تتعزز بها الثقة , وتترصن المواقف , وتعطيك الكاريزما والجاذبية , وتدفع للبحث عمن يعرف , وفي الدبلوماسية كانت هناك مرادفات تحل محلها وتؤدي الغرض : (( لا أعرف, ولا أدري , وليس لي علم بالموضوع , لا أدرك الموضوع بكافة جوانبه لعلي أدركه, هل نسأل فلاناً لعله يعرف ؟ )) , وأذكر ان السفير وداد عجام قال : (( متى كانت لديك كل الأجوبة عندما يطرح أحدهم أي موضوع مثير, فكن لبقاً ودبلوماسياً بالقدر الكافي واعلم متى تتكلم )).
يقولُ المؤرخُ الدمشقيُّ الشهيرُ إسماعيل بنُ كثير في كتابه «البداية والنهاية»: (( دخل رجلٌ على المهديِّ الخليفةِ العباسي ومعه نعلٌ يحملُها بيدِه , وقالَ هذا نعلُ رسولِ الله, قالَ المهديُّ لمن كانَ فِي مجلسِه : والله إنّي لأَعلمُ أنَّ هذا الرجلَ كاذبٌ , وليستْ هذه بنعلِ رسولِ الله , ولكنّي لو رَددتُه لذهبَ يقولُ للنَّاسِ أهديتُ الخليفةَ نعلَ رسولِ الله فلم يقبلْهَا, فتصدقُه الناسُ فاشترينَا لسانَهُ بعشرةِ آلافِ درهم)) , وعليه مهمَا توقَّعتَ أنَّ المنطقَ ونظافةَ التفكيرِ كافيانِ في صون الوعي العام , من الأباطيلِ والخرافاتِ والهلوساتِ العامة, والأكاذيبِ المصنوعة, فمن المؤسف القول , أنَّ هذا غيرُ صحيح , وإنَّ درعَ الوعيِ هذا غيرُ موجود, أو هو غيرُ موجود للوعيِ الجماهيريِّ العام , مع أنَّه (لو خَلتْ خَرُبَتْ) كما قِيلَ مِنْ قَبل , ولا ننسى أن افتراق الأمة كان بسبب هؤلاء (المُنَصِّـفين) الذين يأخذون بالنصف ويتركون النصف الآخر, فالخوارج مثلاً أخذوا آيات الوعيد وتركوا آيات المغفرة , والمرجئة أخذوا آيات المغفرة وتركوا آيات الوعيد, وهكذا الحال في باقي الطوائف أخذوا جانباً من القرآن وأغفلوا جوانب أخرى, وهنا أكد القرآن على هذا المعنى فقال (الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) (الفرقان: 59), فلا تسأل متعالما عن الله فإنه حتما مضلك, ولا تسأل أنصاف المتعلمين ولا أنصاف القراء, وذلك ينطبف على كل مجالات الحياة وفروعها, عليك بأهل الخبرة الملمين بجوانب الأمور, ودعك من هؤلاء المتعالمين المدعيين للثقافة زوراً.
ايمانويل كانط آخر فلاسفة عصر التنوير فى التاريخ الأوروبى رأى أن : (( الحقيقة تستمد قيمتها من ذاتها , وليس لتحقيق مصلحة , ولا يجب الافتراء على الآخرين , حتى لو كانت نوايانا صالحة , لأن الحقيقة واجب أخلاقى )) , وهذا دفعه للقول أيضا : (( لا أخاف الا من شيئين , النجوم فوقى فى السماء , والقانون الأخلاقى فى داخلي )) , وللأديب مارك توين مقولة على مقاس الايمان والقناعة : ((اذا لم تقل الحقيقة , فاسكت , وما أكثر أعداء الحقيقة , كلما نطقت بحقيقة جديدة , كلما كسبت أعداء جددا )).

بالاستقراء يتبين أن معظم المشكلات في كل المجالات المختلفة سببها أنصاف المثقفين, أنصاف العلماء, أنصاف المهندسين, أنصاف الأطباء, أنصاف الاقتصاديين... فالجاهل لا يستطيع أن يصنع سفينة أما العالم فيصنع أمتن السفن لأنه يملك أدوات المعرفة وقوانينها, أما النصف عالم فيصنع لك سفينة لتغرق بها في منتصف البحر, فهو يمتلك أدوات المعرفة لكن لا يملك قوانينها, أين تكمن المشكلة ؟ الجاهل لا يؤذي إلا نفسه, فهو لا يستطيع حتى أن يبرهن على أقواله, أما نصف المثقف هو أشد خطراً من الجاهل, ونصف المعرفة أشد خطراً من الجهل, فالجاهل قد يحثه جهله على التعلم , أما المتعالم فقد حاز القشور وترك اللب فظن أن العلم هو هذه القشور, فلا هو عالم فينتفع بعلمه ولا هو جاهل في نظر نفسه فيتعلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصير شمة في بيت العود العربي


.. مفاجاة صارخة عرفنا بيها إن نصير شمة فنان تشكيلي ??? مش موسيق




.. مش هتصدق عينيك لما تشوف الموسيقار نصير شمة وهو بيعزف على الع


.. الموسيقار نصير شمة وقع في غرام الحان سيد درويش.. شوفوا عمل إ




.. بعيدا عن الفن والموسيقى.. كلام من القلب للموسيقار نصير شمة ع