الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتهاك حقوق الطفل في العراق... واختلال البنية المجتمعية - 1

علي وتوت

2006 / 12 / 14
حقوق الاطفال والشبيبة


إن ظاهرة انتهاك حقوق الأطفال في العراق لا يمكن قراءتها سوسيولوجياً إلا بمحاولات المساءلة الصريحة لسلوكياتنا الاجتماعية، وأنماط حياتنا السائدة. فالظاهرة تشيع في مجتمع العراق بمختلف فئاته وجماعاته وأطيافه وتفرعاته، فلا يكاد يخلو منها بيت من البيوت، مهما كانت انتماءاته الثقافية ومستواه الاقتصادي. إذ يستغل الأطفال وتنتهك حقوقهم ويحرمون من براءتهم، في العنف الموجه إليهم في البيوت، ومحال العمل، مثلما يتم استغلال براءتهم وذلك بتشغيلهم في المحلات والورش (بشكل مجاني في معظم الأحيان) مع الوالدين أو الأقارب أو حتى الغرباء، في حالات العوز الاقتصادي للعائلة. كما يتم مصادرة حرياتهم ورغباتهم البريئة، ويحرمون من عيش حياتهم بصورةٍ كريمة، ولكن هذه الانتهاكات جميعاً تحصل بموافقة غالبية، إن لم نقل جميع أفراد المجتمع ومؤسساته وتنظيماته الاجتماعية!!! فلماذا لا تثير مثل هذه المظاهر السلبية ردود فعل معارضة ؟ أليس في هذا بعض المفارقة في مجتمع يعد نفسه الأكثر مراعاةً لحقوق الإنسان بفعل منظومة القيم الدينية الإسلامية الغالبة !!
وللخوض في قضية انتهاك حقوق الطفل في العراق علينا أن نعي أن انتهاكات حقوق الطفل في العراق لها ما يشابهها في وجوهٍ عدة في المجتمعات العربية، نظراً لتشابه المنظومة القيمية والاجتماعية التقليدية، وعليه يصبح المدخل أو المقترب الذي ينبغي مناقشته بصورةٍ علمية هو مدخل (الثقافة الاجتماعية)، وهو الوجه الأول من وجوه القضية.
لكن لقضية انتهاك حقوق الطفل في العراق وجهها الآخر، فالظروف الاستثنائية التي يعيشها العراق ويجسدها بلد يرزح تحت الاحتلال، والظروف الأمنية التي لا نجد ما يماثلها في مختلف بلدان العالم. كما أن التركة الثقيلة للدكتاتورية المتخلفة (التي مثلها نظام صدام حسين)، لازالت تلقي بظلالها على ما يحدث، فنحن نرى بأن الأسس الحقيقية لظاهرة انتهاك حقوق الأطفال في العراق قد نشأت في فترات سابقة، تتمثل أهم هذه الفترات بالحروب الداخلية والخارجية التي شنّها النظام الدكتاتوري السابق في السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وصولاً إلى الحصار الاقتصادي الدولي على العراق الذي لم ينته إلا باحتلال العراق. وفي فترة زمنية قصيرة, تراكمت الأزمات وأصبح العراق يعاني من الأمراض الاجتماعية التي لا سابق لها. مما أدى إلى إحباط أفراد المجتمع في العراق, فلم يعد بإمكانهم أن يروا الأمل بتغيير هذا الواقع.

أولاً : الثقافة الاجتماعية وترسيخ انتهاكات حقوق الطفل في العراق
بالنسبة للباحثين في السوسيولوجيا (علم الاجتماع)، فليس هناك ما هو أكثر أهميةً من فهم بنية المجتمع، إذ أن جميع التغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية إنما تحدث داخل هذه البنية.
وفي مجتمعٍ بطريريكي (أبوي) تقليدي لا يميل كثيراً إلى تبني قيم التحضر والحداثة، يصبح استشراف المستقبل والاستثمار فيه، متجسداً في احترام حقوق الأفراد ولاسيما الأطفال منهم وعدم انتهاكها هو الاستثناء، بمقابل القاعدة التي تتجسد باحترام الماضي وتمثل منظوراته وتبني قيمه والعودة إليه دائماً في مناقشة سبل الواقع الاجتماعي اليومي.
إن الواقع اليومي للجماعات الاجتماعية المختلفة في العراق يؤكد أن النسق السياسي بمختلف مكوناته يعيش تدهوراً خطيراً فيما يخص المنظومة الحقوقية للأفراد. إذ تبقى هذه المنظومة غير فاعلة بسبب من تشبع الثقافة الاجتماعية للمجتمع البطريريكي (الأبوي) المتخلف بقيم (القهر/الخضوع). فالأب (المعلم/ السياسي أو حتى رجل الدين) يستمد آليات سلطة القهر من واقع الثقافة الاجتماعية التراثية (دين وقيم وتقاليد)، بعيداً عن منظومة القيم المتحضرة التي تؤمن وتعزز حرية الفرد وكرامته. لكنه (أي الأب) لا يلبث أن يستغل سلطة القهر هذه ضد العائلة المكونة في العادة ممن يعيلهم هو (المرأة والطفل).
وإذا ما كانت المرأة تخضع لشروط القهر المجتمعية في انتهااك حقوقها بفعل طبيعة نوعها الاجتماعي (الجندر)، فإن الطفل يخضع رغماً لسلطة القهر الأبوية هذه بفعل عامل السنّ (العُمر) ليس غير.
إن المفارقة الحقيقية تتمثل في أن الطفل يمثل الحلقة الأضعف في سلسلة ثقافة القهر والإخضاع ، فالطفل الخاضع بالقوة لقوانين كبار السن الخاضعين بدورهم لمنظومة القيم الثقافية والاجتماعية القامعة للحريات في مجتمعاتنا !!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا كشف التقرير السنوي لمنظمة -مراسلون بلا حدود- عن حرية ال


.. استشهاد الطبيب عدنان البرش إثر التعذيب بعد اعتقاله




.. الأمم المتحدة: الدمار في غزة لم يحدث منذ الحرب العالمية الثا


.. Thailand: How online violence and Pegasus spyware is used to




.. مداخلة القائم بأعمال مدير مكتب إعلام الأونروا في غزة حول تطو